كيف لي أنا… أن أختار دار الأيتام؟
شعرت أن دموعي على وشك السقوط، فاكتفيت بشمّ أنفي الجاف.
“ميلوني، تماسكي، يا ميلوني!”
طَبطَب، طَبطَب.
ضربت خدّي المنتفخين بيديّ الممتلئتين، لأشحذ عزيمتي من جديد.
لا بد أن هناك حلًا ما.
يقولون حتى في عرين التنين، إن حفظت هدوءك، تنجو.
وهذه حياتي الثانية،
فلأجرب أن أعيشها بجدية هذه المرة!
…آخ.
لكن، أظنني صفعت خدّي بقوة زائدة.
المرة القادمة، سأكون ألطف.
وبعد عدّة أيام—
وجدتُ حلًا لمشكلة دار الأيتام أسرع مما توقعت،
وذلك بفضل ظهور شخصٍ كنت قد نسيته تمامًا.
وقت الظهيرة، كأي يومٍ عادي.
دَانغ، دَانغ، دَانغ، دَانغ—!
رنّ جرسٌ بصوتٍ عالٍ وصاخب.
“هـاه؟”
رفعت رأسي عن صحني وحدّقت في اتجاه الصوت،
والملعقة لا تزال في يدي.
ما هذا الآن؟
لكن، على عكسي، لم يبدو أن أحدًا من حولي قد تفاجأ.
“آه، يبدو أن القادم الجديد وصل.”
“حقًا… تُرى ما نوعه هذه المرة؟”
قالت “جانّ” الأخت الكبرى، و”ريكي” الأخ الأكبر، وهما يحرّكان رأسيهما يمنةً ويسرة.
قادم جديد؟
آه، صحيح!
في “برامشوا”، اعتادوا على قرع الجرس في كل مرة يصل فيها يتيم جديد.
لكن التوقيت غريب قليلًا…؟
فدار “برامشوا” ستُغلق قريبًا.
هل كان يُستقبل يتامى في هذا الوقت من العام؟
قمت بعصر ذاكرتي محاوِلةً التذكّر،
لكنّ الماضي لم يكن يسهل استدعاؤه دائمًا.
قادم جديد… قادم جديد…
آه!
ولأن من يسعى، ينل،
نجحت أخيرًا في تذكّر من هو القادم الجديد.
صحيح… قبل أن تُغلق برامشوا، وصل يتيمٌ جديد.
وكان ذلك الشخص بالتأكيد—
بينما أنا شاردة في التفكير،
ظهر الحارس عند المدخل.
“أنت، القادم الجديد! تعال وعرّف عن نفسك!”
خرج شاب من خلف الحارس متّبعًا أمره.
وفي نفس اللحظة—
“هـاه!”
“أوووه!”
“هاه؟!”
تعالت أصوات الذهول من كل زاوية.
والسبب كان واضحًا تمامًا.
“…وسيم جدًا.”
نعم…
لقد كان شابًا فاتنًا بجنون.
قامة طويلة.
أكتاف عريضة.
بشرة ناصعة.
رموش طويلة.
عينان زرقاوان صافيتان كالبحيرة،
وشعرٌ حريريّ بلون القمح.
وكان في نظراته الخاملة مزيجٌ من الحدة واللامبالاة.
تأمّلنا بهدوء،
ثم ابتسم ابتسامة خفيفة، وتحدث بصوت ناعم:
“أنا أوليفر.”
كلمات بسيطة، لكنها أشعلت الهمس في القاعة:
“جنون… هذا جنون.”
“شكله جنوني. صوته جنوني. كل شيء فيه جنوني.”
“ألا يوجد قانون في الإمبراطورية يمنع الناس من أن يكونوا بهذه الوسامة؟!”
“يعني… سيتم تخفيف حكمك، صح؟”
“أيّها الوقح!”
أنا أيضًا، لم أستطع أن أشيح بنظري عنه.
دق، دق، دق.
قلبي الصغير كان يخفق بلا رحمة.
لكن ليس لأن الرجل وسيم… بل لسببٍ آخر تمامًا.
إنه محقّق سري.
بفضل مجهودي الجبار في عصر دماغي الصغير، تذكّرت من يكون.
ذاك الرجل، كان محققًا سريًا أرسلته منظمة “بانتيبيه”.
رأيته في عمود الشائعات الأسبوعية، لذا أنا متأكدة.
حدّقت في “السيد أوليفر” بعينين متلألئتين.
إنه الشخص المثالي لتنفيذ خطتي!
خطتي في الذهاب إلى دار أيتام محترمة، أعني.
محقق مثله بالتأكيد يملك صلاحية اختيار دار الأيتام، أليس كذلك؟
لو أحسنت معاملته، ثم مررت له المعلومة بهدوء…
وفجأة—
“مـ… مـااااذا؟! ما الذي يفعله هذا الرجل هنا؟!”
صرخ “ريكي” الأخ الأكبر، الذي كان جالسًا إلى جانبي، ونهض واقفًا بفزع.
اتجهت أنظار الجميع نحوه،
حتى “أوليفر” والحارس التفتوا ينظرون إليه.
