“نعم.”
“غدًا سيُقام حفلٌ ضخم. سيُفتح قصر أغريست، وسيجتمع جميع المدعوين من قبل تيرون.”
ما إن سمعت اسم تيرون حتى تشابكت يداي من شدة التوتر دون أن أشعر.
ماذا……ماذا قلتُ له البارحة؟
<إن كنتَ تعلم أنه وقاحة، فلتصمت.>
<أقسم إن رأيتكَ أمامي من الغد فحسب……سحقًا لك.>
<أيها الأشقر القبيح هناك، قف على يديكَ ولا تتحرك!>
هاها……يبدو أن من الأفضل أن تُقيموا الحفل من دوني.
“لا، عليّ أن أذهب إلى الدير قبل الحفل.”
الخطأ الذي ارتكبته مع تيرون لا يُقارن حتى بما فعلته مع ريكايل.
فمهما كان، ريكايل غلّف الأمر بشيء يشبه الحنان، أما تيرون فبعيدٌ كل البعد عن ذلك.
إن التقينا مجددًا، لا أجرؤ حتى على تخيّل قسوة سخريته وتهجمه علي.
“بسبب ما حدث البارحة؟”
سأل ريكايل، فأطرقت برأسي بخزي، وملامحي شاحبة.
“أظن أنكِ لستِ مضطرةً للقلق.”
ثم قال ذلك بلهجة فاترة.
“كيف لا أقلق؟ لقد أحدثت فوضى عارمة!”
“لكنكِ لم تقولي شيئًا خاطئًا.”
حككت مؤخرة رأسي بخجل، فأضاف ريكايل،
“تيرون هو من بدأ الحديث بوقاحة قبل أن يعرفكِ جيدًا.”
“صحيح، لكن……”
“سواءً أكانت الخطبة سرية أم علنية، فذلك لا يعنيه.”
“هذا مؤكد.”
“وأما كونه أشقرَ قبيحًا……فذاك أيضًا صحيح.”
“بفتت……”
انفجرت ضاحكة، غير قادرة على كتمها.
“أنا ممتنة لتفهمكَ لثمالتي الوقحة، لكن السيد ويكوم……أقصد، الأمير ويكوم، لا أظنه سيغفر بهذه السهولة.”
“بل على العكس، سيتظاهر وكأن شيئًا لم يكن.”
“……؟”
“لأنه إن عاد ليُذكّر بما جرى، فذلك أشد وطأة على كبريائه.”
وبالتفكير في الأمر……بدا كلامه منطقيًا.
“إذاً، كيف أعتذر له؟”
“لا داعي للاعتذار. أليس هذا ما يُشرب الشراب لأجله؟”
قال ذلك وهو يسترخي على كرسيه، بلا مبالاة.
‘لديكَ جانبٌ شرير فعلًا.’
حسنًا……فلنعتبر أن الأمر انتهى هنا.
فابتسمت وقد خفّ عن صدري بعض الثقل، ثم تحدّثت،
“إذاً سأحضر الحفل، وبعده سأتوجه إلى هاينز.”
وما إن خرجت من الغرفة، حتى وجدت الخدم يتحركون بانشغال واضح.
و ذلك الازدحام، وتلك الأجواء المربكة، شعرت أنني مررت بها من قبل.
هل هو بسبب حفل الغد؟ لكن……أن يعم الاضطراب قبل يوم كامل، بدا لي غريبًا.
“ما الأمر اليوم؟”
سألت إحدى الخادمات التي بدت منهمكة.
“هناك أمرٌ عظيم. ضيفٌ بالغ الأهمية سيصل قريبًا.”
“ضيفٌ مهم؟”
في تلك اللحظة، لوّحت السيدة مايل من بعيد بمناداة خادمتها.
“بيري!”
“أعذريني يا آنسة سوبيل، عليّ الذهاب.”
قالت الخادمة ذلك، ثم أسرعت بخطواتها كمن لا يملك دقيقةً فائضة للحديث معي.
نعم……لقد كان الجو هكذا بالضبط قبل مجيء تيرون.
ضيفٌ مهم، إذاً……فهل يكون صديقًا آخر غيره؟
على كل حال، ظننت أن الأمر لا يعنيني كثيرًا. إلى أن وقفت وجهًا لوجه أمام ذلك الضيف المهم.
