ابتسمت سِيزنيا وهي تلاحقني بنظرها، ثم تنحنحت قليلاً.
“إذاً لنبدأ بأخذ المقاسات.”
ثم وضعت وسادة الدبابيس على معصمها، ومدّت شريط القياس بين يديها.
“قفي مستقيمة، هكذا……جيد. والآن ارفعي ذراعيكِ جانباً من فضلكِ.”
رفعت ذراعيّ بارتباك كما طلبت. فبدأت تقيس جسدي هنا وهناك بعصا القياس الطويلة.
“يا إلهي، خصركِ نحيلٌ بهذا الشكل.”
“…….”
“وذراعاكِ طويلتان، ومعصماكِ رقيقان للغاية.”
لم أعرف أي رد سيكون مناسباً، فاكتفيت بالتلعثم.
وبعد أن انتهت من قياساتي، سُدلت أمامي أقمشةٌ كثيرة.
“آنسة سوبيل، ما اللون الذي تفضلينه؟”
“آه……كلها جميلة، كلها بلا استثناء.”
“إن كان من الصعب الاختيار، فهل أساعدكِ بالترشيح؟”
“نعم، سأكون شاكرةً لكِ.”
عندها استدارت سِيزنيا فجأة نحو ريكايل،
“سيدي الدوق الصغير أغريست، سؤالٌ واحد فقط. أي لون تفضله حضرتكَ؟”
ماذا؟ إنه فستاني، فلمَ تسألينه هو؟
رمقته بوجه حائر، فأجابني وهو يحدّق بعيني نصف مغمضتين،
“لا لون أفضله تحديداً، لكن إن كان اللون يليق بالآنسة سوبيل فلتصنعوا به كله.”
“يا للعجب، شكراً جزيلاً.”
تهللت ابتسامة سِيزنيا وبدأت تعرض عليّ الأقمشة بحماس.
‘واو، براعتها التجارية لا يُستهان بها.’
“بشرتكِ بيضاء و نقية للغاية، لذا الألوان الزاهية كهذه تناسبكِ تماماً.”
وما لبثت الفتيات الأخريات أن أضفن بحماس،
“حقاً، لم أرَ من قبل فتاةً يليق بها هذا القماش الأخضر بهذا الشكل.”
“إنه رائع الجمال.”
“إذاً……سأختاره.”
“لا، خذي المزيد. ألم تسمعي ما قاله سيدي الشاب؟”
هه، أظنه قالها مازحاً فحسب.
“هيا، جربي أيضاً هذا الأصفر، وهذا الوردي، وأيضاً هذا القرمزي الذي يليق بعينيكِ البنفسجيتين. هل نصنعها كلها؟”
“كلها؟ أليس ذلك كثيراً جداً؟”
حككت عنقي بابتسامة محرجة، فإذا بسِيزنيا تبدو محبطة.
“آنسة سوبيل، من النادر أن يمنحني سيدي الشاب إذناً كهذا، قائلاً اصنعي كل ما يليق بها……”
“حسناً، إذاً……فليكن.”
“آنسة سوبيل، هلّا تلقين نظرةً أيضاً على هذه الأشرطة؟”
وما إن انتهيت من اختيار الأقمشة حتى تقدمت فتاةٌ أخرى وقدمت لي كومةً من الأشرطة الملونة.
“كلها رائعة.”
“إذاً لنصنعها كلها.”
“لـ..…لا، لم أقصد ذلك.”
أشرت بيدي نافية، وإذا بفتاة أخرى تقف قبالتي وتعرض عليّ بعض الزخارف البراقة.
“وأي زينة تحبين أن نثبتها على الفستان؟”
“إن لم يعجبكِ أي من هذه، يمكننا أن نطلب لكِ ما تشائين خصيصاً.”
“آنسة سوبيل، ما رأيكِ بهذا؟”
وبعد وقتٍ ليس بالقليل خرجت من متجر الفساتين بوجهٍ منهك.
كنت أظن أن تفصيل ثوب جديد وارتداؤه أمرٌ يبعث على البهجة، لكنه كان أكثر إرهاقاً مما توقعت.
لوّحت بيدي أهوّن على نفسي، فالتفت ريكايل ناحيتي مبتسماً بخفة عند زاوية فمه.
“هل كان الأمر قاسياً بعض الشيء على راهبة سابقة؟”
نعم، كان مرهقاً بالفعل.
