لكن بيك، الذي كان متحفزًا أصلًا بعد دخوله الغرفة الخاطئة سابقًا، لم ينخدع بهدوءٍ مخادع.
قاوم جاذبية الصوت المهدّئ.
لكن لم يستطع أن يتحرك.
ففي اللحظة التي حاول فيها تحديد العدو الذي تخفى بضعفٍ وبساطةٍ ظاهرية
طَخ! قوة مفاجئة ضربت صدغه.
تشوّشت رؤيته، وأخذ العالم يميل جانبًا.
وبالرغم من ذلك، وبما يليق برتبة قاتل من الدرجة الأولى، أبقى عينيه مفتوحتين حتى وهو يفقد وعيه.
وبينما سقط، لمح يدًا تمسك بلا مبالاة بشعار العُبّاد الذي وضعه هو بعناية.
(متى… متى أخذوه…!؟)
كان ذلك آخر ما خطر في ذهنه قبل أن يغرق في السواد.
طَخ!
سقط جسده بصمت على الأرض.
لم يُصدر سوى صوت خافت لجسده الرشيق الذي كان معدًا للتخفي.
مكسوًّا بالسواد، ووجهه محجوب، بدا كتلةً مظلمة وسط العتمة.
خشخشة، ارتطام.
كان الصوت صادرًا عن أليشيا.
كانت تهز رموز العُبّاد في يدها كما لو كانت لعبة.
لو رآها متعبّد متعصّب، لما استطاع حتى أن يرفع بصره من هول التجديف.
ولو رآها مُحقِّق تابع للإمبراطور، لاستُدعيت على الفور لمحكمة هرطقة.
جمعت أليشيا كل رموز العُبّاد حتى آخرها.
انتزعت الكيس الأسود من حزام القاتل وخبأت الرموز فيه بعناية.
ثم ألقت بالكيس المنتفخ فوق جسده الساكن.
وبلا تردد، راحت يدها الرقيقة تفتش في حزامه وثيابه الداخلية.
كيس يحوي عملات ذهبية وفضية.
خنجران رفيعان حادان.
ثلاث قوارير لدواء مجهول.
جمعت كل شيء بأصابعها السريعة ووضعتها على المكتب.
ثم اقتربت من القاتل المغمى عليه وهمست:
«شيء غريب تسلل إلى هذا البيت.»
وبعد لحظة قصيرة، أمسكت بكتفه رغم أنها كانت حافية القدمين وفي ثوب نومها.
ورغم أن جسده كان بمتوسط حجم رجل ناضج، جرّته كما يُجرّ فزّاعة.
وبينما تمشي، كانت ثيابه تحتك بالأرض، وتتصادم الرموز داخل الكيس في رنين خافت.
وسرعان ما انفتح الباب ثم أُغلق، فقطع الصوت.
نقرة.
كان الليل حالكًا، بلا حتى ضوء قمر يبدد الظلام.
أما مقرّ عشيرة غريغن الميداني فكان غارقًا في سكون ثقيل.
●●●
«أتقول إن بيك قد فشل؟»
لم يجرؤ الرجلان الواقفان أمام الزعيم على رفع رأسيهما.
«يبدو كذلك.»
«راجعنا محيط السور الخارجي منذ منتصف الليل، لم نجد أثرًا لخروجه، ولا أي إشارة طوارئ.»
لم يكن هذا تكليفًا يمكن لقاتل من الدرجة الأولى أن يفشل فيه.
ولأخذ الاحتمالات بالحسبان، كانت المهمة قد قُدمت له بخيارين.
«وتقولان إنه لم ينجز أياً منهما؟»
ثلاث رسائل كانت على الطاولة أمام زعيم عشيرة غريغن.
إحداها تحمل تفاصيل المهمة للقاتل.
أما الاثنتان الأخريان فمُعدتان لإرسالها إلى العميل، بحسب النتيجة.
ورغم أنهم حضّروا رسالة للفشل تحسبًا، لم يتوقعوا يومًا استخدامها.
«لا بد أنها امرأة ذات عمرٍ طويل.»
«لابد أن في الفيلا تدبيرًا لم نلحظه.»
قال الرجلان بجديّة.
«هذا غير معقول. ألم تؤكدوا أنه لا يوجد حرس مسلّح في الداخل؟ حتى لو وُجدوا، أتعني أن قاتلنا عجز عن زرع بضع تعاويذ في غرفة فتاةٍ نائمة والانسحاب بسلام؟»
وبّخهم الزعيم فانخفضت رؤوسهم أكثر.
«معلوماتنا عن الفيلا كانت ناقصة للغاية…»
«وربما تجاوز حدود المهمة حين حاول إنجاز الخيارين معًا.»
تجهم الزعيم.
«فتاة في التاسعة عشرة يُفترض أنها نائمة كانت أكثر مما يحتمله قاتل من الدرجة الأولى؟ أهذا كلام يليق بعضو في عشيرة اغتيال!؟»
وفيما ارتفع صوته، فُتح ستار الخيمة.
دخل رجل يرتدي زي بائع أعشاب متواضع، وسلّم رسالة للزعيم.
«رسالة من العميل. يبدو أنهم بادروا أولًا بعدما تأخر تقريرنا.»
«حسنًا. يجنبني عناء كتابة رسالة بفشلنا.»
قالها الزعيم بسخرية وهو يفتح الرسالة.
لكن ما إن قرأها، حتى تجمدت يداه في مكانهما.
حدّق الرجال الثلاثة فيه مترقبين.
وبعد صمت طويل، طوى الرسالة وقال بنبرة مقلقة:
«ننسحب.»
