9
سقطت الفتاة على الأرض بضربة يد واحدة وجهها بها الرجل.
انتفخت وجنتها البيضاء في لحظة.
“أيتها اللصة! أين أخفيتِ محفظتي! هاتِيها حالاً!”
كان الرجل يصرخ وهو يكاد يركلها بقدمه.
“لا تفعل……!”
لم تشعر تيه بنفسها وهي تدفع يد جدتها جانباً وتركض لتقف بين الاثنين.
كانت الجدة قد أوصتها أن تبقى ملتصقة بها، لكن قدميها تحركتا وحدهما.
وقفت تيه بوجه مرتجف، لا تعرف ما تفعل، تحدّق في الرجل.
“الضرب ممنوع…… أليس كذلك؟”
فوق صورة الفتاة المسكينة، تراءى لها وجه السيدة في الشقة 203 التي كانت تشتري لها أحياناً مثلجات.
كلما علا الصراخ من الطابق العلوي، كانت السيدة 203 تعاني في اليوم التالي.
وتيه كانت قد بدأت تدرك بشكل مبهم سبب معاناتها.
“الضرب شيء سيئ!”
ازدادت ملامح الرجل قسوة أمام صورة تيه الباكية.
“ما بال هذا الصغير اللعين؟”
“هيه، كفى هذا!”
“نعم، ابتعد فحسب! قالت لك إنها لم تسرق!”
تدخل التجار الذين كانوا يراقبون المشهد.
وبدأ المارة واحداً تلو الآخر يتدخلون أيضاً.
ارتجفت حاجبا الرجل بغيظ.
“هل تعرفون أصلاً من أكون-!”
لكن في تلك اللحظة، وقف شخص أمام تيه حاجزاً إياها.
رفعت تيه رأسها المندهش لتجد ظهر الجدة.
“أيها الشاب.”
قالت الجدة بصوت منخفض وهي تحدق فيه بثبات:
“فكّر جيداً. أزقة خلف محطة الدخول يسكنها من لم يبقَ لهم ما يخسرونه، أتعلم ذلك؟”
“ماذا؟”
“سواء كنت نبيلاً أو ثرياً، فهذا لا يغنيك هنا بشيء.”
“…….”
“أما تخاف من ليلٍ مظلم، ومن زقاقٍ خالٍ من البشر؟”
ارتجف الرجل من ذلك الصوت القشعريري.
وأخذ يلتفت حوله متردداً.
كان الجميع، من تجار ومارة، يرمقونه بنظرات باردة.
“ك، كح!”
تنحنح الرجل ثم تراجع متقهقراً.
وسرعان ما توارى بين الزحام كالهارب.
استدارت الجدة ببطء وقالت للفتاة الجالسة على الأرض:
“الغرفة الأخيرة في الطابق الثاني. أليس كذلك؟”
اتسعت عينا تيه دهشة.
“لم تعودي منذ أيام. ماذا كنتِ تفعلين هنا؟”
لم تعلم تيه، لكن يبدو أن الفتاة نزيلة في النزل مثلها ومثل باستو.
غير أنّ الفتاة ردّت ببرود:
“لا شأن لكِ، عجوز.”
“يا لقلة تهذيبك. هل ترين كيف صار وجهك الآن؟”
ترددت الفتاة ثم نهضت.
واتجهت نحو متجر البقالة القريب.
هناك، نظرت في المرآة إلى وجنتها المتورمة الحمراء، ثم تفجرت منها شتيمة فجّة:
“هاه، تباً… اللعنة…”
ابتلعت تيه ريقها بخوف، وسمعت بجانبها جدتها تتنهد.
هزّت الجدة لسانها مستنكرة وقالت للفتاة:
“تعالي أولاً معي.”
—
تك… تك…
لم يكن يملأ الطابق الأول سوى صوت عقارب الساعة.
جلست تيه على الكرسي تعبث بأصابعها.
حاولت أن تمنع نفسها، لكنها ظلت تلتفت إلى الفتاة الجالسة على الكرسي بجوارها.
‘تبدو وكأنها تكره الكلام.’
فالفتاة التزمت الصمت منذ وقت طويل.
حتى حين خرج الجد صاحب النزل ليقوم بالتسوق بدلاً من الجدة، لم تنطق بكلمة سلام واحدة.
ولم يكن ذلك فحسب.
‘لقد رمقتْ عمي باستو بنظرة حادّة.’
بل إن الفتاة حين غادر باستو النزل قبل قليل، حدّقت فيه وكأنها تحتقره.
‘أي إنسان هذا، ملامحه مثل الحيوان’، تمتمت الفتاة.
“غرفة النهاية! أنتِ، أمسكي بهذا جيداً.”
ظهرت الجدة من المطبخ في تلك اللحظة.
كانت تحمل قطعة قماش نظيفة مطلية بشيء أخضر غريب.
تجعد وجه الفتاة باستياء.
“لا حاجة! من قال إني أريد هذا…”
“أتريدين أن أضعه على وجهك عنوة؟!”
لكن أمام زجر الجدة، أغلقت الفتاة فمها.
راحت تيه تنظر إليها بخلسة، وهي تتذمر بينما تضع القماش على خدها.
حينها التفتت الجدة إلى تيه.
“يا صغيرتي، هيا نأكل أولاً. إن جعتِ فسيسمعني ذاك باستو كلاماً كثيراً.”
كان باستو قد غادر عائداً إلى مركز الدخول ليبحث عن وسيلة لاستعادة رقم التعريف.
