كانت كلماتها تلمّح إلى أن بإمكان أليشيا طلب الخلوة مباشرة دون تلك الإهانة.
ابتسمت أليشيا قائلة: “لو كنت خادمة في قصر الإمبراطورة، لكنتُ تعلّمت على الأقل هذا القدر.”
تمتمت الإمبراطورة بصوت خافت: “ربما…”
ارتسمت مرارة في ملامحها الجميلة.
قالت الإمبراطورة: “شكرًا لأنك جئتِ لتري بعينيكِ حالتي البائسة، تلك التي يسخر منها القصر كلّه من وراء ظهري، آنسة أليشيا. لقد أديتِ واجبكِ، يمكنكِ الآن الذهاب إلى السيدة مود… أو لعلها أصبحت البارونة غوغينز الآن؟”
تغيّر وجهها بألم وقالت: “البارونة غوغينز…”
ثم تابعت بمرارة: “لقد اتخذ الإمبراطور قراره. لا أحد يجرؤ على معارضته. إنها أولى أطفاله.”
ترددت أليشيا، تنظر إلى يدها الرفيعة المنقبضة.
فقالت الإمبراطورة بغضب مكتوم: “إنه أمرٌ مثير للسخرية. زوجات رجل واحد يحملن مراتب مختلفة. كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي، ولهذا رفضتُ عرض وليّ العهد آنذاك. كنت أعلم أنه سيجمع نساء العالم كله في حرمه!”
صرخت وقد امتلأ صوتها بالحنق.
وقفت أليشيا وانحنت أمامها.
لكن إليانور، رغم غضبها، لم تصب جام غضبها على أليشيا.
بل قالت بألمٍ مرتجف: “لقد تبعني لأربع سنوات، ومع ذلك كنت أعلم أن النهاية ستكون هكذا… لي… أنا…”
كانت تتكلم وكأنها بحاجة لأن يسمعها أحد.
وامتلأت عيناها بالدموع.
لكن قبل أن تنفجر بالبكاء، هزّت أليشيا رأسها ببطء وقالت بهدوء: “لا تبكي هنا.”
“ماذا…؟”
نظرت الإمبراطورة إليها بدهشة.
“هل تحدثتِ إلى جلالته بهذا الشأن؟”
“الآنسة أليشيا…”
“جلالتكِ، أنتِ الإمبراطورة. فكّري قليلًا. حتى قبل أن يُكشف أمر البارونة غوغينز، كان جلالته يعتبرك أعزّ الناس عليه.”
“وما أهمية ذلك؟”
“بالضبط، ما أهميته؟ هل سألتِه ذلك بنفسك؟”
هزّت الإمبراطورة رأسها ببطء.
كانت فخورة إلى حدٍّ لا يوصف.
لم تكن تعتزّ بلقبها فحسب، بل بقدراتها.
فهي تتحدث ست لغات بطلاقة، وأصبحت أصغر مغنية أوبرا في فرقتها بموهبتها وحدها.
كان الملوك والنبلاء من أنحاء العالم يتنافسون لاستضافتها في حفلاتهم.
حتى اليوم، يأتي بعض السفراء الأجانب إلى الإمبراطورية فقط لرؤيتها.
وحين اضطر الإمبراطور لجلب جارية بسبب غياب الوريث، عادت الإمبراطورة إلى المسرح بعد اعتزالها، لتُغنّي للنساء الجديدات في القصر.
رغم أنهن جميعًا خصوم في الحب، إلا أنها غنّت لهنّ أغاني الوفاء.
كل ما ترتديه أو تفعله كان يصبح موضة داخل القصر: تسريحتها، فساتينها، أحذيتها، مجوهراتها، مكياجها، أماكن ذهابها، وحتى طعامها.
ولا يزال لقبها حتى اليوم “حورية البحر”.
لكن الحقيقة كما سيقول الناس لاحقًا أنها كانت حورية البحر الشتوية.
بهذا الكبرياء، لم تُظهر إليانور مشاعرها لأحد، حتى للإمبراطور نفسه.
كان كلامها صريحًا إلى حدٍّ خطير، فالجميع في القصر يتعاملون بحذر مع الإمبراطورة منذ خبر حمل السيدة مود.
كانوا يقولون فقط ما تُحب سماعه.
لكن أليشيا كانت الوحيدة التي تحدثت بصراحة.
قالت الإمبراطورة ببرود: “الآنسة أليشيا…”
فقالت أليشيا بنبرة صادقة: “قد أبدو قاسية، وربما أغضبكِ، لكن اسمحي لي. افعلي ما تشائين. إن أردتِ أن تحطّمي كل شيء، فافعلي. وإن رغبتِ أن تُظهري للبارونة غوغينز هيبة الإمبراطورة، فافعلي أيضًا. لكن الجميع سيعرفون أن هذه هي الهزيمة الأولى لإليانور إيشترن.”
ارتجفت شفتا الإمبراطورة وقالت بصوتٍ مبحوح: “وماذا في ذلك!”
تقلّصت كتفاها ثم همدت قليلًا.
تابعت أليشيا بهدوء: “الطفل الملكي سيولد، ولا أحد يستطيع نكران ذلك. الكل يدرك أنكِ كنتِ المفضلة لدى الإمبراطور منذ اعتلائه العرش، ومن الطبيعي أن تتألمي وتغتمي. قد يخدعهم هدوؤكِ، لكن لا أحد يصدّق تمامًا.”
ثم أضافت بصوت حنون: “أعلم أنكِ تعرفين ذلك، لكنكِ لا تريدين أن تظهريه.”
رفعت عينيها إليها وتابعت: “إن كنتِ لا تريدين أن تريه أحدًا، فأظهريه له هو فقط. جلالته يحبكِ. الناس لا يرون الأمور بوضوح حين تكون قلوبهم متورطة. إن لم تُظهري له مدى ألمكِ، فلن يفهم أبدًا.”
كانت أليشيا تتحدث رغم خوفها من أن تُغيّر مجرى القدر نفسه.
فهي تعلم أن الإمبراطورة ستنجب أميرًا لاحقًا، لكن قبل ذلك ستعاني ألمًا شديدًا، وتضعف صحتها حتى تعتزل الحياة العامة.
وربما بتدخلها الآن، كانت تغيّر مصيرًا مكتوبًا لكنها رغم ذلك أرادت أن تخفف ولو بعضًا من معاناة إليانور.
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 36"