“ما الأمر، ريكي؟ تعرفه؟”
سأله الحارس، وهو يرمقه بريبة.
رمش ريكي بارتباك وقال:
“أمـ… لا، لا، فقط… تفاجأت! وجهه الجميل لا يليق بمكانٍ كهذا! ههه، هاها.”
قال ذلك وهو يحكّ مؤخرة رأسه بحرج، ثم جلس مجددًا.
انطلقت ضحكات وسخرية خفيفة من هنا وهناك:
“يا رجل، أفزعتنا!”
“لا تبالغ يا ريكي!”
“أوه، توقف عن التظاهر!”
ضحك ريكي ولوّح بيده قائلًا: “آسف، آسف!”
لكنني، أنا التي كنت جالسة بجواره،
رأيت ما لم يره الآخرون.
عينيه ترقصان رقصة الهولا!
هل يُعقل أنه اكتشف هو الآخر هوية “السيد أوليفر” الحقيقية؟
هل يعرف أنه محقق سري أيضًا؟
ضيّقت عيني، وماليت بجسدي نحوه، واقتربت منه بهمسة جادة:
“ما بك؟ قل لي الصراحة.”
“هـه؟ عـن ماذا؟”
“هل حسّيت… أنه شرطي سري؟ أو يمكن… مجرم متخفي؟”
“ماذا تهذين؟ أنا أنزه نفسي عن الشبهات!”
قالها وهو يقفز فجأة من مكانه، بانفعال حقيقي.
حسنًا… يبدو أنه فعلًا لا يعلم شيئًا.
“لا بأس، من الآن فصاعدًا فلنحيَ بنقاء!”
إذًا فقد صُدم فقط لوسامة “أوليفر”، لا أكثر؟
هززت رأسي بتعجّب، وعدت لأجلس باعتدال.
وحينها، التقت عيناي بعيني “السيد أوليفر”، الذي كان ينظر نحوي.
يا إلهي… كم هو وسيم.
(لا، لا، ركّزي!)
انطباع جيد، وابتسامة مشرقة!
ابتسمت بسرعة ورفعت زاويتي فمي ببراءة.
ارتفع حاجباه قليلًا بدهشة،
ثم حدّق بي مطولًا، وأخيرًا… ابتسم لي!
آآآآه، عندما يبتسم، يصير أكثر وسامة!
“لكن الأهم… أليس هذا إشارة إيجابية؟”
لقد ابتسم لي!
شعرت أن أول خطوة كانت موفقة،
ولم أستطع إخفاء ابتسامتي الغبية من شدة السعادة.
في تلك الليلة،
توجهتُ إلى غرفة “السيد أوليفر”.
لأثبت له انطباعًا جيدًا في ذهنه—
“ولأجل ذلك، عليّ أن أُجيد التحية!”
فالتحية هي الأساس في بناء انطباع جيد، أليس كذلك؟
“مرحبًا، زبوننا الكريم.”
“سررنا بلقائكم، زبوننا العزيز.”
وقفت في الممر بثبات، وأجريت تمرينًا على التحية مرتين،ثم قبضت بيديَّ الصغيرتين بعزم.
“حسنًا، ممتاز.”
الآن حان وقت التنفيذ.
لكن،
بمجرد أن وصلت إلى باب غرفة السيد أوليفر، انهارت عزيمتي تمامًا.
“أبعد! دعني أرى وجهه!”
“أنا أيضًا أريد أن أحييه!”
“وأنا! وأنا!”
كانت غرفة أوليفر محاطة بالناس من كل جهة.
…لا عجب أنني لم ألتقِ بأحد في طريقي.
يبدو أن الجميع قد تجمعوا هنا.
“حقًا…”
لا مفر.
انسحاب تكتيكي إذًا.
لو حاولت التسلل وسط هذا الجمع،
فرصتي في رؤية وجه أوليفر ستكون مساوية لفرصي في رؤية وجه ملك الموت.
لكنني لم أكن مستعدة للاستسلام بهذه السهولة.
فلنعدّل الخطة.
توجهت ببصري نحو غرفة تقع بجانب غرفة أوليفر،
تحديدًا: غرفة ريكي الأخ الأكبر.
“حسنًا! ستكون هذه قاعدتنا الجديدة!”
“هل يمكنني النوم في غرفة ريكي اليوم؟”
عندما طرحت هذا السؤال،
سقط المشط من يد الأخت جان على الفور.
تجمدت ملامح وجهها، ثم أمسكت بيدي بكلتا يديها وقالت بقلق:
“لماذا؟ هل أخطأت في شيء؟ هل قلت شيئًا أزعجك؟ لا تخبريني أنك لم تعودي تريدين النوم معي بعد الآن!”
“لا! ليس الأمر كذلك!”
هززت يدي بسرعة، محاوِلة أن أطمئنها.
لا أريد أن تشعر أختي الطيبة بالحزن.
“الأمر ببساطة… أنني أرغب في التعرف على القادم الجديد… وهو غرفته بجانب غرفة ريكي، أليس كذلك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 3"