في الحقيقة لم تكن سوى ابتسامةٍ جافة، لكن ريكايل بدا وكأنه تلقّاها بشكل مختلف.
“لمجرد التفكير به تضحكين هكذا؟”
“لا، الأمر ليس كذلك.”
أجبت وأنا أهزّ رأسي.
“لم نخرج لنتنزه معًا، كنت وحدي وصادفته صدفةً فحسب.”
“…….”
“أنا جادّة.”
لكن، لماذا أبرّر لنفسي أصلًا؟
ريكايل ليس خطيبي الحقيقي حتى. والآن لسنا أمام أحد كي أستمر بالتمثيل!
“إن لم تصدق فدع الأمر.”
رفعت يديّ مستسلمة، فتنهد ريكايل بعمق،
“خشيت فقط أن يزعجكِ ذاك الرجل.”
تيرون كان فعلًا شخصيةً غريبة.
إنه بطل هذه الرواية. يمتلك جمالًا يخطف الأنفاس، خلفية مثالية، وقدرات كاملة. لكن لماذا أشعر به دومًا وكأنه شرير؟
“نعم، هذا صحيح. لديه موهبةٌ خاصة في إزعاج الآخرين.”
اعترفت بمرارة، فضحك ريكايل بخفة.
“ولِم تصاحب شخصًا كهذا إذاً؟ تقول أنه صديقكَ، بل جاءكَ من بعيد ليزوركَ وأنت مريض، أليس هذا قربًا شديدًا؟”
“صديق.….”
تمتم ريكايل بصوت يكاد لا يسمع، ثم حدّق بي مباشرة.
“في الحقيقة تيرون ليس صديقًا، بل ابن خالتي.”
“ابن خالتكَ؟!”
“ابن شقيقة أمي……الدوقة تيتيانا.”
بالطبع كنت أعلم أن البطل ينتمي لبيت عظيم. أعرف أيضًا أنه من العائلة الإمبراطورية، وأنه سيُثير فضائح ممتعة مع البطلة.
لكن عندها فقط بدأت كلمات تيرون في الحديقة تتضح في ذهني. حين قال أن دوق أغريست كان يعامله كابنٍ له.
و حين تكلّم بغرور كأنه يعرف كل شيء عن ريكايل. وحين قال أن هناك حدودًا لا يمكن تجاوزها بسبب الأصل والنسب……كلها بدت واضحةً الآن.
يا إلهي، كم كان يستخفّ بريكايل لأنه كان مغموراً باللقب الإمبراطوري!
شعرت بغضب مكتوم يتفجّر في صدري. لكنني لم أجرؤ على إظهاره، فاكتفيت بأن شددت على طرف ثوبي بقوة.
“هكذا إذاً……لا عجب.”
همست بخفة و ظننت أن ضوضاء العربة ابتلعت صوتي، لكن ريكايل التقطه وسأل،
“لا عجب ماذا؟”
“عليّ أن أكون أكثر حذرًا من الآن فصاعدًا عند لقائه. كنت أظنه مجرد صديق.”
بالطبع كان هذا كذبًا. فقد كنت أعرف أنه أمير دوقية وصعب المراس، لكن لم أرد الاعتراف.
أوه، هل عليّ من الآن أن أناديه بلقب “الأمير”؟
“لا داعي لذلك. تيرون لا يهتم كثيرًا بتلك الألقاب.”
“…….”
“صحيحٌ أنه يتحدث بفظاظة أحيانًا، لكنه ليس سيئ الطبع في جوهره.”
“هكذا إذاً.”
“لأنه لم يعرف النقص قط، فلا يرى في الدنيا إلا براحة.”
كدت في تلك اللحظة أبوح بكل ما جرى في الحديقة.
‘تماسكي……اصبري.’
لن يجلب لي ذكر ذلك الآن أي فائدة.
لكن……لا أستطيع أن أكتم كل شيء!
“ليس كل من نشأ في رغدٍ بلا نقص يكون فظًّا.”
قلت ذلك فجأة، فالتفت ريكايل إليّ بنظرة جانبية.
“إذاً، قد أساء التصرف معكِ.”
