5
—
تتابعت علامات الاستفهام الضخمة في رأس ‘باستو’.
ما احتمالية أن يدخل طفل صغير إلى غابة تفيض بالوحوش ليلًا؟
وما احتمالية أن يقع ذلك الطفل تحديدًا في الفخ الذي نصبه هو؟
ثم، فوق ذلك……
“آ، آ… عمّو، هَيك! تـ، تيه، هَيك! بـبـخير، يا! هَيك!”
ما احتمالية أن لا يبكي الطفل ولا يتذمر، بل يحاول طمأنته بأنه بخير؟
“……هاه.”
الأمر لم يكن منطقيًا.
لم يكن هو الغريب هنا، بل الموقف برمته.
بينما كان ‘باستو’ يفكك الشبكة المعلقة على الأرض، اعتدل في وقفته وهو يقطب حاجبيه.
فارتجف الطفل الجالس على الأرض بوضوح.
“أنتِ…….”
“بـ، بخير! هَيك! تيه حقًا، حقًا بخير! هَيك!”
نظر ‘باستو’ بدهشة إلى الطفلة التي تكرر نفس العبارة.
كانت عاجزة حتى عن النظر في عينيه، مكتفية بضم يديها بقوة.
لم يحتمل ‘باستو’ الصمت، فسألها:
“أين والداكِ؟”
لم يكن عمرها ليتجاوز الثلاث أو أربع سنوات.
إذن، من المستحيل أن تكون قد جاءت إلى الغابة وحدها، لا بد أنها مع أبويها.
“آ… أبي، هَيك! هو، هو قريب جـدًا……؟”
كما توقع.
أومأ ‘باستو’ برأسه.
“أفهم. إذن هو هنا بالجوار؟”
“نـ، نعـم…… إذا صرختُ، سـ، سيأتي، هَيك! حالًا… قريب جدًا……!”
طبعًا.
كان ‘باستو’ يعرف جيدًا كيف تكون فضولية الأطفال في مثل هذا العمر.
ومهما بالغ الوالدان في الانتباه، فبمجرد أن يغفلوا لحظة قد يختفي الصغير من أمامهم.
انفلتت من فمه ضحكة قصيرة.
‘هذه الصغيرة شجاعة فعلًا.’
لكن إن كان والدها قريبًا بالفعل، لصرخت منذ البداية لينقذها.
كونها لم تفعل، بل اكتفت بالفواق، جعله يظنها لصًا أو غريبًا يتربص به.
ابتسم ‘باستو’ وقال ممازحًا:
“إذن كان عليكِ أن تبكي بصوت عالٍ، عندما علقتِ في الشبكة.”
“……هيك.”
“ابكي الآن إذن. لنرَ إن كان والدكِ سيأتي.”
لكن الطفلة، لسبب ما، أطبقت شفتيها.
ثم فجأة…
“هـ… هـه… حقـ، حقًا قريـب…….”
انهمرت من عينيها دموع لؤلؤية غزيرة.
تجمد ‘باستو’ وهو ينظر إليها مذهولًا.
لم تبكِ حين كان يجب أن تبكي، والآن وهي تحاول إثبات وجود أبيها انفجرت باكية، فكان الموقف مربكًا.
“……لماذا تبكين…….”
“آآآآه! هـواااه! كّامانغ! كّامانغ آااه! أنقذنييي!”
اقترب منها ‘باستو’ محاولًا تهدئتها، لكنها انفجرت أكثر في بكاء شديد،
حتى توقف الفواق تمامًا، وصارت تنتفض وكأنها على وشك أن تُغشى عليها.
توقف ‘باستو’ في مكانه، متحيرًا.
“ما هذا الآن…….”
وفجأة تذكر.
تذكر في أي هيئة كان يقف أمام الطفلة.
كان الدم الجاف للوحوش التي قتلها بالأمس ما يزال ملتصقًا برأسه، ومن جسده الذي لم يغتسل منذ أيام تنبعث رائحة كريهة.
