أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
رياح عاتية صفعت وجه أليشيا.
تبعثرت خصلات شعرها المموجة التي سهرت ديزي على تمشيطها منذ الفجر، وعبثت بها الرياح بلا رحمة.
حتى صدريّة فستانها الضيقة، المفصّلة خصيصًا لصدّ البرد، لم تستطع أن تمنع الرياح من اختراقها.
وبرقع المخمل القصير للفستان كان يتطاير في كل اتجاه مع العصف العنيف.
تنورة فستانها الواسعة تمايلت بعنف، وأصدرت خشخشة مخيفة.
حثّت أليشيا حصانها على الركض أسرع، مندفعة مباشرة في مواجهة الريح.
لم ترتدِ أي زينة شعر أو حُليّ، تمامًا من أجل هذه اللحظة.
وبينما كانت تحثّ حصانها على الاندفاع، تعقّب وقع حوافر أخرى مسرعة خطواته.
“سيّدتي… ألي… ألي… شـيا…!”
كان الصراخ في وجه الريح المباشرة مهمة شاقة.
الهواء الشتوي البارد اندفع إلى فم خوان في كل مرة حاول فتحه.
“سيّدتي…!”
استخدام الألقاب والحديث الرسمي أثناء مناداتها لم يساعد على الإطلاق.
فكلما صرخ “سيّدتي” وحاول إكمال الاسم، صفعت أنفه وفمه عاصفة جليدية.
أي توقف بين “سيّدتي” و”أليشيا” كان بمثابة فشل.
لم يستطع أن ينادي دوقة المستقبل باسمها فقط.
“سيّدتي را…!”
حاول خوان اختصار الأمر بمناداتها بلقب عائلتها، راين.
لكن الصراخ أثناء الركض بالحصان كان مرهقًا بذات القدر.
(تبا!)
فرسان الحراسة الذين يركضون متقطّعي الأنفاس رمقوه بنظرات لعن صامتة.
لو كان أحد أفرادهم، لشتموه جهارًا مئات المرات حتى الآن.
“سيّدتي-آه-سيا!”
كلما فتح خوان فمه أثناء الاندفاع، عانى من بؤس جديد.
فالركوب وحده بهذا السرعة كان مرهقًا كفاية.
والريح الشمالية المثلجة، وقد غاصت في عمق الشتاء، صفعت وجوههم بلا رحمة.
بدأ إحباط الحرس يتوجّه إلى هدف أسهل.
(أنت أحمق!)
أعينهم الحمراء المتورّمة من الريح حدّقت في رودريك.
ملامح وجوههم المتشنّجة تصرخ بلا صوت:
(ألستَ من قلت إنّها أول ابنة نبلاء تولد منذ 200 عام لبيت مركيز شمالي عريق، ويجب أن نحرسها بلطف قدر المستطاع؟!)
(حتى لو خطت ثلاث خطوات وتوقفت، لا تُبدوا أي تذمّر، هكذا قلت!)
(قلتَ إنّها ربما لم ترفع شيئًا أثقل من ملعقة حساء، فلا تُظهروا أمامها قوة خشنة!)
كان رودريك روزا الابن الثامن بين تسعة أبناء وسبع بنات لفيكونت.
كان والده جنديًا صارمًا في الانضباط حتى داخل الأسرة.
وبين إخوته الأكبر والأصغر، تعلّم رودريك أن يكون فطنًا وماهرًا في التصرّف.
تطوّع للمجيء إلى تيسن في سن الخامسة عشرة ليشقّ طريقه وحده أعظم مواهبه كانت البقاء.
وأصبح مساعد الدوق الأكبر في سن صغيرة بفضل قدرته على التوازن بين اللياقة والحصول على ما يحتاجه.
داخل تيسن، كان كلام رودريك روزا موثوقًا للغاية.
كلمته كانت ذات قيمة.
لكن اليوم، تلك الثقة تلقت ضربة قاسية.
“سيّدتي! اكسروا التشكيل!”
متجاهلًا النظرات الساخطة والمستغربة، أشار رودريك بيده.
رغم صعوبة الموقف، كسر فرسان الحراسة التشكيل واقتربوا من أليشيا.
“سيّدتي!”
التقطت أليشيا التغيير في وقع الحوافر ونظرت خلفها.
كان شعرها المبعثر بفعل الريح مصدر إزعاج.
ومن خلال الخصلات التي تحجب رؤيتها، رأت الحرس يتفرّقون ويزيدون سرعتهم.
“يخيّل إليهم أنني هاربة من العدالة.”
وهي ما تزال تنظر خلفها أثناء الركوب، أفلتت أليشيا العنان.
