الفصل 44
ابتلعت تيه ريقها وهي تنظر إلى الحلقة أمامها.
“إذا حطمتُ هذه… فهل سينسى راوول موضوع الحلوى؟”
كانت تتساءل كيف يمكن لقطعة أثرية أن تمحو ذاكرة شخص ما بدقة، والآن بعد أن رأت ذلك بنفسها، لم تستطع إخفاء دهشتها.
رفعت تيه يدها ولمست “حلقة الذاكرة” برفق.
فور ذلك، تكوّنت حول الحلقة فقاعات صغيرة بدأت تتماوج كالوحل الطري.
“أشعر أنه إذا اشتعلت فإنها ستختفي.”
ابتلعت ريقها مرة أخرى، وهمّت بأن تمسك الحلقة بحذر، لكن…
[……الشرط هو…….]
تجمعت مئات الفقاعات أمامها، وظهرت رسالة غامضة في الهواء.
[“مرحباً أيتها الطفلة! يسعدني لقاؤك. هل نضبط الشروط؟”]
“الشروط؟”
اتسعت عينا تيه بدهشة.
“ما هذا الشيء الغريب والمثير!”
بعد لحظات…
“بي، بيل أوبا! العم باستو! الجد نوردكس!”
توجه الثلاثة نحو تيه التي كانت تلوح بذراعيها بحماس، ونظرات الدهشة تعلو وجوههم.
“تعويذة النسيان مذهلة! قوية جداً!”
عقد بيل جبينه عند سماعه ذلك.
“ماذا؟ فعلتِها بالفعل؟”
“نعم!!”
خرج من فم بيل صوت إعجاب خافت.
“طريقة عملها أكثر هدوءاً مما ظننت. ربما تكون أكثر نفعاً مما توقعت.”
“يمكنني أيضاً تحديد شروط لها!”
“شروط؟”
“نعم! مثلاً أن تختفي إذا قام الشخص بفعل معين أو فكر في شيء محدد!”
اتسعت فُوّهة فم بيل بدهشة.
“حقاً؟”
“نعم! لذلك لعبتُ بها قليلاً، ثم جعلتُها تعمل فقط إذا بدأ يكره تيه أو غادر مجموعة أغابيرت! عندها فقط سينسى هويتي!”
بلع بيل ريقه ونظر إلى نوردكس وباستو متمتماً:
“ما، ما هذا… أهذا حقاً أثر مقدس؟ أظنني أفهم الآن لماذا جنّ الكهنة من أجل استعادته…”
“مهلاً لحظة.”
قطع راوول حديثهما، ونظر إليهم بوجه مرتبك.
“هل فعلتم شيئاً بي؟”
على الفور، ارتسمت على وجه تيه ملامح الذنب.
“ذا، ذلك…”
نهض بيل من مكانه، ومدّ يده إلى جيب زي تيه، فأخرج حلوى ملفوفة بورقة.
“ما الذي تراه هنا؟”
تجعد جبين راوول.
“ورقة على ما يبدو.”
“ليس الورقة. ما الذي تظن أنه بداخلها؟”
“لا أدري… دواء؟”
“خطأ. إنه شيء حلو يُذوّب في الفم. ألا تعرفه؟”
“هاه؟ لستُ أفهم ما تعنيه…”
تدخل إنزو متعجباً:
“هل أنت أحمق؟ من الواضح أنها حلوى!”
قطب راوول حاجبيه ونظر إلى إنزو.
“وما هي هذه الحلوى؟”
“هاه؟”
“قلتُ ما هي.”
تجمّد إنزو، ثم نظر ببطء نحو تيه التي كانت تحرّك أصابعها بتوتر وعيناها ممتلئتان بالأسف.
“تيه لم ترد فعل هذا أبداً… لكن بيل أوبا أصرّ…”
خلفها، ابتسم بيل برضا.
“يا له من أثر فعّال بالفعل.”
***
استخدمت تيه “تعويذة النسيان” نفسها على إنزو أيضاً، بحيث إن غادر أغابيرت أو حمل كراهية تجاهها تُمحى هويتها من ذاكرته.
وعندما انتهت، اقترب منها بيل على غير المتوقع.
“أيتها الصغيرة، هل تريدين أن تفعلي الشيء نفسه معي؟”
رفعت تيه رأسها نحوه بعينين متسعتين.
“هاه؟”
“أقصد إن كنتِ قلقة، يمكنكِ فعلها عليّ أيضاً. على أي حال، لا أظن أنني سأغادر أغابيرت.”
كان وجهه يحمل ملامح اللامبالاة، كأن الأمر لا يعنيه كثيراً.
وبينما كانت تيه تحدّق فيه بحيرة، اقترب باستو كذلك.
“افعليها عليّ أيضاً يا تيه. فليس من المرجّح أن تعمل هذه التعويذة عليّ على كل حال.”
شعرت تيه بشيء دافئ يهتزّ في قلبها.
“العم باستو وبيل أوبا…”
‘هما حقاً يعتبرانني رفيقة لهما مدى الحياة!’
تأثرت تيه ورفعت رأسها بحماس.
“حسناً! فلنُبرم عهداً نحن الثلاثة!”
أمسكت بيدي الرجلين وشغّلت “تعويذة النسيان”.
في الحقيقة، تشغيلها كان ممتعاً للغاية… أشبه باللعب بلعبة جديدة.
