5
في الحقيقة، ربما كنتُ أظن أنه خلال الوقت الذي لم يأتِ فيه لرؤيتي، كان يبحث عن طريقةٍ للتخلص مني.
توصلتُ إلى أن ذلك لن يحدث، إذ لا سبب يجعل ما كان عزيزًا على إرنست غوين يفقد قيمته فجأةً لدى دانيال غوين، ومع ذلك….
أنا أعلم. أستطيع الجزم. لا بد أنه ما زال يضعني كما كان يفعل أبوه، في السطر الأول من قائمة المقتنيات.
لن ينخفض ترتيبي، ولن أُمحى من القائمة.
“…….”
سيكون الأمر كذلك. بل يجب أن يكون كذلك.
فأنا بهذا القدر من الجمال. الجميع أحبني، والجميع طمع في جمالي.
كنتُ أحاول أن أرى في سيدي الجديد أباه الذي يشبهه، سيدي السابق، وأستحضر كلمات الميت.
“نيل. هذا الملحق هو قصركِ الملكي.”
إن خرجتُ، إن طُردتُ، فكما قال إرنست غوين.
“إما أن تُسحبي إلى غرفة نوم أحدهم وتُحبسي هناك، أو يُحافظ على هيئتكِ الحالية إلى الأبد. نعم، التحنيط. فثمة من يعتقد أن من لا يعيش، يظل جميلًا إلى الأبد.”
كان هناك عجوزٌ يهمس لي دائمًا بالكلمات ذاتها، بأن هذا القصر هو المكان الأكثر أمانًا لي.
قضى إرنست غوين معظم حياته ثملاً. لا يهم بما كان ثملاً.
كان غارقاً في وحدته الخاصة، أو النوم، أو الشراب، أو الدواء.
و ربما كانت قدرته الوحيده هي امتلاك كل ما يشاء، أو ذائقته الخاصة.
على أي حال، فإن كل ما كان ثملاً به، تلك الأشياء التي لا يمكن تعريفها بشيءٍ واحد، لا تزال موجودةً كما هي في هذا القصر.
وهنا بالذات أسلم أنفاسه الأخيرة.
“…….”
تذكرتُ المكتب الذي كان حتى أيامٍ قليلة مضت ملكًا لإرنست غوين، لكنه الآن المكان الذي يقضي فيه ابنه معظم وقته.
مكتبٌ خشبي ضخمٌ يستقر أمام رفوف الكتب. وأمامه أريكةٌ خضراء داكنة وطاولةٌ منخفضة.
لو فتحتُ ذلك الباب الآن، لكانت أوراق المحامي مبسوطةً فوق الطاولة، وكان دانيال غوين سيجلس في الجهة المقابلة، أو خلف المكتب الثقيل.
ربما كان يمسك بسيجار، أو يقرأ الوثائق، أو يسأل المحامي أو ويسلي عن أمرٍ ما.
قبل أيامٍ قليلة فقط، كان جسد الكونت العجوز البارد ملقى هناك، ومع ذلك، كل شيءٍ يبدو طبيعيًا إلى هذا الحد.
“العالم خطرٌ عليكِ.”
حتى بالنسبة لمن قال تلك الكلمات، إرنست غوين الذي كان يعتز بي، لم يكن هذا القصر مكانًا آمنًا.
سيصف أحدهم تلك الليلة بأنها مجرد مصادفة، سوء حظ عابر، أو ربما كارثةً محتومة.
لكن في الملحق الملقب بخزنة غوين الخضراء، وخلفه، بعد اجتياز الحديقة المتاهية، هناك في الفناء الخلفي.
كان هناك ظلٌّ بشريٌ يحفر الأرض دون أن يحذر مما حوله، عينان عسليتان تلمعان في الظلام ككوكب مريخٍ مشؤوم، تلك اللحظة التي حبستُ فيها أنفاسي كي لا تنعكس صورتي في تلك العينين، ليلةٌ ثقبت كل شيء، حتى الزمن نفسه.
كنت أنتظر تلك اللحظة طوال الوقت.
