أدرت رأسي أبحث عن موطئ نظر، فرأيت أسرّةً صغيرة مصطفة في صفوف متتالية.
‘هذا المكان……!’
رغم أنه بدا غريباً عليّ، إلا أنني عرفته على الفور.
الدير……الدير الذي قضت فيه كلاريتا طفولتها.
‘لكن لماذا أنا هنا؟’
كانت الغرفة مظلمة، و الأسرّة مصطفة عن يميني ويساري، وتطفو في الهواء رائحة الأطفال.
لا أحد هنا، والصمت يخيّم حتى كاد يرعبني، فضممت ذراعي إلى صدري بخوف. و تراجعت بخطوات حذرة إلى الوراء، وفجأة—
‘ريكايل؟’
هناك، قرب النافذة، ظهر ظلّ رجل واقف.
كان هو، ريكايل.
‘يا للراحة……لست وحدي إذاً. ما دام ريكايل هنا، فسأطمئن.’
“…….”
حاولت أن أناديه، لكن صوتي لم يخرج. فوضعت يدي على عنقي أتحسس حبالي الصوتية، محاوِلةً أن أستجمع أي بقايا من صوت.
‘ما هذا……لماذا صوتي مبحوحٌ هكذا؟’
وما إن أدركت ذلك حتى شعرت بأن ساقيّ أيضاً لم تعودا تحملاني جيداً. فارتعد قلبي بخوف، فحاولت مجدداً أن أناديه.
“……!”
وفي اللحظة نفسها، استدار ببطء عائداً من النافذة نحوي. لكنه……لم يكن ريكايل.
فالرجل ذو الملامح المهيبة نظر إليّ ببرود، ثم حوّل وجهه جانباً.
“انتظر لحظة.”
آه…..صوتي عاد!
تنفست بارتياح وهممت بالتقدم نحوه، لكن فجأة بدأ الفضاء كله يتشقق، محاولاً ابتلاع الرجل الواقف في الوسط.
“لا!”
غير أن صرختي لم تُجدِ نفعاً، فقد ابتلعته الجدران المظلمة بالكامل.
و اختفى في العتمة، بينما انهرت جالسةً على الأرض.
“ما هذا بحق! ما الذي يحدث؟!”
لم يطل بي الوقت، حتى تحوّلت تلك الظلمة التي ابتلعته نحوي هذه المرة.
“لا، لا…..!”
فصرخت وأنا أنكمش على نفسي—
“هـ….هه…..هااه..…”
كان حلماً. حلماً فحسب.
قلبي كان ينبض بجنون، و كاد يمزق صدري.
‘أي حلم هذا؟!’
مددت يدي إلى وجهي أتحسسه، لأحاول ضبط أنفاسي المتسارعة.
‘كان حلماً حيّاً، كأنني عشت أحداثه للتو.’
وبينما أستعيد وعيي، تذكرت ملامح ذلك الرجل الذي رأيته فيه.
كان يشبه ريكايل إلى حدٍّ كبير…..حتى إنني كدت أظنه هو.
‘هل يمكن أن يكون…..صورة ريكايل في المستقبل؟’
أيمكن أن أكون قد رأيتُ رؤيا؟
راودتني هذه الفكرة للحظة، قبل أن يعود إدراكي تدريجياً.
وعندما رفعت بصري، رأيت سقفاً مألوفاً.
‘مهلاً…..لماذا أنا مستلقية؟’
فقفزت جالسة على السرير، أنظر حولي بحيرة.
‘غريب…..كنت على مائدة العشاء منذ قليل..…’
“آه……”
لكن ما إن أدرت رأسي في ارتباك، حتى انفجر رأسي بألم حاد.
“أوه…..يا إلهي..…”
فأمسكت رأسي أتأوه، ومع الضغط، أخذت شذرات من الذاكرة تتساقط داخلي.
‘نعم…..كنت جالسة إلى تلك المائدة الطويلة…..نتناول العشاء….وكنت أشرب النبيذ..…’
مسحت وجهي المتعب بكفي، ثم فركت رأسي في حيرة.
“هل استعدتِ وعيكِ؟”
“نعم…..أظن ذلك. ريكايل؟”
استدرت نحو مصدر الصوت، فإذا به هو، يجلس متكئاً بكسل على أريكة بجوار السرير.
