2
الفصل 2 – وضعٌ لا خيار فيه
كانت فلورنس تعرف جيّدًا كيف ستؤول الأمور إليها في هذا الموقف.
‘كلّ ما فعلته في الحفلة التنكّرية من ضبطٍ لتعبيرات وجهها وإخفاء ما في داخلها سيذهب سُدًى، وسأُحْفَر في الذاكرة إلى الأبد كفتاة مجنونة سرقت فستان العروس وارتدته.’
ثمّ تخيّلت كلارك وهو يضحك بصوتٍ عالٍ إلى جانب الآنسة بارادي وهما يقرآن المقال الساخر عنها في الصحيفة، مما جعلها تتخلّى تمامًا عن فكرة شرح الموقف للكهنة بصدق.
لكنّها بدأت تتوسّل بصوتٍ عاجل خوفًا من أن تدخل دانيا حاملةً معها خبرًا يفيد بظهور ماريان.
“خادمتي ستأتي قريبًا. أيمكنكم الانتظار قليلًا؟ أرجوكم…”
“البارون راؤول سينكلير بانتظاركم. كم يُحرق قلبه من القلق وأنتم تتلكّأون هكذا؟! ما بالكم؟ ألا تُسرِعون بمرافقة الآنسة؟!”
صرخ كاهن ذو رتبة عالية، يرتدي قبعة مثلثة، بوجهٍ غاضب على الكهنة الواقفين من حوله.
وحين سحبها الكهنة من ذراعيها وكأنّهم يقتادونها قسرًا، شعرت فلورنس بلحظة من الغضب الشديد، لكنّها استعادت عقلها حين سمعَتْ أن البارون راؤول بانتظارها.
‘يجب أن أخرج من هنا أولًا. من الأفضل أن أقابل عمي وأطلب مساعدته.’
البقاء في غرفة الانتظار ورفض الخروج قد يزيد الأمر سوءًا. ماذا لو دخل أحدهم يعرف وجهها؟
أول ما يجب فعله هو تغطية وجهها.
“هذا تصرّف غير مهذّب. رجاءً، أزيلوا أيديكم عني، أحتاج إلى وضع الحجاب.”
بهدوء ولكن بحزم، طلبت فلورنس ذلك، فتردّد الكهنة للحظة ثمّ تركوا ذراعيها وبدؤوا يساعدونها في ارتداء الحجاب.
‘كم أنا محظوظة أنّ الحجاب طويل بما يكفي ليُغطّي جسدي العلوي، والدانتيل كثيف.’
لن يكون من السّهل كشف هويّتها ما لم يحدّق أحد في وجهها من مسافة قريبة جدًّا.
وفي طريقها إلى القاعة حيث يُقام الحفل، بدأت ساقاها ترتجفان من التوتر والقلق، ومع ذلك تابعت السير. بل كانت حافية القدمين دون أن تدرك ذلك، وعقلها مشغول فقط بكيفيّة شرح هذا الموقف الغريب لعَمِّها.
‘في المواقف الصعبة، قفي باعتدال، وابتسمي بثقة. ستفوزين في النهاية مهما كانت الظروف.’
كان ذلك من نصائح والدتها التي ساعدتها دائمًا، ولكن الآن؟ لا تدري. لو ابتسمت الآن، ستبدو كعروس سعيدة.
حين اقتربت من باب القاعة، استطاعت أن ترى من خلف الحجاب الباهت البارون راؤول وهو يرتدي بزة رسميّة ويحمل باقة من زهور التوليب البيضاء، ينتظر عروسه بقلق.
كان مشهدًا غريبًا لرجل يشبه والدها يحمل الباقة منتظرًا إيّاها.
‘ولماذا التوليب الأبيض بالذات؟’
كانت أزهارها المفضّلة، لكن على الأرجح ستصبح مصدرًا للصدمة بعد اليوم.
طردت أفكارها السخيفة وسارت بسرعة نحوه. وبما أنّ الكهنة عادوا بسرعة إلى أماكنهم، لم يبقَ عند الباب سواها والبارون.
