ها هو يبتسم ابتسامة صغيرة راضية مرة أخرى، ثم تقدّم لويس متجاوزًا أستر حتى وقف أمامي.
“هذا يجرحني يا ميلوني. كيف تربطينني بالكلام مع أحمق مثله؟”
…صدقتَ.
ربما صار أستر أكثر شدّة مما كان عليه آخر مرة رأيته فيها.
ابتسم أستر ابتسامة مشرقة قبل أن يعانقني بحذر.
أكان السبب أنه كاد ان يبلغ سنّ الرشد؟ إذ إن ارتفاعي بين ذراعيه كان يقارب الارتفاع الذي كنت أشعر به حين يعانقني أبي.
“أنا حقًا سعيد لأنك استيقظتِ. لا تتصورين كم كنت قلقًا.”
“آسفة لأنني أقلقتك.”
“لا بأس. لكن بالمقابل، لا تبذلي جهدًا يفوق طاقتك أبدًا، مفهوم؟”
قالها بصوت حانٍ، وهو يربّت برفق على رأسي.
“أنتِ كنز عائلتنا. فهمتِ؟”
كنز؟ يا للحرج.
ابتسمتُ بتكلّف وهممتُ أن أومئ برأسي… لكنني توقفت فجأة.
‘همم، أشعر أن إخوتي سيقيمون الدنيا بعد قليل…’
وفي النهاية، تجنّبت النظر إليه.
“صغيرتي؟”
“ها، هاها… في الحقيقة، الأمر هو…”
كيف لي أن أقول هذا؟
بينما أنا أتلعثم محاوِلة التهرّب من الإجابة، ضيّق لويس عينيه وتقدّم نحوي بخطوات واسعة.
“ما هذا؟ هذا الوجه كوجه جرو صغير ارتكب حماقة ولا يعرف كيف يصلحها.”
“…هاه؟”
“هذا التعبير أنا خبير فيه، صدقيني. كوني صريحة يا صغيرة.”
ثم مدّ وجهه قريبًا من وجهي وأمسك طرف أنفي بخفة.
“أخبريني، هل فعلتِ شيئًا؟”
انتفضتُ قليلًا.
…أخي الكبير هذا ذو الحدس المزعج!
“لا، لا… ليس بالضبط.”
نعم، لم يكن ما فعلتُه حماقة تمامًا.
مع أن ما قلته قبل بضعة أيام جعل القصر ينقلب رأسًا على عقب…
…وما زال مقلوبًا قليلًا حتى الآن.
في تلك اللحظة—
“حلوى القطن! ومهما فكرتِ، فجدّك هذا يعارض الأمر تمامًا!”
جاء الصوت المدوّي من خلفي.
التفتُ مذعورة، فرأيت جدي يهرع نحونا بسرعة مذهلة وهو يتوكأ على عصاه.
“أن تذهبي من أجل التدريب؟! ولسنوات، لا لأيام أو أشهر؟! لقد استيقظتِ للتو بعد أن نمتِ لعامين تقريبًا، فكيف سأعيش أنا العجوز من دونك— أُغفف!”
“أبي! صوتك مرتفع جدًا! اتفقنا أن يبقى الأمر سرًا. ستسمع به الجدران المجاورة كلها!”
كانت عمّتي قد كمّت فم الجد، ثم ابتسمت وهي تنظر إلينا.
“آه، لقد وصل الأولاد. تفضلوا. ميلوني، لا تقلقي على جدك. سأحرص على أن يصمت من جديد.”
رفعت إبهامها في إشارة تشجيع، وسحبت الجد كما يُسحب سجين، عائدة به إلى القصر.
“……”
“……”
“……”
وبعد لحظة صمت، انصبّت نظرات لويس وأَستر عليّ في وقت واحد.
“ما الذي كان يعنيه هذا، يا صغيرة؟”
“أأنتِ سترحلين؟ ولسنوات؟!”
ها، هاها…
ابتسمتُ بخجل، وفركت أنفي قبل أن أجيب:
“أمم، ربما؟”
—
“يبدو أن هناك أمرًا علينا أن نسمعه، أليس كذلك؟”
“بالضبط يا صغيرة! إلى أين تنوين الذهاب؟ وما الذي حدث بالضبط؟”
بعد أن مرّت عاصفة الجد، بدأ الاثنان يستجوبانني بلا رحمة عن كل ما حدث، وكيف انتهى بي الأمر لاتخاذ مثل هذا القرار.
“في الحقيقة….”
