بعد أن دخلت الطفلة إلى غرفتها.
عاد الرجل بدوره إلى غرفته وأغلق فمه بإحكام.
“بُفف!”
لكنه لم يستطع كبح كل الضحكات التي تسللت خارجةً.
“هاهاها!”
انفجر ضحكٌ قصيرٌ اهتز له عنقه.
طفلةٌ بشعرٍ أبيض ناصع كحلوى القطن طفا في ذهنه.
‘أي طفلةٍ هذا؟’
لا يعرف كم كان الأمر مُضحكًا حين رأى رأسها يطلُّ خفيةً من خارج الغرفة.
“أنقذوني! طعمي ليس لذيذًا…!”
وماذا عن توسلها وهي تزعم أن طعمها غير شهيّ؟
‘حتى وحشٌ هزيل الجسد لن يرغب بأكلها.’
بينما تذكر أطرافها النحيلة وخدودها الغائرة،اختفت الابتسامة من وجه أوليفر.
وجهه الخالي من الابتسامة كان قاسيًا للغاية.بل بدا قاسي القلب للحظة.
‘في الرابعة من عمرها، يتيمٌة تُركت منذ ولادتها.’
قالت الطفلة ذلك ببرود، وكأنها تذكر حقيقةً عادية.
صوتها ارتعش، لكنها لم تبكِ كما فعل حين توسلت ألا تؤكل.
كان الأمر غريبًا.
ألا يبكي الأطفال عادةً عند ذكر مثل هذه الأشياء؟
“…طفلةٌ غريبة.”
بالتفكير مليًا، لقد كانت مميزًة منذ البداية.
تذكر كيف ابتسمت له عند التقاء أعينهم في المطعم.
‘لا يُعقل.’
بغض النظر عن مدى ابتسامها، معظم الأطفال ينشغلون بالبكاء عند التقاء الأعين.
الفريسة والمفترس.
فارق القوة الهائل.
كان الخوف الغريزي الناتج عن ذلك هو السبب.
حتى أن بعض البالغين يرتجفون من شدة الخوف.
لكن ذلك الطفلة ابتسم.
بدلًا من البكاء أو تجنب النظر، أظهر له ابتسامةً عريضة.
كانت التجربة جديدةً تمامًا عليه، لدرجة أنها بدت منعشة—
‘…لا، في الواقع، ليست الأولى.’
اختفت البسمة من وجه الرجل الذي كان يضحك.
تتبع بصرهُ الغائر ذكريات الماضي.
‘لقد حدث هذا من قبل.’
شخصٌ آخر ابتسم له بتلك الابتسامة الودية عند التقاء الأعين لأول مرة.
“…ها.”
ضحكةٌ جافةٌ خرجت من الرجل بينما مسح وجهه بيده اليابسة.
الوجه الذي ظهر مجددًا كان هادئًا كالعادة.
“بالمناسبة، لدي فضولٌ الآن لمعرفة شكل وجهه.”
أعني وجه والدي ذلك الطفلة الغريب.
بات يشتهي رؤية هيئتهما.
ربما يحاول التحقق من ذلك لاحقًا؟
‘حسنًا، سأفكر في ذلك لاحقًا.’
صوت احتكاك
دوران عنقه المتعب قليلًا، مد أوليفر يده نحو الحائط.
“لنبدأ بإنجاز شيء آخر أولًا.”
بعد همسةٍ قالها وهو يبتسم، ظهر خطٌّ على الحائط.
اتسع الخط تدريجيًا ليصبح فتحة.
أدخل أوليفر ذراعه بداخلها.
ثم—
“إييييه؟!”
استخرج شخصًا من الداخل.
صوت ارتطامٍ شديد.
سقط الشخص على الأرض مُحدثًا ضجةً، ثم تدحرج.
كان ذلك الشخص هو “ريكي”.
‘ما هذا؟ ماذا يحدث؟!’
استيقظ ريكي فجأةً من نومه مذعورًا بسبب الكارثة المفاجئة، وأخذ يلتفت حوله باضطراب.