“لا أشعر بشيء أبداً.”
قال بيل وهو يميل رأسه قليلاً، بينما مدّ باستو يده وربّت على شعر تيه بلطف.
“أحسنتِ عملاً، تيه.”
انتهزت تيه الفرصة وناولت باستو الأثر، طالبةً منه أن يجرّبه.
كانت ترغب في أن تُريه تلك الأعجوبة بنفسه.
لكن الغريب أن الأثر لم يستجب إلا لها وحدها.
شعرت تيه بنوع من الفخر، وضحكت لنفسها بخفوت قبل أن تتوقف فجأة.
‘لكن… أين الجد نوردكس؟’
كانت متأكدة أنه كان هنا قبل قليل.
وبينما كانت تتلفّت حولها، ناداها بيل:
“أيتها الصغيرة، راوول وإنزو يسألان عن شيء.”
“عن ماذا؟”
“يريدان معرفة كيف خطرت لك فكرة اسم ‘ملكة الأرواح’. والحق أنني أنا أيضاً فضولي الآن. من أين سمعتِ هذا الاسم؟”
“هذا…”
نسيت تيه أمر نوردكس تماماً، وبدأت تشرح بحماس كيف ابتكرت لقب “ملكة الأرواح”.
وبينما كانت تتحدث، أخذت الابتسامة ترتسم على شفاه أفراد المجموعة.
ظل جوّ من الألفة والدفء يملأ غرفة الاستقبال في مقر القيادة حتى غابت الشمس خلف الأفق.
***
بعد بضعة أيام…
“واااه…”
شهقت تيه بدهشة وهي تحدّق بعربتين فاخرتين متوقفتين أمام مقر القيادة.
ثم التفتت بارتباك إلى الحاكمة ماريان.
“سيّدتي الحاكمة… هل حقاً يمكن لتيه أن تأخذ هاتين؟”
ابتسمت ماريان بودّ وأجابت:
“بالطبع. ما زلنا بعيدين عن ردّ كل ما قدّمه السيدة القائدة لأجل مدينة بيرسيتي.”
“لكن… لا داعي لأن تناديني بالسيدة القائدة، قولي فقط تيه…”
“مستحيل، يا سيدتي. فأياً يكن عمرك، تبقين قائدة أغابيرت بلا منازع.”
حين سمعت ذلك، تذكّرت ما حدث قبل أيام.
في اليوم التالي لانضمام راوول وإنزو إلى الفيلق، زارها شخص غير متوقّع في غرفتها.
كان نوردكس.
‘تيه، أظن أنه يمكنك إخبار ماريان ويفريل بحقيقتك.’
قالها بجدية، ثم عرض عليها اقتراحاً: أن تصارح ماريان ويفريل بكل ما يتعلّق بها.
واتضح أنه كان قد زار ماريان في اليوم السابق أيضاً، بعدما رأى الأثر يعمل بشكل سليم، وأثار ذلك في نفسه بعض القلق.
‘إن علمت الطائفة بأنك تملكين أثراً كهذا، فسيبدؤون بالتساؤل عن هويتك الحقيقية، بل سيحاولون انتزاعه منك كما فعلوا دوماً.’
كانت تيه معروفة بالفعل، وربما ستصبح أكثر شهرة في المستقبل.
‘لكن قوّتك، يا تيه، عظيمة جداً بحيث يصعب إخفاؤها. ومن يمتلك مثل هذه القوة في هذا العالم، يُراقَب دوماً من الآخرين.’
‘حقاً؟’
‘نعم. وإن اجتذبتِ اهتمام الطائفة أو الإمبراطورية، فقد لا تتمكنين من حماية نفسك بقوتك وحدها.’
في البداية، لم تفهم تيه مغزى كلامه.
لكن نوردكس لاحظ ذلك، فبدأ يشرح لها بطريقة يسهل عليها استيعابها.
‘أتذكرين حديثنا عن دمى البوبتمون؟’
‘نعم!’
‘قلتِ إن من يحصل على بوبتمون قوي يصبح بدوره قوياً، صحيح؟’
‘صحيح! من يملك بوبتمون أسطوري يصبح قوياً جداً!’
‘إذن تخيّلي لو أنكِ أنتِ أصبحتِ البوبتمون.’
تجمّدت تيه من وقع كلماته.
‘ماذا؟ تيه تصبح بوبتمون؟’
‘نعم. قوّتك تعني أن من يسيطر عليكِ يصبح قوياً بدوره.’
‘لكن… كيف يمكن لإنسان أن “يمتلك” إنساناً؟’
ابتسم نوردكس بخفة وقال بصوت هادئ:
‘هناك طرق كثيرة لجعل البشر دمى متحركة، يا تيه. يمكن خطف أحبّائهم وابتزازهم، أو تنويمهم مغناطيسياً، أو التلاعب بعقولهم، أو حتى استخدام العقاقير.’
‘……’
‘لو حاول أحدهم فعل ذلك بك، هل تستطيعين حماية نفسك وحدك؟’
‘لا.’
لم تستطع إلا أن تجيب بالنفي.
لكن نوردكس، وكأنه توقّع ذلك، قدّم لها الحلّ.
‘لهذا نحتاج إلى مساعدة أسرة ويفريل الماركيزية.’
ترجمة : ميـكـو ❥
التعليقات لهذا الفصل "44"