تأكّدت من خلوّ المكان من الناس، ثم رفعت الحجاب قليلًا لتُريه وجهها.
“أنا فلورنس. لستُ ماريان.”
“…كنت أعلم مسبقًا.”
تنفّست فلورنس الصعداء وجذبت البارون نحوها.
“لم يكن بوسعي فعل شيء. سأشرح لك كلّ شيء… عمي؟”
لكنّه بدا مذهولًا أكثر منها، واقفًا مكانه يعبث بالباقة دون أن يتكلّم.
كانت هي من جُرّت لتصبح العروس، فكيف هو؟ بدا كأنّ روحه قد سُحبت من جسده من شدة التوتر.
ثمّ قال شيئًا لم تصدّقه أذناها:
“علينا أن ندخل القاعة الآن.”
“…ماذا؟”
“احملي الباقة.”
“ماذا تقول؟”
كان يبدو أن الزفاف سيُقام بالفعل!
حين تراجعت فلورنس إلى الوراء، تقدّم البارون نحوها ووضع الباقة في يدها، وكأنّه صيّاد يمسك بأرنب هارب.
“خلف هذا الباب يوجد الكاهن الأعظم، وكهنة كبار من مختلف أنحاء الإمبراطوريّة، بل وحتى أفراد من العائلة الإمبراطوريّة! أنا مجرّد بارون محلي، ماذا بوسعي أن أفعل؟ فلورنس! أرجوك، أنقذيني. أرجوكِ!”
لكن من حضر كضيف لا يهم فلورنس. حتى لو حضر إله الشمس، لا يمكنها دخول القاعة بدلًا من ماريان.
“من غير المعقول أن يحضر أفراد العائلة الإمبراطوريّة زفافًا لعائلة بارونيّة! سأتولّى إخبارهم باختفاء ماريان بنفسي!”
حين قابلته بحزم، انقلب حاله وتحدّاها هو الآخر. كيف لا، وابنته العروس قد اختفت يوم الزفاف.
“…هل ستدخلين بفستان الزفاف وتعلنين أنّ العروس قد هربت؟ ألن تبدين وكأنكِ قفزتِ في النار؟ إذا أصريتِ، فسأُدلي بشهادتي ضدّك وأجعل الأمر في أسوأ حالاته. فلتسقطي أنتِ وأنا معًا، لا يهمني بعد الآن.”
‘…!’
عَضّت فلورنس على شفتيها. لو فعل ذلك، فستُدمَّر سمعة عائلتها بالكامل. والأسوأ، أنّ هذا قد يؤثّر على تجارة العائلة وحتى على شقيقها الصغير ذي الثلاثة أعوام.
رأى البارون تردّدها، فعاد يتوسّل إليها:
“رجاءً، فقط ادخلي. فلننهِ هذا الموقف أوّلًا، ثم نبحث عن ماريان. أرجوكِ!”
تنهّدت فلورنس وهي تنظر إلى عمّها المصرّ.
الزواج ليس قرارًا فرديًّا. الخطأ لن يكون في الضحك عليهم فقط.
“لكنني لا أعرف حتى من هو العريس. من الأفضل أن نوقف الزفاف الآن قبل أن أُتّهم بالاحتيال.”
“الاتفاق تمّ كتابيًّا، فلا تقلقي. كلّنا من عائلة سينكلير، ولن يُعتبر الأمر احتيالًا.”
“ما هذا الكلام؟ هل تعتقد فعلًا أنّ هذا سينجح؟”
لكن قبل أن تُكمل جملتها، بدأ باب القاعة الكبرى بالانفتاح تدريجيًّا. فقد قرّر الكهنة البدء بالحفل دون موافقتها بسبب تأخّره الشديد.
توقّف كلٌّ من فلورنس والبارون عن الكلام. من تلك اللحظة، لم يكن أمامهما سوى خوض المصير سويًّا تحت اسم سينكلير.
