أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
الغابة لم يكن لها اسم في الأصل.
هي أليشيا من بدأت تُسميها “غابة موستو”.
طلبت أن تُجعل غابة موستو آمنة.
ولم تكتفِ بالطلب فقط، بل قدّمت حلولاً محددة لتحقيق ذلك.
أطلقت على خطتها اسم “تطهير غابة موستو”.
أما جنود تيسن فقد أطلقوا عليها اسم “عملية إبادة الوحوش”، أو أحيانًا “عملية استئصال الوحوش”.
كانت وحدات الحدود التي تحرس الغابة والمستنقعات الغربية قد فقدت جميعها أفرادًا من عائلاتها بسبب الوحوش التي سكنت هناك.
وكذلك الجنود المتمركزون في داخل تيسن، فقد كان لهم ماضٍ مشابه.
فقد خسروا أصدقاء وأحباء على يد وحوش بدت وكأنها ليست من هذا العالم.
لهذا السبب، امتدحت تيسن عملية أليشيا لإبادة الوحوش.
ورغم أن أليشيا كانت تجد في كلمتي “الإبادة” و”الاستئصال” قسوة وسخرية، فإنها لم تهتم كثيرًا بالتسمية سواء كانت تطهيرًا أو إبادةً، فالمهم هو النتيجة.
كانت أليشيا تميل إلى إطلاق الأسماء على الأشياء منذ قدومها إلى تيسن.
فخلف التلال الواسعة داخل أسوار حصن تيسن، تمتد الغابات والمستنقعات.
وفي نهاية تلك التلال طريق طويل يقود إلى داخل الغابة، حيث تقف قلعة ناصعة البياض.
أطلقت عليها اسم “وايت ويست أليك” (القلعة البيضاء الغربية).
وباعتبار تلك القلعة البيضاء علامةً فارقة، فقد أطلقت على الجهة الغربية اسم الغابة، وعلى الجهة الشرقية اسم المستنقع الذي ظل بلا اسم حتى ذلك الوقت.
أما الغابة الغربية، فقد أسمتها “غابة موستو”، لكثرة أشجار الموستو التي تنمو فيها.
ورغم أن الاسم لم يكن رسميًا، فإن كل جندي في تيسن كان يعرف تمامًا ما الذي تعنيه كلمة موستو فهي الشيء الوحيد ذو القيمة في تلك الغابة المليئة بالوحوش.
جوهر خطة أليشيا في الإبادة كان قائمًا على إخلال النظام البيئي.
كانت شجرة الموستو تثمر ثمارًا يعتمد عليها وحش لطيف يُدعى لوسا في غذائه.
ولم يكن ما يُستخدم لصنع سمّ الموستو الشلّال هو الثمرة، بل أوراق الشجرة نفسها ولهذا كان بالإمكان أن يتعايش البشر واللوسا معًا.
لكن المشكلة كانت في فضلات اللوسا.
فحين يأكل ثمار الموستو، تُوجد في برازِه أحيانًا مادة بيضاء تشبه الحجارة تُدعى كالاو.
ويُقال إن الكالاو شبيه بالقرع، ويمكن للبشر أكله.
لكن فكرة أكل شيءٍ خرج من جوف حيوان جعلت المستمعين يتقزّزون.
ووفقًا لأليشيا، فإن الكالاو كان محبوبًا من قبل الوحوش القطيعية مثل الـغوتلان والإيتو والفينيا.
ومن أجل افتراس تلك الوحوش القطيعية، كانت تظهر وحوش مفترسة مثل الكوكان أو غيرها من الوحوش اللاحمة الكبيرة.
وهكذا قالت أليشيا إنه بعد القضاء على الوحوش الحالية، يمكن التحكم في أعداد الوحوش المستقبلية من خلال مراقبة الكالاو.
لقد أربك هذا المنطق الكثيرين.
ألَم يكن القضاء على الوحوش الحالية هو التحدي الأكبر؟
قالت أليشيا إنها لا تحتاج إلى مساعدة خاصة كل ما تحتاجه هو الإذن بدخول الغابة.
فمنحها رايكهارت شارة صديق الدوق الأكبر الأولى.
تلك الشارة تخوّل حاملها قيادة حرّاس الحدود في الغابة بالإضافة إلى الحرس الشخصي للدوق الأكبر.
وفي اليوم الأول الذي تسلّمت فيه الشارة، أُبيدت مجموعة الإيتو المحيطة بالبحيرة بالكامل.
ومع مرور كل يوم، تقلص عدد الوحوش.
وبحلول اليوم الثالث، كانت على وشك الانقراض.
وهكذا، اختفى مخلوق تلو الآخر من نظام الغابة البيئي.
ثم جاء هذا اليوم.
كانت أليشيا تقود آخر قطيع من الغوتلان إلى الساحة المليئة بالفخاخ.
ولم تحاول التقدّم إلى قلب المعركة.
