أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
بعد عودتها من الجحيم، تغيّر عالم أليشيا اليومي تمامًا.
غمرتها شهرة مفاجئة، وتدفّقت عليها لطفٌ لا تفسير له.
أغدق الناس عليها مديحًا مبالغًا فيه حدّ الغرابة.
حياة تحت الأضواء جاءت من العدم.
كانت تُرفع بكلمات إطراء لم تفهم معناها، ثم تُطعَن بأخرى حادّة تمزّقها.
«يبدو أنهم لا يحبونكِ، سيدتي.»
أصلحت جوديث بسرعةٍ كل ما أفسدته أليشيا، وأعادت الأساس من جديد.
حتى وهي تتحدث، كانت تطرّز بخفةٍ أسرع من أليشيا، التي لم تكن تضيف سوى لمسات الزخرفة الأخيرة.
كانت يداها الرقيقتان تبدوان ناعمتين، لكنهما تعملان بحذرٍ وسرعةٍ في آنٍ واحد.
انبهرت أليشيا بمهارة يديها، قبل أن تستعيد تركيزها وتحاول مواصلة العمل.
«ولماذا؟»
كان الحديث أثناء أداء عملٍ دقيق أمرًا صعبًا.
كلما نطقت، توقفت يداها؛ وكلما تحرّكت يداها، تعطّلت أفكارها وكلماتها.
«لا أعلم. عليكِ أن تكتشفي السبب بنفسك. لكن لو خمنت، لقلت إنهم لا يحبونكِ فحسب… من دون سبب.»
قالت جوديث وهي تُنهي غرزها الأخيرة.
«ومن تكون؟» سألت أليشيا من جديد.
«أليس واضحًا؟»
«ليس بالنسبة لي.»
«من غير المعتاد أن تكوني بهذا القدر من عدم الاستعداد. آمل أن تتصرّفي بحذر. إنها السيدة فيفيانا فيب مانرز.»
توقفت يد أليشيا عن العمل.
دفعت جوديث جانبًا القطعة التي أنجزتها، وحدّقت بعينٍ متحسّرة إلى القماش المتجعّد في يد سيدتها.
تحت إصرارها الصامت، حرّكت أليشيا يدها مجددًا ببطء.
«فيفيانا مانرز، إذًا.»
عادت أليشيا للتطريز، تعقد حاجبيها وتضمّ شفتيها بشدّة وهي تخيط.
«إنها الابنة الثالثة للماركيز مانرز. الابنة الكبرى، السيدة مود، في الحريم الآن، والثانية ولد. جميعهم من زوجة الماركيز، ويُقال إن الإخوة على علاقةٍ وثيقة جدًا.»
«اكتشفي المزيد عنها.»
«مفهوم… لا، ليس من تلك الجهة يا سيدتي!»
كانت أليشيا قد فقدت الاتجاه أثناء حديثها، وكادت تفسد التطريز.
انتزعت جوديث القماش المتجعّد من يديها القويتين كيدي دبّ.
«هذا حقًا مثير للغضب.»
التزمت جوديث الصمت.
لم يتّضح إن كان غضب أليشيا سببه فشلها في التطريز، أم تلك الشائعات السخيفة التي تؤذيها.
«أظن أنكِ بحلول العام القادم ستتمكنين من تطريز اسمك بنفسك، سيدتي.»
قالت جوديث وهي تصلح المنطقة المتضرّرة برفق.
«ألَم تقولي قبل قليل إن ذلك سيكون هذا الشتاء؟»
«ربما كان زلّ لسان، فالشتاء على الأبواب أصلًا.»
وبحركاتٍ سريعةٍ قليلة، عرضت جوديث التطريز المكتمل أمام أليشيا.
«سأرسل تحذيرًا خفيفًا أولًا.»
«تحذيرًا؟»
«أرسلي باقة من زنابق الكالا إلى السيدة فيفيانا، باسمي.»
كانت زنابق الكالا تُستخدم غالبًا في حفلات الزفاف…
لكنها أيضًا تزيّن النعوش في الجنازات.
زهور ترمز إلى بداية الحياة ونهايتها في آنٍ واحد.
رمزٌ مثاليّ يقول بوضوح: «أعرف من أنتِ.»
«كما تأمرين، سيدتي.»
كان تاريخ عائلة مانرز طويلاً كالقصر الإمبراطوري نفسه.
