الشخص الذي دخل لم يكن سوى ريكايل.
“ريكايل.”
ناديت اسمه بلا وعي ثم أدركت خطئي. و لحسن الحظ أنني تمتمت به كأنها همهمة، فبدا أنه لم يسمع.
رفعت يدي ألمس وجهي، ثم نظرت إليه.
“هل يُسمح لك أن تتحرك هكذا؟”
فلم أكن وحدي من مرّ بحادث سقوط الثريا.
“أنا بخير.”
قال أنه بخير، لكن ملامحه بدت أكثر إنهاكاً مما كانت عليه في الصباح.
“كذب. لا يمكن أن تكون بخير.”
وبينما رددت بجفاء، اقترب ريكايل في هدوء من السرير.
كنت قلقةً عليه، وفي صدري أسئلةٌ لا تُحصى. لكن ما إن مثل أمامي حتى جفّ لساني.
من أين أبدأ؟ هل أسأله إن كان قد دبّر الأمر ليقضي علي؟
‘توقفي عن التفكير السخيف، لن تحصلي على شيء إن تركت نفسكِ للعاطفة.’
حتى لو كان الأمر كذلك، فلن يعترف به أبداً.
ثم تنفست بعمق، فابتسم ريكايل ابتسامةً رقيقة،
“الأهم الآنسة سوبيل، لابد أنكِ فزعت كثيراً.”
“في الحقيقة…..لا أكاد أتذكر ما حدث بعد ذلك.”
لم يبق في ذاكرتي سوى صرخات الناس ولحظة سقوط الثريا.
ومع ذلك لم يكن المشهد مخيفاً. بل بدا كأنه مشهدٌ من فيلم، وكأن ما جرى لم يقع لي أنا.
الصدمة الحقيقية لم تأتِ في تلك اللحظة، بل حين أفقت بعد ذلك.
“لا تذكرين شيئاً؟”
قال ريكايل ذلك وهو يقطب حاجبيه.
“هل حدثت مضاعفات؟ هل وصف لكِ الطبيب دواءً؟”
“ربما لأني ارتطمت بالأرض برأسي. لكن الطبيب أكد أن لا إصابة ظاهرية، وأن الأمر لا يستحق القلق.”
قلت أنها ليست مشكلة، لكن وجه ريكايل ازداد تعبيره كآبة.
“حتى بلا إصابة، يبدو أن هناك خطباً.”
“السيد ميتيوس طبيبٌ بارع.”
“أأنتِ واثقة أنكِ بخير حقاً؟”
وجدت قلقه مبالغاً فيه، فأجبت بنبرة قوية متعمدة.
“بالطبع. بل ربما يكون هذا أفضل.”
“ماذا تعنين؟”
“على الأقل لن أعاني من عقدة الخوف من أن يسقط شيءٌ فوق رأسي.”
فزفر ريكايل زفرةً قصيرة وهز رأسه.
“هل يفترض بي أن أعتبر هذا مطمئناً؟”
“بل هو مطمئنٌ فعلاً.”
“ولكن، ماذا نفعل؟ يبدو أن تلك الصدمة أصابتكِ حقاً.”
وحين رأيت ملامح ريكايل وقد استرخت، شعرت بدوري بالراحة.
“السيد أغريست، أنتَ حقاً بخير، أليس كذلك؟”
“كما ترين.”
“وكيف أصدق ذلك؟ حتى عندما لدغتكَ الأفعى نهضت تتحرك في الحال.”
تفادى ريكايل الإجابة بابتسامة باهتة، ثم تحدّث،
“على أي حال، سمعت أنكِ أصبت كاحلكِ.”
“نعم، ما دمت لا أتحرك فهو بخير.”
كنت على وشك النهوض عندما دخل ريكايل، فانتهى بي الحال جالسةً بتردد على حافة السرير.
انحنى وجلس، ثم تفحّص كاحلي الملفوف بالضماد.
“أهذا ما تسمينه بخير؟”
“هذا مجرد علاج مبالغ فيه.”
وشعرت بالحرج، فليس من السهل أن يحدّق أحدهم في قدمي.
