<دوق، هل أخبركَ عن الطفلة؟>
<…….>
<ما تزال صغيرة، لكنها ذكية وطيبة القلب.>
<…….>
<لا تطرح أسئلةً عن وضعها، ولا تبكي كثيرًا. ألا ترغب برؤيتها ولو لمرة؟>
<لا.>
<إذاً، ربما تراها في المرة القادمة.>
<آسف، لكن مجيئي بنفسي إلى هنا سيكون اليوم آخر مرة.>
<هكذا إذاً، بالطبع الأمر صعبٌ عليكَ. أفهم ذلك.>
<سأرسل شخصًا يهتم بها جيدًا حتى لا ينقصها شيء.>
<نعم، كما تأمر.>
وآخر ما تردّد في أذني كان نبرة امرأةٍ رقيقة الصوت.
بدا وكأنني كنت أصغي إلى حوار بين شخصين، لكنني لم أعرف أين كنت بالضبط، ولا من هما. و كل ما أحسست به أنه امتدادٌ للحلم الذي راودني مؤخرًا.
إذاً هذا المكان لا بد أن يكون الدير الذي قضت فيه كلاريتا طفولتها. وتلك السيدة حتمًا هي الأم الرئيسة.
أما تلك الطفلة الذكية عميقة التفكير…..إن كانت هي أنا، فمن يكون الرجل الجالس في الجهة المقابلة؟
“…….”
لكن ما إن فتحت عيني حتى أدركت أن كل شيء لم يكن سوى حلم. و السبب هو الألم الخفيف الذي بدأ من ساقي وصعد تدريجيًا.
“آه.…”
التفتُّ فرأيت ليلي تركض نحوي بعينين متسعتين.
“آنسة سوبيل، هل أفقتِ؟”
وفي اللحظة نفسها شعرت أنني مستلقيةٌ على سرير.
ولم تمنحني ليلي فرصةً لأجيب، بل تمتمت والدموع تلمع في عينيها المرتعشتين،
“آنسة سوبيل، أنا سعيدة لأنكِ بخير.”
لكن تزامن مع ذلك ارتسام مشهد مرعب في ذاكرتي، حين هوَت الثريا الضخمة من سقف القاعة فوق رأسي.
إذاً لقد أغمي عليّ بعد أن أصابتني الثريا؟
“لقد كان الأمر خطيرًا للغاية…..سقط ذلك الشيء الضخم فجأة.”
إلا أن وضعي بدا أفضل بكثير مما يفترض أن يكون عليه من يُصدم بثريا بهذا الحجم.
ساقي وكاحلي يؤلمانني، لكنني أستطيع تحريكهما، ورأسي وذراعاي لم يُصابَا بأذى.
“لا أفهم ما حدث تمامًا، الجميع أصيب بصدمة شديدة.”
وحين استوعبت أنني بخير، انقبض قلبي بفكرة مخيفة.
“ريكايل، أو بالأحرى…..السيد أغريست، ماذا عنه؟”
“إنه بخير أيضًا.”
“…….”
“آه، عقلي ليس معي، هذا ليس وقتًا لإضاعة الكلام. سأستدعي الطبيب حالًا، لا تتحركي.”
قالت ليلي ذلك بارتباك ثم هرعت مسرعة وعادت تصحب السيد ميتيوس.
و ما إن خرجت ليلي حتى دخل ميتيوس حاملًا حقيبة كبيرة. و أكد أكثر مرة أن ما جرى كان حادثاً مروّعاً لا ينجو منه المرء إلا بالحظ.
“أشكركَ جزيل الشكر.”
وأخبرني أن الثريا سقطت بجوارنا، مائلةً قليلًا بحيث لم تصبني أنا وريكايل مباشرة.
“أن ينتهي الأمر بهذا القدر من الضرر فقط…..إنه لطفٌ عظيم.”
قام السيد ميتيوس بتطهير مواضع الخدوش التي سببتها الشظايا وهو يهز رأسه قليلًا.
“لن يترك الأمر أي ندوب، فالمراهم التي أستعملها ذات فعالية عالية للغاية.”
“أشكركَ. لكن…..هل الجميع بخير؟”
كان القلق قد داهمني فجأة، فالحفل كان مكتظًا بالناس. فسألت الطبيب باضطراب، لكنه ابتسم بهدوء وأجاب وهو يهز رأسه.