وحين يتحدث الناس عن أقدم بيوت النبلاء في بادن، يُذكر قصر مانرز مباشرةً بعد القصر الملكي.
كانت عائلة عريقة أنجبت أربعة مستشارين عبر الأجيال.
وفي الآونة الأخيرة، ازدادت مكانتهم أكثر، إذ أنجبت العائلة الطفل الأول للإمبراطور، وهو إنجاز لم تحققه لا الإمبراطورة ولا أي من محظيّاته.
أما الابنة الأخرى من العائلة، فيفيانا، فكانت تعيش في أيامٍ مفعمةٍ بالبهجة.
رغم وجود من يهمسون عنها حسدًا أو حقدًا، لم يكن أحد منهم يشكّل خطرًا حقيقيًا.
ولدت فيفيانا وترعرعت في بادن، المدينة المعروفة بمنافساتها القاسية.
كانت تجاربها مختلفة جذريًا عن أولئك النبلاء الريفيين المتباهين بألقابٍ لا قيمة لها.
«سيدتي.»
نادتها خادمتها، فتوقّفت فيفيانا عن الترهيم وتغيّر تعبير وجهها.
«ما الأمر؟»
تحوّل اللحن المرح في صوتها إلى نغمة سيّدةٍ نبيلةٍ رزينة.
قالت الخادمة وهي تدخل بهدوء:
«وصلت زهور.»
«زهور؟»
تلقّت فيفيانا مؤخرًا من الهدايا ما يكفي لجعلها تسأم منها… لكن الزهور؟ لم تكن تتوقع ذلك.
إرسال الزهور إلى عائلةٍ أنجبت وليّ العهد كان أمرًا تافهًا لا يجرؤ عليه أحد.
«نعم، موجهة إليكِ أنتِ يا سيدتي فيفيانا.»
قدّمت الخادمة باقةً كبيرة تحملها بين ذراعيها.
«زنابق كالا.»
نهضت فيفيانا من طاولة الشاي لتتلقّى الباقة بنفسها.
وربما، بعد دخول مود إلى الحريم، أراد أحدهم التقرّب من العائلة الإمبراطورية عبر الزواج من فيفيانا.
ابتسمت وهي تستلم الباقة، فانحنت الخادمة وغادرت.
«من أرسلها؟ هممم؟»
بين الزهور الكثيفة، كان هناك بطاقة صغيرة.
أسلوب الكتابة فيها قديم لم يُرَ منذ زمن بعيد.
ضحكت بخفة وفتحت البطاقة… ثم تجمّد وجهها.
[من أليشيا راين.]
زنابق بيضاء ناصعة، وأخرى حمراء قانية.
سيقان طويلة وأخرى قصيرة، متناغمة في ترتيبٍ أنيقٍ ومتوازن.
ثَنك!
سقطت الزنابق الجميلة من بين ذراعيها.
وبعد لحظاتٍ قليلة، سُحقت الأزهار تحت قدمٍ غاضبة.
استمرّت الشائعات الكاذبة عن أليشيا بالانتشار.
في البداية، تجاهلتها باعتبارها ثمن الشهرة، لكن المبالغات صارت فاضحة إلى حدٍ لا يُحتمل.
حتى خدم القصر وحاشية البلاط، الذين نادرًا ما يتأثرون بالقيل والقال، بدأوا ينظرون إليها بنظراتٍ مختلفة.
صارت تسمع الهمسات من خلفها كلما مرّت:
«أصحيح أن دوقة المستقبل مغرورة ومتغطرسة؟»
«وجهها بارد، لكنها لم تتصرّف بوقاحة قطّ، أليس كذلك؟»
«ربما تخضع في القصر، لكن من يدري كيف تتصرّف مع النبلاء الذين تراهم أدنى منها؟ الأمر مخيف، لا يمكن الوثوق بالناس.»
كانت أليشيا تتلقى هذا النوع من المعاملة، وتودّ لو تواجه وحشًا في الجحيم بدلًا منها.
كان من العسير احتمال تلك الوجوه الهادئة التي تُلقي نظراتٍ باردة وتهمس ببطءٍ كأنها خناجر.
لو هاجموها مباشرةً لواجهتهم، لكنهم اختاروا المراوغة والتلميح.
كانت عائدة من زيارةٍ لتقديم الاحترام للإمبراطورة، وفي طريقها إلى جناح الحريم، حين رأت مجموعة من السيدات النبيلات قادماتٍ من الجهة المقابلة.
التعليقات لهذا الفصل " 39"