في داخل القاعة الفاخرة، دوّى صوت بيل قائلاً بصوتٍ مرتفع:
“يا صغيرة! هذا مستحيل تمامًا!”
ارتجفت تيه من المفاجأة، ثم قبضت على السوار بإحكام ورفعت رأسها بعينين متسائلتين:
“لماذا لا يجوز…؟”
صرخ بيل بعصبية:
“حتى لو كانت مهنة المرتزقة تفعل كل شيء بلا قيود، لكن كيف يمكن لطفلة في الرابعة من عمرها أن تفعل هذا؟!”
أُصيبت تيه بالإحباط وأغلقت فمها بحزن، لكنها لم تستطع فهم السبب في رفضه لمحو ذاكرة التوأمين.
“لكن يجب على تيه أن تجرب القوة الجديدة التي حصلت عليها!”
حين صاحت بحزم، اتسعت عينا بيل أكثر دهشة.
” ويجب أن ارا إذا كانت الذكريات تختفي حقاً أم لا! وأفضل طريقة هي تجربة ذلك على أبناء الحاكمة! هكذا يختفي اي مشكلة لـتيه!”
رفع باستو يده ليمسك جبهته بتعب، وتسلّل إلى ذهنه خاطر مقلق:
‘يبدو أننا سمحنا لها بمشاهدة مشاهد عنيفة أكثر مما ينبغي لطفلة في سنها.’
كان قلقًا منذ أن بدأوا القتال فوق السفينة، فقد شاهدت تيه الصغيرة مناظر لم يكن يجب أن تراها، وحتى مشهد السيف وهو يقطع الجسد لا بد أنه ترك أثرًا سيئًا في نفسها.
‘ذلك الوغد… لم يكن نافعًا لا حيًّا ولا ميتًا.’
لكن باستو لم يكن يعلم أن تيه لم تكن تفكر في أي من ذلك أصلًا.
قالت تيه بإصرار:
“تيه ستفعلها! بما أنهم عرفوا هوية تيه، فلا يوجد حل سوى أن يختفوا!”
ثم أخذت تمشي بخطوات غاضبة نحو باب القاعة، فركض بيل سريعًا ورفعها بين ذراعيه.
“أيتها الصغيرة، ما بكِ؟ كنتِ طيبة القلب رغم غبائك، ماذا حدث لكِ؟!”
“اتركني!”
“لن أتركك! أبدًا! لا أستطيع أن أراكِ، وأنتِ في الرابعة فقط، تقتلين الناس!”
ساد الصمت التام الغرفة بعد صرخته القوية، وببطء اتسعت عينا الطفلة الصغيرة وفتحت فمها بارتباك:
“مـ… من قال إني سأتسبب في القتل؟”
كانت ملامح تيه وقد خالطها الخوف. تجمّد بيل لحظة قبل أن يسألها بصوتٍ حائر:
“يا صغيرة، ماذا كنتِ تنوين أن ‘تمحي’ بالضبط؟”
أشارت تيه بسرعة إلى السوار المعلّق في معصمها:
“كنت سأمحو ذاكرة أبناء الحاكمة! هذا يُسمى سوار النسيان، وقد عثرت عليه تيه داخل الحجر السحري!”
“ما هذا السوار؟”
تدخل الجد نوردكس واقترب منهما بخطوات سريعة، وعيناه تتسعان بدهشة:
“قلتِ إنك وجدتِ سوارًا داخل حجرٍ سحري، تيه؟”
اتسعت عينا نوردكس أكثر، وراح يتلعثم قليلًا قبل أن يلتفت إلى باستو.
وبنبرة ثقيلة قال:
“باستو… يبدو أن تيه قد عثرت على أثرٍ مقدس بالفعل.”
***
جلست تيه بهدوء على الأريكة، وأصغت بانتباه إلى شرح نوردكس:
“بعد السيطرة على حجرٍ سحري، يحصل من قام بالسيطرة على نوعين من المكافآت يا تيه: المال والغنائم.”
قالت تيه بحماس:
“تيه تعرف! المرتزقة يحصلون على المال بعد أن يسيطروا على الحجر السحري!”
