اتسعت عيناي دهشة، وحدّقت نحو الباب. كان هناك الشخص الذي توقعت ظهوره.
“ليست مجرد أوهام يا مارشميلو.”
وقف مائلاً، يمرر يده بين خصلات شعره.
“كبرت يداك… وكبرتا قدماك… وطالك القامة أيضاً.”
وجه أبيض، وشعر فضي لامع، وعينان زرقاوان.
“حتى وأنت طريحة الفراش كنت تكبرين بسرعة. لستَ مارشميلو سحرياً بعد كل شيء.”
وسيم إلى حد الإبهار، بابتسامة هادئة كعادته.
ذلك الذي كنت أشتاق إليه كثيراً… وكثيراً جداً—
“…أ… أبييي—!”
لقد كان أبي.
مددت يدي نحوه، فجاء إليّ بخطوة واحدة وعانقني.
“أيتها المشاكسة الصغيرة الشبيهة بمارشميلو المغبر.”
بلغني صوته الحنون، وإن كان ممزوجاً بعِتاب خفيف.
“الحمد لله أنك عدتِ. كنت في انتظاركِ، ميلوني.”
“أآآه—”
دفنت وجهي في صدر أبي وانفجرت في بكاء طويل.
بكيت طويلاً…
طويلاً جداً…
—
‘…أنفي يحترق.’
لقد بكيت حتى فاضت الدموع والمخاط، فصار أنفي يلسعني.
شممت… شممت، ثم شهقت.
“لكن… أبي، كم كنتُ نائمة؟”
نظر إليّ أبي بصمت، وابتسامة مرسومة على وجهه.
‘ما… ما الأمر؟’
كم مضى من الوقت يا ترى…
“أ… أبي؟”
“اليوم يمر تماماً عام واحد وتسعة أشهر وثمانية أيام.”
كدت لا أصدق أذني.
‘عام واحد… وتسعة أشهر… وثمانية أيام؟’
أثار الرقم الدقيق فضولي، لكن بما أن القائل هو أبي، لم أجد الأمر غريباً.
الأدهى كان المدة نفسها.
‘عام وتسعة أشهر… أي أنني كنت نائمة لما يقارب العامين؟’
حقاً… لا عجب أنني كبرت.
عام وتسعة أشهر وقت كافٍ لينمو فيه الطفل كثيراً.
أدرت بصري على جسدي، فانخفض رأسي تلقائياً.
“…آسفة. جعلتك تنتظر كل هذا الوقت.”
ومع أنني لم أنم بإرادتي، إلا أن طول المدة أورثني شعوراً بالذنب.
‘لم أتوقع أن يمر كل هذا الزمن…’
لابد أنهم قلقوا عليّ كثيراً.
خصوصاً وأن العمة سيينا قد مرّت بتجربة نوم طويل من قبل.
لكن الرد الذي جاءني كان مفاجئاً.
“بل أنا من عليه الاعتذار.”
“ماذا؟ ما الذي تعنيه؟”
رفعت رأسي بسرعة لأنظر إليه، فإذا بيده تمسح شعري ببطء، كما كان يفعل كثيراً.
“لأني، رغم كوني والدك، لم أحْمِك، بل عرضتك للخطر.”
‘…إنه يقصد حالة فقدان السيطرة.’
فقد استخدمت سلطتي حينها لأمنعه من فقدان السيطرة.
“لكن… لم يكن ذلك خطأك!”
قلت محتجة بصوت متهدج، فابتسم أبي ابتسامة حزينة.
“ميلوني.”
“…نعم.”
“إذا تكرر الأمر مرة أخرى… اهربي بعيداً حينها.”
بقيت أحدق فيه وفمي مفتوح من الدهشة.
لكن ملامحه كانت جادة.
“لا تحاولي إنقاذ عائلتك، أو الآخرين، أو حتى أنا… فقط اهربي إلى مكان آمن.”
“إذا هربت… ماذا عنك أنت؟”
“……”
لم يأتِ رد.
لقد اكتفى بالنظر إليّ بصمت.
شدَدت قبضتي.
“لا أريد.”
“ميلوني.”
“لا أريد! إذن، هل ستقف مكتوف اليدين إذا كنت أنا في خطر؟!”
“بالطبع لا.”
“وأنا أيضاً! بالطبع لا!”
تشّ.
رغم أنني قلتها بوضوح وبصوت مرتفع، إلا أن الغضب في صدري لم يهدأ بسهولة.
بدأت أضرب صدر أبي بقبضتي المضمومة مراراً.
“أكرهك يا أبي! أنت أحمق! أنت غبي!”
لم أرد أن أبكي، لكن دموعي انهمرت رغماً عني.
“أنت أكثر شخص أكرهه في العالم! قل إنك ستسحب كلامك! هيا بسرعة!”
بينما كنت أصرخ وأبكي بحرقة، تنهد أبي بعمق.
ثم قال:
“…حسناً، سأفعل. سأسحب كلامي.”
حين رأيت أبي يرفع الراية البيضاء أولاً، ضربت صدره مجدداً بخفة.
“أنت أبي، اب ميلوني. إذن، من الطبيعي أن أحميك، ومن الطبيعي أيضاً أن تحميني. هكذا تكون العائلة، أليس كذلك؟”
العائلة تساعد بعضها عندما تكون في خطر.
كنت واثقة أنه حتى إن حدث أمر مشابه مرة أخرى، فسأستخدم قوتي لإنقاذ أبي بلا تردد.