وحين سحبتها بخفة إلى الخلف، أطلق ريكايل تنهيدة.
“لن يسهل عليكِ المشي لبعض الوقت.”
“لكنها ليست مكسورة، ستشفى سريعاً.”
“إحرصي على أن تأكلي جيداً وتستريحي.”
ثم رفع رأسه لينظر إليّ.
“أنا أتعافى بسرعة، و ربما أركض غداً.”
كان جلوسنا هكذا، وجهاً لوجه، يجعل الجو بيننا غريباً ومربكاً.
‘لماذا أشعر بكل هذا الحرج؟’
ربما لأن كلمات تيرون الأخيرة ووجه كويل الذي رأيته آخر مرة، لا يفارق ذهني.
حسناً، حين يكون الجو ثقيلاً هكذا، الأفضل أن أكسر الصمت.
“السيد ويكوم زارني قبل قليل.”
ألقيت العبارة بلا مبالاة، فأجابني ريكايل بصوت شبيه بصوتي.
“أخشى أنه قد تفوّه بأشياء لا داعي لها.”
“في الواقع…..معظم ما قاله لم يكن ضرورياً.”
“لكنه جاء بدافع القلق فيما يبدو.”
“قلق، هاها.”
ضحكت ضحكةً ساخرة مكشوفة النية ثم أكملت،
“نعم، ثم قال..…”
أنكَ أنت من خططت لكل شيء لتقتلني.
وأنكَ أنقذتني أمام الناس عمداً لتبدو بطلاً عادلاً.
وأن البقاء هنا خطرٌ شديد، لذا عليّ أن أرحل معه.
‘لكن من الأفضل ألا أنطق بمثل هذا.’
“تحدث عن القصر.”
“؟”
“قال أنه مكانٌ موحش، مليء بالقصص الغامضة.”
ولم يظهر على وجهه هذه المرة أي رد فعل.
ومع ذلك، كنت أرغب في الحديث معه أكثر حول الأمر.
“أتذكر؟ حين التقينا أول مرة قلت لي شيئاً شبيهاً.”
“لا أذكر.”
كان وجهه يوحي أنه لا يريد التطرق للموضوع.
لكن…..ماذا أفعل؟ كلما تهرّب، ازداد فضولي في سؤاله.
“يُقال أن هناك سراً لا يعرفه إلا أفراد عائلة أغريست، ما هو؟”
عندها تغيّر بصر ريكايل، وقد كان طوال الوقت بارداً لا مبالياً. لكنه سرعان ما أعاد وجهه إلى حاله، وابتسم ابتسامةً هادئة.
“لا وجود لشيء كهذا.”
“حقاً؟”
“أتصدقين كلام تيرون؟ هو حتى ليس من العائلة.”
“لا أقول أني صدقت، لكن الفضول دفعني للسؤال. فحيث نشأت ثمة مثل يقول: لا دخان بلا نار.”
عندها ثبت عينيه عليّ بحدة. ولم أشأ أن أكون الطرف الأضعف، فبادلت نظره دون أن أحيد.
وبعد لحظة، تلاشت صرامة وجهه ببطء، ثم،
“هناك طريقةٌ واحدة لمعرفة ذلك.”
طريقة؟ إذاً فهناك سرٌ فعلاً.
ارتجفت يداي وأنا أترقب كلماته التالية.
“إن تزوجتِ بي و أصبحتِ من عائلة أغريست…..ستعرفين.”
“أي مزاح سخيف هذا؟”
أدرت رأسي بسرعة، أحاول أن أخفي ارتباكي. فاكتفى ريكايل بابتسامة صغيرة.
“كنت أنوي أن أعلن خطوبتنا بشكل يليق، لكن للأسف فاتني ذلك.”
“لا يهم، فهي ليست خطوبةً حقيقية على أي حال.”
قلت ذلك متجنبةً النظر إليه. فعاد صوته، هذه المرة بنبرة معترضة،
“ولمَ ليست حقيقية؟”
“لأنها خطوبة تمت تحت تهديدكَ، يا سيد أغريست.”
“تهديد؟ هذا جارح.”
“من يسمعكَ يظن أنكَ تعنيها فعلاً.”
