2
يبدو أن ابن إرنست غوين استدار وسأل كبير الخدم شيئًا. و بطبيعة الحال، لا يُسمَع شيءٌ من هنا.
“…….”
تحركت يدٌ ترتدي قفازًا جلديًا في الهواء حركةً خفيفة، كأنها تستجيب لإجابة كبير الخدم العائد.
وإذ أراقب ذلك المشهد، أدارتني إيزابيل نحوها.
“آنسة.”
تبدّلت ملابسي المنزلية إلى ما يليق باستقبال الضيوف. لفستانٍ من الكتان الأبيض.
يبدو أنها تظن أن المالك الجديد للقصر سيأتي للقائي.
كدتُ أسأل إن كان المالك الجديد لهذا القصر يحب اللون الأبيض أيضًا، لكني أطبقت فمي. فعلى أي حال، لا يوجد في الخزانة سوى الملابس البيضاء.
أجلستني إيزابيل أمام طاولة الزينة وأمسكت بالمشط.
“كان الابن الأصغر المدلّل. فقد وُلد له عندما كان على مشارف الأربعين.”
وهي تمشّط شعري، واصلت إيزابيل الحديث عن المالك الجديد للقصر.
اسمه دانييل غوين، الابن الثالث لإرنست، والابن الثاني من الذكور، والابن الأصغر الذي كان موضع محبته.
“كان يجلسه على ركبتيه ليقرأ الكتب أو يطالع الوثائق….لم يكن يفارقه طوال اليوم، وربّاه بعنايةٍ شديدة.”
ما الذي يدفع رجلًا لا يتجاوز كونه الابن الثاني، رجلًا لن يرث لقبًا ولا ثروة، إلى القدوم إلى هذا القصر، أغلى ما كان يملكه إرنست، القصر المليء بالمقتنيات؟
هل سلّم الابن الأكبر لإرنست غوين، الكونت الجديد لغوين، هذا القصر إلى نصيب أخيه الأصغر؟ رغم أنه لا يوجد، لا قانونيًا ولا عرفيًا، أي سببٍ يدعوه لذلك.
“في النهاية، هو مجرد الابن الثاني.”
كنتُ أسأل وكأنني لا أعرف سبب منح الكونت الشاب هذا القصر لأخيه الأصغر.
“….ومع ذلك، كان يحبه على نحو خاص لأنه الابن الأكثر شبهًا به.”
تظاهرت بعدم التقاط الحقيقة غير المريحة الكامنة في الجملة، و جلست بهدوءٍ كحمقاء جميلة، أستغرق في تفكير قصير.
في تلك الليلة، تلاقت أعيننا بوضوح. رأيت الابن الذي قتل أباه وأخفى الأدلة، وهو رأى أنا، الشاهدة على ذاته وعلى كل ما لا ينبغي أن يُكتشف.
يُقال أن دانييل غوين يشبه أباه. ومع ذلك، لم يسعَ لإسكاتي أو قتلي. إذًا، لا ينوي طردي ولا قتلي ولا تهديدي. على الأقل، ليس الآن.
السبب يصل إلى نتيجةٍ بسيطة. لأنني جميلة.
وهذه النتيجة تقود إلى أخرى. بما أنه يشبه أباه، فلن أتمكن من مغادرة هذا القصر. فكوني جميلة يرهن حياتي ذاتها.
إيزابيل لم تلاحظ ذلك، أو ربما تتجاهلها، وتتمتم بنبرةٍ خافته.
“الجميع يحبون السيد الشاب، أقصد المالك.”
“…….”
يبدو أن المالك الجديد للقصر جذابٌ حتى في نظر سيدةٍ في منتصف العمر.
وضعتُ قدميّ على المقعد الوثير، و ضممتُ ساقيّ، وأسندتُ خدي إلى ذراعي بينما أستمع إلى إيزابيل.
“مع أنني لا أعرفه جيدًا، لأنه أقام في البيت الرئيسي معظم الوقت قبل أن يبلغ.”
أغمضتُ عيني ثم فتحتهما، و نظرتُ إلى انعكاسي في المرآة.