وكذلك أبي، سيفعل الشيء نفسه.
“إذن لماذا تقول كلاماً أحمق كهذا؟ في مثل هذه المواقف، عليك أن تقول… خـ… شـ… شكراً. نعم، شكراً.”
اهتزّت نظرات أبي وهو يحدّق بي.
ثم، فجأة، طوّقني بذراعيه بقوة أشد من المرة السابقة، وبصوت مرتجف قال:
“شكراً لكِ. شكراً لأنك ساعدتني، يا ميلوني.”
نعم… هذا هو.
هذا ما كنت أنتظر سماعه طوال الوقت.
ابتسمت بخجل وأومأت برأسي.
بعد جولة ثانية من الدموع والمخاط، تمكنا أخيراً من استئناف الحديث.
‘الآن حتى عيناي تؤلمانني.’
“هل يؤلمك شيء؟”
عيناي وأنفي يؤلمانني…
لكنني أدركت أن هذا لم يكن ما يقصده، فأومأت بالنفي بقوة.
“لا. أنا بخير.”
“حسناً. هذا يطمئنني.”
ابتسم أبي برفق.
“لكن يجب أن تخضعي للفحص الطبي.”
جاءت هذه الجملة الحادة والحاسمة فوراً بعد ابتسامته.
أومأت موافقة من دون تردد.
ثم سألته:
“…وأنت يا أبي؟ هل أنت بخير أيضاً؟”
كان سؤالاً يحمل معاني كثيرة.
ففي الماضي، عندما كنت فاقدة الوعي لعشرة أيام، كان أبي حينها أشبه بورقة يابسة؛
شعره أشعث، وجهه شاحب، وجنتاه غائرتان.
وفوق ذلك، كانت آخر صورة رأيتها له هي في حالة فقدان السيطرة…
‘أنا قلقة عليه حقاً.’
بينما كنت أنظر إليه بقلق بالغ، مد يده ليقرص وجنتي برفق.
“أنا بخير تماماً.”
“حقاً؟”
بالمظهر الخارجي، لم يبدُ أنه تغير كثيراً عن صورته المعتادة.
“حقاً. فأنا، على الأقل، أحرص على الوفاء بوعودي مع ابنتي.”
‘وعد؟’
‘صحيح… لقد وعدنا بعضنا!’
رغم أن الأمر كان منذ قرابة عامين، إلا أنني تذكرت بوضوح.
بعد أن استخدمت قوتي على عمتي وأغمي عليّ لعشرة أيام، رأيت أبي في حالة يرثى لها، فشعرت بصدمة كبيرة، وعقدنا اتفاقاً:
إذا تكرر الأمر مرة أخرى، فسوف ينتظرني وهو في حال أفضل—
يتناول طعامه جيداً، ويمارس الرياضة، ويقضي وقتاً مع العائلة، وينام جيداً.
أما أنا، فسأعود حتماً إلى جانبه.
“كيف انتهى بك الأمر إلى قطع وعد شاق كهذا… تِش.”
نقر أبي بلسانه، ثم أضاف: “اتضح أنه وعد من الصعب الالتزام به إلى حد كبير.”
رفعت بصري بهدوء لأنظر إلى أبي.
‘أبي… لا بد أنه عانى كثيراً.’
رغم أن مظهره الخارجي يبدو أنيقاً وسليماً، إلا أن باطنه لم يكن كذلك على الأرجح.
فهو قد تألم كثيراً حتى حين انتظرني لعشرة أيام وأنا فاقدة الوعي… فكيف بانتظار دام عاماً وتسعة أشهر؟
‘حتى ذلك الرقم الدقيق… لا بد أن أبي كان يعد الأيام واحداً واحداً.’
راودتني صورة الأيام والليالي التي قضاها متألماً وهو يحرسني، بينما كنت أنا راقدة كالميتة على السرير بجانبه.
لمجرد التفكير في ذلك شعرت بحرقة في أنفي.
‘…هل ضربته بقوة قبل قليل؟’
فمن منظور أبي، كان ما قاله بدافع القلق عليّ.
ألقيت نظرة خاطفة على صدره، حيث كنت قد وجهت ضرباتي الصغيرة قبل قليل.
‘لا! ما قاله كان خطأه هو!’
ثبتّ قلبي على هذا القرار، ثم بدأت أفرك أنفي وكأني لا أفكر في الأمر، وقلت:
“لكن أنا أيضاً أوفيت بوعدي، أليس كذلك؟ لقد عدت إليك.”
“…صحيح. وهذا يكفي.”
ضحك أبي ضحكة قصيرة، ثم عاد ليمسح شعري بخشونة حنونة.
“كنت واثقاً من ذلك. فأنا أعرف أن مارشميلو التي أعرفها طفلة تفي بوعودها.”
“نعم. وأنت أيضاً، شكراً لأنك وفيت بوعدك.”
كنت أعني ما أقول.
فأنا أعلم كم هو صعب أن تواصل حياتك بشكل طبيعي بينما تتحمل وقتاً عصيباً كهذا.
ومع ذلك، لم يتغير شعوري بأنني سعيدة لأننا قطعنا ذلك الوعد…
‘فلولاه، لربما انهار أبي.’
لو تحطم بسببي، لما كنت سأحتمل ذلك أبداً.
“لكن، أي ذكريات تلك التي كنت تقرئينها حتى استغرق الأمر كل هذا الوقت لتستيقظي؟”
قال وهو يضيق عينيه: “كدت أفقد صبري من طول الانتظار.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات