أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
«توقّف عن التحديق.» قالت أليشيا بصوت خافت، وهي تعقد حاجبيها.
حاولت أن تبقي وجهها خاليًا من التعبيرات، لكن الاستياء كان واضحًا عليها.
«لم أنظر إليك بنية سيئة.»
كانت نظرات رايكهارت نحو أليشيا مليئة بالفضول. عيناه الكهرمانيتان اللامعتان تابعتا ملامح وجهها العابس بإصرار.
نظرت إليه أليشيا عدّة مرات، مستعدّة للاعتراض، لكنها كانت تصرف بصرها في اللحظة التي تكاد تلتقي فيها عيناهما.
حاولت أن تكبح ما يتسرّب من تعبيرها عدم تصديق، إحباط، خيبة أمل، إحراج، ارتباك، وندم.
أرادت أن تبدو متماسكة… لكن محاولتها باءت بالفشل.
«يا صاحب السمو.» نادته بصوتها الكئيب.
«لم أكن أحاول خداعك أو خرق اتفاقنا، لقد ورد الأمر في الحديث مصادفة… ثم، من الصعب ألّا تنظر عندما يكون الشيء أمام عينيك مباشرة. على أية حال، سأتوقف عن النظر الآن.»
حوّل رايكهارت نظره نحو النافذة. وكانت على وجهه ابتسامة خفيفة، تُخفي وراءها انشغالًا مصطنعًا.
زفرت أليشيا زفرة عميقة. على الأقل، استطاعت أن تجد عزاءً في كونها لم تقل كل ما في نفسها.
رخّت ملامحها الجادة، ومدّت يدها نحو فنجان الشاي الذي تردّدت في أخذه من قبل.
«لكن، رغم ذلك…» قال رايكهارت متظاهرًا بأنه ينظر إلى جهة أخرى، وصوته يخرج بحذر.
«قلتِ إنك لم تحاولي خداعي.»
رنّ صوته خافتًا، لكن فيه حدّة مبطّنة.
«…لم أفعل.»
بدت على رايكهارت رغبة في متابعة الكلام، لكنه تراجع سريعًا.
أغلق فمه، وألقى نظرة جانبية نحو أليشيا وهي ترشف شايها.
«……»
حاولت أليشيا أن تحافظ على هدوئها المصطنع. لكن نظراته الجانبية المتكرّرة جعلت عينيها تزدادان صلابة.
نظر إليها مجددًا، وقال بابتسامة خفيفة: «كنت فقط… أفكّر أنني سأصبح عمًّا قريبًا.»
أشرق وجهه قليلًا وهو يتحدث. لم يكن الطفل طفله هو، ومع ذلك بدا فخورًا وسعيدًا من أجل أخيه غير الشقيق، كما لو كان تابعًا مخلصًا يفرح بوريث سيده.
تدلّ ملامحه الرقيقة على أنه كان يحمل في صدره الكثير من الأسئلة.
ومن كلمات أليشيا السابقة، بدا واضحًا أنه استنتج أن الإمبراطور ربما لديه أكثر من ابن واحد.
لكن من كانت تخدع؟ تنهدت أليشيا باستسلام، وتخلّت عن آدابها، وتمددت على مقعدها في ضجر.
جمعت الوسائد الناعمة عند مسند الذراع الأنيق وصنعت منها وسادة مؤقتة.
وكرّرت في نفسها العهد بأن تكون أكثر حذرًا في اختيار كلماتها مستقبلًا.
كانت العاصمة الإمبراطورية «بادِن» تشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
السماء ملبّدة بالغيوم، تعكس ثِقل الجو الكئيب الخانق. وكان القصر صامتًا على نحوٍ غريب.
استدعى الإمبراطور عددًا محدودًا فقط إلى جلسة حقيقية صغيرة.
وعلى عكس الجلسة الكبرى، كانت الجلسة الصغيرة تضم طاولة يجلس عندها الإمبراطور وضيوفه على مستوى واحد.
وكما يدل اسمها، كانت «الغرفة الأرجوانية» مفروشة بالكامل بدرجات لامعة من البنفسجي.
في داخلها، تردّد الحاضرون في الكلام.
كان الجميع ينتظر أن يكسر أحدهم الصمت.
ساد الصمت الحرج حتى دخل كبير الحجّاب من الباب.
«جلالتكم، دوق تيسن يطلب المثول بين يديكم.»
«ليدخل.»
أجاب الإمبراطور على الفور، وهو يجلس بين الضيوف لا في صدر المجلس، تبدو على وجهه علامات التعب.
تبادل الحاضرون النظرات بسرعة.
