⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
ما هذا؟
بجوار البرج المركزي في كنيسة الغابة، وقفت مكتبة الفجر.
وبجانب تلك المكتبة المتسلقة عليها الكروم، كان هناك مبنى صغير متداعٍ من طابق واحد فقط.
ذلك المبنى كان مدخل محكمة التفتيش الدينية المكان الذي قيل إن المهرطقين يخشونه أكثر من أي شيء في العالم.
كان المبنى البالي يضم سلماً طويلاً يقود إلى الأسفل الطابق السفلي الأول، ثم الثاني، فالثالث، حتى الرابع.
قيل إن الدرج يلتف بشكل لولبي نحو الأعماق، لكن أحداً لم يعرف التفاصيل بدقة.
تقول الشائعات أيضاً إن تلك الدرجات الحجرية القديمة مُلطخة ببقع دماءٍ لا حصر لها لكن لا دليل مؤكد على ذلك.
ورغم أن المدخل بدا كأنه سينهار في أي لحظة، كان المفتشون يأتون ويذهبون منه عشرات المرات يومياً.
أما القضاة الذين يرتدون أردية قاسية رسمية، فكانت ملامحهم شاحبة متعبة، كأن أرواحهم قد نُزعت منهم.
على عكس أولئك القضاة الضعفاء الذين قد يسقطون من نفخة هواء، كان مفتشو الهرطقة يتميزون بهيئة صارمة حادة، لا تُبدي أي ضعف.
كان أولئك المفتشون بعباءاتهم السوداء، يُرهبون الناس ببرودهم اللا إنساني كأن الدم لا يجري في عروقهم.
أمام المبنى المتآكل، وقف أكثر من ستة من مفتشي الهرطقة.
وأمامهم تماماً، كان رجلٌ مطروحٌ على الأرض كأنه خرقة بالية.
أضاء شابٌ وجهه بمشعلٍ صغير وقال:
“تفضّلوا بالتأكد.”
تحت الضوء الكاشف، كان أول ما لفت الأنظار الرمز المهرطق الكبير المعلق حول عنقه.
“ما هذا بحق السماء؟!”
صرخ أحد المفتشين بغضبٍ شديد عندما رآه.
حرّك المتدرّب الشعلة ليكشف عن ذراعي الرجل وساقيه.
تقدّم شابٌ آخر، في العمر نفسه تقريباً، ورفع كمّه الأيسر فبان عقد عليه رمز الطائفة ملتفّ حول معصمه كالسوار.
“من الذي أحضر هذا الرجل إلى هنا؟”
زمجر المفتش الكبير، وقد تجعّد وجهه من الاشمئزاز كأنه يشمّ رائحة نتنة.
“كنا في طريقنا إلى صلاة الفجر، يا سيدي، فوجدناه مطروحاً أمام المبنى.”
“ولما رأينا الرمز عرفنا أنه من تلك الطائفة الملعونة التي سببت كل تلك الفوضى قبل سنوات، فأبلغنا أساتذتنا.”
أجاب المتدرّبان باحترامٍ وخضوع.
لكن أحد الرجال المسنين الذين كانوا يستمعون إلى التقرير أشار بإصبعه نحو شيءٍ متدلٍ من خصر الرجل وسأل:
“وما هذا الذي يحمله؟”
فتح المتدرّب القريب الكيس السميك المعلّق على جانبه
“……!”
كان الكيس ممتلئاً حتى الحافة برموزٍ مهرطقة!
تراجع المتدرّب فجأة كأنه رأى رأساً مقطوعاً، وأسقط الكيس من يده.
تدحرجت الرموز المعدنية على الأرض وهي تُصدر طنيناً بارداً.
“ه-هذا…”
“يا للنجاسة…”
“قذارة!”
انطلقت أصوات الفتيات اللواتي كنّ يضعن القبعات الزرقاء الداكنة في صفوف قريبة من المكتبة.
“ما الذي يحدث هناك؟”
“إنها رموز تلك الطائفة الكافرة قبل ست سنوات! التي كانت تؤمن بأن قتل الأطفال يمنح الخلود! لقد انتشر الخطف وقتها حتى أننا لم نعد نخرج من منازلنا!”
كانت أصواتهن الرقيقة تتردد في هواء الفجر النقي.
“كح… كح…”
وفي تلك اللحظة، بدأ الرجل الملقى على الأرض يسعل ويستعيد وعيه.
قال أحد المفتشين بصوتٍ حازم:
“خذوا هذا الخاطئ إلى الطابق الثالث.”
“حاضر، سيدي.”
“سأتولى استجوابه بنفسي. أعدّوا كل شيء بعناية.”
“أمركم!”