التزم رجاله الصمت، مدركين سوء مزاجه.
«نحن على أمرك.»
أخذ حامل الرسالة الورقة وغادر.
كانت تحوي عبارة:
[من هذه اللحظة، انسحبوا من الأمر.]
تلاقى نظره مع الزعيم في صمتٍ ثقيل.
«هل نتوجه مباشرة إلى العاصمة؟»
«نعم.»
«وماذا عن العناصر المتبقية في الميدان؟»
«ابقَ أنت. وبعد أن ينهوا، أرسلهم إلى هوانغدو. علّقوا كل نشاطات العشيرة الآن.»
«هل نواصل مراقبة بيت الصديقة؟»
«عن بُعد فقط.»
ثم خرج الزعيم متخفيًا بزيه المتواضع، وتبعه الرجل، مندمجًا مع من يستعدون للرحيل.
كان قلب الشتاء.
والريح القارسة تعصف من الفجر حتى الغروب.
لكن في قاعة استقبال دوق تيسن الكبرى، لم يتسلل حتى همس هواء.
القصر الهائل كان يفيض دفئًا.
هدوء سكن المكان المهيب المرتب.
يد رايكهارت، التي كانت تمتد لكوب الشاي، توقفت لحظة.
ثم أكملت حركتها ورفعت الكوب البخاري إلى شفتيه.
«ماذا قلت الآن؟»
قاعة استقباله كانت أقرب لصالون، لا لعرش.
فلا منصة ولا درجات، بل يجلس المضيف والضيف متقابلين على مستوى واحد.
لكل منهما طاولة شاي إلى جانبه.
«الآنسة أليشيا تحتجز أحد رجال عائلة غريتز. أرجوك يا صاحب السمو، أتوسل أن تُنهي هذه المسألة.»
قال لوثر، خادم عائلة غريتز، بوجهٍ كئيب كمن فقد عزيزًا.
كان قد وصل ليلًا إلى القصر الرئيسي لتيسن، والملامح الحزينة لا تفارقه.
طلب لقاء الدوق بحجة إيصال رسالة من البارون غريتز، لكن أيضًا لرغبته في مقابلة سيدة فيلا ليليزيت في الجلسة ذاتها.
عُقد اللقاء فجرًا.
لكن السيدة التي طُلب حضورها لم تظهر.
«وكيل البارون غريتز، لوثر.»
«نادني لوثر فقط، يا صاحب السمو.»
قال بتواضع وانحناء.
«لوثر.»
«أنا والبارون ندرك صعوبة موقفك، يا صاحب السمو. لكن الأمر يتعلّق بحياة رجل.»
«حياة رجل، تقول.»
ردّد رايكهارت كلماته وهو يحتسي الشاي.
«قبل يومين، جئت أنا ورجال البارون لزيارة الآنسة أليشيا. أبدى سيدنا رغبة في صلةٍ بها، وبدا أنها تجاوبت. آنذاك، طلبت من أحد المرافقين بيك أن يبقى. ومنذها لم يعد. لم يرتكب ذنبًا، ومع ذلك أبقته… لا نفهم لماذا لم يُطلق سراحه.»
تحدث لوثر بنبرة يائسة، كمن فقد صديقًا قديمًا.
«أفهم الوضع.»
وضع رايكهارت كوبه.
«يا صاحب السمو، قد يكون مجرد خادم، لكنه يظل من رجال غريتز. وإن أرادت ليليزيت إثبات براءتها من اختفائه، فعليها فتح الفيلا للتفتيش. وإلا فسيصعب علينا تصديقهم.»
تلألأت الدموع في عينيه، وصوته ازداد صلابة.
«سأحقق في الأمر. سأتواصل مع البارون. يمكنك الانصراف.»
«أعتذر يا صاحب السمو. سأنصرف.»
خرج لوثر بالوجه الكئيب نفسه.
لكن رايكهارت لم يرفع عينيه عن كوب الشاي حتى أغلق الباب تمامًا.
حينها فقط نهض.
«هنريك.»
عند النداء، أزاح هنريك الخزائن المزخرفة على الجدار، فكشف عن حجرة مخفية خلفها.
مشابهة في ديكورها للخارج، لكنها تتوسطها طاولة بيضاوية كبيرة.
جلست أليشيا على مقعد الصدارة، محاطة بخدم تيسن وليليزيت.
كانت ترتشف شايها بابتسامة غريبة، تهمس لنفسها بشفاه منحنية:
«إذًا كان اسمه بيك.»
توقف رايكهارت في مكانه، محدّقًا إليها بعينيه الكهرمانيتين.
بادلت نظراته بهدوء، وجهها بريء رصين، كأنها لا تدرك سبب تركيزه.
الغرفة ضخمة، فلا سبيل أنه سمع همسها.
حتى ديزي، الجالسة قربها، لم تسمعه.
«ليخرج الجميع.»
الغرفة المخفية كانت عازلة للصوت أيضًا.
«يا صاحب السمو!»
قفزت ديزي مذعورة، تريد الدفاع عن سيدتها.
لكن أليشيا وضعت يدها برفق فوق يدها.
«لا بأس.»
ابتسمت ديزي، فرِحة بصلابة سيدتها. لكنها لم تصدق أن أليشيا قد تؤذي أحدًا.
بقيت أليشيا ورايشارت وحدهما.
جلس مقابلها على الطرف الآخر من الطاولة الطويلة.
وسأل بجفاف:
«هل قتلته؟»
اتسعت عينا أليشيا، متظاهرة بالدهشة:
«عفوًا…؟»
لكن الارتباك في صوتها فضحها.
م.م: حبيييييت تغير البطلة❤️
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 20"