⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
قدّم المركيز مانرز انحناءة محرجة، ثم تبع إرشاد كبير التشريفات.
كانت فيفيانا، وقد اغرورقت عيناها، تنظر نحو المركيز مانرز وهو يتجه إلى مقعده.
ورغم أنّ الإمبراطور حذّرها بنظرة، لم تتكلم، لكن ملامحها كانت غارقة في الإحساس بالظلم.
دخل بعدها مركيز راين إلى قاعة المثول.
«……»
كانت فيفيانا هي الأكثر صدمة من ملامح المركيز الباردة الخالية من أيّ دفء.
اتسعت عيناها وهي تنظر مرةً إلى تعبير المركيز الجافّ الذابل، ومرةً إلى أليشيا الجالسة بجانبها.
أليشيا لم تكن خائفة من الحكم.
لقد ارتكبت عنفًا داخل القصر، وكانت تعرف حجم الضجة المترتبة على ذلك.
لكنها الآن واثقة بأنها لن ترمش حتى في وجه الشائعات.
لكن لو كانت تعلم أن والدها سيُستدعى إلى هذا المكان… لما فعلت ما فعلته.
قدّم مركيز راين احترامه للإمبراطور والإمبراطورة من دون أن يُلقي حتى نظرة على أليشيا، ثم جلس بصمت.
أما المركيز مانرز، الجالس بجانبه، فكان يحدّق به بوضوح كما لو أنّ لديه ما يقوله.
لكن مركيز راين ظلّ يحملق أمامه بتعبيرٍ عصيّ على الفهم.
كان الإمبراطور، من مقعده العالي، يبدو غير راضٍ.
أمّا الإمبراطورة فأخذت تمسح القاعة بنظرات هادئة.
كان من المفترض أن يكون الدوق الأكبر تيسن الأكثر انشغالًا بشؤون الدولة، لكنه لم يكن حاضرًا.
وكان مركيز راين عصيّ القراءة، فيما بدا المركيز مانرز متململًا، يريد الدفاع عن ابنته على الفور.
نظرت أليشيا جانبًا نحو والدها غير المتفاعل.
تلاقَت أعينهما لبرهة.
وكأنّه يأمرها بالنظر إلى الأمام، أشار المركيز بإيماءة خفيفة لا يفهمها سواها.
وفي تلك اللحظة انفتحت أبواب القاعة بصخب.
«أليشيا.»
تعالت خطوات ثقيلة أشبه بالركل تخترق سكون المكان.
والذي دخل وهو يلهث… لم يكن سوى رايكهارت.
آه، صحيح… هو موجود هنا أيضًا.
وحين جثا ليلتقي بعينيها من مستوى كرسيها المنخفض، تذكّرت أليشيا شيئًا مهمًا.
كان من الغريب أن يُظهر رايكهارت مشاعر واضحة كهذه.
«أليشيا، هل صحيح أنكِ ضربتِ أحدهم؟»
وقبل أن تفتح فمها، قاطعها رايكهارت بلهفة:
«يا صاحب السمو…»
كان شخصًا لا يتدخل في الضجيج إلا إذا كان الأمر متعلقًا بها.
ترددت أليشيا، غير متأكدة إن كان عليها الاعتذار.
«أليشيا، هل… قتلتِ أحدًا؟»
سأل السؤال بوجه جادّ ونبرة مدمرة.
كان تعبيره ممتلئًا بالقلق… كأن العالم انهار.
بُهِتت أليشيا للحظة.
«لا، لم أفعل.»
تمتمت أليشيا مرتبكة.
قتل؟ أيّ هراء هذا؟
نظرت إليه في حيرة.
تنهّد رايكهارت براحة، قبل أن يرتسم على وجهه تعبير لا يقلّ حيرة.
«لم تفعلي؟ هذا جيد. لقد سمعتُ أنكِ ضربتِ أحدهم، فظننت أنكِ قمتِ بقتله. لا بدّ أنّ الناس أساؤوا الفهم. بما أن الشخص لم يمت، فلا بد أنهم ظنّوا الأمر مزحة.»