أو ربما كنت أخافها؟ لا أعلم. كل ما في الأمر أنني مشوشة.
ما أريده، والمستقبل الذي سيأتي، وبداية كل هذا الاضطراب هو سيدي الجديد.
ذلك الابن الذي يشبه أباه، شخصٌ يحبس ما يراه ثمينًا داخل هذا القصر، ثم يخشى أن يبهت الضوء أو أن يتآكل الشيء، فيحتفظ به دون أن ينظر إليه.
“…….”
كطفلٍ أحمق يدور أمام صندوق كنزٍ مغلق، يقلق من أن تكون الجوهرة في الداخل قد فسدَت، فيطرق الصندوق بحذر.
كنتُ أتسكع أمام باب غرفتي. و حين وصلتُ إلى هذا الحد من التفكير، هدأتُ أخيرًا.
فسبب كل ذلك واحدٌ لا غير. لأنني بهذا القدر من الجمال.
جمالٌ يكفي لأن أكون في أعلى قائمة المقتنيات، لا يُظهرونني للآخرين بسهولة، يضعونني في الطابق الثاني، ويغدقون عليّ جواهر باهظة.
لذا فإن هذا القلق والتوتر كلهما عبث.
كل ما في الأمر أنني أضطرب بسبب كبرياء دانيال غوين التافه، مجرد ذلك.
لأنه لا يريد الاعتراف بأنه دار أمام باب غرفتي، ولا يريد الإقرار بأنه كان يتوق إليّ إلى ذلك الحد.
كبرياؤه الصغير الحقير هو ما يجعلني قلقةً هكذا.
ولهذا، لم يكن عليّ أن أهتم بأي شيء منذ البداية. فأنا لم أكن يومًا غير جميلة.
من ذا الذي لا يمكنه أن يعتني بي أو يحبني، وأنا بهذا الجمال؟
لا داعي للقلق. فدانيال غوين، في النهاية، ليس إلا من تسلل سرًا إلى غرفة نومي، ثم يتصرف وكأنه لم يقف يومًا ليلًا بعد ليلٍ أمام بابي.
ومع ذلك، لأن في داخلي هذا القلق من تصرفاته التافهة والحقيرة والحمقاء، كنتُ أحاول ألا أضحك بصوتٍ عالٍ أو أصرخ.
وللأسف، لم تكن محاولاتي ناجحةً كثيرًا.
وفي تلك الليلة أيضًا، كما في كل مرة، استلقى الأرق والنوم السطحي معي على السرير، ليحرما نومي.
ربما كان التفكير المفرط هو المشكلة. أو ربما لا.
“…….”
على أي حال، لم يكن من الصعب أن أحصل من إيزابيل على دواءٍ للنوم.
دواءٌ فعّال، ربما كان مهدئًا أو عقارًا مجهول الهوية، لكنه قادرٌ على جلب النوم لأي جسد وفي أي حال.
غير أن ذلك الدواء، الذي كان فعّالًا إلى هذا الحد، أصبح مشكلةً في هذه الليلة بالذات.
أو ربما كان السبب أنني تقلبتُ طويلًا دون نوم، ثم عندما نهضتُ وعدتُ إلى السرير، كنت قد تركتُ النافذة مفتوحةً على مصراعيها.
على أي حال، جاءت الحمى.
حتى خلال الأيام التي عانيت فيها الحمى، لم تختفِ الأصوات ولا وقع الحركة الذي كان يتسلل إلى أذنيّ الباردتين.
وبذلك استطعت أن أتخيل بوضوحٍ ما كان يحدث من حولي.
طرقٌ على الباب من خلفه، وأنا عاجزةٌ عن الإجابة. وكع إدراكهم أنني لا أستجيب مهما طرقوا، فُتح الباب بحذر.
حركات الأيدي التي تمر فوق جسدي برفق، والمنشفة المبللة التي توضع على جبيني. وأشخاصٌ يتحركون بهدوءٍ كي لا يوقظوني.
“….يبدو أن الصدمة كانت كبيرةً عليها.”
