⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
لوّحت أليشيا بيدها وكأنها تقول إن ما قالته كان مجرد مزاح.
«متى غفا سموّه الدوق؟»
«ليس منذ وقت طويل.»
«بما أن الجميع ابتلّوا بالمطر في طريقنا إلى هنا، أظن أنه سيسمح لنا بالراحة قليلاً، أليس كذلك؟ ريثما تجفّ وصيفاتي، سألقي نظرة سريعة على وجهه فقط.»
لم يستطع هنريك إلا أن يبتسم ابتسامة متوترة عند سماع كلماتها.
«ليس من الجيد البقاء بالملابس المبتلة في يوم بارد… لكن مزاج سموّه… لا يمكن التنبؤ به.»
كان البارون والبارونة من آل رينس عادةً دقيقين في كل شيء. نادراً ما يترددان في الكلام.
فاستغربت أليشيا ذلك.
فهنريك، بوصفه أقرب المقرّبين إلى رايكهارت، كان من المفترض أن يتصرف بكفاءة عالية في مرض الدوق الأكبر. لكن تصرّفه الآن أوحى بأنه لا يرغب في أن يقترب أحد من سيده.
كانت أليشيا قد قالت إنها تودّ فقط رؤية وجهه بدافع الفضول.
رجل وُصف بالشيطان لقدرته على النجاة من الطعنات والسِّهام دون أن يترك على جسده ندبة، لا يليق به المرض.
كان فضولها منحرفًا قليلًا نحو معرفة شكل هذا الرجل حين يضعفه الداء.
لكن الجوّ المحيط بدا غريبًا… وأحسّت أليشيا أن عليها التأكد بنفسها من أن رايكهارت مريض حقًا.
لم يبدو أنه قد تعرّض لهجوم أو تسميم، لكن تصرفات من حوله الغريبة جعلت انسحابها مستحيلًا.
أشارت إلى هنريك إشارةً تعني: «دلّني على الطريق».
قال هنريك بصوت خافت:
«سيدتي أليشيا، بصراحة… لقد أغضبتُ سموّه وطردني من خدمته.»
«سأدخل وحدي، فقط لأرى وجهه.»
«إن كنتِ تُصرّين يا سيدتي، فكيف لي أن أمنعك؟ سأتقدّمك.»
غيّر هنريك نبرته فجأة، وقادها إلى الأمام بعد أن أبدى بعض التردد.
تبعت أليشيا خطواته، وأشارت إلى ديزي أن ترتاح.
راقبت ديزي وآني وليز المشهد بفخر، إذ رأت كلٌّ منهنّ في أليشيا مثال الخطيبة المثالية.
أما كوني، التي كانت عادة تشاركهنّ الرأي، فقد بدا على وجهها قلقٌ غريب.
وكما قال هنريك، كان رايكهارت نائمًا.
بل بدا أن منزل آل برغي احتوى على سباتٍ عام.
فلا خدم يخدمونه، ولا فرسان يرفعون التقارير، ولا حرّاس على الأبواب.
فتح هنريك باب غرفة النوم بخشوع حتى كاد يحبس أنفاسه.
فأثار ذلك في أليشيا تساؤلًا:
إلى أي حدّ يكون رايكهارت حساسًا حين يمرض؟
انفتح الباب في صمتٍ تام.
وأشار هنريك بيده نحو الاتجاه، دون أن يقول شيئًا كـ«من هنا» أو «تفضّلي بالدخول».
أومأت أليشيا برأسها ودخلت بهدوء.
كانت تتوقّع أن تكون غرفة الدوق الأكبر فسيحة قاتمة، وقد كانت كذلك وأكثر.
ومع ذلك، كان في كل زاوية من زواياها ترتيب متقن:
أماكن للخدم الشخصيين، ركن لاستقبال الضيوف، طاولة صغيرة للشاي الخاص.
وخلف ستارٍ مسدول، كانت حجرة النوم.
هناك، كان رايكهارت مستلقيًا على سرير فخم مزخرف.
السرير كان بالغ الفخامة، لكن الرجل الراقد فوقه هو من جذب كلّ الأنظار.
مهما نظرت إليه، لم تعتد ملامحه قطّ؛ فكل مرة تراه فيها تدهشها ملامحه وكأنها تراها لأول مرة.
وجهه منحوت بدقة، حتى ليبدو تمثالًا أكثر منه إنسانًا، وقد افترضت أنه سينام كما ينام الحجر ساكنًا جامدًا.
لكنّه كان إنسانًا في النهاية.
بدا على وجهه الإرهاق، وغطّته طبقة من عرقٍ بارد.
شفتاه متشققتان، ووجهه شاحب، يتنفس بصعوبة.
«حتى هو… له لحظات كهذه.»
أخرجت أليشيا منديلاً ناعمًا ومسحت بلطف وجهه.
وحين لامست بشرتها جلده، صُدمت من برودته الشديدة.
عندها فقط أدركت أن الغرفة كانت باردة كالجليد.
لم تكن هناك نار مشتعلة في أي موقد داخل القصر سوى في البهو.
بالنسبة لغرفة مريض، كانت البرودة غير طبيعية.