“بدا وكأنه يعيش مفتونًا بنفسه. وبصراحة، أنا أكره هذا النوع من الناس.”
تدفقت كلماتي بسرعة متلاحقة، فما كان منه إلا أن تجمّد لحظة، ثم انفجر بضحكة قصيرة.
“لهذا قررتِ أن تؤدي دور خطيبتي بجدية؟”
“قال أنني أكذب.”
“نعم، هذا يشبه تيرون تمامًا.”
“لكنني لم أرد أن أُوصف بالكاذبة وحسب.”
“مع ذلك، فأنتِ كاذبة بالفعل.”
نبرته كانت ساخرة، لكن الغريب أنني لم أنزعج منها هذه المرة.
“إذاً فليكن……على الأقل أنا بكاذبة وفيّة، أليس كذلك؟”
وفي تلك اللحظة التقت عيناي بعينيه مباشرة.
“لكن قل لي، إلى متى سيستمر هذا الكذب؟”
“من يدري.”
هزّ رأسه بتظاهرٍ بالجهل، لكنني شعرت فورًا أن ذلك أيضًا كذبة.
لقد حسب الأمر بدقة مسبقًا. وإلا لما كان طلب مني هذه المسرحية منذ البداية.
هل الأمر مرتبطٌ بتيرون؟
إن كان تيرون يضمر له خططاً غريبة، فلا شك أن ريكايل كذلك.
لكن إن كان الغرض مجرد استفزازه، ألم يكن أجدر به أن يختار امرأةً أرفع مني شأنًا؟
“سيد أغريست، قل لي الحقيقة. لماذا يجب أن نستمر في هذا الكذب؟ إن عرفت السبب، فسيساعدني ذلك على إتقان الدور.”
“للأسف لا يوجد سبب خاص. فقط……”
“…….”
“لأنني رغبت في ذلك وحسب.”
بدا واضحًا أنه لن يخبرني بالحقيقة. حتى ما سمّاه تيرون “سِرًّا” لن يبوح به على الأرجح.
و ما أعلمه يقينًا أن كليهما يخفي عني شيئًا.
‘ترى ما ذاك السر؟ لو اكتشفته قد أتمكن من طرد ريكايل من القصر……لكن هذا لا يعني أن بوسعي التحالف مع تيرون أيضًا.’
بدأ رأسي يزدحم بالأفكار المعقدة. وما إن عقدت حاجبيّ وظهرت على وجهي لمحة انزعاج، حتى سألني،
“هل تشعرين بألم؟”
“لا.”
“لكن وجهكِ شاحب.”
“لا شيء بي، فقط كنت أفكر لوهلة.”
ابتسمتُ ابتسامةً باهتة ثم أعدت نظري إلى النافذة.
‘لقد أوشكنا على الوصول.’
العربة التي كانت تعدو مسرعة أخذت تخفف سرعتها شيئًا فشيئًا.
“لكن……هل نحن حقًا ذاهبون لشراء فستاني الآن؟”
سألت بتردد، فاكتفى ريكايل بابتسامةٍ غامضة دون رد.
***
يا إلهي، ما هذا كله؟
وجدت نفسي مذهولةً وسط الأقمشة الفاخرة، والدانتيل البديع، وصفوف الفساتين المعروضة.
إذاً هذا هو متجر الفساتين الذي لم أسمع عنه إلا وصفًا!
لقد دخلتُ بالفعل إلى رواية رومانسية خيالية، لكن طوال الوقت لم أرَ ولم أختبر أي جمال أو أناقة— إما أن أستيقظ فأجد فأرًا، أو أتعرض لهجوم أفعى، أو أُختطف، أو أتعثر في حريق وأكاد أموت……لا شيء غير الكوارث المتتالية.
حين مرّت كل تلك اللحظات بذهني شعرت بأن دموعي تكاد تنهمر.
يا للعجب، وأنا الآن هنا……برفقة ريكايل نفسه!
“سيدي الشاب أغريست.”
ما إن خطونا إلى الداخل بحذر، حتى اقتربت منا سيدةٌ رقيقة، وانحنت تحيةً لريكايل.
