2
“ماذا؟ ما الذي قلتهُ بالضبط؟”
“أوه، ل-لا شيء! يبدو أنّني سمعتُك خطأ…!”
سارع الرجل بتعديل قبعته وهو يحاول إخفاء احمرار وجهه خجلًا، ثم هرول مبتعدًا بخطواتٍ مضطربة.
تنهدت سينثيا وقد ارتسمت على وجهها ملامح الإحراج.
أجل… نسيت مجددًا أن تضبط لسانها أمام الآخرين.
حسنًا!
كيف يمكنها الآن أن تتخلّص من هذا العالم الروائي وتفرّ منه؟
لم يكن هناك جواب محدّد.
“ربّما…”
لو أنّ إليزابيث بايلي بلغت سنّ الرشد سريعًا، وكما في الرواية الأصلية، خاضت تجاربها مع الرجال وتشبّعت بخطايا الحريم المعكوس ذاك…
بمعنى آخر، لو أنّ تلك الرواية المظلمة المصنّفة للكبار وصلت إلى نهايتها بسلام—
فربّما يمكن لسينثيا أن تعود إلى عالمها الحقيقي.
ومنذ تلك اللحظة، شرعت سينثيا في مراقبة إليزابيث خفيةً.
“من المفترض أن تُخطب إليزابيث لتيسيون قريبًا… هذا يعني أنّ القصّة لم تبدأ حقًّا بعد!”
ففي الرواية الأصلية، تبدأ الأحداث الحقيقية بعد خطوبتهما.
والآن هما في بدايتها فحسب، ما يعني أنّ النهاية لا تزال بعيدة… لكن هناك بصيص أمل.
وبشيءٍ من الاطمئنان، قررت سينثيا أن تكتفي بالانتظار.
كانت تُصلّي في سرّها أن تلتقي إليزابيث بجميع الرجال الذين كُتب لها أن تلتقيهم، وأن تُكوّن حريمها الكبير، وتصل في النهاية إلى خاتمة الرواية السعيدة.
لكن…
فجأةً، أمام ناظريها، قضت إليزابيث نحبها في حادث عربةٍ مروّع!
“آآآآه!!”
صرخت سينثيا وهي تمسك رأسها بجنون، تجلس وحيدةً في عتمة الغرفة.
حتى عندما أدركت أنّها قد تلبّست جسد شخصيةٍ روائية، لم تشعر يومًا بيأسٍ كهذا.
هل ماتت إليزابيث فعلًا؟
“لقد نزفت كثيرًا… لا يمكن أن تكون على قيد الحياة.”
أغمضت سينثيا عينيها، والذكريات المرعبة لمشهد الحادث تتدفق في ذهنها.
رأت العربة المحطّمة التي تحمل شعار عائلة بايلي محفورًا على بابها.
“إليزابيث بايلي… تُسحق بعربة عائلتها نفسها؟ ولماذا لم تكن هي من يركبها أصلًا؟”
“…لا يعقل… هل سأبقى عالقة في هذه الرواية إلى الأبد؟”
نهضت سينثيا على عجل.
كان عليها أن تعود إلى موقع الحادث فورًا.
قبل أن تدهسها الخيول في تلك اللحظة، أقسمت أنّ عينيها التقتا بعيني إليزابيث لبرهةٍ وجيزة.
“و… بدا أنّها كانت تحاول قول شيء ما، أليس كذلك؟”
عادت سينثيا إلى المكان، فوجدت الحرّاس منهمكين في تنظيف آثار الحادث.
وخلفهم، وقفت مجموعة من الأشخاص بملامح صارمة، يرتدون أقمصةً راقية وشعورهم مصفّفة بعنايةٍ بالغة.
“هؤلاء… عائلة بايلي؟”
اقتربت بخطواتٍ متخفّية، تتفحّص وجوههم بعينٍ يقظة.