ثم رأى أوليفر واقفًا أمامه، فتجمد في مكانه من الخوف.
“آه، كنتُ مهذبًا إلى حد ما عندما ألقيتُك.”
هل كان إلقاؤه على الأرض فعلًا مهذبًا من الأساس؟
لكن ريكي لم يقل ذلك، بل أبقى فمه مغلقًا.
لأنه لم يكن في موقف يسمح له بمجرد التفوه بمثل هذه الكلمات.
اقترب أوليفر منه وهو يبتسم ابتسامةً كسولة.
ومع كل خطوة يقترب بها، كانت أكتاف ريكي ترتعش خوفًا.
كان يتمنى في داخله ألا يقترب أكثر، لكن—
“أنت تعرفني، أليس كذلك؟”
في النهاية، وضع أوليفر يده الطويلة على كتف ريكي المرتعش.
أحس ريكي برغبة في البكاء.
‘يسألني إذا كنت أعرفه؟’
بالطبع أعرفه!
حتى لو لم أرغب في معرفته، فمن المستحيل ألا أعرفه.
سيد الظلام.
العبقري الذي لا مثيل له.
أقوى شخص في الإمبراطورية!
كيف يمكن ألا أعرف الدوق بانتيابي الشهير؟
‘بل والأسوأ، يُشاع أنه أكثر الدوقات مزاجيةً في الإمبراطورية!’
كان ريكي في الماضي يعمل كصحفي مبتدئ في مجلة للنميمة.
كانت مهمته كشف أسرار النبلاء الفاسدين.
التهرب الضريبي، العلاقات المحرمة، الاحتيال، القمار… إلخ.
بالطبع، العمل كان خطيرًا، لذا كان الأجر مرتفعًا، لكن لم يكن هناك من يرغب في القيام به.
لكن ريكي كان بحاجة إلى المال لشراء دواء لأخيه المريض، فلم يجد وظيفة أفضل من هذه.
ففي النهاية، لا توجد طرق كثيرة لكسب المال بهذه الكمية دون ارتكاب جرائم.
لكنه في النهاية، وقع في شباك أحد النبلاء الذين كان يتجسس عليهم، وانتهى به المطاف هنا.
على أي حال، كشخصٍ خبيرٍ في أوساط النبلاء، كان من المستحيل ألا يتعرف على دوق بانتيابي.
‘يبدو أنه غيّر لون شعره باستخدام أداة ما…’
لكن نظرته الثاقبة (الملعونة) اخترقت الحيلة وكشفت هويته.
يا للهول!
‘كان يجب أن أتظاهر بعدم المعرفة حتى لو عرفته!’
المشكلة أنه لم يتمالك نفسه عندما رأى هذا المزيج المستحيل: “برامشوا” و”دوق بانتيابي”.
لا مفر الآن.
‘لننكر الأمر الآن!’
قرر ريكي أن يقلب الطاولة، فحنى رأسه ببراءةٍ وقحةٍ وقال:
“هاها، لا… لا أعرف من أنت حقًا…”
“فقط لأخبرك، أنا أكره الكاذبين جدًا.”
“في الحقيقة، أعرفك! أعرفك جيدًا! لكني ظننتُ أن تظاهري بعدم المعرفة سيكون أكثر راحةً لك، فحاولت أن ألعب على نغمك! هاها! يبدو أنني أخطأت الإيقاع!”
“أجل، أخطأت الإيقاع.”
“حسنًا! سأصحح أخطائي!”
أومأ ريكي برأسه بجدية وهو يرفع يده في تحيةٍ عسكرية.
ضربه أوليفر على كتفه بيدٍ راضية.
“لكن المشكلة الآن… وجود شخصٍ يعرفني هنا قد يكون مزعجًا.”
“سأتظاهر بعدم المعرفة! بالتأكيد سأتظاهر بعدم المعرفة!”
“كم هو رائع أن تفهم بسرعة. هذا جيد.”
“ماذا؟ ماذا تريد…؟”
اجتاحه شعورٌ بالقلق.