وعندما رآها رودريك وخوان تجمع شعرها بشريط طويل، شحب وجهاهما.
“سيّدتي، أمامك!”
“انتبهـ… اللجام!”
صرخ الاثنان بجمل قصيرة مذعورة، ووجوههما متصلبة من الخوف.
“سيّدتي، اللجام!”
“انظري أمامك!”
“سيّدتي، انتبهي! أمامك!”
فرسان الحراسة الذين راقبوا ركوب أليشيا المتهور صاحوا بيأس.
أصواتهم ارتجفت من القلق.
لكن أليشيا أشرقت بابتسامة مشرقة لرؤية وجوههم القريبة من البكاء.
“أنا بخير!”
صرخت بصوت عالٍ بعدما انتهت من ربط شعرها.
(أنتِ لست بخير! ولا حتى قليلًا!)
(انظري أمامك، أيتها الآنسة!)
(عند الركوب عليكِ أن تنظري إلى حيث تتجهين! من علمكِ الركوب؟!)
لم يكبح الفرسان دموعهم إلا بعد أن أعادت أليشيا يديها إلى اللجام.
لكن شعورًا بالظلم أخذ يتنامى في قلوبهم.
كان قصر تيسن عريقًا، واسعًا.
ومع التاريخ الطويل جاءت مناظر عديدة تستحق المشاهدة.
حسب خطة رودريك، كان من المفترض أن تبدأ الجولة من البرج الرئيسي.
لكن كل شيء خرج عن المسار منذ البداية.
كان الحرس قد جهّزوا عربة مفتوحة لجولة هادئة.
وبعد أن حصلت على إذن الدوق الأكبر، أصرت أليشيا على ركوب حصان بدلًا منها.
احترم الفرسان رغبة دوقة المستقبل.
وحيث إنّ رودريك قد حذّرهم مسبقًا، وبما أنّ الركوب أسرع في الجولة، لم يكن لديهم سبب للاعتراض.
وبالنظر لفستانها الضخم، ظنوا أنّ الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا حتى تعتلي صهوة الحصان.
قدّم رودريك حصانًا احتياطيًا كان قد أعدّه.
تردّد الفرسان للحظة.
هل ينبغي استدعاء وصيفة؟
هل يصحّ إحضار خادمة؟
بعض السيدات يخشين الخيول.
لكن هل يليق أن يُوكل خادم عامي لمساعدة سيدة نبيلة رفيعة كهذه؟
تظلّلت الشكوك في رؤوسهم.
وبينما هم في تردّد، قفزت أليشيا بسهولة على ظهر الحصان.
وقبل أن يستوعبوا مشهد قبضتها على اللجام وتعديلها لتنورتها مع الركاب، كانت قد استقرت في السرج.
منذ تلك اللحظة، لم تجرِ الأمور حسب الخطة.
أمام البرج المركزي ساحة كبيرة.
نافوراتها المترفة، وتماثيلها، وحدائقها المنسقة بعناية جعلت المرء ينسى قسوة تيسن.
لكن أليشيا، وهي على صهوة الجواد، أدارت ظهرها للبرج المركزي.
وبإشارة خفيفة، قادت حصانها بعيدًا عن الطريق المحدد.
اندفعت مسرعة متجاوزة البرجين التوأمين المرصّعين بالذهب، وبرجًا أصفر يحرس ثلاثة بيوت زجاجية، وبرجًا مركزيًا ثانيًا أصغر يعرف بـ “برج الطفل”.
كل رموز فخر تيسن وتاريخه ومجده تجاوزتها أليشيا كلها.
تركت الأبراج خلفها وتوجهت نحو التلال المنحدرة.
حثّت حصانها على الركض بأقصى سرعة عبر المنحدر.
وعند أسفل التلة، امتدّت غابة ومستَنقعات.
“سيّدتي أليشيا!”
الغابة، المعروفة بأنها ممر خاص للدوق الأكبر وميدان صيده، قيل إنها مليئة بالأعشاب العجيبة.
بل هناك شائعات عن ذهب وألماس متناثر في جداولها.
حتى الدوق الأكبر نفسه ولا العائلة الإمبراطورية كانوا يعرفون ما يكمن في أعماقها.
رسميًا، لم توضع أي حامية على جدار القصر المواجه للغابة.
كانت القصص لا تُحصى عن محاولات تسلل من تلك الجهة لإسقاط تيسن أو لسرقة كنوزه المخفية.
لكن لم يُسجّل أبدًا أن أحدًا خرج حيًا من الغابة ومعه غنيمة.
أشهر الحكايات كانت: لصّ عظيم تسلّق جرف الغرب واقتحم سور الغابة بمهارة باهرة.