“ريكايل؟”
ثم طوى الكتاب الذي كان يقرأه، وحدّق بي بحاجبين معقودين.
“على ما يبدو، آنسة سوبيل، حين تفاجئين أو ترتبكين…..لا تملكين سوى مناداتي باسمي.”
فعضضت شفتي بخجل.
“آسفة…..لكن…..ما الذي تفعله هنا؟”
“ماذا؟”
“كيف تدخل غرفة غيركَ من دون إذن؟!”
صحيحٌ أننا كنا نتعامل مع بعضنا ببعض الأريحية، لكن يظل من غير اللائق أن يدخل رجلٌ إلى غرفة امرأة ناضجة ممددة على سريرها من غير استئذان.
‘ما كنت أظنكَ هكذا، لكنك فعلاً تجاوزت الحد.’
شدَدت اللحاف إلى كتفي وأنا أحدّق فيه، فإذا بريكايل يطلق ضحكةً قصيرة ساخرة.
“ماذا؟ غرفة غيري تقولين؟”
‘طبعاً، غرفة غيركَ! هذه غرفتي وليست غرفتك!’
“بالضبط. فلماذا تجلس تقرأ هنا؟ هل تحوّلت غرفتي فجأة إلى مكتبة عامة؟”
“…….”
رغم حدّة لهجتي، ظل صامتاً لا يرد، وذلك الصمت أثار استيائي أكثر من أي كلام.
“كنت أظن أنكَ على الأقل تعرف كيف تحافظ على الحدود……لكن هذا؟ لا، لا يبدو لائقاً إطلاقاً.”
“…….”
“ما هذا الوجه الذي تضعه الآن؟”
كنت أظن أن ريكايل، الذي التقيته في هذه الحياة، مختلفٌ كلياً عن أمثال تيرون. على الأقل لم يكن ذلك الأحمق الأشقر المتعجرف.
و ريكايل هذا لا يشبه الذي عرفته في حياتي السابقة، بل بدا أكثر نُبلاً ورصانة. لم يكن ودوداً، لكنه كان رجلاً مهذباً في جوهره، حتى وإن بدا أحياناً متعاليًا بطباع النبلاء. كنت أراه رجلاً صالحاً.
“ماذا؟ ألا تجد كلامي منطقياً؟”
لم أنهِ عبارتي حتى نهض فجأة من مقعده واقترب من سريري.
“ماذا……ماذا تفعل؟ سألتكَ ماذا تريد!”
رفعت اللحاف حتى غطيت به وجهي تقريباً. ومع ذلك، ظل يقترب بلا كلمة واحدة.
“أحذّركَ……خطوة واحدة أخرى وسأصرخ بأعلى صوتي!”
‘مستحيل……لا يُعقل أنه ينوي الصعود إلى سريري؟!’
لكن ريكايل تابع سيره بهدوء حتى بلغ جانبي، ثم وقف ينظر إليّ بوجه بارد.
فأخرجت عينَي فقط من تحت اللحاف لأحدّق فيه.
“أنا……حين أقول أني سأفعل شيئاً، فأنا أفعله.”
“…….”
“ماذا؟! لا تقل لي أنكَ تفكر فعلاً في الصعود فوق السرير!”
في تلك اللحظة، مدّ يده ببرود.
“يا الهي!”
‘هذا الرجل……هل جنّ تماماً؟! أكان يخفي رغباته طوال الوقت؟! أهذه حقيقته؟! يا إلهي، لقد أسأت الحكم عليه تماماً!’
أغمضت عيني بإحكام، وكمشت رقبتي بين كتفيّ، مستعدةً للأسوأ……لكن لا شيء حدث.
ففتحت عيناً بحذر ومددت رقبتي……و رأيته يسحب بخيط الجرس المعلق بجانب سريري، ثم يعود إلى الأريكة متجاهلاً كل شيء.
“…….”
فارتبكت، ولم أجد ما أفعله سوى السعال الجاف بخجل.
“أ……أعني……لو أردتَ أن تستدعي أحداً، كان بإمكانكَ أن تقول لي وحسب، لا داعي لكل هذا.”
كان رجلاً يتقن الكلام عادة. لكن ريكايل لم يرد على أي من كلماتي.
ثم مضى وقتٌ بدا ثقيلاً تحت وطأة صمته المزعج. ولم يطل الأمر حتى دخلت ليلي حاملةً صينية بين يديها.
