كأن أحدهم سكب شمعًا مذابًا فوق رأسي، فلم أستطع أن أتحرك قيد أنملة.
“ريتا، لا أحد يعرف ريكايل بقدر ما أعرفه أنا. قاللطف الذي يُبديه…..شديد الخطورة.”
كان عليّ أن أسخر من كلامه، أو أعتبره هذيانًا، أو على الأقل أمرره بابتسامةٍ باردة، لكن صورة ابتسامة ريكايل التي واجهتني قبل قليل كانت تطاردني، حتى شلّت لساني عن أي رد.
“لن ترغبي في تصديقي، أعلم. لأن ريكايل سيُغريكِ بتلك النبرة العميقة المطمئنة، وسيملأ أذنكِ بالهمسات العذبة.”
“…….”
“لكن ريتا، كل ما يريده هو الزواج منكِ ليستحوذ على القصر والميراث.”
كنت أعلم أن عليّ التماسك، أن أحافظ على ملامح هادئة، لكن حلقي كان يجف على نحو مزعج، وابتلعت ريقي أكثر من مرة.
صحيحٌ أن ريكايل، في القصة الأصلية وفي حيواتي الأربع الماضية، لم يكن يومًا ودودًا معي. وهذه المرة فقط تغيّر، وباتت معاملته مختلفة.
كنت أشعر أن ثمة خللًا، أعرفه في قرارة نفسي، لكنني آثرت التغاضي. لأن لطفه لم يكن سيئًا، ولأنني أقنعت نفسي، ولو بوهمٍ رقيق، أن الأمور ربما تُحل على هذا النحو.
وربما كنت أستند إلى كلمةٍ واحدة خاوية: “ربما.”
“لكن الزواج لا يعني أن كل ممتلكات الزوجة تصبح ملكًا للزوج، أليس كذلك؟”
سألتُه ببرود مصطنع وأنا أحاول السيطرة على ارتباكي. فانفجر تيرون ضاحكًا فجأة.
“سمعتُ أنكِ جئتِ من دير…..لا عجب أن تكوني بهذه السذاجة.”
ثم اقترب خطوةً أخرى مني، حتى بدت الموسيقى الصاخبة من حولنا كأنها انخفضت إلى همهمة بعيدة.
وبصوت منخفضٍ جدًا،
“لكن إن متِّ…..فالوضع يختلف.”
صُدمت إلى حد أن شفتيّ انطبقتا بقوة دون وعي. بينما راقب تعبير وجهي عن كثب، ثم واصل كلامه،
“إذا لم تُكتب وصيّةٌ خاصة، فسيصبح ريكايل الوريث الأول تلقائيًا.”
“…….”
“هذا هو هدفه الحقيقي. في النهاية…..سيتخلص منكِ.”
هززت رأسي ببطء.
فالعبثية بلغت ذروتها، ولم أرغب في سماع المزيد.
“خيالاتكَ مبالغٌ فيها. لعلّكَ من محبّي الروايات البوليسية؟”
كان ثمة أمرٌ يجهله تيرون: أنني الوريثه المزعومة و لستُ خطيبة ريكايل حقًا.
ما بيننا ليس إلا رباطًا مفروضًا بالتهديد والمساومة والإغراء. لكنه لا يعرف ذلك، فراح ينسج في ذهنه سيناريو زواج ثم قتل مبكر.
ابتسمتُ بازدراء، فحدّق بي تيرون بعينين ضيقتين.
“صعبٌ عليكِ التصديق، أعلم. الآن كل ما تحلمين به هو زواجٌ سعيد بجواره. لكن ريتا…..لا تتجاهلي كلامي.”
قال ذلك هذه المرة بنبرة جادة تختلف عن سخريته السابقة.
وهنا تساءلتُ في داخلي بارتباك: لماذا؟ ما غايته أصلًا من جرّ قدميّ إلى هذا الحديث؟
“لماذا تقول لي كل هذا؟ ما الذي ستجنيه أنتَ من ورائه؟”
أنا أيضًا خفضت صوتي وتحدثت على نحو يشبهه. فاقترب تيرون مني خطوة واحدة.
