⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
كانت تبعات الرفض هائلة.
تقلّبت مشاعر أليشيا بعنف بين الإحباط والغضب،
وأفكار سلبية أخذت تتزاحم في عقلها بلا توقف.
لم تكن تعلم ما الذي كانت تنكره بالضبط، لكنها واصلت هزّ رأسها بعناد.
وفي النهاية، بدأت كلمات متقطعة تنفلت من شفتيها:
— ما هذا بحق الجحيم.
— إذًا لِمَ خُطِبنا من الأساس؟
— ومتى قلتُ إنني سأتزوجك أصلًا؟
— البارحة، كنتَ على وشك البكاء وأنت تتوسل أن أمسك يدك.
— يا للفظاعة.
— إنه مريض الآن، أليس كذلك؟
— كأنني أكترث إن كان مريضًا أم لا.
— هل عليّ أن آخذ قلعة منه في كل مرة أمسك فيها يده؟
— إذا كنتُ أنا المسكّنة البشرية لألمه، أفلا يجدر به أن يركع أمامي ويقدّم لي اعترافًا مزيفًا بأنه يحبني بجنون؟
— ألم يقل إن مجرد لمسة من يدي تزيل كل أوجاعه؟
— مزعج جدًا.
— بغيض للغاية.
همست أليشيا بصوت مفعم بالاستياء:
«أيها الأحمق…»
م.م: 🤣🤣🤣🤣🤣
كان وقع الرفض عليها هائلًا، رغم أنها لم تعترف له بشيء أصلًا.
وهكذا… تمّ التخلي عنها.
وبطريقة مذهلة أيضًا.
لقد أمسكت يد رجلٍ اقتحم غرفتها في منتصف الليل، وهذا ما نالته في المقابل.
“أيها الجاحد…” فكرت في نفسها.
وعندما استرجعت الأحداث، أدركت أن هذا لم يكن الرفض الأول.
فقد عرضت عليه صفقة من قبل ورفضها حينها أيضًا.
إذًا فقد رُفضت مرتين.
شعرت أليشيا بالبؤس.
وقررت أن تنام حتى تهدأ وتغادر الغرفة لاحقًا بهدوء.
لكن كلما حاولت النوم، ازداد غضبها، فلم تستطع إغماض عينيها.
ومع أول خيوط الصباح، أيقظتها ديزي النشيطة.
كانت ديزي صارمة في القواعد، ترى في الوعود عهدًا مقدسًا، فحثّت أليشيا المتكاسلة برفق على النهوض.
أما آني، التي جاءت معهنّ، فقالت بمرحٍ وسذاجة إنه رغم أن الدوق الأكبر لا يسمح لأحد بالاقتراب منه حين يمرض، إلا أن سماحه لأليشيا بخدمته يعني بالتأكيد أنه يُكِنّ لها مشاعر خاصة.
وأضافت ليز بحماس أنها تظن الأمر كذلك أيضًا.
«كلا، لا يفعل.»
قالت أليشيا في نفسها بينما تتركهنّ يعتنين بها.
قالت ديزي وهي تهمّ بتثبيت وشاحها:
«ألن يكون من الجيد لو بقيتِ إلى جانب سموّه اليوم أيضًا؟»
وأضافت آني وليز وهما تضحكان:
«إن قبِل مساعدتكِ من جديد دون اعتراض، فسيتأكد الجميع أنه لا يستطيع احتمال مرضه بدونك!»
لكن أليشيا لم تر الأمر كما رأينه.
اختارت قبّعة صغيرة تناسب فستانها وقالت ديزي بامتعاض تجاه الفتاتين:
«تلك الشائعة القائلة إن الدوق يحتاج إلى الآنسة كلما مرض؟»
عندها التفتت أليشيا، وقد أثار اهتمامها هذا الكلام.
كانت تلك الكلمات قد تحولت إلى حقيقة.
حقًا، لم يستطع رايكهارت تيسن أن يتحمل مرضه من دون أليشيا.
قالت آني وليز، وقد شبكتا أيديهما باعتذار:
«نحن آسفتان يا سيدتي، فقط كنا نود رؤيتكما أقرب لبعضكما أكثر.»
لم تكونا مخطئتين تمامًا.
مدّت أليشيا يدها دون أن تتكلم، فأمسكت ديزي بها فورًا لتساعدها في ارتداء معطف المطر.
وبإشارة من ديزي، جلبت آني وليز المعطف والمظلّة.
كانت السماء تمطر مجددًا ذلك الصباح،
فبعد توقف قصير عند الفجر، عاد الرعد ليهدر من جديد.