“آنسة سوبيل، هل استعدتِ وعيكِ قليلاً الآن؟”
اقتربت مني بوجه يفيض بالقلق، ثم وضعت الصينية فوق الطاولة الصغيرة وتابعت،
“لقد نهوضتِ أسرع مما توقعت. كنت أظن أنك ستظلين نائمةً ليومين كاملين على الأقل.”
“يومين؟!”
“هل جسدكِ بخير؟ إن تناولتِ هذا الدواء ستشعرين بتحسن.”
“…….”
في تلك اللحظة بدأت أجزاءٌ متناثرة من ذاكرتي تعود ببطء.
يا إلهي……لابد أنني أكثرت من شرب النبيذ البارحة.
“هذا سيساعدكِ على التخلص من آثار الكحول.”
وضعت الحبوب في فمي وتبعتها بكوب ماء.
“وجهكِ ما زال شاحباً. أظن أنه من الأفضل استدعاء الطبيب براينر.”
“لا، لا! لست بحاجة يا ليلي، أنا بخير.”
أشرت بيدي بعجلة رافضةً اقتراحها.
“بخير تماماً. وجهي يبدو هكذا فقط لأنني نهضت للتو من النوم.”
“حسناً، لكن إن شعرتِ بأي تعب، ناديني فوراً. الآن ارتاحي أكثر.”
“شكراً لكِ.”
وقبل أن تغادر، أمسكت بذراعها بخفة.
“ليلي……”
“نعم، آنسة سوبيل؟”
فألقيت نظرةً جانبية إلى حيث يجلس ريكايل. و كان ما يزال في مكانه على الأريكة، يتظاهر بالانشغال بكتاب بين يديه، وملامحه جامدة.
‘ما الأمر بحق؟!’
“أخبريني بصراحة……هل ارتكبتُ حماقةً ما؟”
خفضت صوتي قدر استطاعتي، فابتسمت ليلي ابتسامةً غامضة لا تفصح عن شيء.
“لا أعلم.”
‘كاذبة……هذا الوجه لا يقول “لا أعلم”.’
“لم يحدث شيءٌ أليس كذلك؟ أرجوكِ قولي أنه لم يحدث شيء.”
“آسفة يا آنسة سوبيل……لا أستطيع أن أقول شيئاً.”
ثم ألقت نظرةً خاطفة باتجاه ريكايل، و انحنت وهمست لي،
“لكن……السيد الشاب هو من يعرف.”
“…….”
طَق-
وما إن خرجت ليلي، حتى بقيتُ وحدي مع ريكايل داخل الغرفة.
‘أوه، يا إلهي.’
حرّكت عيني فقط جانبًا ونظرت ناحية ريكايل الجالس هناك.
“…….”
حتى إن كانت ليلي لا تعرف، فريكايل يعرف. وهذا بحد ذاته نذير شؤم لا يمكن إنكاره.
‘يا ترى، هل يمكن أنني ثملت وفقدت السيطرة أكثر من اللازم؟’
كان عليّ أن أتوقف عندما حاولت ليلي منعي.
لكن في تلك الأجواء، لو لم يكن هناك حتى كأس نبيذ، لكنت متُّ اختناقًا أو جفافًا.
“سيد……”
ناديت ريكايل بصوتٍ منخفض كالهمس. لكن هذه المرة لم يغلق الكتاب الذي كان يقرأه.
“……سيد أغريست.”
خشيت ألا يسمعني، فرفعت صوتي قليلًا وناديت ريكايل.
“السيد الشاب أغريست.”
هاها، هل حقًا سيتجاهلني هكذا؟
“سيد أغريست الموقر؟”
عندها فقط أدار ريكايل رأسه نحو السرير حيث أجلس.
وكانت تلك اللحظة. فما إن التقت عيناي الزرقاوان بعينيه حتى انطلقت ذكريات ليلة البارحة أمامي كأنها مشهدٌ بانورامي.
__________________________
لحظه في زياده على العيد الي سوته بتيرون؟ 😭
بعدين صدق شقومه متكي في غرفتها؟ حسبتها في غرفته
المهم كوبلهم غريب عجيب 😂
⭕️الفصل الجاي بدايتة محادثات بين السهمين ذول <> ذي ذكريات
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 15"