رفع المتدرّبون الجسد عن الأرض، واتجهوا به نحو مدخل المبنى المتداعي.
“ان-انتظروا… أرجوكم…”
تمتم الرجل الذي بدأ يستفيق كان هو بيك.
لكن أحد المتدرّبين سحب قطعة قماشٍ سوداء من عباءته ووضعها على فمه بإحكام.
“ممف! مـمـف!”
كانت أصوات احتجاجه المكتومة تتلاشى تدريجياً.
“هل استيقظ؟”
“من يكون؟”
“هل هو فعلاً أحد أولئك المهرطقين؟”
تجمعت الفتيات حول المشهد يحاولن النظر عن قرب.
تقدّم مفتشٌ نحيل الوجه، في منتصف العمر، وخاطبهن بصوتٍ كالرعد:
“أيتها المزعجات! الشمس على وشك أن تشرق! ألا تجدْن ما تفعلن غير التطفل؟!”
قفزت الفتيات من أماكنهن وهرعن مبتعدات.
لكن واحدة منهن، ذات هيئة أرستقراطية، التفتت وقالت متحدية:
“لم تشرق بعد أيها السيد الغاضب!”
فزمّ شفتيه متذمراً وقال وهو يبتعد:
“جيل اليوم… لا يعرف الاحترام.”
ورغم تذمّره، لم يخفِ ابتسامة ساخرة جافة ارتسمت على فمه لكنها سرعان ما تلاشت حين دخل مبنى المحكمة.
دوّت خطوات السلالم الحجرية بصوتٍ مكتومٍ من مقاومة الأسير.
قال أحد المفتشين الصغار بتردد:
“هل يُعقل… أنهم عادوا؟”
أمال الرجل النحيف، واسمه جوزيف، رأسه قليلاً وقال:
“لقد قضينا عليهم جميعاً… أنت وأنا. لا أفهم كيف يظهرون مجدداً. أرسل أوامر إلى المساعدين: تحرّوا عن أي شخصٍ يُدعى (بيك).”
“بيك؟”
“كان هذا الاسم مكتوباً على الأشياء التي عُثر عليها معه.”
“سأتحقق فوراً.”
وفي صباح ذلك اليوم، انتشرت شائعة كالنار في الهشيم في العاصمة تقول إن “مهرطقاً جديداً ظهر فجأة في قلب المدينة.”
وفي الوقت ذاته، توقفت شركة تجارة الأعشاب لعشيرة غريغن عن جميع أنشطتها في العاصمة واختفت فجأة.
قال الناس إنهم عادوا إلى قاعدتهم في أطراف الحدود، متعجبين من كونهم قطعوا طريقاً شتوية قاسية عبر صحراء تيسن، ليغادروا دون أن يفرغوا حمولتهم.
لكن بما أن التجار خصوصاً من يعملون كعشائر كانوا معروفين بتقلبهم وغموضهم، نُسي أمرهم بسرعة.
وبينما كانت العاصمة تضجّ بالشائعات حول المهرطقين، ظل بيت البارون غريتز صامتاً يومين كاملين.
ثم أرسل البارون كبير خدمه، لوثر، إلى رايكهارت مرة أخرى.
بدأ لوثر الحديث قائلاً:
“هل يتذكّر سموّكم الفتى الخادم من بيت البارون، الذي اختفى منذ أيام؟”
رد رايكهارت بلا مبالاة:
“ما كان اسمه مجدداً؟”
ابتسم لوثر باعتذارٍ وقال إن الخادم لم يمضِ في القصر سوى أسبوعٍ واحد، لكنه رغم قصر خدمته يُعدّ من أهل البيت، ولذلك بحثوا عنه بجدّ.
لكنهم اكتشفوا أن خلفيته مشبوهة.
وأضاف أن بيت البارون لا علاقة له باختفائه، وقدم رسالة مختومة بالشمع من البارون نفسه.
فتح رايكهارت الرسالة، وسأل فجأة:
“ذكّرني، ما اسمك؟”
“لوثر، يا صاحب السمو.”
كان مجلس الاستقبال مغطى بستائر مزدوجة تحجب الضوء، والسجاد الكثيف يبتلع وقع الخطوات.
في تلك الأجواء الدافئة المهيبة، ساد صمت ثقيل.
قال رايشارت أخيراً:
“لوثر.”
“نعم، سموّك.”
“أبلِغ البارون أنني فهمت مقصده. يمكنك العودة الآن.”
انحنى الخادم وقال:
“عفواً يا سيدي، إن احتجتم إليّ في أي وقت فأنا في الخدمة.”
ثم غادر بخطواتٍ ثابتة.