***
في صباح اليوم التالي، فُتِح قصر أُغريست على مصراعيه.
وظهرت عرباتْ مصطفّة تدخل تباعًا، و خدمٌ تضاعف عددهم عمّا اعتدت رؤيته، و أروقة مزدانة بالزينة، وروائح الطعام الشهية تنتشر في الأجواء.
‘يا لغرابة في هذه الحياة……كم من التجارب الجديدة سأخوض في هذه المرة؟’
لطالما انشغلت بحربي المستمرة مع ريكايل وحده، أما الآن فأحداثٌ لم أتخيلها صارت تتوالى. و ها أنا ذا أشهد بعينيّ أحد تلك الاحتفالات الفخمة.
ومع ذلك، لم تكن لدي نية للبقاء طويلًا. فالظهور المفرط بين الناس لا يجلب خيرًا.
سأحافظ على حضوري بالقدر المناسب، ثم أختفي بهدوء لأتوجه إلى هاينز.
فلا أرغب أن أكون مادةً لألسنة الناس بسبب خطبتي، ولا أن أصطدم مجددًا بتيرون ويكوم.
“واو، ريتا! تبدين مذهلةً اليوم.”
أجل، لقد واجهته بالفعل.
بالأمس، قضيت اليوم كله حبيسة غرفتي بحجة صداع الثمالة، فلم أصادفه. و كنت أظن أن ازدحام الحفل سيجعل من السهل أن أتوارى.
لكن، كما يقولون، العدو دائمًا ما يتراءى لك فوق جسر ضيق.
“شكرًا لك.”
أجبت باختصار، محاوِلةً الانصراف، غير أن صوته أوقفني ثانية.
“سمعت أنكِ لم تكوني بخير، هل تعافيتِ الآن؟”
“نعم، بخير.”
كان ريكايل قد قال إنني لست مضطرة للقلق، لكن الآن، وأنا أمام تيرون، لا يمكنني التظاهر باللامبالاة.
لو أنني فقدت الوعي كليًا لكان أهون……لكنني أتذكر جيدًا كل كلمة تفوهت بها.
“أنا آسفة……لقد ارتكبت خطأً فادحًا.”
خفضت صوتي قدر استطاعتي، وقلت تلك الكلمات بحذر. فإذا بتيرون يبتسم في هدوء، ابتسامةً واسعة.
“حقًا؟ غريب، فأنا لا أذكر شيئًا.”
رفعت عيني إليه مترددة، فرأيته يبتسم مظهرًا صفوف أسنانه البيضاء المتناسقة.
آه……هذا بالضبط وجه رجل يتذكر كل شيء.
“أعتذر مجددًا……وأشكركَ لأنك قابلت الأمر بسعة صدر.”
“أوه، ريتا……صدقيني، لا أذكر شيئًا.”
لكن عينيه كانتا صافيتين، لا تضحكان مع ابتسامته، وكأنهما تصرخان: “أتذكر كل كلمة قلتها.”
“وعلى كل حال…..يبدو أن يوم الأمس قد شهد بعض الفوضى.”
قال تيرون ذلك وهو يغيّر الموضوع، وكأنه لا يريد الاستكمال في الحديث السابق.
“الأمس؟”
“لكن من وجهة نظركِ ربما لم تكن فوضى…..بل تهنئة؟”
بمجرد أن ذكر كلمة تهنئة، أدركت فورًا ما الذي يلمّح
إليه. فابتسمت ابتسامةً باهتة، بينما تابع هو،
“إذاً لم تعودي تنوين الإخفاء.”
“نعم…..جرت الأمور على هذا النحو.”
“مع أنكِ كنتِ تقولين أن لديكِ سببًا لإبقائه سرًا.”
“صحيح…..كان الأمر كذلك.”
“وكنتِ تتحدثين عن سرّ، هل انكشف أخيرًا؟”
يا إلهي، بحق…..هل كنتَ تتخفى في حياتي السابقة لتطارِدني بهذا الشكل أيضًا؟
كان عليّ أن أعمل بنصيحة ريكايل…..و لو أنني اكتفيت بالتحية وغادرت، لما علقتُ في هذا الحوار.
“لقد اتبعتُ قرار السيد أغريست فحسب.”
“آه، هكذا إذاً…؟”
أطال الكلمة، وأخذ يومئ برأسه ببطء.