قال رايكهارت أغرب كلام ممكن… بوجهٍ جاد تمامًا.
م.م: 🤣🤣🤣🤣
شعرت أليشيا بالذهول.
من بين كلّ ما سمعته منذ وصولها إلى بادن… كان هذا أكثر ما أثار سخريتها.
«صاحب السمو.»
عند نبرة أليشيا المستاءة، عاد تعبيره للجدية.
«إذن لم يمت، لكن هل هو في حالة حرجة؟ أين المصاب؟ وماذا عن الطبيب؟ هل يمكن علاجه؟»
«لا، صاحب السمو.»
تجمّد جوّ القاعة.
كان الدوق الأكبر تيسن الذي يشاع أنّه يسحق رؤوس الناس على الحدود الغربية يتعامل مع خطيبته كما لو كانت قاتلة.
كان معروفًا ببلادته وجفاف مشاعره.
وبسبب أنه هو من يقول هذا… لم يستطع أحد أن يتجاهله.
انتبه لكلامك! أنت تجعلني أبدو كقاتلة! أنا لستُ مثلك!
كانت فيفيانا، التي سمعت الحوار، قد شحبت بشدة.
بدا أنها ستنهار من أيّ لمسة.
«رايكهارت.»
«جلالتكما… أعتذر. لقد صُدمتُ بالخبر حتى نسيت تقديم الاحترام.»
«الضحية بخير. اجلس.»
عندها فقط التفت رايكهارت إلى فيفيانا، ثم تبع كبير التشريفات.
وكان أفراد العائلة الإمبراطورية الحاضرون كشهود، يتلوّنون بالرغبة في معرفة ما الذي كانوا يسمعونه للتو.
رمقت أليشيا خطيبها المغادر بنظرة باردة.
ماذا عن سمعتي؟ سمعتك كانت هكذا دائمًا، لكن أنا لم أكن كذلك! يااااه!
شعرت أليشيا برغبة في البكاء من الظلم.
كلّ ما بذلته للحفاظ على صورة لطيفة… ذهب هباءً.
وكسر الصمت الثقيل صوت الإمبراطورة.
«يا آنسة أليشيا، العنف داخل القصر أمر مؤسف للغاية. لقد سمعت عذركِ الغريب مسبقًا، فلا حاجة لتكراره.»
قالت الإمبراطورة نبرةٍ توحي أن الأمر تافه لدرجة لا تستحق النقاش.
ازدهر وجه فيفيانا فجأة، بعدما كانت شبه منهارة من حوار أليشيا ورايكهارت.
واصلت الإمبراطورة كلامها:
«يا آنسة فيفيانا، إنّ البارونة غوغينز على وشك الولادة. وفي وقتٍ حساس كهذا، هل يليق بأخت محظية أن تقف في مركز الشائعات؟ ألم تفكري أن الأم الحامل يجب تهدئتها؟»
بدأت الإمبراطورة حتى بتوبيخ فيفيانا.
تكدّر وجه المركيز مانرز بتوتر.
«يا صاحبة السمو الإمبراطورة. لقد ظُلمت… الليدي أليشيا شهّرت بي وضربتني. لم أتوقع العنف إطلاقًا.»
قالت فيفيانا بوجه الضحية البريئة.
«يا آنسة فيفيانا. لنبدأ من كلامكِ. وفقًا لتحقيقات وصيفة الإمبراطورة، وكبير التشريفات، ورئيسة سيدات البلاط، فقد شهد كثيرون أنكِ قلتِ إن أليشيا تجاهلتكِ رغم لطفك معها، ثم صفعَتكِ لاحقًا. أين ومتى حدث هذا التجاهل المزعوم؟»
ظل صوت الإمبراطورة لطيفًا.
«هذا الصباح. كنتُ أغادر جناح المحظيات متجهة إلى حديقة إيشتيرن، وكانت الليدي أليشيا قادمة من الاتجاه المعاكس. هناك الكثير من الشهود.»