فحتى دون دعمها، صار جنود تيسن قادرين على مقاتلة الوحوش بمهارة.
كانت تتابع فقط أي غوتلان يحاول الهرب من القطيع، وتطارده لتقضي عليه بنفسها.
أما فرسها، الذي ركبته لأكثر من شهر، فقد صار يطارد الوحوش دون أن يحتاج إلى أوامر.
رمحها كان يصيب نقطة ضعف الغوتلان بدقةٍ مميتة.
ضُرب الغوتلان في أذنه اليسرى فصرخ “سكيييرتش!” وتمايل مترنحًا.
قفزت أليشيا عن ظهر الحصان أثناء مروره، وضربت رمحها في الهواء، فقطعت ساق الوحش اليمنى بضربةٍ واحدة.
كانت حركةً نظيفة وسريعة.
ولمّا أحسّ الحصان بأنها ترجّلت، دار عائدًا نحوها.
وعند صهيله المألوف، هزّت أليشيا رمحها لتتخلص من الدم، واقتربت منه.
وحين عادت لتركب، دوّت صرخات الغوتلان الحادة من بعيد.
“سكيييرتش!”
“سكييييرتش!”
“سكيييرتش!”
ولم يكن مصدرها بعيدًا.
فمن بين الهاربين، كانت القائدة الحقيقية للقطيع غوتلان ذات أذنٍ صفراء، أنثى.
ذوات الآذان الصفراء كنّ يحمين الصغار أو غير الناضجين من القطيع، ويحافظن على نسلهم حين يتعرضون للهجوم.
كما أنهنّ من يقدن صرخات القطيع المميّزة.
تلك الصرخات كانت قادرة على إصابة آذان البشر بالصمم المؤقت، وفي الوقت نفسه تُربك قدراتهم الإدراكية.
صرخت أليشيا: “انطلق!”
حتى بالنسبة للغوتلان، استخدام الصوت كسلاح لم يكن أمرًا سهلاً بل نادرًا، لا يحدث إلا حين تكون حياتهم على المحك.
“أسرعوا، أسرعوا!”
ولم يكن القضاء التام على القطيع يكتمل إلا بقتل الأنثى ذات الأذن الصفراء ومن معها.
وكانت تلك المهمة دائمًا من نصيب أليشيا.
فالهاربات كنّ يتحركن دومًا بعيدًا عن القطيع المستدرَج.
ولم تشرح أليشيا هذا الأمر لأحد، كانت تفترض ببساطة أنها ستتكفل به بنفسها.
لكن في خضم المعركة، قد تنحرف الأمور عن الخطة.
وكان ذلك يُحبطها.
عضّت على شفتيها بشدة، وحفزت فرسها نحو الأمام.
“سكييييرتش!”
دوى صراخ حاد من وراء الأشجار.
اشتدت الرياح بينما كانت فرسها تشق طريقها بينها.
وما إن دخلت فسحة صغيرة حتى فاحت رائحة الدم الكثيفة في الهواء.
ابتعد الحصان برأسه عن المشهد كان يعرف أن أليشيا لا تترك جثثًا قذرة هكذا.
“هشش…”
هدّأته أليشيا ونزلت عن ظهره.
وعلى أطراف الساحة، تناثرت جثث غوتلان ممزقة.
لولا السياق، لما عرف أحد أنهم كانوا غوتلان.
“طَخ!”
صوت ضربة ثقيلة، كأن قربة ماء سقطت على الأرض، تبعه ازدياد رائحة الدم.
رفعت أليسيا رأسها فتجمدت.
“…جلالتك؟”
كان هناك رجل يقف وسط الجثث، يمسك بأذنه بيد، وباليد الأخرى فأس ملطخ بالدماء.
كان رايكهارت، الدوق الأكبر نفسه، يستند إلى فأسه كما لو كان عصاه.
“……”
نظر إليها بدهشة.
عينيه الكهرمانيتين تحدقان مباشرة في أليشيا.
“ما الذي تفعله هنا؟”
سألته أليشيا. لم يجب.
“……”
كانت عيناه مركّزتين على ساقيها الظاهرتين تحت تنورة قصيرة بالكاد تغطي الفخذين.
نظرة الدهشة على وجهه بدت وكأنه رأى شيطانةً هاربة من الجحيم.
أدركت أليشيا الموقف متأخرة.
“آه، هذا؟”
“هل هاجموكِ؟”
تحركت عيناه الكهرمانيتان أخيرًا إلى وجهها.
لكن حتى وهو ينظر إليها، بدا وكأنه لم ينسَ أمر التنورة.
“في الحقيقة، ليس تمامًا، ولكن إن عدنا إلى السبب الجذري… فربما نعم بطريقة ما…”
تلعثمت وهي تحاول شرح الموقف. كانت قد نسيت الأمر كله وهي تندفع للقتال.
“ماذا تعنين؟”
سأل رايكهارت وهو يمسح الدم عن فأسه.
“عندما تقفز عن الحصان، وتتسلق الأشجار، وتجري بسرعة… تصبح التنورة عبئًا مزعجًا.”
“طالما لم تتعرضي لهجوم، فهذا جيد.”
“نعم…”
أجابت بخجل، بينما كان نظره ثابتًا على وجهها فقط.
نظراته الصارمة جعلتها تشعر بحرارة في خديها.
“بما أن الأمر انتهى، فلنعد؟”
قالت أليشيا محاولة كسر الصمت.
“أود ذلك، لكن يبدو أننا بحاجة للانتظار قليلاً.”
أجاب وهو لا يزال ينظر إلى وجهها فقط كأنه لو نظر إلى مكان آخر ارتكب ذنبًا.
ولما همّت بسؤاله عما يقصده، استدار فجأة بعينيه الحادتين.
كان حصانه ممددًا بين جثث الغوتلان، يلهث بصعوبة.
أدارت أليشيا وجهها بعيدًا فقد شعرت أن الحصان لا يريدها أن تقترب منه.
أخرجت من حقيبتها عباءة وارتدتها.
كانت عباءة مزدوجة الطبقة، نصفها السفلي مبطن بالحرير بلون مماثل لقميصها.
وعينا رايكهارت تابعتا حركاتها بصمتٍ غامض وهي ترتديها.
مدت يدها تربّت على جبين الحصان وقالت بابتسامة:
“انظر، لم يتسخ بعد، أليس كذلك؟”
قالت ذلك وهي تُبقي نظرها على الحصان.
“هل أنتِ من ضربته؟”
“نعم.”
“ألا تفضلين معطفًا وسروالًا للركوب؟”
سألها بجدّية.
همست أليشيا بأسنان مشدودة:
“ديزي لن تسمح. تقول إن ارتداء السروال يُهين كرامة السيدة، وإنه يجب على السيدة أن تركب جانبيًا دائمًا. ربما ستظن أن العالم انتهى لو رأتني أرتدي سروالًا وأستخدم الركابين معًا.”
تذمرت كطالبة تشتكي من أستاذتها الصارمة.
في الواقع، كانت ديزي قد اقترحت أن تُقص التنورة حتى أسفل الركبتين.
لكن ما أحضرته فعلاً كان أطول من ذلك، فقطعته أليشيا بنفسها حتى فخذَيها قبل دخول الغابة لأن الحركة كانت أسهل هكذا.
لكن البرد في تيسن لم يكن يُحتمل.
قال رايكهارت بنبرة حازمة:
“سأرسل لك معطفًا وسروالًا يناسبانك.”
“لكن ديزي ستـ”
قاطعها قائلًا بهدوء:
“ارتدي العباءة فوقهما حين تكون حولك.”
توقفت أليشيا لحظة، ثم ضحكت بخفة وهزت رأسها:
“اتفقنا.”
عندها، نهض الحصان المرهق مجددًا.
“هل نذهب؟”
ربّت رايكهارت على عنقه.
ساقت أليشيا فرسها أيضًا، وسارا معًا ببطءٍ عبر الغابة.
كانت ممرات فيلا ليليزيت غارقة في الظلام.
وفي ذلك الظلام، تحركت ظلالٌ بصمتٍ تام.
ثلاثة أشخاصٍ ملثمين، لا صوت ولا إشارة بينهم.
كل حركةٍ كانت ضمن خطةٍ مرسومة مسبقًا عملية كاملة بلا خطأ.
وحين وصلوا إلى الدرج الأخير، تبادلوا النظرات.
الهدف كان قريبًا جدًا.
من هنا فصاعدًا، لم يكن الصمت أهم من السرعة والنتيجة.
تقدم القائد أولًا وفتح الباب بسرعة، تبعه الاثنان إلى الداخل.
طَخ، طَخ.
الخطة بسيطة: الأول يفتح الباب، والآخران يدخلان لتأمين الهدف.
لكن ما تلا ذلك لم يكن صوت تفتيش بل فوضى.
شعر الثالث فورًا أن شيئًا فظيعًا حدث.
كان رفيقاه ممددين على الأرض يرتجفان بلا وعي، كأنهما تسمّما.
لكن الأسوأ من ذلك أنهما لم يكونا وحدهما في الغرفة.
ففي الزاوية القريبة من النافذة، كان زوجٌ آخر من المقنعين ممددين بدورهما.
وفي وسط الغرفة، تقف امرأة ترتدي ثياب النوم الدافئة، وجهها هادئ.
كانت السيدة نفسها الهدف الذي جاؤوا لاغتياله.
كان القاتل محترفًا، درس هدفه بدقة، حفظ تحركاتها، طرق نومها، أماكن الحراسة…
لكن ما رآه الآن لم يُصدقه.
الهدف، السيدة النبيلة التي كان يفترض أن تكون نائمة في فراشها كانت تقف في وسط الغرفة، تنتظره.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 23"