“لا أظن أن هناك من لا يحبه في هذا العالم. حتى هو نفسه.”
مشطت إيزابيل شعري الأبيض بلا نهاية، كأنها تريد أن تحوّل الجص إلى رخام.
“وفي الواقع، يقول ابني الذي يعمل في البيت الرئيسي أن عددًا لا بأس به من الخدم غيّروا مكان عملهم ليتبعوا المالك.”
“…….”
“سيزداد عدد الناس في هذا القصر أخيرًا.”
استمر حديث إيزابيل طويلًا، وكأنها تريد أن تقول أنني أنا أيضًا سأقع في حب ذلك الرجل الوسيم.
حتى بعد أن انتهت من تمشيط شعري، بقيتُ جالسةً أمام المرآة أنتظر استدعاء المالك الجديد.
الخزنة الخضراء هي القصر الذي حبس فيه الكونت غوين، حتى قبل موته، كل ما جمعه طوال حياته من أشياء جميلة ونفيسة.
وأنا أعرف جيدًا أثمن وأجمل مقتنى في هذا القصر. الهدف الذي صبّ عليه إرنست غوين الجواهر بجنون.
ولذلك، لا بد أنه رآني أول مرةٍ في السطر الأول من قائمة مقتنيات أبيه.
***
ذلك المحامي الذي عيّنه دانييل غوين، جون ريدينغ، لم يخرج من القلعة الخضراء إلا بعد غروب الشمس.
رغم أن المالك الشاب أبدى رغبته في أن يمكث في القصر، إلا أنه توجّه إلى منزل أحد معارفه. ولم يكن ذلك فقط لأن المجاملة أثقلت عليه.
فانطباعه عن هذا القصر، الذي لا يصفه الناس إلا بالجمال، لم يتغير منذ زيارته الأولى وحتى الآن.
‘….يُشعرني بالقشعريرة في كل مرةٍ آتي فيها.’
وهو انطباعٌ لا علاقة له بكثرة العمل الناتجة عن الثروة الهائلة التي خلّفها الكونت العجوز.
وفي الوقت نفسه، يبدو هذا القصر مبالغًا فيه ليورّث للابن الأصغر.
مهما بلغ حب إرنست غوين لابنه الذي يشبهه، ألم يكن من الطبيعي أن يستقر هذا القصر في يد الابن الأكبر، أي الكونت الحالي؟
يُقال أن الإخوة على وفاق، فلا داعي للتعلّق بالأمر الآن. لكن هذا الودّ ليس سببًا كافيًا لتفسير إرثٍ لا يُفهم.
على الأقل، هذا ما يراه جون ريدينغ.
“…….”
يطلق الناس على هذا القصر الريفي، الذي قضى فيه إرنست غوين معظم شيخوخته، اسم “الخزنة الخضراء”.
السبب الأول هو امتلاكه بوابةً خضراء. لذا اكتفى الناس بالنظر إلى تلك البوابة وسمّوا القصر أخضر.
السبب الثاني أن أبوابه لا تُفتح بسهولة. فعدد من يُسمح لهم بالدخول محدودٌ للغاية. لا يدخل إليه سوى الكونت العجوز والخدم الذين خدموه زمنًا طويلًا، ونادرًا ما يخرج منه أحد. كأنه خزنةٌ بالفعل.
ومع ذلك، فإن من دخل القصر مرةً واحدة فقط، أو حتى ألقى نظرةً على حديقته، كان يقول، “إنه عالمٌ آخر حقًا! في كل اتجاهٍ تنظر إليه تجد أشياء جميلةً وباهظة، حتى تشعر بالدوار.”
كروم خضراء تتدلّى على الجدران الخارجية كستائر حريرية، وفناءٌ خلفي دافئ وجميل، ودفيئةٌ تنبت فيها الأزهار والنباتات، وطيورٌ تحطّ بحسب الفصول.
مشهدٌ يليق بوصف منزل سيدةٍ نبيلة. قصرٌ جميل كأنه لوحةٌ مجمّدة.
ولا يُعد مبالغةً القول أن كل من سمع حكاية شخصٍ زار القصر ولو مرة، حلم يومًا بالعيش فيه.