“نعم، لم يُصب أحدٌ بأذى سوى أنتما الاثنان.”
وأكمل موضحًا أنّ ريكايل قد عانقني وأسقطني أرضًا قبل لحظة من الحادث، فاصطدم رأسه وأغمي عليه، لكنه نجا بحياته.
“هكذا إذاً..…”
نظرت إلى معصمي الملفوف بالضماد، ثم سألت بخفة،
“وماذا عن السيد أغريست؟ لم يُصب بأذى بالغ، أليس كذلك؟”
فأومأ ميتيوس ببطء.
“نعم، حاله مشابهٌ لحالكِ، مجرد كدمات طفيفة. إنّه حقًا لطف من السماء لا تفسير له غير ذلك.”
ارتحت لسماعه، صحيحٌ أنّ ليلي كانت قد طمأنتني، لكن سماع الخبر من فم الطبيب جعل قلبي يهدأ حقًا.
“لكن يا طبيب..…”
وضعت يدي على صدغي وأكملت،
“أفهم ما الذي جرى، غير أنني لا أذكر إلا ما كان قبل الحادث مباشرة. كأن الزمن توقّف فجأة هناك.”
“آه…..”
أجاب ميتيوس بصوتٍ رزين،
“قد يكون الأمر بسبب الصدمة. وربما نتيجة اصطدام الرأس أيضًا.”
“لكنني سأتحسن، أليس كذلك؟”
“هل تشعرين بصداع شديد أو دوار؟”
“لا، ليس كثيرًا.”
“إذاً ستتعافين سريعًا.”
“حسنًا.”
قبل سقوط الثريا بلحظات، كنا نرقص.
في البداية كان كثيرون يشاركوننا الرقص، لكنهم انسحبوا تدريجيًا، وبقيت مع ريكايل وسط القاعة، كأننا فوق مسرحٍ يخصّنا وحدنا.
الموسيقى كانت تنساب رقيقة، لكن قلبي كان مضطربًا، ولم أستطع التركيز على خطواتي بجانبه. فثمة شيء جعل قلبي ينبض بقوة غير عادية.
حينها، وبينما كان ميتيوس يرتب حقيبته الطبية، تحدث فجأة،
“آنسة سوبيل، سواءً بحادثة لدغة الأفعى السوداء قبل مدة…..أو بما جرى الآن.”
ثم تردّد قليلًا وهو يراقبني قبل أن يتابع،
“في الحقيقة، لم أكن أعلم أن سيدي الشاب يملك هذه الدرجة من الإيثار.”
“…….”
“في اللحظات الحرجة لا يملك الجميع الشجاعة ليرموا بأنفسهم لحماية غيرهم.”
لم أعرف أي ملامح ينبغي أن يرسمها وجهي تجاه كلماته. و كل ما استطعت فعله هو تشبيك يدي والإيماء برأسي بهدوء.
“الآن أدركت تمامًا أن كونكِ خطيبةً للسيد الشاب ليس مجرد لقب، وأنه يضعكِ في قلبه بصدق.”
“آه..…”
“أيًّا كان ما يُقال أو ما يتناقله الناس، فأنا أؤمن بكما وأدعمكما.”
“…….”
“فالمهم هو القلب.”
ابتسمتُ بخفة وبقليلٍ من الحرج على كلماته، فتنحنح ميتيوس قليلًا.
“أدرك أنني تجاوزت حدودي بحديثي هذا، أعذريني.”
“لا أبداً، أشكركَ حقًا في كل مرة.”
“هذا واجبي. والآن، استريحي يا آنسة سوبيل.”
وما إن خرج ميتيوس حتى وجدت نفسي وحيدةً في الغرفة الصامتة.
حاولت أن أرفع جسدي قليلًا، فإذا بألم حاد يخترق ساعدي.
وعندما رفعت كم ثوبي، ظهرت كدمةٌ زرقاء داكنة تلطخ جلدي.
“لو لم يجذبكِ السيد الشاب نحوه في تلك اللحظة…..لا أجرؤ حتى على تخيّل ما كان سيحدث بعدها. لقد أنقذ حياتكِ مرتين.”
تنهدت ببطء. ربما لأنني لا أذكر تفاصيل ما جرى مباشرة بعد السقوط، فلم أستطع أن أستوعب كلمات ميتيوس كما هي.