منذ وصولها إلى هذا العالم، كانت تيه تجمع المعلومات بجهدٍ كبير، تُنصت لكل ما يُقال حولها وتحاول البحث بنفسها كلما أُتيح لها ذلك.
“ولو ذهبوا إلى مكتب المكافآت وقالوا إنهم قد سيطروا على الحجر، فسيعطونهم المال!”
كان مكتب المكافآت مؤسسةً حكومية تابعة للإمبراطورية، مهمتها دفع المكافآت للمرتزقة مقابل إنجازاتهم.
ربّت باستو على رأسها بلطف قائلاً:
“أحسنتِ، يوجد واحدٌ من تلك المكاتب حتى عند البوابة.”
هزّت تيه رأسها وهي تفكر:
‘صحيح، إن الناس الذين أعمالهم دائماً سيئة هناك.’
كان مكتب البوابة يُعرف بفوضويته، فقد سجّل الحجر الذي سيطر عليه باستو باسم شخصٍ آخر، ومنحه المكافأة بدلًا منه!
‘كيف يمكنهم إعطاء المال دون التأكد؟ إنهم غريبون حقاً.’
كانت الجدة 107 ستحترق غضبًا لو رأت ذلك وتصرخ: “تلك الضرائب تذهب هدرًا!”
لكن لحسن الحظ، تمكن باستو من استرجاع ماله في الليلة الماضية بعد أن قُتل “كال” على يد الوحش، فأصبح “ريكار” قائدًا جديدًا لفرقة “كلاب الموت”، ودفع لباستو كل المستحقات مع فوائدها من شدة خوفه منه.
وأضف إلى ذلك الكنوز التي حصلوا عليها من السفينة الغارقة، فقد انتعش وضع “أغابيرت” المالي بشكلٍ مذهل.
‘الآن تيه غنية!’
قالت بحماس:
“حسناً، وماذا عن الغنائم؟ ماذا تعني الغنائم؟”
ابتسم نوردكس ووضع كيسًا على الطاولة:
“هذا مثال عليها.”
نظرت تيه داخل الكيس واتسعت عيناها؛ كان ممتلئًا بأنوية الوحوش التي جمعها أغابيرت خلال رحلاتهم.
“الأنوية تُستخرج من الوحوش بعد القضاء عليها، وهي مصدر طاقة أساسي، وكلما كان الوحش أقوى، زادت قيمة نواته.”
قالت تيه بفخر:
“أعرف! بإمكانهم بيعها في مكتب المكافآت!”
هزّ نوردكس رأسه مؤكدًا:
“نعم، يُقدّمها المرتزقة كدليلٍ على أنهم هزموا الوحش فعلاً.”
ثم أضاف:
“نحن نجمعها لنبيعها دفعة واحدة في العاصمة، سيجذب ذلك أنظار الكثيرين.”
فكّرت تيه قليلاً ثم قالت:
“يعني من أجل لفت الانتباه، أليس كذلك؟”
“بالضبط.”
‘فعلاً، بيعها دفعة واحدة يترك انطباعًا أقوى.’
تابع الجد قائلاً:
“بفضلكِ يا تيه، مكانة أغابيرت تزداد يومًا بعد يوم. وعندما نبيع كمية ضخمة من الأحجار في وقتٍ واحد، سيُبهر الجميع بنا.”
ازدادت دقات قلب تيه، وشعرت بأنها تقترب أكثر من لقبها الذي حلمت به: ‘ملكة الأرواح’.
لكن نوردكس خفّض صوته فجأة وقال:
“لكن أحيانًا، هناك من لا يحصل على نواة الوحش، بل على غنيمةٍ مختلفة…”
ثم نظر إلى السوار في معصمها:
“مثل هذا الشيء الذي ترتدينه… نسميه الأثر المقدس.”
“أُثر… مقدس؟”
“نعم، يُعرف باسم ‘التحفة القديمة’.”
اقترب بيل وجلس بجانبها قائلاً:
“يا صغيرة، من أين حصلتِ عليه؟ وهل أنتِ من أطلقتِ عليه الاسم؟ وكيف عرفتِ قدرته؟”
ترددت تيه قليلاً، ثم قالت بخجل:
“يعني… بدأت القصة عندما كنت نائمة، وجاءني كائن غريب…”
التعليقات لهذا الفصل "42"