كانوا جميعًا يحملون ذلك اللون الأخضر الفاتح في أعينهم—بدرجاتٍ متفاوتة، لكنّها العلامة المميّزة لدماء آل بايلي.
“هاه… ما الذي سنفعله الآن؟”
“وفي هذا الوقت تحديدًا؟ كان لا بدّ أن تموت الآن؟ انتظر… لنفكّر. مؤقتًا… علينا أن نُخفي الأمر.”
نُخفيه؟ نُخفي ماذا بالضبط؟
“وماذا عن الخطوبة؟”
“الدوق الأكبر سيصل قريبًا…”
“تسبّب المشاكل حتى في مماتها…”
اتّسعت عينا سينثيا في ذهولٍ وهي تستمع إلى همساتهم.
شيء ما كان غير طبيعي إطلاقًا.
لم يبدُ على أيٍّ منهم أثرُ حزنٍ واحد.
صحيح أنّ إليزابيث كانت منبوذة العائلة في الرواية الأصلية، لكن هذا البرود فاق المعقول.
هل ماتت فعلًا؟
تقدّمت خطوة وقالت بصوتٍ متردّد:
“عذرًا، لديّ سؤال—”
وفي اللحظة نفسها، خيّم صمتٌ مفاجئ على المكان، كما لو أنّ العالم بأسره جُمِّد.
تلاشى كلّ صوت، وكأنّ الكون نفسه احتُجز في صندوقٍ أسود.
“…هاه؟”
تجمّدت سينثيا في موضعها، ترمش بعينين حائرتين.
ما الذي يحدث؟
كان جميع من يملكون العيون الخضراء يحدّقون بها مباشرة.
بها هي.
هل… قلتُ شيئًا خاطئًا؟
أعادت كلماتها في ذهنها بسرعة.
لا، لم أقل شيئًا بعد… فقط قلت إنّ لديّ سؤالًا!
“أنتِ هناك! تكلّمي مجددًا بسرعة!”
صرخت سيدة نبيلة تقف بجانب أحد الحرس الذين يمسحون الدماء.
كانت عيناها الخضراوان مفتوحتين على اتساعهما، يملؤهما الذهول.
“م-ماذا؟”
“تكلّمي! قولي شيئًا آخر!”
راحت السيّدة تلوّح بمروحتها في الهواء بحماسٍ جنوني وهي تصرخ مجددًا.
ارتبكت سينثيا من شدّة لهفتها، ثم قالت بتردد:
“كنتُ فقط أودّ أن أسأل عن حادث العربة هذا—”
“يا إلهي!”
“يا للدهشة!”
ما إن نطقت بوضوح، حتى ترددت شهقاتٌ وصرخات إعجابٍ من كلّ جانب.
ما الغريب في ما قلته للتوّ؟
توقّفت سينثيا وسط الجملة، تحدّق فيهم بذهول.
ثمّ صرخ رجل ذو شاربٍ كثيف من الجهة الأخرى من الطريق—
“لا تتوقّفي! تابعي الحديث!”
“آه! ن-نعم، حسنًا… الشخص الذي سقط هنا—”
“رائع!”
رمشت سينثيا بعدم فهم.
التفتت السيدة ذات المروحة نحو الآخرين، وصوتها يرتجف انفعالًا:
“ما رأيكم؟”
“لا يُصدَّق… إنّه مطابق تمامًا…”
“صوتها… إنه نفسه!”
“نعم، تمامًا كذلك!”
مطابق؟ لمن؟
قطّبت سينثيا حاجبيها بغيظٍ ظاهر.
كيف يتجاهلونها ويتحادثون وكأنّها غير موجودة؟
“…إذن، الأمر محسوم، أليس كذلك؟”
“نعم، مؤقتًا على الأقل…”
تبادلت عائلة بايلي نظراتٍ مريبة.
تبدّلت ملامحهم من التجهّم والضجر إلى ابتساماتٍ غامضة ماكرة.