“لقد كنتُ بحاجةٍ إلى شخصٍ مطيعٍ وحريصٍ على الكلام. أنت الشخص المثالي.”
لا، هذا غير صحيح…
…أنا لست الشخص المثالي بالتأكيد!
لكن بدلًا من قول ذلك، اكتفى ريكي بالابتسام المرتعش وإيماءة الرأس الموافقة.
ومنذ ذلك اليوم، أصبح ريكي “محققًا سريًا”.
مهمته كانت تصنيف السجناء الحقيقيين والمزيفين بين سكان “برامشوا”، وتنظيم المعلومات حول كيفية وصولهم إلى هنا.
“آه… حتى هنا، ينتهي بي المطاف بالعمل…”
لقد كانت وظيفةً قسرية لم يرغب بها.
***
“أخي ريكي، يبدو أنك تقضي وقتًا طيبًا مع السيد أوليفر مؤخرًا؟ هل أصبحتما صديقين؟”
“أختي! ماذا تقولين… كلا، لا. ربما يكون أحدهم يستمع إلينا.”
ارتعب ريكي من سؤال جان، وأخذ يلتفت حوله بعينين قلقتين.
بعد أن تمتم بكلمات غير مفهومة، أجاب أخيرًا:
“نعم… نحن أصدقاء. إنه شخصٌ رائع حقًا، هاها!”
رفعتُ عينيَّ قليلًا ونظرتُ إليه بتشكك.
تسك…
“متى أصبحا قريبين إلى هذا الحد؟”
مرت أسبوعٌ على وصول أوليفر إلى “برامشوا”،
وكنت أزوره كل يوم.
“مرحبًا، عمي الجديد! وجهك اليوم مشرق كالنجوم!”
مع انحناءة مؤدبة بزاوية 90 درجة وقليل من التملق.
“غداء لذيذ، عمي الجديد! ألم تأكل بعد؟ أحضرت لك هذا الخبز!”
مع تقديم رشوة خفيفة ببراعة.
“مساء الخير، عمي الجديد! هل تريدني أن أمسح ظهرك لكي تنام جيدًا؟”
مع عرض “التربيت السحري” الذي يضمن نوماً هانئًا.
كل هذا كان جزءًا من جهودي الدؤوبة لضمان قبولي في دار أيتام جيدة.
لكن يبدو أن ريكي سيتفوق عليّ ويصبح صديقًا لأوليفر قبل أن أفعل أنا ذلك!
‘لا يمكنني الاستسلام بهذه السهولة!’
وضعت خطة حاسمة لمواكبة ريكي، ألا وهي:
خطة الرشوة الاستراتيجية!
*****
“ميلوني، هل أنتِ متأكدةٍ من أنكِ تريدين فعل هذا؟”
“نعم.”
“فكري مرةً أخرى. سأحضرها لكِ.”
لكنني تجاهلتُ قلق أختي، ونظرتُ إلى نفسي في المرآة.
“…هل أبدو مثل رجل ثلج؟ أم مثل دبٍ سمين؟”
كان بطاني البرتقالي ملفوفًا حول جسدي بإحكام.
بدوتُ كجزرٍ متعرج…
كان مظهري مضحكًا بعض الشيء، لكن لم يكن لدي خيار.
“هذه هي الطريقة الوحيدة لنقل البطانية!”
كانت بطانيتي كبيرةً وثقيلة جدًا بالنسبة لي!
لكنها كانت بطانيتي المفضلة، أكثر نعومةً وسُمكًا من غيرها.
مررتُ يدي عليها بحنان.
“نعم، إنها ناعمة حقًا.”
كانت ثمينةً جدًا بالنسبة لي لأعطيها لأحد،لكن من أجل كسب ود أوليفر…!
“ميلوني ستفعل ذلك!”
فالرشوة لا تكون ذات قيمة إلا إذا قدمتها بنفسي.
لم يكن أمام أختي خيار سوى الموافقة والتراجع.
“كوني حذرةً في الطريق، حسنًا؟”
لكنها ليست سوى الغرفة المجاورة!
“كم يمكن أن يكون الأمر صعبًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 5"