أعاد رايكهارت نظره إلى الرسالة، وقد كُتب فيها بخطٍ منمّق:
[نقدّم الجواب بحياة حامل هذه الرسالة.
فليكن الحكم كما يراه سموّكم مناسباً.
ممتنون دوماً لعطف دوق تِيسِن الجليل.
غريتز.]
وما إن أُغلق باب القاعة خلف لوثر، حتى أعاد رايكهارت الرسالة إلى ظرفها بعينين جامدتين.
كان صباح الغابة يلفّه ضبابٌ كثيف.
في أعالي الأشجار، جلس خوان لوكنز منحني الظهر بين جذعين، وهمس:
“إنهم قادمون.”
دوّى صفيرٌ حادّ في الهواء.
ومن بين الأشجار، انتشر الجنود متأهبين.
ومع اشتداد وقع الأقدام القادمة، اشتدت قبضاتهم على الأسلحة.
“كيييييخ!!”
ظهرت وحوش الغوتلان مكسوّة بالفراء الأحمر من الرأس حتى القدم.
كانت أطرافها الأمامية أطول من الخلفية، فتندفع بأربع لكنها تقف على اثنتين لتهاجم أو تمسك الأسلحة، ولهذا سُمّيت أطرافها “أذرعاً وأرجلاً” لا “أقداماً وأيادي.”
كانت أشبه بالقرود، لكن بوجوهٍ كوجوه كلاب الصيد أنوف طويلة، وعيون جاحظة بنية باهتة.
أصغر من الدببة الجبلية، لكن أضخم من الغوريلا،
كانت تهجم جماعاتٍ جماعات.
صرخ أحد القادة:
“افتحوا السيل عليهم!”
فانطلقت تيارات الماء كالسياط تضرب الغوتلان من الأمام والجوانب.
تراجعت الوحوش، تصرخ بعواءٍ حادّ.
“سدّوا الطريق عند الثالثة!”
ارتفعت حواجز ضخمة مُغطاة بالمسامير من باطن الأرض، تحولت إلى جدارٍ فولاذي على جانب الغابة.
طاخ! دوّي! تحطّم!
اصطدمت بعض الغوتلان بالحواجز فلم يبقَ منها سوى لحمٍ ممزق.
أحد الجنود شهق عند رؤيته المشهد المريع،
وأدرك فوراً لماذا كانت الليدي أليشيا تعارض استخدام الحواجز.
فما بقي منها لا يمكن حتى تمييزه.
في ساحة الصيد، كانت المعركة على أشدها.
تحت ضربات الماء فقدت الغوتلان توازنها،
وبينما تجمّدت في أماكنها، كانت المطارق تهوي على رؤوسها.
توقف خوان عن الرسم في دفتره، وهو يراقب المشهد من بين الأغصان.
كانت الوحوش معزولة تماماً المياه من الأمام، والحواجز من الجانبين.
لم تستطع المقاومة، فسقطت واحدة تلو الأخرى.
الجنود قاتلوا بتنسيقٍ مدروس، يضربون نقاط الضعف بدقة.
لكن في وسطهم، فأسٌ واحد كان يهوي بلا رحمة على جماجم الوحوش، يحطمها تحطيماً.
لم يكن في ضرباته أي تردد أو شفقة.
قال أحدهم بدهشة:
“من هذا؟”
كانت أليشيا قد عارضت نصب الحواجز قبل الصيد، لأنها أرادت الحفاظ على جلود الغوتلان الثمينة التي تصلح لصناعة أشياء كثيرة.
لقد حذّرتهم من تمزيقها.
حتى أن خوان نبه الجنود تلميحاً إلى ذلك، متوقعاً انزعاجها إذا رأت وجوه الوحوش مهشّمة.
لكن قبل أن يهبّ من مكانه ليرى من يفعل ذلك، توقف حين سمع الصوت:
“أين أليشيا؟”
“عند نبع موستو!”
وخلف ذلك الصوت كان رايكهارت، على صهوة جواده الأسود،
يخترق ساحة المعركة كالعاصفة.
كانت الوحوش تتساقط تباعاً أمامه، وجواده ينفث بخاراً ساخناً.
كان يرتدي درعه الكامل، كأنه خرج للتو من ساحة حرب.
ذلك الشتاء كان غريباً بلا ثلوج تقريباً.
بسبب ذلك، كثرت المعارك على الحدود الغربية.
لكن هذه المرة، رغم تقارير الكشافة التي استدعت حضوره،
تردّد رايكهارت في الذهاب.
وقد أدهش ذلك الجميع،
لكنه كان مفهوماً في نظر قلة قليلة لأن ما كان يقلقه حقاً… هو غابة موستو.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"