“انتظري قليلاً، سأصنع لك حساء جزر لا مثيل له…”
“لـ… لا أريد!”
انطلقت الكلمات من فم تيه دون وعي، واتسعت عيناها.
“لقد أكلت كثيراً حساء الجزر… في الغابة…”
اتسعت عينا الجدة دهشة، ثم هزّت رأسها وكأنها تمنحها خدمة كبيرة.
“حسناً. إذن نصنع حساء السبانخ.”
“سبااانخ…!”
لكن وجه تيه خيّم عليه الإحباط، إذ لم تستمع الجدة لرفضها واختفت كالعاصفة إلى المطبخ.
“بخ.”
في تلك اللحظة، دوى صوت سخرية واضحة بجانبها.
التفتت، فإذا بالفتاة تسند رأسها المائل على يدها في جيبها وتنظر إلى تيه.
“يالك من مسكينة. يا غبية، كلي ما يُعطى لكِ من غير دلع. ما زلتِ صغيرة مثل الحبة، وتبدأين بالانتقاء؟”
ارتسمت على وجه تيه صدمة كبيرة.
لقد فكرت بذلك منذ قليل: هذه الفتاة حقاً، حقاً…
“أنتِ… شريرة.”
ارتجف حاجبا الفتاة، لكن تيه قبضت يدها وأضافت:
“إن كنتِ شريرة فالنمر سيأكلك!”
ارتسمت بسمة ساخرة على شفتي الفتاة المتورمتين.
“ماذا؟”
“النمر سيأخذك الليلة!”
“ومن قال إني أختك الكبرى؟!”
وفجأة، نزعت الفتاة القلنسوة التي كانت تضعها طوال الوقت.
تحت عينيها الحمراوين، بدت حواجب كثيفة غليظة لا تليق بفتاة.
“ذلك الخنزير قبل قليل، والآن أنتِ… لماذا تظنون أني فتاة؟”
شهقت تيه وأخذت تطرف بعينيها منذهلة.
“أنا فتى. فتى، تسمعين؟ أيتها القزمة!”
رفع الفتى يده مهدداً بضرب رأس تيه بخفة.
فانكمشت تيه مثل سلحفاة، لكنها ظلت تحدق فيه.
بشرته بيضاء، ورموشه طويلة، لكن بعدما قال إنه فتى، بدا فعلاً كفتى.
“ه… هذه أول مرة لي.”
“ماذا؟ أول مرة ماذا؟”
“أول مرة أرى فيها أخاً أكبر يشبه الأخت الكبرى.”
أطلق الفتى ضحكة ساخرة أخرى.
ثم أنزل القماش عن خده واقترب بجسده نحو تيه.
“يا صغيرة، أتعرفين من أنا؟”
أمالت تيه رأسها في حيرة.
“رجل يشبه امرأة…؟”
“أيتها الـ…!”
خفض الفتى صوته، ثم دفع جبين تيه بخفة.
“أنا قاتل مأجور يا هذا. هل تعرف ما معنى قاتل مأجور؟ ها؟”
تجهم وجه تيه بجدية.
قاتل مأجور؟
هل قال هذا الأخ لتوّه إنه قاتل مأجور حقاً؟
تذكرت تيه أنّه في المكان الذي عاشت فيه سابقاً كان هناك عم يظنّ نفسه فأراً.
ذلك العم كان يفرّ هارباً كلما لمح قطة في الطريق.
ذات مرة حاولت تيه أن تتبعه قلقة عليه، لكن الجدة في الشقة 107 أوقفتها.
قالت لها إن العم يحتاج وقتاً بمفرده، وإنه يتصرف هكذا لأن قلبه مكسور، فلا ينبغي اللحاق به.
‘يعني هذا الأخ أيضاً…’
“ما رأيك؟ مخيف، أليس كذلك؟ تشعرين أنّك لا يجب أن تعبثي معي، صحيح؟”
“أ… أجل…”
رفع الفتى ذقنه باعتداد وكأنه راضٍ.
“الآن أعجبني بريق عينيك. تذكري، حتى ذلك الرجل قبل قليل، أنا تعمدت أن أُضرَب فقط.”
ثم أخرج شيئاً من صدره ولوّح به.
كان محفظة!
المحفظة التي كان الرجل يصرخ بأنه فقدها!
“أ… أأنت سرقتها حقاً؟!”
“أجل، أنا من أخذها. لا، انتظري. هل يُقال سرقة إذا استعدت مالي من جديد؟”
اتسعت عينا تيه دهشة.
“لقد وعد بأن يعرفني على اثنين نكوّن معهما فرقة مرتزقة، ثم قبض المال ولاذ بالفرار؟”
“فرقة مرتزقة…؟”
“طبعاً! لقتل الوحوش وجني المال ليس هناك سوى طريق المرتزقة. أنا لست نبيلاً حتى أُمنح لقب فارس.”
فتحت تيه فمها ذهولاً.
شعرت وكأن شيئاً ما أضاء في رأسها ثم اختفى بسرعة.
“أخي، إذا صرت مرتزقاً، تحصل على رقم تعريفي؟”
“غالباً، نعم. لكن أولاً يجب اجتياز اختبار المرتزقة.”
“إذن لنعمل معاً أنا وأنت!”
توقف الفتى في مكانه.
“ماذا؟”
“أنا وأنت وعمي باستو! عمي باستو معه مطرقة، أما أنا فأنا…”
لم تكن تيه قوية مثل عمي باستو.
لكن على الأقل كان لديها رفيق جدير بالثقة، ذلك الدمية الأسطورية…
كامانغ (الدمية السوداء).
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"