كان من بينهم والد الليدي مود، المستشار المركيز مانرز، ومؤيّده المركيز دفاف، ثم الكونت شترال، والكونت كومبات، والفيكونت كوف جميعهم مرتبطون بجواري القصر النافذات.
كما حضر أخوا الإمبراطور: المركيز لينُكس والكونت إستِبنا.
وأخيرًا، دخل الدوق الأكبر رايكهارت من تيسن القاعة.
حين همّ بالانحناء، أشار إليه الإمبراطور بيده قائلاً:
«تفضّل بالجلوس.»
«عذرًا، جلالتكم.»
جلس رايكهارت بعد أن شكر الإمبراطور، وألقى نظرة على ترتيب المقاعد وهو يتنهّد بخفوت.
كان الإمبراطور في صدر الطاولة، وبعد مقعدين منه جلس رايكهارت،.وبجواره أخوَا الإمبراطور لينكس وإستبنا، ثمّ المركيز مانرز ودفاف.
وفي الجهة المقابلة، جلس شترال وكومبات وكوف.
التقط الكونت إستبنا إشارة من لينكس، وقال:
«دوق تيسن، ما رأيُك؟»
في اللحظة نفسها، توجّهت كل الأنظار إلى رايكهارت.
كان يتوقّع هذا، لكنه لم يظن أن يُسأل فور جلوسه.
كان المركيز مانرز والد الحامل المنتظَرة ومعه دفاف، من مؤيّدي إدخالها إلى القصر.
أما المعارضون فكانوا من أتباع الجواري، لكنّهم لم يستطيعوا إعلان رفضهم صراحةً لِحساسية الموقف.
أما إخوة الإمبراطور، فقد كان وضعهم أدقّ، فمن المفترض بهم أن يؤيّدوا إرادته، على الأقل في العلن. غير أن مسألة الوراثة لم تكن بسيطة.
فلو مات الإمبراطور بلا وريث، لربما كان الدور عليهم أو على أبنائهم. حتى مع وجود شكوك حول نسب الطفل، يبقى وجود الوريث أو غيابه فارقًا مصيريًا.
لهذا، لم يُبدِ أحد موقفًا صريحًا، بحجة أن الأمر معقّد للغاية.
وفي حين كانت هذه الجلسة الصغيرة هادئة، كانت أروقة القصر والعاصمة تعجّ بالنقاشات الحامية حول حمل الليدي مود ودخولها القصر.
ارتفعت الأصوات، وتبادل الجميع الاتهامات، وتصاعد التوتّر. وكان لا بد من حسم الأمر.
قال رايكهارت مخاطبًا الكونت إستبنا:
«أخي، هذا أول أبناء جلالته.»
صمت الجميع.
كان الإمبراطور في السابعة والثلاثين من عمره، وقد تعرّض طيلة سنوات لضغوط داخلية وخارجية بسبب عدم وجود وريث.
وكان الجميع يعلم أن دخول الليدي مود إلى القصر مسألة وقت فقط.
لكنّ ما يهم الآن هو من يجرؤ على معارضة إرادة الإمبراطور، وكيف سيواجه الإمبراطور تلك المعارضة.
كان الدوق الأكبر رايكهارت معروفًا بانضباطه الصارم واحترامه الشديد للبروتوكول. فعلى الرغم من كفاءته العالية، كان متشدّدًا في تطبيق القوانين.
ولهذا كان وجوده مصدر قلق وانتظار في آنٍ واحد.
غمر الصمت القاعة.
تقدّم المركيز لينكس ليتكلّم بدلًا من الكونت المتوتّر. حوّل رايكهارت نظره عنه، متجنبًا النظر إلى وجهه مباشرة.
أما أكثر من تفاجأ فكان الإمبراطور نفسه. فهو الذي استدعى أخاه ليكبح الاعتراضات المتوقعة، لكنه كان على يقين بأن رايكهارت سيكون أول المعارضين.
إذ رغم كونه أخاه الأصغر، لم يكن أحد يجهل صرامته.
قال رايكهارت بهدوء موجّهًا حديثه للإمبراطور:
«جلالتكم، أؤيد دخول سيّدتنا الجديدة إلى القصر. فمولد وريثٍ لكم سيكون سببًا في استقرار الإمبراطورية.»
ساد الذهول القاعة. لم يستطع الإمبراطور الرد للحظة.
حاول المركيز مانرز التكلّم، لكن رايكهارت رفع يده قليلًا، قاطعًا إيّاه من غير أن ينظر إليه.
«سمعت أنها في شهرها الثامن. لذلك، بدلاً من الانشغال بالشكليات، أرى أن تدخل القصر بأسرع وقت لتستريح بسلام، ويُباشر فورًا تجهيز ما يلزم للولادة.»