سمعتُ صوت الطبيب الخافت الذي يزور القصر أحيانًا. وبجانبه إحساسٌ بوجود شخصين آخرين.
“الكونت الراحل كان على أي حال وصيّ الآنسة….وإن نظرنا إليها من زاوية ما، فقد كان عائلتها الوحيدة، أليس كذلك؟”
حتى برأسي المثقل ووعيي المشوش، سخرت من هذا الكلام.
‘لم يكن عائلةً قط.’
“الصدمة النفسية قد تتحول إلى مرضٍ جسدي. ليس أمرًا نادرًا. وخاصةً أن الآنسة ضعيفة البنية.”
قال الطبيب أن عليّ أن أرتاح كفاية، و وصف عدة أدوية، ثم غادر الغرفة.
بعد أن اختفي وقع الأقدام، وبينما أشعر برغبةٍ عارمة في السخرية، غرقتُ مجددًا في النوم.
كلام الطبيب محض هراء. أنا لم أُصدم. و لم أُجرح، ولم أخف، ولم أقلق.
ذلك الرجل هو ابن إرنست غوين. دانيال غوين الوسيم. وهو أيضًا من ذلك النوع من البشر الذين يفهمون بطريقتهم الخاصة فكرة استهلاك الأشياء الباهظة ذات القيمة العالية من أجل جمالٍ عابر.
“…….”
لذا، قريبًا ستنحسر الفوضى ويهدأ كل شيء.
رجلٌ لا يملك، بخلاف أبيه، إقطاعياتٍ شاسعة، ولا لقبًا لامعًا، ولا حتى مجدًا قديمًا يُذكر.
لا يملك سوى هذا القصر، وتلك المقتنيات التي تلمع فيه بلا جدوى. ورغم ذلك يُحَب لأنه وسيم.
رجلٌ سيطرد كل ما لا يراه جميلًا إلى خارج هذا القصر. وفي الوقت ذاته، سيفعل أي شيء من أجل امتلاك الجمال.
نعم، رجلٌ مستعدٌ لفعل أي شيءٍ في سبيل الجمال.
وأنا جميلة. وهكذا، في النهاية، لن يتغير العالم حولي.
لستُ صمّاء، لذلك أعرف على الأقل ما الذي يهمسون به.
“إليانور الجميلة حد العمى!”
“يقال أن مجنون الجمع من عائلة غوين يسكب عليها الجواهر كما لو كانت تُنثر نثرًا.”
وهكذا، أنا أجمل من الجواهر. فلو لم أكن أجمل من الجواهر، لما منحني الجواهر أصلًا.
لكنني كنتُ دومًا شيئًا ثمينًا يُحتفَظ به، لا شيئًا يُعرض بفخرٍ على الآخرين.
لا على زوجته، ولا على ابنه، ولا على أصدقائه المقربين ولا زملائه.
أتذكر الكلمات التي كان إرنست غوين يهمس بها لي.
“لا تخرجي من الطابق الثاني.”
“لا تغادري غرفتكِ.”
“لا تدعي الآخرين يرونكِ.”
“العالم خطرٌ عليكِ، والناس أشد خطرًا.”
“…….”
وكما كانت إيزابيل تكرر مرارًا، فإن دانيال غوين يشبه أباه. لا بد أن الأمر كذلك معه أيضاً.
سيبقيني في هذه الغرفة.
لن يخرجني.
لن يعرضني.
سيكتفي بالمراقبة، كمن يدور أمام علبة مجوهرات.
وبحسب قولهم، فإنه، رغم ذلك كله، يريدني.
_________________
حلو انها مستوعبه جمالها بس ذاه مب غرور لا ذي شكلها تكره جمالها ☹️
وحضرة دانيال البطل ليه للحين ماجاها؟ يوم شافها وهو يحفر ابتسم لها وفي القصه واضح حبها من يومها طيب تعال كود افكارها المسكينه توقف😭
بس اثاري فيه ناس يدرون عنها بعد؟ لأن من ذا الي يمدحونها؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 5"