“ريتا، هل تريدين أن تعرفي السبب؟”
“…….”
“أنتِ جميلة لدرجة لا تُحتمل، جميلة بحيث لا يملك ريكايل إلا أن يستغلّكِ ثم يتخلّى عنكِ.”
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُلقي فيها تيرون نحوي تلميحات كهذه.
فكلما ضيّق عينيه ضاحكًا، كان يُظهر اهتمامًا مبالغًا فيّ حتى بوجود ريكايل إلى جانبي.
لكن ابتسامته لم تبدُ مقززة بقدر ما بدت الآن.
“أقدر قلقكَ، لكن حتى لو كان المصير هو الموت، فلن أستطيع تغييره.”
ثم راودني شعور جارف برغبة في محو تلك الابتسامة المتعجرفة الواثقة من وجهه.
“أنا من أحبت ريكايل أولًا. لم يكن هو من اقترب مني.”
“ماذا تقولين؟”
“أنا من ألحّ على خطبتنا، وأنا من ترجّيته أن نُسرع في الزواج، كل ذلك كان من جانبي.”
“ريتا…..”
“أتريد أن أخبركَ بمدى عمق مشاعري؟”
إن أظهرتُ ارتباكًا هنا، فقد يركض هذا الثرثار إلى ريكايل ليُخبره بما شاء. و كان عليّ أن أُغامر بخطوة حاسمة.
“حتى الموت لا يعني شيئًا أمام ما أشعر به.”
بدأت عين تيرون ترتجف بخفة.
ولأن ابتسامته الواثقة لم تعد هناك، شعرت بالارتياح وأكملت كلامي بثبات.
“إن أراد ريكايل كل شيء، فليأخذه. لا أريد شيئًا، طالما أنه وحده باقٍ معي.”
“ريتا-”
“فلتكف إذاً عن التدخل في شؤون قلبي.”
صحيحٌ أن كلمات تيرون قد تحمل شيئًا من الحقيقة.
فمن كان في الماضي يسعى لإبعادي ويُقابلني بالعداء، انقلب الآن على نحو يصعب تفسيره.
بل إن افتراض صحة شكوكه يبدو أكثر منطقية. لكن أمام تيرون كان عليّ أن أُخفي مشاعري. فارتباكي الداخلي مسألةٌ أخرى، منفصلة عن ذلك.
فتيرون في هذه الحياة لم يكن شخصًا يُعتمد عليه، ولا لسانه يُؤتمن.
ثم إنني، رغم مواجهتي مع ريكايل، ما زلت أؤمن أن عليّ أن أحميه. فهو أغلى شخص في حياتي.
حين انحنيت قليلًا استعدادًا للانسحاب، تحدّث تيرون،
“جيد، ريتا. سأجعلكِ تواجهين الحقيقة قريبًا.”
تمتم ببطء، ثم استدار وغادر أولًا. فعدت من جديد وحيدة.
ومع الحشود التي تتحرك من حولي، والألحان الغريبة التي تملأ المكان، غدت تلك المحادثة الحادة بيني وبينه مجرد ظلال باهتة.
ثم رفعت رأسي أبحث عن ريكايل. ووجدته منشغلًا باستقبال ضيوف القصر بملامح متعبة.
<سأجعلكِ تواجهين الحقيقة قريبًا.>
كان صوت تيرون يرن في أذني كأنه تعهّد، وكأنّه سيصنع تلك الحقيقة بوسيلة أو بأخرى.
‘لن أخاف. لن أسمح لذلك الأشقر اللعين بأن يتلاعب بي بسهولة.’
ومع ذلك، لم تكن نيتي أن أتجاهل كلماته كليًّا. فتصرفات ريكايل كانت بالفعل مختلفةً عن حياتي السابقة.
حتى إن لم يكن يخطط لاستغلالي ثم قتلي، فالحذر لن يضر.
حسناً، بعد انتهاء الحفل، عليّ أن أسرع إلى الدير.