ثم أضاف بصوت عميق حين خيّم الارتياح المؤقت:
«غير أنّه…»
تجمّدت الأنفاس في القاعة.
«غير أنّه، وإن كنتُ سعيدًا حقًا بقدوم وريثٍ لجلالتكم، فلا يمكننا تجاهل أن أول أبناء الإمبراطور حُبل به خارج القصر. فإن كان المولود ذكرًا، يمكن مناقشة مسألة الخلافة لاحقًا. أما إن كانت أنثى، فلا ينبغي إدراجها ضمن ورثة العرش. فقانون الوراثة لا يفرّق بين الذكور والإناث، لكن عبر القرون، لم تتولّ أيّ أميرة العرش قط.»
انتهى كلامه، وجال بنظره بين الإمبراطور وإخوته. وكانت ملامحهم تحمل موافقةً ضمنية.
اهتزت عينا المركيز مانرز باضطراب، بينما بدا الدهشة على دفاف، وإن كان في داخله متفقًا مع منطق رايكهارت.
قال الإمبراطور بعد تفكير وجيز:
«أفهم مقصد الدوق الأكبر. حين تنشأ ظروف غير متوقعة، الأجدر أن نُقلّل مساحة الجدل. فلا أحد يعلم ما يخبّئه المستقبل. أُصدر بذلك مرسومًا إمبراطوريًا.»
صدر القرار الإمبراطوري بإدخال الليدي مود مانرز إلى جناح الحريم الملكي، مع إعفائها من كل الإجراءات الرسمية بسبب حالتها الصحية، على أن يُنظر في مسألة الوراثة بعد الولادة: فإن كان ابنًا، يُبحث أمره لاحقًا، وإن كانت بنتًا، فلا تُدرج في خط الوراثة.
كان القرار وسطًا أرضى الجميع تقريبًا.
نهض الحاضرون يحيّون القرار، ثم انحنى رايكهارت بعمق أمام الإمبراطور.
«جلالتكم.» «تكلّم.»
قال الإمبراطور بلطفٍ بعد أن هدأ الموقف.
«يسرّني ويُطمئنني أن لجلالتكم وريثًا. ومن أجل سلامة الأم، ورغبتي في رؤية ابن أخي أو ابنة أخي، تمنّيت دخولها القصر سريعًا. لكن إن مضت الأمور هكذا، فستبقى الأسئلة تُثار حول شرعية المولود. ولأجل أن يحتفل الجميع بمولد الوريث الأول، أرجو أن يُعلَن ذلك رسميًا عبر مرسوم ملكي يُثبت أنه النجل الشرعي لجلالتكم.»
عندها، ارتسمت ابتسامات خفيفة على وجوه الإخوة الملكيين، بينما بدا الارتباك على النبلاء الآخرين.
قال الإمبراطور بحسم: «فليكن كذلك.»
«يشرفني ذلك.»
ردّ رايكهارت بانحناءة، فردّد الحاضرون كلماته. ثم تقدّم نحو المركيز مانرز وقال بابتسامة رسمية:
«مرحبًا بك في العائلة الإمبراطورية، يا مركيز.»
ثم غادر الغرفة الأرجوانية بخطوات ثابتة.
كان قصر الإمبراطورة فخمًا، لكنّ فخامته تخلو من الحياة.
فعادةً ما كان الأباطرة يتزوجون من بيوت ذات تحالفات سياسية قوية. ورغم أن بعض المحظيّات قد تفوّقن نفوذًا على الإمبراطورة نفسها، إلا أن ذلك كان نادر الحدوث.
حتى داخل الفصائل المتحالفة، كانت الصراعات الداخلية تمنع بروز عائلة واحدة تهيمن تمامًا.
لذلك، كثيرًا ما كانت القوة الحقيقية في جناح الحريم بيد النساء الأكثر حظوة لدى الإمبراطور.
لكن الإمبراطورة إليانور كانت استثناءً نادرًا.
فهي تنتمي إلى دوقية إشترن أقدم حلفاء الإمبراطورية. وقد بنت لنفسها نفوذًا لا يقل عن أعرق الأسر.
وفي شبابها، عندما كانت تُعرف بـ «الليدي إليانور من إشترن»، كانت تلقّب بـ «سيدة الجنيّة البحرية».
وحين أدّت عرضها كـ«بريما دونا» في احتفال ثقافي أقيم بمناسبة الصداقة بين الإمبراطورية والدوقية، وقع الجميع في حبها… بما في ذلك الإمبراطور نفسه.
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 35"