“أوه، لقد أتيتِ…!”
كانت تنتظر بصمتٍ لتصغي إلى الصوت الخفيف الذي يُسمع في الأرجاء.
بوينغْ، بوينغ بوينغ.
إنها تسير.
بوينغ.
توقفت.
بوينغ بوينغ بوينغ بوينغ!
الآن تركض!
آه… كم هي ظريفة!
أمسكت الخادمات قلوبهنّ بين أيديهنّ، وهنَّ يلهثنَ بصوتٍ عالٍ.
“أعتقد أننا يجب أن نُكافئ الشخص الذي صنع هذه الأحذية البوينغْ هذه.”
“نعم، بالتأكيد. يجب أن نُكافئه بدون تردد.”
فصانعة هذا الاختراع العظيم للبشرية تستحقُّ التكريم حقًّا.
أدركت الخادمات، اللواتي كنَّ يتهامسنَ، أن صوت البوينغْ يقترب منهنَّ، فصرنَ صامتات.
وبالفعل…
بوينغْ، بوينغ بوينغ.
توقفت ميلوني أمام الخادمات.
“أوه، يا سيدتي! ماذا بكِ؟”
“هل لديكِ مهمةٌ لنا؟ هل تريدين حصانًا؟ أتريدين أن نُحضر لكِ حصانًا؟”
“…ماذا؟ لماذا فجأةً ذكرتِ الحصان؟ سيدتي، سأركع أمامكِ. اركبيني مثل الحصان، وسأجعلكِ تشعرين وكأنكِ تركَبين واحدًا حقيقيًّا!”
ششش.
تصادمت نظرات الخادمات الثلاث في الهواء.
“حسنًا، يا سيدتي! ماذا نفعَل لكِ؟!”
في وجه استفسارهنَّ الثلاثي، قبضت ميلوني على يدها بقوة.
ثم بدأت تفتش في حقيبتها على شكل أرنب دون أن تنطق بكلمة.
‘ماذا؟ هل تريد أن تعطينا حلوى؟’
كان هذا تخمينًا معقولًا.
ففي الأيام الأخيرة، اعتادت السيدة الصغيرة أن تحمل في حقيبتها حفنةً من الحلوى وتوزعها على كل من تقابله.
“أتحبين الحلوى؟ أنا أحب [اسم الشخص]!”
حيث كان [اسم الشخص] يُستبدل باسم من تُحدثه.
بفضل هذا، ارتفع ولاء العاملين في القصر الدوقي بشكلٍ كبير.
ظننَّ أن الأمر سيكون حدثًا مشابهًا هذه المرة أيضًا، لكن…
‘…بسكويت؟ آه، إنها تأكله.’
أخرجت ميلوني قطعة بسكويت من الحقيبة، ثم أخذت نفسًا عميقًا.
وبدأت تأكل البسكويت بشراهة. واش واش.
كانت ترمقهنَّ بين الحين والآخر، وكأنها حيوان صغير خجول.
‘كم هي ظريفة… أوه!’
لكنَّهنَّ لم يستطعنَ قول ذلك أمامها مباشرةً، فصرنَ يضغطنَ على شفاههنَّ.
خاصةً أنهنَّ لم يعرفنَ سبب تصرف السيدة الصغيرة بهذا الشكل.
‘ماذا لو تكلمتُ بدون تفكير وكرهتني بسبب ذلك…؟!’
فكرة أن تكرهها الطفلة الصغيرة لأسرة “بانتابي” كانت مأساةً تجعلهنَّ يرغبنَ في الاستقالة فورًا.
في هذه الأثناء، كانت قطعة البسكويت الصغيرة في يدها تختفي شيئًا فشيئًا، ولم يتبقَّ منها إلا لقمةٌ واحدة.
بدأت عيناها البنفسجيتان، التي كانت تراقبهنَّ بحذر، تتراجعان.
وميض، وميض.
نظرت الطفلة إليهنَّ وإلى البسكويت بنظرةٍ حائرة، ثم التهمت اللقمة الأخيرة دفعةً واحدة.
