⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
«من أنتما؟»
«نحن أصدقاء السيدة أليشيا. إن أريتِها هذا، ستفهم.»
من داخل العربة، فتحت أليشيا الباب ونزلت منها بخطوات واثقة.
«سيدتي»
«سيدتي، إلى أين تذهبين…!»
حاولت ديزي وآني إيقافها، لكن أليشيا كانت أسرع بكثير.
أدرك خوان ما يجري خلفه، فتناول المنديل الذي مدّه الشخص المقنّع نحوه.
اقتربت أليشيا، نظرت إلى المنديل مرة واحدة، ثم قالت بهدوء:
«أفرغوا المكان.»
«نعم، سيدتي.»
وبإشارة من خوان، تراجع الفرسان الذين كانوا يحيطون بالمكان.
«وأنت أيضًا، تنحَّ جانبًا.»
«السيدة أليشيا…»
«لن يستغرق الأمر طويلًا.»
تراجع خوان ببطء تحت نظرتها الواثقة، ولوّحت له بيدها تطلب منه أن يبتعد أكثر.
وعندما ابتعد مسافة كافية، التفتت أليشيا نحو الشخصين المقنّعين.
قالت بصوت رصين:
«السيدة بيلمن… مبروك لك على نيل لقب سيّدة كروَا.»
«أشكرك، سيدتي.»
كانت أليشيا تتساءل أين وُجد مفتاح غرفة السيد، وما المعاناة التي واجهتها الفتاة في سبيل العثور عليه، لكنها التزمت الصمت.
واكتفت بتهنئة الفتاة التي واجهت أخيرًا ألمًا تجنّبته طوال ثماني سنوات.
ثم تلاشت ابتسامتها وسألت:
«كيف عرفتِ أنني سأمر من هنا اليوم؟»
فالتهنئة شيء… لكن الأسئلة تحتاج إلى أجوبة.
تبادل بران وجوديث النظرات، ثم نهضا.
اختفى بران في الظلال، فيما قالت جوديث بصوت منخفض:
«سيدتي، من هاجموا الفيلا اليوم استأجرهم الكونت كومبات. اكتشفنا الهجوم الذي كان يستهدف الفيلا، وحاولنا الاتصال بك، لكنني وصلت متأخرة.»
كان صوت جوديث ناعمًا… بل لطيفًا وعذبًا.
«الكونت كومبات؟»
«الكونت بيل كومبات لديه ابنتان. كان يسعى لتزويج ابنته الثانية، ليلي كومبات، من صاحب السمو دوق تيسن. لكن بما أن الدوق خُطِب إليكِ قبل الموعد المتوقع، فقد أراد الكونت أن يُزيحك من طريقه ويضع ابنته مكانك. وتيسن أرض قاسية، لذا كانوا ينوون أن يُخفوا الجريمة تحت غطاء “حادث عرضي”.»
كانت ليلي كومبات في الأصل الزوجة السادسة لرايكهارت تيسن، لكن بعد تغيّر الأحداث، يبدو أنها استعجلت أكثر من ذي قبل.
«وما ثمن هذه المعلومة؟»
«الثمن؟ أبدًا، لا شيء. نحن نخبرك لأننا أصدقاؤك الآن يا سيدتي… وإن كنت أخجل لأننا تأخرنا.»
كان في صوت جوديث بهجة غريبة، جعلت أليشيا تشكّ بأنهما ربما كانتا تعرفان مسبقًا، لكنهما تعمّدتا الوصول متأخرتين.
وكانت تشعر أنه لو أُزيل القناع عن وجه جوديث، لظهرت تحته ابتسامة ماكرة وضحكة مكتومة.
قالت أليشيا بتنهيدة ساخرة:
«حقًا، أرغب في صفعك بمروحة.»
«عذرًا؟»
«آه، هل قلت شيئًا؟»
وبينما كانت أليشيا تتبادل الكلام مع جوديث، عاد بران ومعه مجموعة أخرى من المقنّعين.
تركوا خلفهم أعداءً يرتدون ملابس مشابهة للقتلة، ثم اختفوا مجددًا في الظلال.
كان هناك ست جثث مرمية على جانب الطريق.
قال بران:
«هؤلاء هم فريق الهجوم. لم نتمكن من القبض على من أشعلوا النار. يبدو أن مهمة هذا الفريق كانت القبض عليك لا قتلك، لكن مهاراتهم كانت أعلى مما توقعنا، وفشلنا في أسرهم.»
قالت أليشيا ببرود:
«وهل هؤلاء هداياكم احتفالًا بانضمامكم إلى أصدقاء كروَا؟»
«نعم، بالفعل.»
كانت جوديث على وشك أن تقدم شيئًا رسميًا، لكن أليشيا سبقتها قائلة:
«شكرًا لكم. وآمل في المرة القادمة، يا السيدة بيلمن، أن تنقلوا المعلومات بشكل أسرع. أود أن أُفوّضكم بمهمة تتبع تحركات ست عائلات: غريتز، هيرونيمو، شترال، مورو، كوف، وكومبات. السعر لا يهم… سمّوا المبلغ الذي تريدونه.»
