في اللحظة الأخيرة، وجدتُ لساني معقوداً.
فالذكرى الأخيرة التي واجهتها لم يكن من الممكن أن أحكيها دون أن أذكر أمر عودتي بالزمن، وهذا ما جعلني أتردد.
كنت واثقة أن أبي سيصدق قصتي عن عودتي.
لكن—
‘ألن يكون الأمر ثقيلاً عليه الآن؟’
أنا… وهو…
لقد تبادلنا بالفعل الكثير من الأحاديث.
ورغم أنه كان يستمع بوجه هادئ، كنت أعلم أنه في داخله ليس بهذه السكينة.
“المستقبل… هو مستقبل، لكنه ليس مستقبل عالمنا الحقيقي… أشبه باحتمال لما قد يحدث، أو… شيء من هذا القبيل. يعني، أمم…”
بدأت أتمتم بكلمات مبعثرة أقرب إلى التبرير، لكن أبي سألني بصوته المعتاد:
“حسناً، فهمت. وماذا رأيتِ هناك؟”
‘إنه يتغاضى عن الأمر…’
رغم أنه لا بد شعر أن شيئاً ما غير طبيعي، إلا أنه تجاوز الموضوع بهدوء.
ابتسمتُ بخفة، وواصلت سرد ما رأيته… ذلك المستقبل المروع الذي لم يكن سوى كابوس.
“أولاً… أنا قُتلت على يد ناتيس.”
حينها فقط، انكسرت ملامح أبي التي كانت محافظة على هدوئها، وبدت عليه وحشية غاضبة.
“…كما توقعت. لا بد من تمزيقه إرباً.”
تمتم بشيء بنبرة يختلط فيها الغضب بابتسامة باردة.
‘لا أعرف ما الذي قاله بالضبط، لكن من المؤكد أنه شيء مرعب.’
ارتجفت قليلاً، وحاولت الابتسام بارتباك.
ومع تقدم الحديث، ازدادت التجاعيد بين حاجبيه وضوحاً.
هاها… يبدو أنه غاضب جداً.
وبصراحة، أنا أيضاً أشعر بالغضب مجدداً وأنا أحكي.
“وفي النهاية… مات ريكس أيضاً على يد ناتيس…”
وكانت نهاية الحكاية موت ريكس الراشد.
ثم—
“في تلك اللحظة… جاء ريكس الحالي لإيقاظي.”
كان ذلك أيضاً لحظة ظهور ريكس الصغير.
—
نظرتُ حولي بحذر، أتحسس ما إذا كان أحد قد لاحظني.
‘جيد… يبدو أنني لم أُكتشف بعد!’
اعتدلت واقفة، ثم اندفعت بخطوات سريعة للأمام.
اتجهت نحو المبنى الفرعي.
هدفي واحد:
‘أريد أن أرى ريكس!’
رغم أنني مُلزَمة بفترة “الراحة الإجبارية”، إلا أن رغبتي في رؤية ريكس فوراً غلبتني.
وبعد أن رويت كل شيء لأبي، شعرت بحاجة أكبر لأن أراه الآن حالاً.
‘لدي الكثير لأقوله له.’
وأيضاً… الكثير من الأسئلة.
وفجأة، ظهر شخص قادم من الجهة المقابلة.
خطواتي التي كانت حذرة توقفت على الفور حين رأيته.
وكذلك هو، توقف حين وقعت عيناه عليّ.
“……”
“……”
تبادلنا النظرات بصمت لثوانٍ.
كنتُ أنا أول من تكلم:
“ريكس.”
“…ميل، وني؟”
أومأت برأسي بحماس، واستأنفت السير نحوه.
وبدأ هو الآخر يقترب مني.
أخذت خطواتنا تزداد سرعة تدريجياً، حتى لم نعد نعرف من منا أسرع أولاً.
وفي لحظة اللقاء، تعانقنا بقوة.
“اشتقت إليك يا ريكس.”
شعرت بجسده يرتجف قليلاً عند سماع كلماتي.
ثم ابتعد عني ببطء، ممسكاً بكتفي بكلتا يديه، وعيناه المرتجفتان تمسحان وجهي بتفاصيله.
ثم—
“هذا ليس حلماً، أليس كذلك؟ أنا… أنا لست أرى وهماً مرة أخرى، أليس كذلك؟”
كان صوته يرتجف بقدر ما كانت عيناه ترتجفان.
ومن بين تلك النبرة، تسرّب خوف خافت جعلني أعضّ شفتي بقوة.
‘لقد… انتظرني طويلاً.’
كما فعل أبي، كان ريكس أيضاً يشتاق إليّ وينتظرني…
حتى كان يحلم بي ويراني في أوهامه.
‘مع أن الأمر بالنسبة لي كان أشبه بليلة واحدة فقط.’
ليلة طويلة قليلاً… لا أكثر.
“…حقاً؟ أنتِ حقاً ميلوني؟”
“نعم، أنا ميلوني الحقيقية. اشتقت إليك كثيراً فجئت لأراك—”
لكنني لم أتمكن من إكمال الجملة،
لأن ريكس عانقني مرة أخرى بقوة.
“ري… ريكس؟”
“الحمد لله… حقاً، الحمد لله.”
شعرت بجسده يرتجف عبر العناق،
فربّتُ على ظهره بحنان، وابتسمت له ابتسامة واسعة متعمدة.
“شكراً لأنك انتظرتني، ريكس. لقد افتقدتك كثيراً… كثيراً جداً.”
كانت هذه المرة مشاعر صادقة لا يداخلها أي كذب.
—
أنزلت بصري بهدوء نحو يديّ،
وبالأحرى، نحو يد ريكس التي كانت تمسك بيدي بقوة وكأنه لا ينوي إطلاقها أبداً.