لم أجد بُدًّا من أن أفتح لهما جلسة إفادة خاصة.
قصصت عليهما ما رأيتُ وما علمتُ خلال العامين اللذين قضيتُهما في غيبوبة؛ حقيقة مانيت، وغاية ناتيس، واللعنة التي أصابت أبي، وأن قوتي ضرورية لفكّها، وأخيرًا أن القضاء على ناتيس لن يتم إلا بتعاوني أنا وريكس.
هاه… أشعر بالعطش الشديد.
بعد أن أنهيتُ حديثًا امتد ساعتين كاملتين، شربت الماء دفعة واحدة.
“أيّ أمر هذا…؟”
تمتم لويس بذهول، ثم مسح مؤخرة رأسه بوجه متجهم غاضب.
“اللعنة! لو كنتُ أقوى قليلًا فحسب…!”
“لا، لويس. حتى لو كنتَ الأقوى، لم تكن لتحل هذه المشكلة.”
“…حتى في هذه اللحظة، لا تقول إلا ما هو صحيح؟” تمتم لويس بنبرة متضايقة.
“سواء أعجبك أم لا، هذه هي الحقيقة.”
أجاب أستر وهو يرفع كتفيه، ثم نظر إليّ بقلق واضح.
“إذًا، أنتِ الآن تحملين عبئًا ثقيلًا.”
“أنا بخير. بل إنني سعيدة لأن لدي فرصة لحماية الجميع.”
كنت أعنيها بصدق.
يكفيني أن المفتاح لحلّ هذه المعضلة بين يديّ، وهذا وحده يبهجني.
“لكن، إلى أين ستذهبين للتدرّب؟”
“أفكر في الذهاب إلى سهول أَسْرِيَان.”
“سهول أَسْرِيَان؟”
“نعم!”
أجبت بحماس، فظهرت على وجهيهما علامات الدهشة التي لم يستطيعا إخفاءها.
ولم يكن ذلك غريبًا، فمن الطبيعي أن يندهشا من فكرة التدرّب في سهول مفتوحة.
‘حتى أنا لو كنت مكانهما لشعرت بالدهشة.’
عائلتي، وحتى رِيكس نفسه، حين سمعوا الأمر أول مرة أبدوا الوجه نفسه.
لكن عزيمتي كانت ثابتة.
“يقال إن هناك أطلالًا أثرية قديمة مخفية هناك!”
“أطلال أثرية…؟”
بخلاف لويس الذي بدا عليه الارتباك، بدا أن أستر قد أدرك شيئًا.
“الآن تذكرت، كانت هناك شائعة قديمة تقول إن في سهول أَسْرِيَان أطلالًا مرتبطة بتنين وقديسة.”
“أه؟ كانت هناك شائعة كهذه؟”
سأل لويس، فأومأ أستر برأسه.
“نعم. ربما كنت صغيرًا جدًا آنذاك فلم تتذكر. لكن قيل إن رجلًا وجد سفينة صغيرة محطمة، وداخلها كتاب ذُكر فيه: ‘في سهول أَسْرِيَان أطلال قديمة تتعلق بتنين وقديسة’. ومنذ ذلك الحين، تسابق الجميع للبحث عنها.”
“أوه، إذًا كانت الأطلال موجودة فعلًا؟”
سأل لويس بعينين لامعتين.
“لا، لم تكن موجودة. حتى الإمبراطور أرسل رجالًا للبحث، لكنهم لم يجدوا شيئًا.”
“آخ، ما هذا الإحباط.”
أبدى لويس خيبة أمل واضحة أمام تلك النتيجة الهزيلة.
ثم قال:
“ولماذا تريدين أنتِ الذهاب إلى مكان كهذا إذًا، إذا كانت الأطلال مجرد أكذوبة؟”
ترى… هل هي فعلًا أكذوبة؟
“يا أخي، في النهاية لا يمكن الجزم بشيء قبل أن نراه بأعيننا.”
اتسعت عين اأستر قليلًا عند سماع قولي الواثق.
“ميلوني، لا تقولي إنك…”
أوه، كما توقعت…أستر أدرك ما أنوي فعله بمجرد سماع هذه الجملة.
“بالضبط! سأذهب لأستخدم قواي هناك!”
كانت قوتي هي إعادة الزمن إلى الوراء.
وحتى لو فشلت، فقد أتمكن من قراءة الذكريات المخفية في المكان أو الشيء المستهدف.
لذلك، لم يكن هناك شك في أن قوتي ستكون مفيدة جدًا في العثور على الأطلال المخفية.