وبينما كانت آني تساعد أليشيا في ارتداء المعطف، قالت متجهّمة:
«ربما كنت أتكلم بتهور، لكن حين رأيت سموّه يبعد الجميع، ثم يسمح لك بالاقتراب والعناية به، شعرت ببعض السعادة.
طبعًا، الأهم هو ما بينكما أنتما، لكن الناس في قلعة تيسن يرونكِ تحترمين الطقوس وتزورينه برقيّ،
والآن يهمسون بأنك تحبينه أكثر مما يظنّ الجميع.»
قالت ذلك بملامح مليئة بالاستياء من الشائعات.
«قالوا ذلك حقًا؟»
كانت تلك أول مرة تتكلم فيها أليشيا منذ استيقاظها.
قالت ديزي وهي تغلق أزرار معطفها برفق:
«لا تكترثي لمن لا يعرفون شيئًا.
البارون والبارونة رينس نظرا إليكِ البارحة كما لو كنت ملاكًا نزل من السماء.
وإن زرتِ الدوق اليوم وبقيتِ ساعة فقط، فسيظنان أنكِ سرافيم حقيقي.»
فتحت ليز الباب الأمامي وهمست بتذمّر:
«سنرى ذلك.»
ردّت أليشيا ببرود وهي تمسك المظلّة.
في الحقيقة، لم تكن ترغب في رؤية ذلك الرجل المريض مجددًا، لكن جزءًا منها أراد أن تنتشر الشائعة القائلة إن الدوق الأكبر لا يستطيع احتمال المرض دونها لأنها ببساطة حقيقة مكتوبة، حتى وإن ظنّ الناس أنها دليل على حبّه المجنون لها.
«سنرى.»
سارت أليشيا ببطء من بيت تيك إلى بيت بريغيه.
كانت غرف الدوق هادئة كأنها مهجورة.
قادها هنريك مرة أخرى في صمت تام.
عبرت القاعة الكبرى واتجهت نحو الداخل،
وكلما اقتربت من الستائر المحيطة بالسرير، ازدادت خطواتها توترًا.
ومن خلفها، سُمِعَت أنفاس متقطّعة تناضل مع الألم.
«يا صاحب السمو…؟»
دفعت أليشيا الستار بعنف واندفعت نحو السرير.
كان وجه رايكهارت مبلّلًا بالعرق، وعيناه الكهرمانيتان مفتوحتان بالكاد تحدّقان فيها بارتباك.
دون تفكير، أمسكت يده المرتجفة التي كانت تتلوّى من الألم.
«أليشيا…»
تحرّكت شفتاه المتشققتان بصوت واهٍ.
كانت يده باردة كالجليد، بينما وجهه الملتهب يكاد يحترق من الحمى.
رؤيته يتلوّى تحت وطأة ألم مجهول جعل أليشيا تنسى رباطة جأشها المصطنعة.
أخرجت من صدرها منديلًا وبدأت تمسح عرقه عن وجهه وعنقه.
وببطء، هدأ جسده المتشنج، لكن أطرافه بقيت باردة،
في حين ظلّ رأسه يتأجّج بحرارة عالية.
وضعت يدها على جبينه المتوهّج وتنهدت:
«تأخرت… أعتذر.»
اعتذرت لمن قد لا يسمعها.
«لا ينبغي أن أكون قاسية مع مريض.»
فتح رايكهارت عينيه ونظر إليها قائلًا:
«لقد جئتِ…»
كان وجهه مبللًا بالألم والعرق، ونظراته الشاردة تبحث عنها وكأنه يخشى فقدانها.
انتظرت أليشيا أن يقول شيئًا ربما توبيخًا أو شكوى.
“أين كنتِ؟ أبطؤٌ هذا؟”
لكن لم يخرج من شفتيه سوى أنفاس متقطعة ممزوجة بالوجع، بينما قبض على يدها بيأس.
«قلتَ إنك ستكون بخير لبعض الوقت.»
«كنتُ كذلك… لبعض الوقت فقط.»
خفّ الألم قليلًا، فصار صوته أوضح.
«كيف يبدأ ألمك يا صاحب السمو؟»
غمست أليشيا المنديل في ماء الإبريق ومسحت وجهه المحموم بثقة وهدوء.
ترك رايكهارت وجهه بين يديها مطمئنًا، ورغم معاناته، ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة.
«فجأة… كأنني أتعرض لهجوم أو أسقط عن ظهر حصان.»
كان صوته العميق يحمل شيئًا من اللطف والدفء.
قالت وهي تنظر إليه بثبات:
«ما الذي يتغيّر تحديدًا حين ألمسك؟ أعتقد أن لي الحق أن أعرف. أجبني بصدق.»