أمسك البارون بيد فلورنس وهمس:
“أنزلي الحجاب، وامسكي الباقة جيّدًا. سندخل.”
“ع… عمي!”
“شش، لم يعُد هناك عودة.”
“…”
لم يكن هناك وقت للتفكير. كانت مقامرة على سمعتهم ومستقبل العائلة.
اهتزّت يد فلورنس وهي تُمسك بالباقة. ويبدو أنّ عمّها كان مرتجفًا أيضًا.
‘عليّ أن أتماسك.’
لكنها في الحقيقة لم تكن تعرف حتى كيف تمشي.
حين وصلوا إلى الكاهن الأعظم، سلّم البارون يد فلورنس للعريس، ثم ذهب إلى مقعد الضيوف.
رغم أنّها مشهورة بتصرّفاتها الحكيمة، لم تكن فلورنس بالشخص الذي يستطيع التمثيل بهذه الجرأة. صارت فجأة عروس الحفل، وابتُلعت تمامًا في دوامة القلق.
كلّ ما تخيّلته كان عنوانًا في الصحف: “فضيحة عائلة سينكلير!” أو صورتها خلف القضبان كمُحتالة.
بدأ الكاهن يتلو الطقوس بصوتٍ وقور، لكنّها لم تفهم منه شيئًا.
حتى يدها الموضوعة على ذراع العريس لم تشعر أنّها تخصّها. وحده الإحساس بعضلات ذراعه كان يذكّرها بأنها تتزوّج الآن.
“تبادل الخواتم بين العروسين.”
حينها فقط استعادت وعيها قليلًا، ونظرت إلى يد الرجل التي تمسك بيدها. كانت يدًا خشنة وكبيرة كأنّها يد دبّ، مليئة بالجروح.
‘تبدو مألوفة… أين رأيتُ هذه اليد؟’
لكن حين لامست أصابعها برودة الخاتم، تلاشت ذكرياتها مجدّدًا. لمّا استفاقت، وجدت خاتمًا ألماسيًّا بحجم ظفر الإبهام على إصبعها البنصر.
ارتجف إصبعها من ثقل الخاتم وكأنّه قيدٌ.
‘ماذا أفعل؟ ليس لديّ خاتم لأقدّمه.’
لكن العريس أخرج خاتمًا من جيبه وارتداه بنفسه، لحسن الحظ.
والآن جاء وقت التوقيع على عقد الزواج. قدّم الكهنة اللوح المعدني، وبعد أن وقّع العريس، ناولها القلم.
‘سأكتب فقط اسم العائلة. ماريان وأنا نملك الاسم ذاته، سيكون الهرب أسهل لاحقًا.’
لكن المشكلة أنّ يدها كانت ترتجف بشدّة، حتى إنها لم تستطع الكتابة. فقد انتابها شعورٌ داخليّ يقول: “لو وقّعتِ، لن تعودي أبدًا.”
في تلك اللحظة، سمعت صوت العريس الهادئ بجانبها:
“ينبغي أن توقّعي.”
لأوّل مرّة منذ بدء الحفل، سمعت صوته.
كان صوتًا عميقًا، مظلمًا، لزجًا كالقَطران، صوتٌ تعرفه.
رفعت رأسها أخيرًا ونظرت إليه.
كان رجلًا ذا ملامح جذّابة تجمع بين الجبهة الرفيعة، والأنف المستقيم، والشفاه الحمراء المنغلقة، مع فكٍّ نَحتيّ. بشرته ناعمة كأنها من الساتان العاجي، وشعره أسود كالليل.
لو تحوّلت عبارة “رجل وسيم” إلى إنسان، لكان هو.
وكان يُحدّق فيها بثباتٍ بعينيه البنفسجيتين وكأنّه يرى أعماقها.
حين التقت عيناهما، شعرت فلورنس وكأنّ قلبها يسقط إلى قاع الجحيم.
لم تكن تدري أنّ الرجل الذي يُدعى “كلب الإمبراطور الأسود” و”سفّاح النبلاء” سيكون عريسها، واقفًا أمامها الآن.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"