ثم قالت:
“…أهلاً.”
ومشيت بعيدًا بكتفيها المرتخيتين.
‘ماذا… ماذا حدث؟’
‘لا أعرف. لماذا أصبحت فجأةً بهذا المزاج المتعكّر؟’
‘كان يجب أن ندعها تلعب لعبة ركوب الحصان…’
تبادلت الخادمات النظرات بينما يشاهدنَ ذلك الظهر الصغير يبتعد.
بوينغْ، بوينغْ، بوينغْ، بوينغْ…
لسببٍ ما، بدا صوت الطقطَقَة حزينًا هذه المرة.
____
“أهلاً، ريكس. نهارٌ جميل.”
“…لماذا تبدين هكذا بلا طاقة؟”
أطلقتُ تنهيدةً طويلةً ردًا على سؤال ريكس.
بوينغْ بوينغْ بوينغ.
حتى صوت حذائي البوينغّ بوينغ الذي كان يتبعني في كل خطوة بدأ يُزعجني دون سبب، فخلعته بسرعةٍ ورميته بعيدًا.
وقف ريكس الذي كان يراقبني في صمتٍ، ثم استدار وظهره نحوي وجلس القرفصاء.
حين التفتُّ إليه متسائلةً، وجدته ينظر إليّ فقط بعد أن أدار رأسه.
“اصعدي على ظهري. المشي حافيةً خطر.”
“لكننا في الغرفة!”
“حتى الغرفة قد تحوي أشياءً خطرةً. لذا اصعدي. سأحملكِ إلى الأريكة.”
…لا يبدو أن هناك أي شيء خطر حقًا.
لكن ريكس بدا مصممًا على البقاء بتلك الوضعية حتى أستسلم.
صعدت بحذر على ظهره، فرفعني بسهولةٍ كما لو كنتُ وزناً خفيفًا.
“أأثقلتُ عليك؟”
“كيف لطفلةٍ أن تكون ثقيلة؟”
“…وأنت أيضًا طفل!”
“أنا في السابعة. طفلٌ في السابعة لكنه أكبر من أقرانه.”
تْف.
لم أملك ردًا، فكلامه صحيح.
ريكس بالفعل أكبر من معظم الأطفال بعمره.
حمَلني إلى الأريكة بلا أدنى تعبٍ، ثم رتّب حذائي الذي رميته بعشوائيةٍ أمامي.
“إذن، لماذا كنتِ متعكّرة المزاج هكذا؟”
“…ذلك لأن…”
انتفخت شفتايَ قليلًا رغمًا عني.
‘في النهاية، فشلتُ في تحقيق الخطوة الأخيرة…’
في الفترة الأخيرة، كنتُ منغمسةً في مشروعي “كيف أكون دوقةً مزيفةً مثاليةً”.
– أن أقول للجميع إنني أحبهم.
– أن أرسم لهم رسوماتٍ وأهديهم إياها.
– أن أذهب إلى الدوق والدوق السابق وأطلب منهم عناقًا.
– أن أتجول وأنا ممسكةٌ بيد لويس.
– وحتى أن أرتدي أحذيةً بوينغّابوينغةً وأتمشى بها.
كانت هذه القائمة مستوحاةً من سلسلة “إمبراطورية الجليد” وجميع الكتب التي قرأتها كمراجع.
‘نعم… لقد نجحت في معظم الخطوات، لكن…’
بقيَتْ لديَّ خطوتان صعبتان.
إحداهما كانت “أن أتلقى مديحًا لمجرد أني أتنفس!”
بالتحديد: “أن أتلقى هتافاتٍ لأمرٍ تافهٍ كالتنفس!”
لا أعرف السبب، لكن كل الكتب التي قرأتها تضمنت دائمًا مثل هذه المشاهد.
حتى في أبسط الأمور، كان الجميع يهتفون ويمتدحون البطلة.