أجابت فيفيانا بثقة، وكأنها تنتظر الفرصة.
«لقد تحققتُ أيضًا. يقول الجميع إن الليدي فيفيانا والليدي أليشيا مرّتا دون أي حديث أو احتكاك. جميع العاملين في الحديقة أدلوا بنفس الشهادة. بعضهم قال إنه لو حدثت صفعة… لرأوها بالتأكيد.»
«يا صاحبة السمو الإمبراطورة…»
«ومن تقصدين بشهودك يا آنسة فيفيانا؟ أليسن صديقاتك؟ هذا يجعل شهادتهن غير موثوقة. ثم إنهن جميعًا من جماعة زفير التابعة للأميرة جوزيفينا، أليس كذلك؟»
ظل صوت الإمبراطورة ثابتًا وبليغًا.
عندما ذُكر اسم الأميرة جوزيفينا وجماعتها، فرك الإمبراطور جبينه.
فجماعة «زفير» التي كوّنتها الأميرة كان لها نفوذ هائل داخل بادن.
وبصفتها ابنة شقيقته الأولى، كانت تملك تأثيرًا يفوق أغلب النبلاء.
وأعضاؤها يتصرفون بلا رادع.
ورغم أنّ الإمبراطور كان يعرف ذلك… فقد تجاهله طويلاً.
لذا، عندما ذُكر الاسم… حكّ مؤخرة عنقه بلا وعي.
الإمبراطورة، مدركة ذلك، لم تُصدر اتهامًا مباشرًا.
«يا آنسة فيفيانا، هل لديكِ شاهدٌ ثالث لا ينتمي لمجموعتك يثبت ادعاءك؟ أي دلالة جسدية أو أثر إصابة؟»
بأناقة، أطاحت الإمبراطورة بكذبها.
«لقد… لقد ظُلمت…! الليدي أليشيا ضربتني فعلًا! وإن لم تصدّقوا صديقاتي، فلماذا نعدّ العاملين قرب جناح الإمبراطورة محايدين؟ الجميع يعلم أن أليشيا تزور الإمبراطورة يوميًا!»
انهارت فيفيانا بالبكاء.
فردّت الإمبراطورة بوجه صارم:
«التشكيك بالعاملين في القصر هو تشكيك بالقصر الإمبراطوري نفسه.»
«فيفيانا…»
حاول المركيز مانرز كبح ابنته.
كانت كلماتها مليئة ليس فقط بالعداء تجاه أليشيا… بل حتى تجاه الإمبراطورة.
عندها تدخّل الإمبراطور أخيرًا.
الرجل الذي يُشاع عنه أنّه أشبه بملاك… بدا وجهه مشوّهًا بالغضب.
«يا آنسة فيفيانا. إذن، رغم عدم وجود أدلة أو شهود… ما زلتِ تدّعين أنكِ ضحية صفعة من الليدي أليشيا؟ إذن لم يعد هناك سوى خيار واحد.»
«مولاي، أرجوك… إنها فقط… تفتقر للحكمة…»
توتر المركيز مانرز من نبرة الإمبراطور الخطرة.
«قيل سابقا إن ما رآه الناس لم يكن سوى خُمس قوة الليدي أليشيا الحقيقية. إن تحملتِ صفعة بكل قوتها… فسيُثبت كلامك. أليس كذلك؟ إن كانت قد صفعتك بعيدًا عن الأنظار، فلماذا تُمسك نفسها؟»
قال الإمبراطور عبارته لإنهاء هذا النقاش السخيف.
«مولاي…»
رفعت فيفيانا رأسها نحوه وكأنها طُعنت بالخيانة.
«يقولون إنكِ لم تستطيعي الوقوف عشر دقائق بعد خُمس القوة فقط. أتساءل ما سيحدث مع القوة الكاملة… يبدو مثيرًا.»
لوّح الإمبراطور بيده وانفرجت ملامحه بابتسامة مشرقة.
التعليقات لهذا الفصل " 41"