‘إلى متى يخطط أن يبقى ممسكاً بها؟’
منذ عناقنا عند اللقاء، لم يترك يدي للحظة.
‘…لكن، وماذا في ذلك؟’
فإمساكه بيدي لن يُنقص منها شيئاً.
وهكذا قررت أن أبادله القبضة، فأمسكت بيده بقوة أكبر.
شعرت باهتزاز خفيف منه، وكأنه فوجئ، ثم التقت نظراتنا، فابتسمت له ابتسامة مرحة.
‘لكن… بالمناسبة…’
وبينما ما زلت ممسكة بيده، أخذت أتمعن فيه من رأسه حتى قدميه ببطء.
“ما الأمر؟”
سألني حين شعر بنظراتي، فحدّقت فيه بعينين ضيقتين وقلت:
“أمم… أنت… كبرت كثيراً، أليس كذلك؟”
رد ريكس بصوت خالٍ من الحماس:
“حقاً؟ ربما كبرت قليلاً.”
“قليلاً؟ لا، ليس قليلاً أبداً! لقد كبرت كثيراً جداً! حتى إنك… ربما أطول من لويس الآن.”
طبعاً، كنت أقارن بلويس الذي أتذكره قبل عامين…
لكن حينها كان في نفس عمر ريكس الحالي، لذا—
‘همم، نعم… أعتقد أنك أطول من لويس.’
ريكس لم ينكر، واكتفى بهز كتفيه بخفة.
“ربما.”
هاها… أراهن أن لويس سيكون مستاءً جداً من هذا.
لا حاجة حتى لأن أراه لأعرف.
‘وعلى كل حال… توقعت أن يكون وسيماً، لكن الأمر فوق التوقع.’
وجه ريكس، الذي بدأ يغادر ملامح الطفولة ويدخل طور المراهقة، كان يزداد إشراقاً.
ومجرد التحديق فيه جعل وجنتيّ تسخنان.
لكن المدهش أن أول من احمرّ وجهه كان ريكس نفسه.
“لماذا تحدقين بي هكذا؟ هذا يحرجني.”
“…أوه؟ آسفة، لم أقصد.”
يا إلهي… الآن جعلني أشعر بالحرج أنا أيضاً.
وبينما كنت أخدش جسر أنفي بخجل، تذكرت ريكسيْن التقيت بهما في الماضي:
ريكس الصغير الذي كانت السيدة ناديا تحبه، وريكس البالغ الذي تحدّى ناتيس.
ثم—
“أتعلم، ريكس… لدي سؤال أريد أن أسألك إياه.”
آخر ريكس التقيت به قبل أن أستيقظ.
“الشخص الذي أيقظني… كان أنت، أليس كذلك؟ أنت من جاء لإيقاظي، صحيح يا ريكس؟”
ظل ريكس يحدق بي بصمت.
وفي عينيه الذهبيتين، انعكست صورتي بالكامل.
“نعم… جئت لأوقظك. والآن لنعد. هيا، ميلوني.”
تداخل وجهه ذاك، حين مد يده إليّ وأنا أصرخ راجية أن يوقظني، مع وجهه الحالي أمامي.
‘لا أظن أنها كانت مجرد وهم بسيط.’
فحرارة يده التي أمسكت بيدي، ودفء العناق… كانا حقيقيين جداً.
تماماً مثل يدينا المترابطتين الآن.
“ذلك… كان حقًا أنت، أليس كذلك؟”
هزّ ريكس رأسه ببطء، حركة صامتة لكنها حاسمة.
“نعم… كان أنا.”
“كنت أعلم… كنت أعلم أن الأمر سيكون كذلك.”
كنت أعلم…
شعور حارّ بدأ يتسرّب من صدري ويمتدّ شيئًا فشيئًا في جسدي.
لم أعرف إن كان هذا هو التأثّر أو شيئًا آخر… كان إحساسًا متوهّجًا لا أجد له اسمًا، لكنّه تجمّع في عينيّ دموعًا رقيقة.
ابتسمت، والدموع متدلّية على أطراف جفنيّ.
“شكرًا لأنك جئت لتوقظني… شكرًا لأنك جئت لتلقاني.”
أنهَيت كلماتي وجذبت يده الممسكة بيدي، لأضمه إليّ.
أشدّ هذه المرّة… بكل قلبي وكل صدقي.
“شكرًا لأنك أيقظتني من الكابوس.”
ظلّ ريكس ساكنًا بين ذراعيّ للحظة، ثم مدّ يده ببطء ليحيط كتفي.
“قلت لك من قبل… ما دام المكان الذي أنتِ فيه، فسآتي إليه مهما كان.”
ثم همس، وكأنه يقسم وعدًا جديدًا:
“وإن صرتِ في خطر… فسآتي حتمًا لأنقذك.”
كلماته الجادّة جعلتني أعضّ شفتيّ بقوة.
“صحيح… قلتَ ذلك بالفعل.”
قلتَ إنك ستأتي إلى أي مكان أكون فيه… وها أنت قد وفيت بوعدك.
“أتعلم يا ريكس… أنت بطلي… وحظي السعيد.”
“هذا كثير عليّ.”
“لا، ليس كثيرًا أبدًا.”
لم يكن في كلامي أيّ مبالغة.
“مهما قالوا… أنت بطلي.”
حتى قبل عودتي بالزمن.
وحتى في المستقبل الذي انتهى بموتي.
والآن… في هذه الحياة التي بدأتها من جديد.
أنت دائمًا الحظ الذي يأتيني… والإنقاذ الذي ينتشلني.
“أنا حقًا سعيدة… لأنني التقيت بك.”
وكالعادة… لم يكن في كلامي ذرة كذب.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات