7
عينَا باستو ازدادت برودة.
“حتى قبل نصف شهر كان رقم هويتي صالحاً تماماً، فكيف يختفي فجأة؟”
رد الفارس بفتور وهو يتكئ على كرسي صغير ويميل إلى الوراء، يقلّب الأوراق وكأن الأمر عبء عليه:
“حتى لو احتججت عندي فلن يتغير شيء. رقم هوية المرتزقة غير الموجود لن يظهر فجأة.”
كان الأمر مثيراً للسخرية، لكن باستو لم يشأ أن يتفوه بكلمات خشنة أمام الطفلة.
فتقدم بهدوء.
وما إن ألقى ظله الضخم فوق رأس الفارس حتى رفع الأخير رأسه أخيراً.
“أتدري من أين أتيت للتو؟”
ارتجف الفارس من نبرة الصوت العميقة والثقيلة، فيما تابع باستو وهو يحدق مباشرة في عينيه:
“أتيت بعد أن استوليت على أحد أحجار بريوود السحرية الثلاثة، تلك التي أرهقت القصر الإمبراطوري. جئت للتقرير عنها.”
تضيق عينا الفارس عند ذكر حجر بريوود السحري.
ثم سرعان ما أمال رأسه بتعجب:
“إن كان أحد أحجار بريوود… فهل تقصد الحجر الصغير؟”
أومأ باستو برأسه.
لكن الفارس أطلق ضحكة ساخرة.
“أيها المحتال الصريح.”
نهض من مكانه فجأة وحدج باستو وتيه بنظرات حادة:
“اسمع، حجر بريوود الصغير قد تم التبليغ عنه بالفعل.”
انعقد حاجبا باستو.
ذلك مستحيل.
فهو من استولى بنفسه على الحجر الصغير من بريوود.
كيف سبقهم أحد بالتقرير؟
من الذي أغلق الصدع قبل ستة أيام وهو مغطى بدماء الوحش الطائر؟ غيره لم يفعل ذلك!
قال الفارس بثقة:
“كانوا فرقة مرتزقة ذات اسم معروف، لذا لا أنسى. جاؤوا إليّ قبل يومين عند الغروب، قدّموا التقرير، أخذوا المكافأة، ودخلوا العاصمة. وأنت تدّعي الآن أنك أنت من استولى على الحجر؟”
فكرة صادمة تسللت إلى رأسه.
“زعيم فرقة ‘كلاب الموت’ أخبرني بشيء. قال إن هناك تابعاً تافهاً ظل يلاحقه ليغتصب فضله. كان أحد مرؤوسيه سابقاً. وذكر أنه رجل خبيث الطبع… فهل قصدك أنت؟”
وكأنهم كانوا بانتظار الفرصة، تجمّع حولهم فرسان آخرون.
“باستو فاريكس، تراجع فوراً.”
“صحيح. إن لم ترد أن تُطرد بالقوة، فاخرج بقدميك!”
زمّ باستو شفتيه.
شدّ ذراعيه أكثر حول تيه دون وعي.
رغبته كانت أن يسدد قبضته في وجوههم جميعاً، صفاً واحداً…
لكن عندما لمح وجه تيه المرتجف خوفاً، كتم أنفاسه وأدار جسده ببطء.
ومع أولى خطواته، دوى همس الفرسان من خلفه:
“جنون محض. استولى على حجر صغير بمفرده؟ يريد منا أن نصدقه؟”
“هو بلا رقم هوية أصلاً. واضح أن عقله قد اختل.”
“لكن لماذا كان زعيم ‘كلاب الموت’ يصطحب مثله؟”
خفق قلب باستو بغضب حارق.
‘كلاب الموت’… تلك الفرقة التي انتمى إليها زمناً قبل أن يصبح مرتزقاً حراً.
ما زال طحن أسنانه يتكرر كلما تذكر زعيمها، كال ووربن.
ذلك الرجل… وتذكر عائلته التي أُزهقت أرواحها بسببه…
“عمووو…….”
فجأة، على وجنته التي اشتعلت بالحنق، شعر ببرودة شيء ما.
التفت فرأى عينين خضراوين قلقتين تحدقان به.
“عمو، هل أنت بخير……؟”
يد صغيرة أخذت تمسح برفق قطرات العرق البارد على جبينه.
حبس باستو أنفاسه للحظة، ثم زفر طويلاً.
بدأ رأسه يبرد شيئاً فشيئاً.
‘لقد رُفض دخولنا العاصمة.’
لو كان وحده، لجازف بمحاولة عبور البوابة ليلاً.
لكن الآن عليه أن يتحمل مسؤولية أستيه.
ولهذا، كان لابد قبل كل شيء من معرفة ما يحدث بالضبط.
ضم باستو تيه إليه من جديد وهمس:
“……علينا أولاً أن نجد مكاناً للمبيت.”
اتسعت عينا تيه المستديرتان، ثم ردت بصوت شجاع:
“نَعَم!”
—
“يا إلهي، انظروا إلى هذا الوجه الملطخ!”
كانت تيه تشد شفتيها وهي تُجبر على غسل وجهها.
“كيف تركت الطفلة تصل إلى هذه الحال يا باستو؟!”
من كانت تمسح وجه تيه امرأة عجوز لم ترها من قبل.
بل في الحقيقة كانت صاحبة “نُزُل البوابة” حيث دخلا معاً.
“يا صغيرة، إن شددتِ هكذا ستتعب جدتك.”
قالت العجوز وهي تفرك شفتي تيه.
دارت عينا تيه الكبيرتان وارتسمت على وجهها ملامح البكاء:
“إن، إنه يؤلم…….”
“دلال!”
رغم أن تيه أظهرت ملامح الشفقة، لم تُعرها العجوز أي اهتمام، وبدأت الآن تمسح خلف أذنيها.
انكمش جسدها تلقائياً، لكنها لم تشعر بسوء.
فقد تذكرت الجدة في الشقة 107 التي كانت تغسلها في كوريا.
الجَدّات دائماً يقلن إن الأطفال يدّعون الألم حتى وهم حقاً يتألمون.
“ها، والآن أصبح وجهك ناصعاً! يا لروعة هذه الجميلة.”
والجَدّات أيضاً، بعد أن ينتهين من الغسل، يلمسن الخدين برفق بابتسامة حنونة، كما الآن.
وكلما رأت تلك الابتسامة، أحست تيه بوخز لطيف في قلبها.
“شكراً جزيلاً، جدتي!”
انحنت بعمق، فضحكت العجوز بحرارة وقدمت لها كوباً دافئاً من الشوكولاتة.
جلست تيه على مقعد أمام الاستقبال وحدّقت من النافذة.
في تلك الأثناء، كان الحوار يدور عند طاولة قريبة من النافذة:
“إذاً، قالوا لك إن رقم هوية المرتزقة أُلغي بالفعل؟”
“……لا بد أن ذلك من فعل كال. دفع رشوة لفرسان الهيكل كي يطردوني.”
المتحدث كان الجد صاحب النزل، زوج العجوز، والآخر لم يكن سوى عمو باستو.
“ذلك الوغد… حين أراه مجدداً، سأحطمه حتى لا يبقى له عظم واحد.”
ارتجفت كتفا تيه.
م-مخيف.
لم ترَ عمو باستو غاضباً من قبل.
ما حدث عند البوابة، وما يقوله الآن… لا شك أن أمراً سيئاً يجري.
‘إذن، من دون رقم هوية المرتزقة لا يمكن دخول العاصمة.’
تذكرت أن أباها أخبرها شيئاً مشابهاً.
ففي هذا العالم تنتشر الوحوش، أو بالأحرى “المخلوقات السحرية”، بكثرة.
لكن العاصمة تُعد المدينة الأكثر أمناً.
‘لأن الملك والأغنياء يعيشون فيها!’
في العاصمة، كل حجر سحري يظهر يتم الاستيلاء عليه فوراً.
لأن الأشخاص المهمين قد يتعرضون للخطر، لذا يتخلصون منها بسرعة.
المشكلة أن تلك المدينة الآمنة لم يُسمح بها إلا لسكان العاصمة.
“من الأساس، كيف يُعقل أن تُغلق العاصمة ويُمنع دخول المدنيين؟”
قال باستو شيئاً مشابهاً تماماً.
تظاهرت تيه بشرب الشوكولاتة بينما أرهفت السمع.
“هناك لاجئون فقدوا بيوتهم في الخارج! ومع ذلك، النبلاء وجلالة الإمبراطور…!”
“كفى، باستو.”
قطع الجد صاحب اللحية البيضاء الحادة كلامه بصرامة.
“لقد حذرتك مراراً. بعد أن هدأت فترة، لماذا عدت هكذا؟ يجب أن تعرف كيف تضبط غضبك لتسلم.”
زفر باستو تنهيدة عميقة.
“أقول هذا لأنني مختنق. في الخارج الناس يموتون.”
“……أنت تفكر في مسقط رأسك. ما حدث في قرية بان-أنرا، أتعاطف معه أيضاً.”
تجمدت تيه وهي تسمع ذلك.
“على أي حال، ذلك الوغد كال حقاً رجل خسيس وغادر. لقد دمّر قرية كاملة، وعائلتك أيضاً، وجعلها في تلك الحال…….”
“جدي!”
في اللحظة التالية، وضعت تيه كوب الشوكولاتة جانباً وانطلقت راكضة نحو الجد.
التفت كلا الرجلين نحو الطفلة المندفعة.
“الموز! هذا هو!”
“موز؟”
ضحك الشيخ بصوت عالٍ:
“أتقصدين قرية بان-أنرا؟”
“نعم! قرية الموز!”
لسبب ما، كانت الطفلة في غاية الانفعال.
“هل عمو باستو من قرية الموز؟”
تجعد جبين باستو من غير قصد.
ثم أومأ برأسه بعد لحظة.
“صحيح.”
فغرت تيه فاها الملطخ بالشوكولاتة دهشة، وبدأت عيناها الخضراوان تتلألآن.
‘……الآن فقط تذكرت.’
لماذا لم يخطر ببالها حتى الآن؟
رجل المطرقة من قرية الموز.
تيه تعرف تلك القرية… وتعرف باستو أيضاً.
لأن أباها كان دائماً يحدّثها عنه!
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"