تصلّب وجه جوديث عند سماع أسماء تلك البيوت.
«تفويض؟ لا، ليست مهمة… بل خدمة لصديقة كروَا.»
«فقط لا تتأخري.»
«لن أفعل. آه، وبالنسبة للتطريز المخصص الذي طلبتِه… سينتهي بحلول الربيع. العربون عشرة آلاف قطعة ذهبية، والمبلغ الكلي خمسون ألفًا عند التسليم.»
كان السعر فاحشًا بالنسبة لتطريز واحد.
صمتت أليشيا تحدّق فيها.
قالت جوديث بخفة:
«عملي غالٍ، فأنا وريثة معتمدة للتقنيات التقليدية. ثم إن التصميم صعب للغاية.»
حتى مع القناع، كان من الواضح أنها تبتسم بخبث.
مدّت أليشيا يدها داخل عباءتها ثم أخرجتها ممسكةً بكيس صغير، وناولتْه لجوديث ببرود.
ارتبكت جوديث قليلًا لكنها تظاهرت بالهدوء وهي تتلقّاه.
قالت أليشيا:
«إنها لآلئ بحرية رمادية، عددها خمس عشرة حبة. قيمتها لا تقل عن ثلاثين ألف قطعة ذهبية. استخدمي الباقي للوجبات الخفيفة.»
أمسكت جوديث بالكيس بحذر أكبر وابتسمت بلُطف مصطنع.
«إذن، سأغادر الآن.»
«إلى اللقاء، يا السيدة بيلمن.»
اقتربت جوديث من الغابة، وانضم إليها بران والمقنّعون ليُرافقوها.
تابعتهم أليشيا بنظرها حتى اختفوا في البعيد، ثم التفتت إلى خوان.
كان يقف بعيدًا، لكن عيونهما التقت فورًا.
أومأت له إشارةً صامتة، فتقدم نحوها مباشرة.
قالت بصوت منخفض وهي تعود إلى العربة:
«ألقِه في برج الفيلا.»
«حسنًا، سيدتي.»
وقف خوان أمام الجثة المقنّعة الملقاة، وأطاع الأمر دون حاجة لتفاصيل.
وبينما صعدت أليشيا إلى العربة، تولّى الجنود تحميل المهاجمين إلى عربة البضائع.
قال خوان:
«سنستأنف الرحلة.»
أومأت أليشيا بصمت.
صرخ خوان بأمر عالٍ:
«انطلقوا!»
فانطلقت القافلة في طريقها نحو القلعة الكبرى في تيسن.
تنفست أليشيا ببطء. كانت العربة تتهادى بحركة خفيفة، ونظرت إلى المنديل الذي ما زالت تمسك به، وأطلقت تنهيدة أخرى عميقة.
أشياء كثيرة كانت تتغيّر. شخص كان يجب أن يموت… ما زال حيًّا. وربما، في مكانٍ ما، شخص كان يجب أن يعيش… قد مات.
شعرت وكأنها تمرّ بمنعطف حاسم في حياتها،
وأن تغييرات أخرى كثيرة ستأتي بعدها.
وسط ارتجاف خفيف في قلبها، تنفست مجددًا.
لقد أثارت الحريق في «فيلا ليليزيت» ضجة كبرى.
لكن لحسن الحظ، تم إخماده خلال عشرين دقيقة.
احترق جزء بسيط فقط من الجدار الخارجي لبرج الفيلا، وكانت الأضرار الإجمالية محدودة،
ولم تُسجَّل أي إصابات.
أعلن دوق تيسن أن الحريق كان نتيجة إهمال عرضي، لكن لم يصدّقه أحد.
صُدم الناس في تيسن من مجرد وقوع حريق في الفيلا. ورغم أن الضرر طال جزءًا من مقر النبلاء فقط، إلا أنهم حزنوا عليه، وخافوا على مصير الدوقة المستقبلية.
كان الدوق يتعرض لمحاولات اغتيال عديدة. لم يخسر حربًا أو معركة قط، لكن الموت والبؤس كانا يسيران بجانبه دائمًا.
ولهذا، كان الناس يرثون للمرأة المخطوبة له.
حين أغدقت العائلة الإمبراطورية المجد والرفعة على الدوقة القادمة، كانت مشاعر الناس بين الغيرة والشفقة، لكن القلق غلب على كل شيء. كأنهم توقعوا هذه المأساة منذ البداية.
وفي النهاية، وقع القدر القاسي على الدوقة المسكينة لتيسن.
«صاحبة السمو الدوقة، التي يقولون إنها ملاك… لماذا كان عليها أن تُخطب إلى الدوق؟»
«يا لها من امرأة مسكينة… تيسن ليست مكانًا للعيش أصلًا.»
«يسمونها أرض الموت لسبب وجيه. أن تصل النار إلى صاحبة السمو… يا للأسف.»
وبين نظرات الشفقة والحزن الموجّهة نحو تيسن، ازداد قلق سكانها أكثر.