حتى وإن كان رايكهارت يضيق ذرعًا بالضجيج وهو مريض، هل من المعقول أن يُترك الموقد مطفأ؟
لم تلمح أثرًا لطبيب زاره مؤخرًا، ولا علامة على وجود من يعتني به.
لولا أنها سُمعت مسبقًا عن مرضه، لكانت استدعت الخدم للتحقيق فورًا.
لكنها خشيت أن يكون ذلك بأمرٍ منه، فلم تتصرف بتهور.
ومع علمها أن ما تفعله غير لائق، مدّت يدها لتضعها على جبينه.
ارتخت ملامحه المشدودة قليلًا.
ظنّت في البداية أنها تتوهم، لكنها حين رأت شحوب وجهه يزول ببطء، أدركت أن الأمر حقيقي.
تذكّرت اليوم الذي التقت فيه رايكهارت لأول مرة.
كان مريضًا آنذاك أيضًا، وقد مدّ يده نحوها.
استعادت المشهد، ثم وضعت يدها الأخرى على يده برفق.
هل يمكن أن يكون جسده يُشفى بلمسة بشرية؟
فلماذا إذًا لم يبقَ أحد إلى جواره؟
وبينما يدها على جبينه والأخرى تمسك بيده، نظرت حولها ثم رأت ملامحه تهدأ أكثر، فتراجعت بخفة.
ذهبت إلى الموقد، أشعلته في صمت، وأغلقت الستائر بإحكام، وغادرت الغرفة.
يا له من مريضٍ غريب.
ظلّ الجوّ قاتمًا طوال اليوم.
ولم يتوقف المطر عن الهطول.
وكان الرعد أحيانًا يهزّ الأرض.
عدلت أليشيا عن الخروج، واكتفت بالقراءة.
وعندما سئمت من القراءة، كتبت رسائل إلى عائلتها وخدمها، ودوّنت ذكرياتها وبعض الأحداث الهامة بطريقتها الخاصة.
خلدت إلى النوم في ساعةٍ معقولة.
ورغم أن رايكهارت طلب منها ألّا تغادر منزل «تيك»،
فقد نوت زيارته مجددًا غدًا، بل رتّبت الموعد لذلك.
بدت أسرة رينس التي ترعى الدوق الأكبر متفاجئة من رغبتها في زيارته، وازداد ذهولهم حين قالت إنها أشعلت الموقد لأن الغرفة كانت مظلمة.
سألها هنريك وكوني واحدًا تلو الآخر إن واجهت صعوبة في إشعاله، فأجابت بالنفي، فنظرا إليها بإعجابٍ وامتنان، وقالا إن عودتها غدًا ستكون لطفًا بالغًا منها.
حلّ الليل.
واستسلمت أليشيا للنوم على وقع قطرات المطر على النافذة.
كان المطر يتناوب بين العواصف والرذاذ.
وحين خفّ هطوله
«صرير…»
انفتح باب منزل «تيك» الأمامي بهدوء.
صعدت أقدام حافية مبتلّة درجات الحجر على عجل.
ورغم عجلتها، لم تُصدر خطواتها المبللة سوى أصواتٍ خافتة.
تركت آثارًا مائية خلفها على الأرض.
كان رايكهارت يترنح في الممرّ المظلم، إلا أنه لم يسقط.
كان مختلفًا عن الرجل الذي رقد بالأمس؛ ترك وراءه آثار خطوات وأصواتًا خفيفة، يتحرّك كما لو كان يقوده غريزته وحدها.
اتجه مباشرة نحو الغرفة التي تنام فيها سيدة المنزل.
وحين قبض على مقبض الباب، تذكّر ما قاله قبل ليلتين.
ولعن جهله السابق، ثم أدار المقبض دون تردد.
تحرك المقبض بسلاسة.
عبق الحبر والكتب والورق ملأ الغرفة الهادئة.
كانت أليشيا نائمة.
حين رأى وجهها النائم من عتبة الباب، توقف رايكهارت لأول مرة منذ مغادرته غرفته.
كان جسده يحترق بنيرانٍ لاذعة كآلاف السكاكين، وفي الوقت نفسه يتجمّد من البرد القارس.
حتى وهو يختنق من الألم، لم يستطع أن يمدّ يده نحو السرير.
لكنه لم يقدر على التراجع أيضًا.
«……»
شعرت أليشيا بشيءٍ غريب أثناء نومها، فتحت عينيها ببطء، لكن النعاس غلبها مجددًا.
وحين بدأت تغفو ثانيةً، لاحظت أن الباب مفتوح،
فجلست فجأة.
نظرت إلى أسفل السرير
وصُدمت بما رأت.
«سـ… سموّ الدوق؟»
كان رايكهارت راكعًا على الأرض بجانب السرير، وجهه شاحب تمامًا، وجسده مبلل من المطر.
قال بصوت متقطع وهو يتألم:
«أليشيا… يدكِ…»
اقترب من السرير لكنه أبقى مسافةً معتبرة.
«سموّ الدوق.»
نزلت أليشيا من السرير في ارتباكٍ وذهول، وأمسكت باليد التي مدّها نحوها.
وبمجرد أن التقت يداهما، زفر رايكهارت تنهيدة طويلة، وبدا وجهه وكأنه تحرر من بعض عذابه.
التعليقات لهذا الفصل " 29"