عندها فقط، أطلق لويس تنهيدة قصيرة وقال: “آه”، ثم أومأ برأسه.
“صحيح… بقوتك هذه قد يكون العثور عليها ممكنًا فعلًا.”
“أرأيت؟!”
“صحيح، لكن… إذا وجدتها، ماذا تنوين أن تفعلي بها؟”
ماذا سأفعل إذا وجدت الأطلال؟
بالطبع—
“سأذهب لأقابل السيدة القديسة هناك!”
فإذا أردت أن أتعلم طريقة استخدام ‘قوة القديسة’، فإن أفضل حل هو الذهاب إليها مباشرة.
—
في مساء ذلك اليوم، اجتمع جميع أفراد أسرة بانتايبي من الفروع المباشرة حول مائدة واحدة.
“يا له من شعور رائع أن نجتمع هكذا جميعًا، أليس كذلك يا قرة عين عمّتك؟”
“نعم، عمتي! إنه رائع فعلًا…”
دارت عينا الطفل الكبيرتان في أرجاء المكان.
رأى كارلوس بحاجبيه المتهدلين إلى أقصى حد، وكونتيه الذي كان يبتسم بنفس هدوئه المعتاد،
ولويس بملامحه الساخطة، وأَسْتر الذي بدا غارقًا في التفكير.
عندها، عبست ملامح ميلوني قليلًا.
“…أشعر أنني الوحيدة السعيدة هنا.”
“لا يمكن ذلك، الكل سعيد بلا شك، أليس كذلك يا جماعة؟”
قالت سيينا وهي تشد على أسنانها وتلقي نظرة على الجميع، فما كان من أفراد العائلة إلا أن رفعوا أطراف شفاههم لابتسامة مصطنعة.
باستثناء كونتيه، الذي كان يبتسم بصدق منذ البداية.
“لا داعي لأن تقلقي يا المارشميلو، فأبوك سعيد فعلًا الآن.”
وما إن أنهى كونتيه كلامه حتى صرخ كارلوس بوجه ممتعض:
“طبعًا! وكيف لا تكون سعيدًا وأنت سترافق حلوتنا القطنية؟!”
وكان محقًا.
فحين ترحل ميلوني إلى سهول أَسْرِيَان للتدرّب، سيرافقها كونتيه، لأنه كان لا بد من وجود من يحميها بينما تلتقي القديسة وتتلقى تعليمها.
“ماذا بوسعي أن أفعل؟ لا أحد أقدر مني على حماية مارشميلونا.”
قال كونتيه بابتسامة هادئة وصوت رشيق، ثم أضاف:
“إن لم يعجبك الأمر، فلتكن أقوى مني إذًا.”
“غغغ… أيها الوغد اللعين!”
كانت خطة ميلوني أن تعثر أولًا على الأطلال الأثرية المخفية، ثم تستخدم قواها هناك لتلتقي بالقديسة.
“أمي قالت ذلك. أن أذهب وأبحث عن القديسة بنفسي.”
فالعقول التي تشارك الأرواح يمكنها، عبر قوة إعادة الزمن، أن تتحاور داخل ذكريات الزمن المرتجع.
وفي حالة ميلوني ولابيلا، كان الأمر ممكنًا لأن لحظة الاتصال بينهما كانت عندما كانت لابيلا حاملاً بميلوني.
“أما القديسة، فأنا وهي نتشارك الروح ذاتها، لذا سيكون الحوار ممكنًا بالتأكيد.”
“هذا يبدو منطقيًا… لكن، هذا يعني يا حبة القطن أن جسدك سيتعين عليه النوم مجددًا، أليس كذلك؟”
“أمم، على الأرجح نعم.”
“مستحيل! ومن يدري كم سنة ستبقين راقدة هذه المرة!”
قفز كارلوس معترضًا بشدة على خطتها.
“حتى أنا قلقة… هل لا بد من ذلك فعلًا؟”
“نعم. لا يوجد طريق آخر. صحيح أن لعنة أبي ضعفت الآن، وأن الكاردينال صار أكثر حذرًا، لكنه لن يبقى ساكنًا طويلًا.”
“هذا صحيح… لكن…”
فالكاردينال سيواصل توسيع نفوذه.
وبما أنه وجد فريسة ثمينة اسمها ميلوني، فسيبذل كل ما بوسعه للإمساك بها.
“إن كان العدو يتقدّم، فلا يمكنني أنا أن أبقى واقفة بلا حراك.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات