“آنسة …؟”
“لا ترتبك! لقد أسقط طفل صغير فنجان شاي كان يحمله للتو”
“… طفل؟ فنجان شاي؟”
“يا إلهي ، سيوبخه والده … طلبت منه والدته أن يمسك به للحظة بينما تدفع الحساب ، لكن يبدو أن يده قد ارتخت و أسقطه”
“…….”
“لحسن الحظ لم يصب بأذى ، لكنه يبدو و كأنه سيبدأ بالبكاء من شدة الصدمة … آه ، لقد بدأ! هاهاها ، يا له من طفل لطيف!”
“هاهاااااء”
بسبب لهجتها الواثقة و الودودة ، بدأت تعابير تيسيون المتصلبة تلين تدريجيًّا. كان الاستماع إلى صوت سينثيا المنخفض و الناعم يجعل ضربات قلبه المتسارعة تستعيد سرعتها الطبيعية.
و مع صوتها ، لم تعد تتشكل في مخيلته كلمات والده العنيفة و هو يحطم الأشياء غضبًا ، بل بدأت ترتسم صورة خافتة لخطأ طفل صغير لطيف.
“آه! هناك عربة كبيرة قادمة أمامنا الآن. قد يصدر عنها ضجيج عالٍ قليلًا. هل تلتصق بي أكثر؟”
أمسكت سينثيا بذراع تيسيون الذي كان يمسك بالعصا ، و جذبته نحوها بقوة.
تحرك تيسيون ببطء وفقًا لتوجيهاتها.
“واااو … إنها عربة زهور محملة بالزهور الربيعية. من يا ترى طلب كل هذا القدر؟ أشعر أن رائحتها ستفوح في الأرجاء بعد قليل!”
“آه …”
كما قالت ، فبمجرد مرور صوت عجلات العربة الصاخب ، بدأت رائحة الزهور الزكية تحل مكانه تدريجيًّا. أغمضت سينثيا عينيها و استمتعت برائحة الزهور بملء رئتيها.
“ممم … الرائحة رائعة! هيا! لنكمل طريقنا الآن”
“آ ، آنسة … لحظة من فضلكِ …”
بينما كانت سينثيا المتحمسة تهمّ بالتحرك مجددًا ، سمعت صوتًا خافتًا و محرجًا للغاية يأتي من الأعلى.
هاه؟
رفعت رأسها لتجد الدوق ملتصقًا بها تمامًا ، و قد صبغت الحمرة أذنيه و عنقه و هو لا يدري ماذا يفعل.
أوه …
رمشت سينثيا بعينيها و هي تنظر إليه.
لماذا يحمر وجهه هكذا …
“… وااا! هل التصقتُ بكَ أكثر من اللازم؟”
أدركت سينثيا متأخرة أنها كانت ملتصقة به تمامًا ، فانتفضت بذعر و أبعدت ذراعيها بسرعة.
“لا ، ليس الأمر كذلك”
“أنا آسفة! ظننتُ أن هناك الكثير من الناس ، و لذلك … لم أعتقد أننا سنكون قريبين هكذا …!”
“آنسة”
حينها ، مدّ تيسيون العصا التي كان يحملها في اليد التي كانت تمسك بها سينثيا إلى الخلف. و على الفور ، ركض لوس الذي كان يقف خلفهما و تسلم منه العصا.
و بعد أن أصبحت يده خالية ، مدّ يده نحوها.
“أرجوكِ ، خذي بيدي”
* * *
‘مممم …’
نظرت سينثيا بإمعان إلى تيسيون الجالس في المقعد المقابل.
كان يغمض عينيه و يتحسس بـحذر مواقع الأطباق و الأواني ، ثم رفع الشوكة بشكل طبيعي و حرك الطعام في طبقه. بدا و كأنه يحاول تقدير نوع الطعام و كميته تقريبًا.
كم تطلب الأمر منه من تدريب ليتمكن من التصرف بهذه التلقائية؟
“أتمنى لكِ وجبة شهية ، يا آنسة”
“آه ، نعم! و أنت أيضًا ، أتمنى لك وجبة شهية أيها الدوق”
أجابت سينثيا بسرعة.
أمسكت بالشوكة ببراعة و وجهت نظرها نحو طبق الباستا الذي يتصاعد منه البخار ، لكن الغريب أنها لم تكن تشعر بشهية كبيرة.