“هل تتوقعون منّي أن أصدّق هذا؟”
“بكلّ تأكيد، آنستي.
هذا بالضبط ما قلته.”
حدّقت سينثيا بالرجل المقابل بدهشةٍ لا تُصدّق.
ثياب فاخرة، نظّارات أنيقة، شعر أشقر مصفّف بعناية…
قدّم نفسه باسم دايل، كبير خدم آل بايلي.
“هذا جنون…”
“آنستي، نحن في أملاك دوقيّة بايلي، والجنون هنا جزء من الحياة اليومية.”
قالها دايل بثقةٍ تامة.
نظرت إليه كما لو أنّها تنظر إلى مخلوقٍ خرج من الأساطير، ثم نهضت فجأةً غاضبة.
“انتهى الحديث.
أنا راحلة.”
“خمسة ملايين مِنْت.”
“…عذرًا؟”
تجمّدت في مكانها لحظة سماع الرقم، غير مصدّقةٍ ما سمعت.
“ثلاثة أشهر فقط،” تابع دايل ببرودٍ مطمئن.
“إن وافقتِ على أن تتقمّصي دور السيّدة الراحلة إليزابيث بايلي لمدّة ثلاثة أشهر فحسب، سنمنحكِ سُلفًا خمسين ألف مِنْت، والمبلغ المتبقي—أربعمئةٍ وخمسين ألفًا—بعد نجاح المهمة.”
خمسون ألفًا مقدّمًا… ومجموعها خمسة ملايين؟!
في إمبراطورية ديروتين، كانت أسرةٌ مكوّنة من أربعة أشخاص تعيش بمئتي ألف مِنْت في عشرة أشهر.
فكيف يعرض عليها هذا المبلغ مقابل تمثيلية؟!
انقبضت قبضتا سينثيا بقوة.
في ذهنها، عادت صورة كوخها المتهالك الموشك على الانهيار.
كانت مفلسة تمامًا—ديون فوق ديون، ولا مالًا في الجيب.
تذكّرت المرابين القساة الذين يطرقون بابها كل يومين.
كانت أمنيتها الوحيدة أن تنتهي هذه الرواية بسرعة لتتحرر من شقائها…
خمسة ملايين مِنْت…
عرضٌ لا يُقاوَم، لكنه مجنون.
استدارت فجأة، تصرخ في وجه دايل:
“أتمزح معي؟ تريدني أن أُقلّد امرأةً نبيلة ميّتة؟
لقد فقدتَ عقلك!”
“كما أسلفت، آنستي، هذا مكانٌ يزدهر فيه الجنون.”
“هل تدرك أنّ انتحال شخصية نبيلة جريمة كبرى في القانون الإمبراطوري؟ إن اكتُشف أمري فسأُلقى في السجن!”
“حينها… سنتوصّل إلى اتفاقٍ خاص.”
“…يا للروعة.”
تدلّى فكّها من شدّة الذهول.
من آل بايلي إلى هذا الرجل، يبدو أنّ الجنون يسري في دمائهم.
“حسنًا! لكن حتى لو وافقت، انظر إليّ!
لا أشبه السيّدة إليزابيث إطلاقًا! ملامحي، طولي، لون شعري، حركاتي—كلّها مختلفة! كيف سأقنع أحدًا؟”
“صوتك.”
“ماذا؟”
“صوتكِ، آنستي.
إنّه نسخةٌ طبق الأصل من صوتها.”
قال دايل بنبرةٍ واثقةٍ لا تحتمل النقاش.
عادت سينثيا لتعبس.
إذًا، كل تلك الضجة السابقة كانت لأنّ صوتها يشبه صوت إليزابيث؟
سخيف!
لا يمكن أن تتشابه أصوات النساء إلى هذا الحدّ!
“السيّدة إليزابيث كانت تملك نغمةً فريدة حين تتحدث،” قال دايل بجدّية.
“وأنتِ، آنسة سينثيا… تملكين الصدى ذاته تمامًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"