لذا حاولتُ اليوم تطبيق ذلك بجرأة…
‘لكنني لم أسمع أي كلمة مديحٍ بينما كنتُ آكل البسكويت.’
بل والأسوأ…
أن الثلاثة حدّقوا بي بعيونٍ مستديرةٍ وكأنهم يقولون: “ماذا تفعلين الآن…؟”
“وااه!”
صحتُّ بينما دفنتُ وجهي في وسادة الأريكة.
“ماذا حدث؟ أخبريني.”
“…ريكس.”
“نعم، تفضلي.”
“هذا ليس عني… إنه عن روايةٍ أقرأها مؤخرًا!”
لم أستطع رؤية وجهه لأني كنتُ مختبئةً في الوسادة، لكني متأكدةٌ أن عليه علاماتٍ تقول: “بالطبع الأمر عنكِ.”
“حسنًا، حدثيني عن الرواية.”
“البطل… يصبح ابن دوق- لا، أقصد ماركيز – في وقتٍ متأخرٍ من حياته.”
“في الأصل، كان يعيش في الخارج، ثم انتقل إلى قصر الماركيز.”
أضفتُ هذا التوضيح الإضافي.
“لذا فهو يحاول أن يُقبَل كابنٍ شرعيٍّ ويبذل كل هذه الجهود… لكن الأمر ليس سهلًا، وهو يتساءل ماذا يفعل…”
شهقة.
“أتبكين حقًا؟”
“لا أبكي! فقط احتكرت أنفي.”
“……”
تْف! أنا جادة!
رفعتُ وجهي فجأةً من الوسادة، وفي اللحظة نفسها، التقى نظري بنظري ريكس.
اتسعت عيناه الذهبيتان ببطء، ثم انحنى للخلف فجأةً وكأنه فوجئ.
‘ماذا؟ هل هذا يستحق كل هذا الذعر؟’
يبدو أنه جبانٌ أكثر مما توقعت.
وبينما كنتُ أفكر بذلك، بدأت أرفع نفسي ببطء…
‘أوه لا! ماذا فعلت للتو؟’
انهال عليّ الندم متأخرًا.
‘لقد طرحت سؤالًا غير لطيف!’
ريكس أيضًا مثلي، بلا والدين.
حسب القصة التي سمعتها، فقد كان يتجول في الشوارع وحيدًا منذ أن كان في الثالثة أو الرابعة من عمره.
وذلك بعد أن فقد ذاكرته.
‘ومع ذلك، سألته كيف يمكن أن يُقبَل كابن!’
هذا مثل التذمر من الشبع أمام شخصٍ جائع!
“مهلاً… يمكنك ببساطة تجاهل ما سمعت. فهي مجرد قصة في النهاية.”
“…حتى لو كانت قصة، أليست مشكلةً تستحق الاهتمام؟”
“اممم… لا. لا أهتم كثيرًا.”
“حقًا؟ لكني أنا مهتم.”
ماذا؟
“بطل هذه الرواية يهمني كثيرًا.”
“آه… حقًا؟”
أومأ برأسه قليلًا، ثم جلس بجواري.
لكنه لم ينظر إليّ، بل حدّق في الأمام وقال:
“في رأيي…”
بلع.
“…في رأيك…؟”
“هذا البطل لا يحتاج لفعل أي شيء.”
“إيه؟”
عندما استفسرتُ بذهول، هزّ كتفيه بخفة.
“حتى دون بذل جهد، سيعجب الجميع به.”
خلف كلماته الهادئة، التقت عيناه الذهبيتان بنظري.
“أنا أضمن لكِ ذلك.”
لونٌ يشبه الشمس الدافئة…
ولهذا السبب، بدا قلبي المتجهم يلين قليلًا.
شعرتُ وكأن الشجاعة التي كانت منكمشةً بدأت ترفع رأسها من جديد.
“الآن تحسنتُ! إلى اللقاء لاحقًا، ميلوني العزيزة!”
التعليقات لهذا الفصل " 62"