ثم فجأة اقترب مني خطوة، وما إن هممت بالتراجع حتى انحنى قليلًا، وهمس في أذني،
“لكن…..ما العمل؟”
“…….”
“إياكِ أن تثقي بريكايل كثيرًا.”
ثم اعتدل في وقفته، لينظر إليّ من الأعلا.
فتجمد وجهي من الدهشة، غير قادرة على إخفاء ارتباكي.
“ما…..ما الذي تعنيه؟”
“ريتا، أنتِ إنسانةٌ طيبة. أنا أعلم ذلك، وهو أيضًا يعلم ذلك جيدًا.”
“…….”
“أنتِ جميلةٌ وطيبة، لكنك لستِ المرأة التي يريدها ريكايل. ولهذا ظللت أفكر طويلًا، ما الذي يدفعه للتصرف بهذا الشكل الغريب.”
كنت أعي في داخلي أن عليّ ألا أستمع إليه…..ومع ذلك لم أستطع انتزاع بصري عن وجهه.
ففي الحقيقة، أنا أيضًا طالما وجدت الأمر مريبًا. ففي الأصل، كان من المفترض أن يكرهني ريكايل، و أن يلعن وجودي، فأنا من ورثت قصر عائلته وثروتها من بعده.
وقد أظهر نحوي حذرًا وعداءً في البداية.
ثم فجأة تغيّر كل شيء، وانقلبت مواقفه رأسًا على عقب، حتى بلغ الأمر الخطبة والزواج…..فما الذي يحدث؟
أجل، كان ذلك غريبًا، لكنني لم أسمح لنفسي أن أغوص في التفكير أكثر.
وكأنني مسحورة به، انسقت وراءه، وتركت الوقت ينزلق بلا مقاومة. فهل يعقل أن يكون لتيرون حق، وأن لريكايل غايةٌ أخرى خفية؟
كنت أدرك أن الرجل الواقف أمامي لا يصلح للثقة…..ومع ذلك، لم أقوَ على مغادرة مكاني.
“ريتا، فكري قليلًا…..ألا ترين أن الأمر غير منطقي أصلًا؟ فلم تكونا تعرفان بعضكما من قبل.”
“…….”
“أيعقل أنكِ تظنين أن ريكايل كان صادقًا؟”
“ماذا تريد أن تقول بالضبط؟”
حاولت أن أجيبه بأكبر قدر من الهدوء، لكن رجفةً خفيفة تسللت إلى نبرة صوتي ولم أستطع حجبها كليًا.
عندها ابتسم تيرون ابتسامةً مستفزة،
“الآن صرت أعرف كل شيء. أعرف لماذا يريد ريكايل الزواج منكِ.”
ذلك الشيء الذي طالما بدا لي غريبًا، لكنني تجاهلته متعمدة. وربما الآن…..تيرون على وشك أن يكشف لي هذه الحقيقة.
لكنني لم أعد أرغب في سماعها. فحتى لو كانت كلماته صحيحة—
“ريتا؟ هل تسمعينني؟”
كان صوت تيرون هو من مزّق دوامة أفكاري.
“السيد أغريست رجلٌ طيب…..وما فعله معي مجرد لطفٍ لا أكثر.”
كنت أتشبث بأي مخرج يبعدني عن هذا الموقف. فلم أرد أن أكون سببًا في إحراج ريكايل، كما أنني كنت خائفةً حقًا من احتمال أن يكون تيرون يعرف شيئًا خطيرًا.
“ريتا، لقد التقيتُ بالسيد بيتمن البارحة. قال أنكِ وريثة هذه العائلة.”
مرر تيرون أصابعه على شفتيه، ثم ثبت نظره عليّ.
“كل أملاك الدوق أغريست ستؤول إلى اسمكِ، أليس كذلك؟”
“…….”
“ريتا، ألا تفهمين بعد؟”
ثم نطق بكلمات لم ينسجم بريق ابتسامته الجميلة معها مطلقًا،
“ذلك الرجل ينوي استغلالكِ.”
________________________
اجل انت وش؟ كل ذا الي قاعد تسويه عشان وش ياحمار؟
احسه بيقعد يوسوس لها لين يقولها تزوجيني انا
المهم كلاريتا لاتصيرين بزر وتصدقين؟! ريكايل وتعرفينه اما ذاه سوسه محد يبيه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 19"