“إنه لشرفٌ عظيم أن تشرف متجرنا بقدومكَ.”
بادر ريكايل بهدوء، وأوقفني أمامها،
“هذه الآنسة كلاريتا سوبيل. أريدكِ أن تجهزي لها ما يليق بها من فساتين.”
نظرت إليّ المرأة بابتسامة ودودة، لكن عينيها كانت تحسبان شيئًا آخر.
“إن أخبرتموني أكثر عمّن تكون الآنسة سوبيل، سيساعدني ذلك في خدمتها على أكمل وجه، يا سيدي.”
كانت كلماتها مؤدبة، لكن ما تخفيه بدا مغايرًا تمامًا.
لا بدّ أنه لن يجرؤ على تسميتي خطيبته هنا، أليس كذلك؟
نظرت إليه بعيون متسعة، أترقّب جوابه. فإذا به يحدّق إليها بوجه بارد خالٍ من أي دفء.
“إنها……إنسانةٌ في غاية، غاية، غاية الأهمية.”
“آه……”
“لذلك قدّمي أقصى ما لديكِ.”
ثم رماني بنظرة سريعة قبل أن يضيف،
“عامليها كما تعاملينني، بل أفضل.”
“مفهومٌ يا سيدي. فهمت قصدكَ تمامًا.”
ابتسمت المرأة أخيرًا ابتسامةً مشرقة، ولوّحت بيدها فاقتربت بعض الفتيات الصغيرات، وبدت كأنهن مساعدات يعملن في المتجر.
وحين اقتربن، سألت المرأةُ ريكايل مجددًا بتردد،
“كم عدد الفساتين التي تودُّ أن نُعِدّها لها؟”
“بعدد يكفي لأن ترتدي في كل حفلة، حتى لو أقيمت الولائم ليلًا ونهارًا طوال شهر كامل، فستانًا مختلفًا في كل مرة.”
فأشرق وجه المرأة كزهرة دوار الشمس.
“أشكركَ جزيل الشكر يا سيدي.”
“من الآن فصاعدًا، كل الامتنان وكل الأسئلة تُوجَّه إلى الآنسة سوبيل.”
“كما تأمر.”
ثم التفتت إليّ بخطواتٍ رشيقة واقتربت.
“تشرفت بلقائكِ يا آنسة سوبيل. أنا سيزنيا.”
“مرحباً.”
انحنيت حتى خصري محييةً سِيزنيا. فكتمت ضحكةً تكاد تفلت منها ثم أشارت لي بالدخول.
“آنسة سوبيل، بشرتكِ بيضاء كالثلج، وملامحكِ متناسقةٌ جداً، لذا أي فستان سترتدينه سيبدو عليكِ فاتناً.”
“أ..…أشكركِ.”
“وعيناكِ البنفسجيتان أيضاً تبعثان على الغموض.”
ثم اقتربت بخفة وخفضت صوتها.
“بالمناسبة يا آنسة سوبيل.”
“نعم.”
“لست واثقة إن كان من اللائق أن أسألكِ هذا……”
في تلك اللحظة خمّنت ما الذي تنوي سِيزنيا سؤالي عنه. لابد أنها تتساءل عن طبيعة علاقتي بريكايل.
“لا بأس، لا داعي.”
“عفواً؟”
“أقصد، لا بأس إن لم تطرحي السؤال أصلاً.”
ابتسمت لها بأقصى ما أستطيع من لطف. فمن الأفضل أن أقطع الطريق على أي أسئلة محرجة منذ البداية.
أليست محلات الفساتين مكان تجمّع النساء؟ أي، هي بؤرة الشائعات ومصدرها…..!
ولو خرجت كلمةٌ غريبة من هنا فقد تحدث كارثة.
“نعم، فهمت.”
و لحسن الحظ، كانت سِيزنيا امرأةً فطِنة.
___________________________
تيرون ولد خالته؟ حتى هنا خبث القرايب!
المهم ماتوقعت يحاول يندحه لكلاريتا يارب بالغلط
ريكايل يا انه على نياته يا انه مايدري وش يسوي عشان لقب تيرون
وبتقي القصر ليه ماجابت طاريه 🤨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"