“هل من الصواب أن أفصل كل هذه الفساتين دفعةً واحدة؟”
“ولِمَ لا؟ الزبائن المميزون لهم معاملةٌ مختلفة، وتجربةٌ كهذه مرة واحدة ليست أمراً سيئاً.”
ربما كان محقاً. فقد أعلن ريكايل أمامهم أنني ‘شخص مهم، مهمٌ جداً جداً’، فهبّ كل من في المتجر يكدّون لإرضائي.
“ومع ذلك، بدا الأمر مبالغاً فيه.”
“ألم تقولي أنكِ تودين تذوق حياةٍ مترفة؟”
“وأي حياة مترفة هذه؟”
ضيّقت عينَيّ معترضة، فابتسم ريكايل،
“أتشعرين أنها غير كافية؟ أم ترغبين في نوع آخر؟”
“لا، إطلاقاً. على أي حال، أشكركَ. أردت فقط أن أفرّ من الجو المربك، فإذا بي أثقل عليكَ دون قصد.”
“اعتبريها مكافأة، فقد مثلتِ دوركِ بإتقان لتغطية كذبتي.”
“إذاً، نحن متعادلان، لا دين لأحد منا على الآخر هذه المرة أيضاً.”
قلت ذلك، وهممت بالصعود إلى العربة.
قرقر-
“…….”
يا للحرج، أيعقل أن يصدر صوت معدتي الآن بالذات؟
فابتسمت ابتسامةً متكلفة وأنا أضع يدي على بطني.
“سيدي الشاب أغريست!”
عندها، نادان صوتٌ قادم من بعيد.
“مرحباً.”
وكان القادم هو الطبيب الذي عالج ريكايل منذ فترة قصيرة.
“يا للعجب، يبدو أنكما تمضيان وقتاً ممتعاً معاً.”
و ما إن رآنا حتى ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ ماكرة.
‘لا، لا، الأمر ليس كما تظن!’
رجاءً، كفّ عن التبسم هكذا.
“قلتَ أن الأمر سر، فهل يليق بكما التجول معاً على هذا النحو؟”
الطبيب ماثيوس حدّق فينا بعينيه الضيقتين متنقلاً بيني وبينه.
“…….”
يا لسوء حظي، كيف ألتقي بهذا الثرثار هنا من بين كل الناس؟
نظرت إلى ريكايل بطرف عيني ثم ابتسمت بتوتر.
“هاها……الأمر ليس كما تعتقد.”
لكنه لم يعر كلامي اهتماماً، بل التفت نحو ريكايل.
“يبدو أنكَ تعافيت تماماً.”
“بفضل جهودكَ.”
“حقاً، هذا مدعاةٌ للارتياح. لقد كنت محظوظاً.”
وأخذ الطبيب ماثيوس يتباهى طويلاً بما أنجزه في ذلك اليوم، وكيف أنقذ ريكايل من لدغة الأفعى السوداء السامة، بل وأعلن أنه ينوي كتابة بحث عن ذلك ونشره.
ثم خفض صوته فجأة وسأل بنبرة ثقيلة،
“ولكن……هل عرفت السبب في ظهور الأفعى السوداء؟”
عندما سأله الطبيب، هز ريكايل رأسه ببطءٍ نفياً.
“غريبٌ جداً. تلك الأفاعي لا تعيش إلا في أعماق الجبال أو في المرتفعات العالية، فما الذي جاءت تفعله داخل القصر؟”
كلماته جعلت قلبي يخفق باضطراب.
و بالطبع، لم أكن أنا من جلب الأفعى السوداء. فذلك مستحيل، ولم يخطر لي قط أن أفعل مثل هذا.
لكن لحظة……إن كانت تعيش في أعماق الجبال أو المرتفعات، فهذا يعني أنها لم تزحف بنفسها حتى هنا.
وفوق ذلك، لا أظن أن مجرد هزّات بسيطة بأوراق نبات “فيفينا” كانت كافيةً لجذبها من هناك إلى قصر يسكنه البشر.
هل تمتلك الأفاعي حاسة شم خارقة إلى هذا الحد؟
وبينما أنا غارقة في هذه الأفكار، أكمل الطبيب،
“أقولها بتحفظ، لكن لا أستطيع منع نفسي من الظن أن أحداً ما أدخل الأفعى السوداء عمداً إلى القصر.”