“إن أردتِ نبش الماضي، فلدي بدوري الكثير مما يمكنني كشفه.”
ضيّق ريكايل عينيه وهو يقول طلك.
“ماذا؟ أتحاول تهديدي مجدداً؟”
رفعت نبرة صوتي متحدية، غير راغبة في التراجع. فساد بيننا صمتٌ ثقيل لبرهة.
“آنسة سوبيل.”
و كان ريكايل أول من شقّ الصمت.
“لم آتِ لألقي بكلام فارغ.”
“…….”
“أنا آسف.”
نطق بها بصوت مفعم بالجدية.
“كنت أريد فقط أن أقول…..أنني آسف.”
وجدت نفسي أرغب في تصديق صدقه.
فحين ظهر الأفعى السوداء، كان هو من أنقذني من الخطر. ولم يكن هناك جمهور يشهد الأمر كما اليوم.
وأنا أكثر من يعرف أنه لم يكن عرضاً لإظهار البطولة.
<لن نتعدى على حدود بعضنا. هذا شرطنا المشترك. نعم، أريد استعادة ميراث أبي، وأريد ملكية هذا القصر أيضاً، لكنني لم أفكر قط أن ألحق بكِ أذى.>
<…….>
<أم أنكِ تملكين خطةً مشابهة، آنسة سوبيل؟>
<خطة مشابهة، أتقصد….؟>
<كأن أستخدم الأفعى للتخلص مني مثلاً.>
<لا، مستحيل.>
<إذاً ولا أنا.>
قال ذلك بصوتٍ حازم، قوي النبرة.
ورغم أن كل الملابسات كانت تشير إليه، إلا أنني أردت أن أصدق ريكايل.
“لكن، يا سيد أغريست..…”
لم أقصد أن أثق به ثقةً عمياء، فخبرتي في حياتي السابقة كانت مليئةً بالخداع.
صحيحٌ أنها لم تكن على هذا النحو بالذات، لكنني عرفت ما يكفي.
“لماذا سقطت الثريا فجأة برأيكَ؟”
رفعت عينيّ أنظر إليه مباشرة.
“هل وقع حادثٌ مشابه من قبل؟”
و راقبت ملامحه أبحث عن أي تغير، ولو طفيف، لكنني لم أر شيئاً.
“لا.”
أجاب ريكايل بنبرة ثابتة، ثم تابع،
“ولأجل التثبت، سألت القائمين على القصر والسيدة مايل التي خدمته طويلاً.”
“وكان هذا أول حادث من نوعه؟”
أومأ ببطء.
كنت قد أعددت سؤالاً تالياً، لكنني ترددت، فسبقني هو بالكلام،
“قصر أغريست عتيقٌ للغاية، فمن الطبيعي أن يقع فيه مثل هذا أحياناً.”
كما قال، فهذا القصر ظل لآلاف السنين حصناً للعائلة. ولا أحد يعرف على وجه الدقة متى بدأ بناؤه.
وبما أنه قديمٌ إلى هذا الحد، فمن الطبيعي أن يتعطل فيه شيءٌ مهمل بلا صيانة.
“هناك من يتولون العناية به، لكن يبدو أنهم لم يولوا اهتماماً بالثريا المعلقة في السقف.”
“أفهم.”
“لكن بما أن الحادث وقع، وكاد أن يصيبكِ وغيركِ بأذى، فقد أمرت بأن يُعتنى بها عنايةً خاصة من الآن فصاعداً.”
لم يكن يبدو وكأنه يختلق عذراً ليتهرّب. وربما…..أنا من أرادت تصديق كلامه.
“سيد أغريست.”
ناديت باسمه بهدوء، فالتفت إليّ بنظرةٍ ثابتة.
“ألا يُحتمل أن يكون أحدهم قد تعمّد العبث بها؟”
_____________________
اشوا بعدت شكوكها فيه بدري ولا ذا الي جاي يعرض الزواج بدون مقدمات بيقىًلس؟ تـء تـء 🙂↔️
المهم ليت من معط شوشة تيرون عشان بالمره يعلمنا وشفي ذا القصر واضح ريكايل مطول
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 25"