لكن ما استحوذ على أفكاري كان شيئًا آخر تمامًا. ذلك الوجه الذي لمحته للحظة قبل سقوط الثريا، وجه كويل.
‘كان يحدق بنا من فوق الشرفة…..’
لماذا كان هناك؟ ولماذا خبأ نفسه بسرعة عندما التقت نظراتنا؟
كلامه الغامض مع ريكايل في الحفل، ثم ظهوره المفاجئ بتلك الطريقة المريبة…..كل ذلك كان يدفعني إلى فرضيةٍ واحدة.
ومع ذلك، أردت أن أصدّق عكسها.
أردت أن أؤمن أن ابتسامته الدافئة التي أظهرها لي في هذه الحياة لم تكن كذبًا.
لهذا السبب تمسكت بكلمات ميتيوس: أنّ ريكايل يضعني في قلبه بصدق، وأنه لم يكن ليخاطر بحياته من أجلي لولا ذلك.
كانت كلماته مؤثرةً بحق.
لكن إن كان كل هذا مجرد جزء من خطة ريكايل المدبّرة……؟
طرق… طرق.
حينها، دوّى صوتٌ خفيف على الباب.
‘ريكاييل؟’
وقبل أن أنطق، فُتح الباب المغلق ببطء.
غير أن الداخل لم يكن الشخص الذي كنت أتوق لرؤيته.
“ريتا.”
خرج صوتٌ مفعم بالقلق، وكان صاحبه هو تيرون.
حاولت أن أنهض بخفة، لكنه أشار إليّ بيده مانعًا.
“ابقي كما أنتِ، لا تتحركي.”
كان لقاؤه في مثل هذا الموقف يبعث في نفسي ضيقًا غريبًا. و لو أن ليلي أو حتى ميتيوس كانا هنا، لشعرت بطمأنينة أكبر.
“أنا بخير، لقد تكلفتَ عناء المجيء بلا داعٍ.”
أغلق تيرون الباب وراءه بهدوء، ثم ابتسم ابتسامةً صغيرة،
“أي بخير؟ لقد كدتِ تفقدين حياتكِ.”
وبينما عقد لساني العجز، اقترب تيرون بخطواتٍ وادعة نحو السرير، وعلى وجهه ابتسامةٌ مريحة.
“أمازحكِ فقط، هل جرحتُ مشاعركِ؟”
“لا.”
“ريتا، مم حسن الحظ أن الأمر انتهى عند هذا الحد.”
ألقى بنظرة عابرة إلى يدي الملفوفة بالضماد ثم صرف عينيه عنها، متابعًا بصوتٍ متهاون،
“مسكينة…..لو أنكِ أصغيتِ لنصائحي لما كنتِ لتتعرضي لهذه الإصابة.”
لم أرد أن أُظهر أي رد فعل لكلماته. فقد كنت أعلم أنه لا يجيد سوى إطلاق العبارات المستفزة، ولم أرَ جدوى من الانجرار وراءها.
لكن ما قاله للتو كان يصعب تجاهله.
“ماذا تعني بذلك؟”
حاولت أن أتكلم بنبرة هادئة، لكن صوتي خانني.
فابتسم تيرون ببطء، وكأنه يقرأ أفكاري من الداخل،
“لا تقولي أنك ما زلتِ تفكرين بسذاجة حتى الآن.”
فتنهدتُ علنًا وبوضوح، حتى يدرك كم أثقل عليّ حديثه.
وإن استمر في استفزازي أكثر، فلن أتردد في طرده. فأنا مريضة الآن، أليس من حقي ذلك؟
ابتسم تيرون ابتسامةً كسولة قبل أن ينطق بجملةٍ ممتلئة بالغموض،
“ريتا، هل تصدقين حقًا أن صديقي هو من أنقذكِ؟”
______________________
مب بعيده ان كويل متعاون مع تيرون عشان يسوون كل ذاه ولا شقومه يتبوسم وجاي يسوس لها مره ثانيه
وكلاريتا اكيد بيجيها غباء البطلا وتصدق بس يارب ماتطور ترا الروايه 80 فصل بس😭 والتصنيف مافيه سوء فهم اشوا
المهم الدوق كان يعرف كلاريتا وهي صغيره؟ ليه؟ شكله يعرف اهلها
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 23"