و على الفور، التفتُّ إلى ريكايل أتفحص ملامحه.
لقد دافع عني أمام السيدة مايل، ولكن……أيمكن أنه يساوره الآن نفس الشك؟
“هذا شأنٌ داخلي يخص قصر أغريست، ولا أريدكَ أن تتدخل فيه أكثر.”
“آه……نعم، فهمت.”
كانت جملةً بسيطة، لكنني شعرت على نحو غامض أن ريكايل منزعجٌ جداً من هذا الحديث.
“أعتذر، لقد تجاوزت حدودي. على كلٍّ، أتمنى لكما وقتاً طيباً……”
حاول الطبيب كسر حدة الموقف بابتسامة محرجة، غير أن ريكايل رد عليه ببرود قاطع،
“قلتَ أنكَ صاحب لسان ثقيل، فليكن لسانكَ ثقيلاً وأغلق فمك، وواصل طريقكَ.”
“حـ..…حاضر، سيدي الشاب. إذاً، أستأذن.”
وما إن ابتعد حتى شعرت أن جوعي قد اختفى تماماً.
كنت قبل لحظات فقط أكاد أموت جوعاً، أما الآن فقد بدت قواي وكأنها استنزفت.
ثم التفت إليّ ريكايل،
“أظنه لن يصمد طويلاً.”
“ماذا؟”
وأشار برأسه نحو ظهر الطبيب الذي كان يمشي مبتعداً، مظهراً شيئاً من الابتهاج.
“لا، أنا أريد أن أثق به. لقد قال بنفسه أن لسانه ثقيل، ثم إنه رجلٌ ذو مكانة اجتماعية معتبرة، فهل يُعقل أن ينثر الكلام هنا وهناك بتلك السهولة؟”
“لقد التقيتِ به مرتين، كان يكفي ذلك لتعرفي طبيعته.”
“…….”
نظرت إليه بوجه متجهم قليلاً وسألته،
“وإن بدأ فعلاً ينشر الأحاديث هنا وهناك……ماذا سنفعل؟”
“ما رأيكِ أن نعلن في الحفل القادم أننا مخطوبان؟”
“لا تقل الهراء.”
قلت ذلك وأنا أهز رأسي بحزم.
هل تريد الموت فعلاً؟ أقول لكَ أن السبيل للنجاة هو الخروج من قصر أغريست!
“لا تنسَ، نحن في حالة حرب.”
تجاهلت ملامح ريكايل التي غشّاها قليلٌ من الكآبة، وسارعت بتغيير الموضوع.
“على كل حال……هل تظن أنتَ أيضاً أن أحدهم هو من أطلق الأفعى السوداء داخل القصر؟”
لم يُجب ريكايل فوراً. و لم يكن يبدو غارقاً في التفكير، ومع ذلك ساورني شعورٌ غريب……شعورٌ بأنه يعرف شيئاً ما.
“من يدري.”
كانت إجابته الملتبسة كفيلةً بأن تعزز شكوكي.
“أنا لست الفاعلة.”
“أعلم ذلك.”
“لكن ما دمت لا تعرف بيقين من الذي أطلقها، فلماذا تثق أنني بريئة؟”
“لأكون واضحاً……”
أدار ريكايل رأسه وانحنى حتى صار على مستوى عينيّ. ففوجئت للحظة بهذا التصرف المفاجئ.
ثم اقترب مني أكثر وهمس،
“لستِ أنتِ، آنسة سوبيل.”
فاحمرّ وجهي خجلاً. و أصابتني دهشةٌ خفيفة، فتحدثت بعناد مفتعل،
“ولو كنتُ أنا؟”
“حينها ستكونين امرأةً خطيرة، وعليّ أن أبقى إلى جواركِ أكثر.”
“…….”
“فالأعداء دائماً يجب أن يبقوا قريبين.”
ثم مدّ يده وربت برفق على رأسي قبل أن يستدير مبتعداً.
ما هذا؟ ما الذي فعله للتو؟
____________________________
ياناااااسو يقعد معها عشانها عدوته؟ تراك واضح😭
شسمه ليته يجيب طاري انه يتذكر حياة ولاش
ولا يطلعون شافوا بعض وهم بزران؟ مب بعيدة يسوونها
المهم شكل ذا الافعى جاية من القصر😃
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 13"