طأطأت سينثيا رأسها و نظرت بهدوء إلى يدها التي لا تمسك بالشوكة.
‘أرجوكِ ، خذي بيدي’
هل يوجد شخص لن يمد يده فور سماع هذه الكلمات؟
لقد قضت سينثيا كل الطريق حتى وصلا إلى مطعم بايلي و هي تمسك بيد تيسيون بقوة و يسيران جنبًا إلى جنب.
بسبب فقدانه لبصره و قيامه بأعمال هادئة ، ظنت أن يده ستكون ناعمة تمامًا ، لكن يد الدوق كانت خشنة و صلبة أكثر مما توقعت … و مع ذلك كانت دافئة.
‘لا ترتبك أيها الدوق!’
‘فهمتُ يا آنسة’
كلما صدر صوت عالٍ و هما يسيران معًا ، كان يضغط بقوة على يدها التي يمسك بها و كأنه يستند إليها ، و كان ذلك يبدو لطيفًا و مثيرًا للشفقة ، و في نفس الوقت جعل قلبها يخفق بشكل غريب …
“كح كح!”
شعرت سينثيا أنها بدأت تغرق في أفكار أخرى ، فسعلت بقوة لتخرج من شرودها.
تحدث تيسيون الجالس أمامها قائلًا.
“الطعام لذيذ للغاية. رغم أن الزيارة كانت مفاجئة ، إلا أن تقديم طعام بهذا المستوى يشير إلى أن عائلة بايلي وظفت طباخًا بارعًا”
“حقًّا؟ أنا سعيدة لأنه نال إعجابك”
أجابت سينثيا بلباقة و هي تلف المعكرونة بالشوكة.
سيكون من الجيد إذا لم يوبخها ديل بسبب تصرفها المفاجئ هذا …
“أوه فعلاً؟ الطعم جيد”
“يبدو أنها المرة الأولى للآنسة أيضًا في زيارة هذا المطعم”
“نعم! فقد كنتُ أنوي زيارته بعد اكتمال بنائه تمامًا. و بفضلك أيها الدوق ، تسنى لي زيارته مسبقًا هكذا”
لذيذ!
نسيت سينثيا قلقها من ديل بسرعة و ركزت على الطعام أمامها.
“أنا آسف لأننا لم نستطع استضافتكِ بسبب خطئنا. كان عليّ التحقق مسبقًا”
“لا بأس! من كان ليعلم أن مطعمًا بهذا الحجم سيحترق في ليلة و ضحاها؟ على أي حال ، يبدو أن الأضرار جسيمة … لا بد أن الأمر يسبب لك صداعًا”
“على أية حال ، كان المطعم قديمًا و من المقرر تجديده العام المقبل. سأعتبر أننا بدأنا أعمال البناء التي كان لا بد منها مسبقًا”
بالمناسبة ، هل وقعت حادثة كهذه في الرواية الأصلية؟ أم أنها لم تكن حدثًا كبيرًا بالنسبة للبطلة إليزابيث فتم اختصارها ببساطة؟
رفعت سينثيا كأس الماء لترطب شفتيها ثم وجهت سؤالًا نحو تيسيون.
“ما هو سبب الحريق المفاجئ يا ترى؟ بما أن المطبخ يستخدم النيران ، فهل يعقل أنها انتقلت لشيء آخر؟”
“قيل لي إنه لم يتواجد أي موظف في المطبخ طوال الليل”
“هذا يعني …”
هل تسلل شخص ما إلى المطعم و أشعل النار عمدًا؟
قطبت سينثيا حاجبيها و غرقت في التفكير.
“لن نعرف ذلك إلا بعد إجراء تحقيق دقيق”
“هذا صحيح … إذا احتجت إلى مساعدتنا في أي شيء ، فأرجو أن تخبرنا في أي وقت”
“أشكركِ على كلماتكِ هذه”
ابتسم تيسيون بلطف و رد على الجملة التي كان من الممكن أن تقولها إليزابيث. ظلت سينثيا تحدق في وجهه و هي فاتحة فمها قليلًا.
واو … حقًّا ، وجهه وسيم بشكل لا يصدق. تناول طعام لذيذ مع شخص وسيم يجعل الحالة المزاجية رائعة!
… آه ، هل قلتُ العكس؟
“بما أنني ارتكبتُ مثل هذه الإساءة اليوم ، أود أن أصطحبكِ إلى مكان جميل في المرة القادمة”
“كح كح! ا ، المرة القادمة؟”
سألت سينثيا بدهشة و هي تحاول ابتلاع الطعام بصعوبة.
المرة القادمة تعني اللقاء الخامس بين إليزابيث و تيسيون.
مدّ تيسيون يده بشكل طبيعي و سحب منديلًا من جانب الطاولة و قدمه لها.
“نعم. كما أنه حان الوقت لنبدأ في مناقشة الخطط المستقبلية”
“الخطط المستقبلية تعني …؟”
“أقصد الخطط المتعلقة بزفافنا”
“…….”
أطبقت سينثيا فمها تمامًا و أخذت تحرك عينيها الخضراوين (بسبب العدسات الخاصة) يمينًا و يسارًا.
‘لا تحددي موعدًا تاليًا بتسرع ، بل أجّليه قدر المستطاع!’
بدا و كأن صوت ديل الحازم يرن في أذنيها بوضوح.
“هل هناك مكان تودين زيارته معي؟”
“آه … ذ ، ذلك … ليس تحديدًا …”
“أتذكر أن الحديقة نالت إعجابكِ بشدة عندما زرتِ قصرنا في المرة الماضية. يوجد في فيلا لاكرونا حديقة ذات مساحة أكبر من تلك. هل يمكنني دعوتكِ إلى فيلتنا؟”
“فـ ، فيلا …؟”
سألت سينثيا و هي تتلعثم.
بعيدًا عن موضوع الفيلا ، لم يكن يدور في ذهنها سوى فكرة تأجيل الموعد قدر الإمكان.
“نعم. أنا متأكد أنها ستعجبكِ”
“حـ ، حسنًا … هل يمكنك إخباري بالجدول الزمني ببطء؟”
ببطء شديد جدًّا!
“بالطبع. و لكن موسم تفتح الزهور الجميلة ليس طويلًا. يجب الزيارة في غضون عشرة أيام على الأقل من الآن لرؤية حديقة الفيلا في أجمل حالاتها”
“عشرة أيام …”
“بما أننا فتحنا الموضوع ، عليّ أن أصدر الأوامر لإعادة تجهيز الفيلا من أجلكِ يا آنسة. يجب أن تكون في أفضل حالاتها لاستقبالكِ”
أضاف تيسيون ذلك و كأنه في حالة مزاجية جيدة. و مسح زوايا فمه بالمنديل دون أن تفارق الابتسامة وجهه.
“ما رأيكِ في بداية الأسبوع المقبل؟”
“الأسبوع المقبل … لـ ، لديّ عمل!”
“ماذا عن عطلة نهاية الأسبوع؟”
“في عطلة نهاية الأسبوع …! لديّ عمل أيضًا!”
“إذًا ماذا عن الأسبوع الذي يليه؟”
“الأسبوع الذي يليه لا يمكن أيضًا! لديّ عمل!”
نطقت سينثيا بالكلمات بسرعة.
بدأت الابتسامة تختفي تدريجيًّا من على وجه تيسيون الذي رُفض طلبه ثلاث مرات متتالية في لحظة واحدة.
عندما رأت سينثيا وجهه الذي بدأ يكتئب ، حولت نظرها خلسة.
‘أنا آسفة و لكن لا حيلة لي …’
“هل هناك خطب ما؟”
“ليس الأمر كذلك ، و لكن ، جـ ، جدولي ممتلئ تمامًا بأعمال عائلتنا”
كالعادة ، كان عذر أعمال عائلة بايلي هو الأسهل.
بدأت سينثيا ، التي لا تملك في الواقع أي عمل لتقوم به في قصر بايلي ، في التفكير بسرعة. ما الذي قد تكون إليزابيث مشغولة بفعله؟
“لـ … لقد قيل لي إن كبار العائلة المشتتين في أماكن مختلفة سيزورون القصر. و يجب أن نجتمع جميعًا لمناقشة أمور العائلة الكبيرة و الصغيرة و اتخاذ القرارات بشأنها!”
“كنتُ أظن أنه ليس للآنسة حق الاختيار في مثل هذه الأمور”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"