عندها أخذت الموسيقى التي ملأت القاعة تخفت شيئًا فشيئًا. و هواء المكان تبدّل في لحظة.
فالتفتّ بدوري نحو حيث توجهت أنظار الجميع.
‘لا يمكن..…’
لم يكن هناك حاجةٌ إلى تفسير من تكون.
‘إنها..…’
كانت قد رفعت شعرها الطويل بأناقة، مرتديةً ثوبًا مطرزًا بنقوش فريدة.
امرأةٌ دخلت يتبعها ما لا يقل عن عشرين وصيفة.
و لم يكن من الضروري السؤال عن هويتها، فقد كان واضحًا على الفور.
‘إنها السيدة أغريست.’
والدة ريكايل بالتبني.
بشرتها شاحبة كالعاج، وأنفها المحدّب الحاد، وذقنها المرفوع قليلًا، كل ذلك أظهر طبعها الحاد الصارم.
وأول من أسرع لاستقبالها كان تيرون.
“لابد أن الطريق كان شاقًا، إنه لشرفٌ كبير أن نكون برفقتكِ، سيدتي.”
ثم طبع قبلةً خفيفة على ظاهر يدها وهو يبتسم ابتسامةً عريضة.
“لقد مر وقتٌ طويل.”
و جاء صوتها دافئًا وودودًا.
كان الاثنان متشابهين على نحو غريب. كلاهما بشعر أشقر فاتح، وذقن مدبب، وحتى الهالة المحيطة بهما بدت واحدة.
و بلا وعي وجهت نظري نحو المكان الذي كان فيه ريكايل. وقد بدا أنه لمح أمه أيضًا، إذ بدأ يقترب بخطوات بطيئة.
فارتفع التوتر داخلي مع اقتراب لحظة لقائهما.
‘لن يحدث شيء، أليس كذلك؟’
كان ريكايل يكره أمه.
في طفولته، لم يكن سوى حزن لحرمانه من حبها، لكن مع مرور الزمن تحول ذلك الحزن إلى غضب وحقد متجذّر.
أما أمارنتا، فقد كانت تبغض ريكايل بالقدر ذاته.
لذلك، ومع معرفتي بمدى الكراهية المتبادلة بينهما، شعرت بقلق شديد.
‘لا بأس…..هناك عيونٌ كثيرة تراقب. وريكايل رجلٌ متزن وحكيم.’
وبينما أنا غارقةٌ في توتري، كان ريكايل قد وقف أمام أمه وألقى التحية،
“لم أركِ منذ زمن طويل.”
فابتسمت أمارنتا لابنها ريكايل بالابتسامة نفسها التي أظهرتها قبل قليل لتيرون.
‘لا بد أن ذلك من أجل العيون الكثيرة المترصدة. حسنًا، هذا أفضل على أي حال.’
لم أكد أنهي هذه الفكرة حتى تحدثت،
“نعم…..آخر مرة التقينا فيها كانت في جنازة والدكَ، أليس كذلك؟”
كان صوتها رقيقًا، لكنه يخفي بين طياته شوكةً لاذعة.
فأجابها ريكايل وهو يطبع قبلةً خفيفة على ظاهر يدها،
“بما أننا نعيش في مكانين مختلفين، فمن الطبيعي ألا نلتقي.”
“ومع ذلك، رغم معرفتكَ بمكان أمك، لم تفكر ولو مرةً في زيارتها.”
“يبدو أن صحتكِ ليست على ما يرام، أليس من الأفضل أن نتجنب إقامة جنازةٍ أخرى تباعًا؟”
حتى هذه المرة، ظل ريكايل محتفظًا بابتسامته الأنيقة وهو يرد.
“أنتَ قلقٌ أكثر مما ينبغي.”
“إن كان الأمر كذلك فهذا حسن.”
“ريكايل، فكّر قليلًا…..كيف كان سيشعر والدكَ لو رأى هذا المشهد منكَ الآن؟”
عند كلمات أمه، بردت نظرات ريكايل حتى غدت كقطع من الجليد.
“لا تنسَ أننا نحن الاثنين فقط من تبقى من عائلة أغريست.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 20"