أما أهدأ شخص في ما يتعلق بحريق الفيلا، فكان رايكهارت نفسه. حين علم أنه لم تقع إصابات، قال إن هذا كافٍ.
ومع ذلك، أمر بتعقّب الجناة والقضاء عليهم، ووضع خطة صارمة لمنع تكرار ما حدث.
لكن آثار الحريق لم تكن بسيطة. اسودّ الجدار الخارجي لبرج الزمرد، واحترقت أشجار الأرز القديمة المزروعة حوله منذ ثلاثمئة عام، مما أحزن العاملين في الفيلا.
كانوا ممتنين لأن الحريق كُشف مبكرًا، لكنهم شعروا بالخجل لأنه حدث أصلًا. كان من الممكن أن تكون كارثة كبرى، ولو أصاب أي مكروه الدوقة المستقبلية، لما سامحوا أنفسهم أبدًا.
أما أليشيا، فبقيت هادئة تمامًا حيال محاولة حرقها.
شعرت بالارتياح عندما أُبلغت أن إصلاح البرج لن يستغرق طويلًا.
وفي الوقت نفسه، تجمّع عدد من الوجوه القلقة أمام القلعة الكبرى في تيسن، يتطلعون بقلق نحو الداخل بانتظار أليشيا.
تفاجأت أليشيا بردّ فعلهم. قال لها هنريك إن الناس سيسعدون فقط برؤيتها بخير، فخرجت إلى الشرفة الخارجية القريبة من السور ولوّحت لهم بيدها.
ومنذ تولي رايكهارت منصب الدوق، كانت تلك المرة الأولى التي تُفتح فيها الشرفة للعامة.
تجمّع الناس بسرعة أكبر، وتضاعف عددهم، وزاد اندهاش أليشيا أكثر.
تساءلت في نفسها: من تكون هي لتنال كل هذا الاهتمام؟
واستمرت تلوّح لهم لبعض الوقت.
وعندما انتهت من التحية ودخلت قاعة الطعام، وجدت رايكهارت محاصرًا.
عن يمينه كان هنريك وجيمي، وعن يساره كوني، وكانت عائلة رينز تطوّقه من كل جانب، بينما وقف رودريك وخوان أمامه باحترام، لكن من الواضح أنهما كانا يهاجمانه بوابل من الكلام دون توقف.
كانا يتناوبان الحديث بسرعة جعلت وجه رايكهارت يكتسي برودة قاسية.
أما العشاء نفسه فكان هادئًا. رغم نظرات الحاضرين المتكررة نحو الدوق، ساد جو من الهدوء. وتجاهل رايكهارت كل العيون التي كانت تراقبه بخفية.
وبعد انتهاء الطعام وتقديم الشاي، قال رايكهارت بصوت هادئ دون أن يرفع عينيه عن الكوب:
«السيدة أليشيا.»
«نعم، يا صاحب السمو؟»
«إلى أن تكتمل أعمال ترميم فيلا ليليزيت، ما رأيك أن تقيمي هنا في القلعة؟ فخلال فترة البناء سيتردد الغرباء كثيرًا، ما يجعل الأمن صعبًا.»
ابتسمت أليشيا وقالت بلطف:
«سأفعل ذلك، يسعدني البقاء هنا.»
(هذا يعني أنني سأتمكن من الذهاب للصيد كل يوم!)
قال رايكهارت بلهجة رسمية:
«أقيمي مع خادماتك في جناح “تيك هاوس”. سيتولى هنريك وكوني إرشادك حول استخدامه. أيضًا، بدءًا من بعد غد، سيتم تقييد الدخول إلى جناح بريغيه. لذا أرجو أن تبقي في جناحك قدر الإمكان.»
جعلت كلماته الصارمة القاعة تغرق في الصمت.
تصلّبت أليشيا لحظة، ثم قالت بارتباك:
«هاه؟ إذن… هل لا يمكنني… أخذ جولة صغيرة؟»
كانت على وشك أن تقول “الخروج للصيد”.
ابتسم رايكهارت ابتسامة خفيفة وهو يراقبها.
«لن تستطيعي، حتى لو رغبتِ.»
ثم تعمّقت ابتسامته. لم تكن ابتسامة رضا أو سعادة خالصة…بل كانت غامضة.
«يا صاحب السمو؟»
نادته أليشيا بوجه متجهم كطفلة حُرمت من لعبتها المفضلة. لقد حصلت أخيرًا على فرصة الإقامة في القلعة الكبرى، لكن لا صيد؟ لم ترد تصديق ذلك.
قال برقة عجيبة:
«أليشيا.»
«نعم؟»
«تأكدي من إغلاق باب غرفتك جيدًا قبل أن تنامي.»
أجابته سريعًا:
«حسنًا…»
قال بعدها وهو ينهض:
«لم أنهِ عملي بعد، سأعود إلى مكتبي. يسعدني أنك بخير. لا بد أنك متعبة من هذا الانتقال المفاجئ، لذا ارتاحي جيدًا.»
التعليقات لهذا الفصل " 27"