«حين تلمسينني، يختفي الألم الأشد أولًا من الموضع نفسه.»
أعادت أليشيا يدها إلى وجهه الذي صار رطبًا بالمنديل البارد.
«الأشد؟ إذًا هذا يخفف ألم رأسك؟»
«نعم.»
«وماذا عن…»
لكنها توقفت قبل أن تسأل عن أماكن أخرى.
اختفت الابتسامة من وجهه، وتحدث بصوت خافت:
«إمساك اليد يكفي.»
«هل أرفع يدي عن جبينك إذًا؟»
ما إن بدأت برفعها حتى غطّاها بيده الكبيرة وقال بسرعة:
«أرجوكِ، لا.»
كانت نبرته منخفضة لكنها متوسلة.
وعيناه الذهبيتان تحدّقان فيها بهدوء.
في تلك اللحظة القصيرة، بدا وكأنه تحسّن بالفعل.
نظرت إليه أليشيا يداه تمسكان بيدها كأنها طوق نجاته، إحداهما تضغط على يدها فوق جبينه والأخرى لا تزال متشبثة بها.
تلاشى من ذهنها أيّ تفكير في “عدم استغلال مريض”.
رؤيته يتشبث بها بهذه الطريقة خففت كثيرًا من مرارة صباحها السابق.
نعم، شعرت بالارتياح.
كانت تعلم أن ذلك تصرف طفولي، لكن العواطف لا تتبع المنطق.
«حين يخف الألم ونحن متشابكا الأيدي، كم تدوم الراحة؟»
«طالما نحن متشابكان.»
«وماذا لو تركت يدك؟»
«حين تتركينها، يعود الألم تدريجيًا. وإن طال الوقت، يعود فجأة كما في البداية.»
«أي أنه يعود فور أن أتركك؟»
سألتها دون أن تنتبه.
«مقارنة بالألم الأصلي، يكون أكثر احتمالًا.»
أجاب بخضوع، وكأنه اعتاد المعاناة.
كادت أليشيا تقول: “هل جننت؟”
«كم من الوقت بعد أن أتركك يعود الألم بالكامل؟»
«يختلف… عشر دقائق أو خمس عشرة ربما.»
إذًا، الألم يعود تقريبًا فور ابتعادها.
الآن فهمت لماذا حاول منع يدها من مغادرة جبينه.
«ولِمَ تنظرين إليّ هكذا؟»
«لأنني أشفق عليك.»
عند ردّها المباشر، لم يغضب رايكهارت، بل ابتسم برفق.
كان واضحًا أن مرضه جعله أكثر لينًا.
قال، مبتسمًا بنبرة هادئة:
«هل تبقين هنا إذن… من أجل هذا المسكين؟»
ربما كان هذا هو وجهه الحقيقي ذلك اللطف الدافئ خلف القناع البارد الذي يرتديه أمام الجميع كدوقٍ ملكي.
قالت وهي ترفع حاجبًا بخفة:
«أنا باقية بالفعل، أليس كذلك؟»
«لكن بيت تيك بعيد من هنا.»
كانت أليشيا من النوع الذي لا يترك مريضًا يتلوّى أمامه، خاصة إن كان خطيبها الرسمي وحليفها السياسي.
«وماذا سنقول للبارون رينس؟»
ردّت ببرود يخالطه ضيق، إذ تخيلت كيف سيظن الجميع مجددًا أنها واقعة في حبّه.
عندها أخرج رايكهارت مفتاحًا قديماً من جيبه وقدّمه لها.
«ما هذا يا صاحب السمو؟»
سألته وهي تجلس على المقعد الوثير بجانبه.
«إنه مفتاح غرفة الدوقة. أريه لهنريك، وسيدلّك عليها. تقع في نهاية الممر المقابل، لكنها أقرب من بيت تيك.»
في قلعة تيسن، كانت هناك غرفة للدوق وأخرى للدوقة.
غرفة الدوق كانت الآن تخص رايكهارت، أما غرفة الدوقة، فلم يستخدمها أيٌّ من زوجاته الست السابقات.
لذا، كانت الغرفة محاطة بالأساطير والهمسات.
قيل إنه لم يسلّمها لأي زوجة لأنه يحتفظ في قلبه بامرأة أخرى.
نظرت أليشيا إلى المفتاح الثمين في كفّها، وشعرت بثقل غريب يعتصر صدرها.
«ارتاح الآن.»
وضعت يدها بلطف على جبينه المشتعل، تغطي عينيه المغلقتين.
«شكرًا لك.»
همس رايكهارت وهو يغفو بسلام، وسرعان ما امتلأت الغرفة بصوت أنفاسه الهادئة.
التعليقات لهذا الفصل " 31"