هناك كائناتٌ نادرة ملأت الحديقة والدفيئة، بل وأُدخل بعضها إلى غرف القصر، مخلوقاتٌ غريبة عبرت البحار والقارات.
زهورٌ جميلة، أشجارٌ فريدة. وفي المخازن أو الممرات، أو على الجدران، بل وفي كل غرفة، زينةٌ تخطف الأبصار، ومقتنياتٌ فاخرة تكاد تعمي النظر، بل وحتى أعمالٌ فنية أثمن من أن تُعلّق أو تُوضع في غرفةٍ عادية.
قائمة مقتنيات إرنست غوين، الذي صار الآن من الأموات، كانت لا تنتهي، ومليئةً بأشياء عظيمة أو جميلة أو نادرة.
بل إن كثيرًا منها جمع الصفات الثلاث معًا، أشياء فائقة الجمال وشديدة الندرة.
ومن الطبيعي أن تبقى أنظار الناس دائمًا متجهةً إلى داخل ذلك القصر.
“….بل إن هذا الملحق يبدو أقرب إلى قصر ملكٍ حقيقي.”
قيل ذلك على سبيل مزحةٍ خفيفة، عن ملحق كونتٍ واحد، يُشاد به على أنه أروع حتى من مجموعة القصر الملكي التي فقدت مكانتها اليوم.
ألم تكن مثل هذه الأحاديث تتداول أيضًا في الأوساط الاجتماعية؟
“ليتني أُدعى يومًا إلى ملحق الكونت غوين.”
لكن القصر، بقدر ما هو جميل، بقدر ما يبعث على القشعريرة، ولا يمكن أن يكون مكانًا يبعث على الطمأنينة. فهو أشبه بقفص، بل أقرب إلى خزنة. تمامًا كما يوحي لقبه.
“…….”
وأثمن ما فيه، ذاك الذي يُحتفظ به بعنايةٍ داخل القصر ولا يُظهَر بسهولة، ذاك الذي يُخشى حتى لمسه خطأً. الأعظم، والأجمل، والفريد الذي لا مثيل له. كل ذلك كانت تلك المرأة، إليانور كايل.
المرأة التي كانت، كلما قصد إرنست غوين القصر وهو حي، حدّق فيها من غرفة في الطابق الثاني وهو يعبر الحديقة.
مقتنى قضى معظم حياته داخل قصرٍ يشبه الخزنة، ويتصدر قائمة ممتلكات إرنست غوين.
“من تكون الآنسة التي في الطابق الثاني؟”
تذكر جون ريدينغ نظرة إرنست غوين التي اتجهت نحوه حين سأله ذلك السؤال في أيام جهله. تجاهل، وإحساسٌ خفي بالتفوق، وخوفٌ مبهم، ورغبةٌ في الاستعراض.
“لا داعي لأن تشغل بالكَ بها.”
وهو ينظر في عيني الشيخ المجيب، تذكّر جون ريدينغ عددًا من موكليه الذين مرّوا بحياته حتى الآن. أولئك الذين وقف معهم في قاعات المحاكم.
ولذلك، لم يسأل مرةً أخرى. لم يسأل أي أحد. فلم يكن في القصر سوى خادمين عملا فيه طويلًا، وكانا وفيَّين، متقدمين في السن، عنيدين، ويعلم أنهما لن يجيبا عن مثل هذا السؤال.
‘لا، ولأكون أكثر صدقًا، لأنني كنتُ خائفًا.’
________________________
اتوقع لاحظتوا بس اسلبو الكتابه جديد فحتى اسلوب الترجمة بيتغير 😘
اصلاّ كل ذا الروايه غير مره وناسه😂
اليانور ودي يجيبون ماضيها هي شلون صارت من ذا الخزنه ومنهي بنته
عندها اسم ثاني يعني لها عايله الا ان كان بعد ذا العجوز الفاطس مسميها الغريب فيها انها شبه مستسلمه للواقع🥲
المهم دام البطل دلوع ابوه ليه اجل قتله؟🌝
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 2"