مرّت ثلاث سنوات، ولا أحد يعرف أهو حي أم ميت.
عند نهاية التلال، كان هناك ممر ضيّق يقود إلى الغابة.
وبين أشجارها الضخمة وظلالها الكثيفة، ظهر قصر أبيض كالثلج.
رغم أن الطريق كان مخفيًا، كان بوسع أي أحد أن يعرف إلى أين يؤدي.
“ويست أليك…”
حول القصر، جدران من رخام طبقي تحيط به.
حجارة بيضاء باهرة انعكس بريقها على بحيرة زمردية تحيط بالمكان.
تجلّت صورة القصر الأبيض وجدرانه العالية والدنيا على سطح الماء الصافي.
كان القصر وسط الغابة مشهدًا سماويًا في جماله.
لكن أليشيا لم تثق بما رأته.
فهي تعرف شبيهًا له ليس من السماء، بل من الجحيم.
“سيّدتي، لا يجوز التقدّم أكثر.”
قال رودريك بنبرة رسمية قاطعة، بعد أن كان دائمًا لطيفًا ورقيقًا.
“ذلك المكان…”
أرادت أن تسأل: أهو جحيم هذه الأرض؟
دونغ! دونغ! دونغ!
دوّى جرس عالٍ من البرج الصغير بين الغابة والمستنقع.
ومن الحصن المتواضع خرج جنود مسلّحون بعدد يساوي الحرس المرافق.
“أبعدوا السيّدة! علينا إخراجها حالًا!”
الصرامة التي نطق بها رودريك قبل لحظة تلاشت، وحلّ محلها وجه مشدود يحاول إبعاد أليسيا.
لم يقتصر الأمر على جنود الحصن، بل بدأ الحرس المرافق أيضًا يستعدون للقتال.
دويّ خافت للجرس سُمع من البرج خلف التلال.
وعندما دققت النظر، لاحظت أليشيا عقبات متناثرة على التلال.
بعضها كان متداعيًا كأكوام حجارة فقط.
وأدركت سريعًا أن الجرس كان إشارة استعداد للمعركة.
اندفع جنود الحصن إلى الغابة، وكأنهم معتادون على ذلك.
“اللعنة… إنّه قادم!”
صرخ خوان، الذي كان يحرس قرب رودريك، وهو يحدّق في الغابة.
وبينما التفتت أليشيا، اندفع من بين الأشجار كيان مظلم ضخم.
تساقطت الأشجار التي كانت شامخة بأصوات متشققة مدوّية.
“شكّلوا دائرة دفاعية!”
صرخ خوان مجددًا.
تكوّن الفرسان بسرعة في دائرة تحيط بأليشيا ورودريك.
دمدمت الأرض تحت وقع أقدام أثقل من حوافر الخيل.
وحش، كصخرة سوداء هائلة دبّت فيها الحياة، انقضّ من الظلال.
“الرماح!”
اندفع الفرسان برماحهم نحو الوحش الحجري.
دوّى صوت معدني عنيف مع كل ضربة.
كاكانغ!
تكسر حديد الرماح وصريره يشقّ الأذن.
(كاكان؟)
لبرهة، شعرت أليسيا أنها تحلم.
حدّقت في الوحش السحري الذي لم ترَ مثيله منذ زمن طويل.
لطالما ظنّت أن وجود أحجار سحرية في تيسن أمر ممكن.
فالوحوش السحرية وحدها تُنتجها.
لكن التفكير شيء، ورؤيته يتحقق أمام عينيها أمر آخر تمامًا.
من القصر الأبيض في الغابة إلى الوحش الحجري أمامها-
كل شيء بدا كذبة.
آنذاك، أدركت أليشيا سبب جدّية الجميع من حولها.
“حين نصدّ الوحش، عليكِ أن تهربي! انسَي ما رأيتِ!”
“سيّدتي، استعيدي وعيكِ!”
“ذلك ليس حقيقيًا، سيّدتي إنه شبح!”
م.م: 🤣🤣🤣🤣🤣
كانوا يقاتلون بأرواحهم، يصرخون بكلمات لا معنى لها.
شعرت أليشيا بالغرابة من مناداتهم لها بـ “سيّدتي”، لكن لم يكن وقتًا للجدال.
حتى وهي ترى بأمّ عينها ذلك الشيء يتحرك، أصرّوا أنه شبح وكادت أن تفهم السبب.
تكوّن فراغ بين أليشيا في المركز والفرسان الذين يواجهون الوحش بالرماح.
رغم أنّها كانت مواجهة واحدة فقط، بدأ دوران تشكيل الدفاع يتباطأ.
أدارت أليشيا جوادها، والتقطت رمحًا سقط على الأرض وهي على ظهره.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 18"