وفوق ذلك، فقد كان يختبئ في الأدغال ليتفقد فخه، قبل أن تلتقي عيناه بعيني طفلة صغيرة.
“وااااه! كّامانغ! أنقذني! ساعدنييي! أوواااه!”
حك ‘باستو’ رأسه بوجه متعب، ثم تراجع خطوة إلى الخلف.
فرأى الطفلة تتوقف عن البكاء للحظة وهي تحدق فيه بحذر.
فأمعن في التراجع بضع خطوات أخرى، بل ورمى بسلاحه الثقيل نحو مكان الشبكة حيث كانت.
“هـ… هـه… كّامانغ…….”
تطلعت إليه الطفلة وهي تشهق بين دموعها، محتضنة حقيبتها الوردية بكلتا يديها.
“سأبقى أنا هنا، وأنتِ اذهبي. إلى أبيك.”
رمشت الطفلة بارتباك وعيناها لا تزالان متوجستين.
“هيا، اذهبي إلى أبيك. قلتِ إنه قريب، أليس كذلك؟”
ترددت الطفلة وهي تعبث بحقيبتها، ثم تمتمت بصوت واهن:
“ألـ، ألستَ ستلحق بي……؟”
“ولماذا ألحق بكِ؟”
“لأنك… خاطف…….”
كتم ‘باستو’ تنهيدة عميقة، وحاول أن يجيب بأكبر قدر من الثبات:
“لستُ خاطفًا. كنت أحاول فقط اصطياد أرنب لأنني جائع.”
ارتسمت على وجه الطفلة صدمة أكبر، لكن سرعان ما قامت مترددة وهي ترتب حقيبتها على كتفيها.
‘……عليّ أن أتتبعها من بعيد.’
فهو لا يستطيع أن يعيدها إلى والديها مباشرة، لذا قرر أن يراقبها حتى تلتقي بهما بنفسها.
وإلا، إن غربت الشمس ولم تعثر عليهما، فسوف يكون الأمر معقدًا.
“أسرعي بالذهاب إلى أبيك. البقاء وحدكِ هنا خطر.”
هزّت الطفلة رأسها بخجل، ثم استدارت وبدأت تجري بين الأشجار بخطوات قصيرة.
“……آه!”
لكنها لم تكد تخطو ثلاث خطوات حتى سقطت أرضًا.
بقيت جالسة تبكي بخفوت، ثم التفتت نحوه.
ارتفعت عيناها بعينَيه في الهواء.
“…….”
ظل ‘باستو’ يحدق إليها بوجه متوتر.
كانت تمسك كاحلها الأيسر المتورم، وشفتاها ترتجفان بمرارة.
وسرعان ما انطلقت منها كلمات باكية:
“آ، عمووو…….”
ولم يتحرك ‘باستو’ إلا بعدما سمع جملتها التالية:
“تيـ، تيه… رجلهااا…….”
—
“عمو، هل الأرنب لذيذ؟”
رفع ‘باستو’ رأسه من على كاحلها الصغير وهو يلفه بضماد ضاغط.
“أجل.”
اتسعت عينا الطفلة اندهاشًا.
“وما طعمه؟ مثل طعم البقرة؟”
“اللحم كله طعمه واحد.”
“لا! لحم الخنزير غير، ولحم البقرة غير، ولحم الدجاج غير!”
ابتسم ‘باستو’ بخفة.
‘من طريقتها في الكلام عن اللحوم تبدو كابنة عائلة نبيلة.’
لكن، وجودها وحيدة في هذه الغابة البعيدة لم يبدُ منطقيًا.
ثم أين والدها الذي قالت إنه قريب؟ لماذا لم يظهر حتى الآن؟
“لماذا لم يأتِ والدكِ بعد؟ لقد بكيتِ بصوت عالٍ قبل قليل.”
سألها بحذر، خشية أن تنفجر في بكاء جديد، لكنها بقيت صامتة.
وعندما رفع رأسه، رآها تحدق فيه بوجه مرتبك، وكأنها تزن كلماتها.
فأضاف مهدئًا:
“أريد فقط أن أعرف أين والدكِ، لأوصلكِ إليه.”
عضّت الطفلة شفتها، وتحركت يداها بتوتر وهي تضم حقيبتها إلى صدرها.
ثم تمتمت:
“في الحقيقة… هو في العاصمة…….”
فانعقد حاجبا ‘باستو’ أكثر.
“العاصمة؟”
أومأت الطفلة برأسها مرارًا.
خرجت من فم ‘باستو’ شهقة قصيرة.
لقد كان يظن أن والديها قريبان، فإذا بها تقول إنهما في العاصمة!
“إذن، لماذا قلتِ قبل قليل إن أباكِ قريب من هنا؟”
“لأن اذا لم اقل هذا ، كان عمو يمكن ان يختطف تيه…….”
“وإن كنتُ مخيفًا إلى هذا الحد، فلماذا قلتِ أول الأمر إنك بخير؟”
“لأن معلمة الروضة قالت لنا: لا تستفزوا الخاطف…….”
ساد الصمت بينهما.
ثم همست الطفلة كأنها تكشف سرًا خطيرًا:
“عمو، يجب ان تعرف ، عندما نقابل خاطف لا يجب ان نقول: ‘أنقذني!’ هذا خطر اكبر. يجب ان نعرف مالذي يريده الخاطف بالتدريج ونحاول ان نفتح مجال للحوار معه.”
“……ولماذا ذلك؟”
“لأنه إذا استفزّيته يصبح أخطر. هكذا قالوا.”
عجز ‘باستو’ عن الكلام لوهلة، ثم ابتلع تنهيدة وأجاب:
“أنا لا بأس بي.”
“هاه؟” تعجبت الصغيرة.
“انظري إليّ جيدًا. هل تظنين أن هناك من يستطيع خطفي؟”
اتسعت عيناها أكثر وهي تتأمل ملامحه: شعره المتلبد بدماء الوحوش، لحيته الكثيفة، بنيته الضخمة.
ثم أومأت برأسها إقرارًا.
لكن الغريب أن ذلك جعله يشعر بشيء من المرارة.
“……حسنًا، انتهينا.”
ما إن انتهى من لف الضماد حول كاحلها، حتى تفحصته الصغيرة بدهشة وفضول.
نهض ‘باستو’ واقفًا، ناظرًا إليها من علٍ.
‘تقول إن والديها في العاصمة……’
مهما يكن من صدق كلماتها، فهي مصابة فعلًا.
والشمس بدأت تميل نحو الغروب.
كانت غابة ‘بريوود’ قريبة نسبيًا من العاصمة.
وفي هذه الأيام، تغص ضواحي العاصمة باللاجئين الذين لم يسمح لهم بالدخول عبر البوابات.
وحين يحتشد الناس بهذا الشكل، لا عجب أن يتوه طفل صغير عن أهله.
وقع بصر ‘باستو’ على حقيبتها الجلدية الوردية.
رغم صغرها، لم تكن عليها أي آثار إهمال.
ويبدو أنها تلقت تعليمًا مناسبًا، حتى عن كيفية التصرف في حال التعرض للخطف.
ثم إن امتلاك مثل تلك الحقيبة يدل على بيت ميسور وأهل يعتنون بها بحب.
فحسم ‘باستو’ أمره:
“تعالي معي إذن، إلى العاصمة.”
على أي حال، كان عليه أن يذهب إلى هناك ليقدم تقريرًا عن حجر المانا الجديد الذي حصل عليه.
“سأوصلكِ بنفسي.”
عندما اتسعت عينا الطفلة الخضراوان اندهاشًا، شعر ‘باستو’ بانقباض في صدره.
فلقد كان له يومًا طفل، كان يدعو من قلبه أن يعود إليه سالمًا.
لكن ذلك الطفل رحل إلى مكان لم يعد في متناول يده.
“تخيلي كم سينتظركِ والدكِ الآن.”
وعند سماع كلماته، ارتسمت ابتسامة مشرقة على محيا ‘تيه’.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"