في الغرفة الفاخرة داخل مبنى الحاكمة العام، جلست تيه على الأرض، واضعة الورقة والقلم أمامها، ثم انحنت بوجهٍ جاد وبدأت تكتب بخطٍ واضح:
[الخطة القادمة.]
لكنها سرعان ما شهقت ومسحت ما كتبته، ثم أعادت الكتابة بعناية أكبر:
[الخطة القادمة، الخطة.]
ابتسمت راضية عن نفسها، وحرّكت أصابعها بحماس وهي تواصل الكتابة:
[الهدف الأول: أن ألتقي بأبي، وأن أجعله يعيش بسعادة في الوطن.]
كان هذا الهدف ملازمًا لتيه منذ أن وطأت قدماها هذا العالم: أن تلتقي بأبيها، وأن تحميه من العودة إلى كوريا مجددًا.
فوفقًا لـ”قانون عودة المصير” الذي ذكره كامانغ، قد يعود والدها إلى كوريا في أي لحظة، لذا وجب عليها حمايته.
ثم كتبت التالي:
[الهدف الثاني: حماية كامانغ.]
توقفت تيه للحظة، غارقة في التفكير.
كان كامانغ هو من جلبها إلى هذا العالم، وكان منقذها وصديقها.
لطالما كانت تقول إنه مخلوقها المستدعى، لتتمكن من حمايته بسهولة من الذين يطاردونه.
‘نعم، تيه كانت تقوم بعملٍ جيد.’
لذا، اعتقدت أنها إن استمرت على هذا النحو فكل شيء سيكون بخير.
لكنها تذكرت حينها كلمات سيرادين:
“الروح الصغير في حقيبتك قد يرشدك إلى الطريق.”
“إن بقيتِ بجانبه، فلوكاريون سيهتدي يومًا ما…”
شعرت تيه أن مهمتها لا تتوقف عند هذا الحد.
فأمسكت بالقلم مجددًا وكتبت:
[معرفة حقيقة كامانغ.]
لم يكن كامانغ تانيبانغ، ولا كان بوبيت مون.
بل إن الأميرة سيرادين قالت إن كامانغ يشبهها، أي أنه روح أيضًا.
‘هل كامانغ روح حقيقي؟’
إن كان الأمر كذلك، فلابد أن الأرواح الأخرى في هذا العالم…
تابعت تيه الكتابة بعد تفكيرٍ طويل:
[الهدف الثالث: معرفة سرّ الأحجار السحرية!]
ففي نظرها، لا بد من وجود علاقةٍ غامضة بين الأرواح والأحجار السحرية.
تذكرت سؤالها لسيرادين حين سألتها عن سبب تحولها إلى حجر سحري، والجواب الغريب الذي تلقّته:
قالت سيرادين إنها فقدت قوتها لسببٍ ما، وذكرت شيئًا يُدعى “شجرة الأم”.
“فالشجرة التي تفسد جذورها، تذبل أوراقها أولًا. نحن لدينا ما نُسميه ‘شجرة الأم’.”
“شجرة الأم؟”
“نعم، تلك الشجرة تشرف منذ القدم على الحياة والطبيعة والنقاء، وهي مصدر قوتنا. لكن…”
وتوقفت سيرادين هناك، دون أن تُكمل الحديث.
لكن تيه حاولت تحليل الأمر بنفسها وكتبت:
[أولًا، الأرواح أكثر من واحدة.]
فقد كانت سيرادين تتحدث بصيغة الجمع دائمًا، مما يعني أن هناك أرواحًا أخرى غيرها.
ومن ثم، خطرت لتيه فكرة:
‘هل يمكن أن تكون شجرة الأم قد تضررت، فتاهت الأرواح الصغيرة بسبب ذلك؟’
إن كانت “الأسباب الغامضة” التي ذكرتها سيرادين تعني أن جذور الشجرة قد فَسدت، فقد يكون ذلك سبب معاناة الأرواح.
تابعت تيه كتابة أفكارها:
[هل الأرواح التائهة تتحول إلى أحجار سحرية؟]
فقدت سيرادين قوتها وصارت حجرًا سحريًا، فهل حدث الشيء ذاته لبقية الأرواح؟
وإن كان لوكاريون كذلك، فهل يمكن أن تكون جميع الأحجار السحرية في العالم في الأصل أرواحًا؟
هزّت تيه رأسها نافية.
“همم، هذا ما زال غير مؤكد.”
كانت المعلومات التي حصلت عليها من سيرادين محدودة، لذا كان عليها التأكد بنفسها.
“إذًا…”
عضّت تيه طرف قلمها، ثم كتبت في الأسفل:
[ما سأبحث عنه لاحقًا: إيجاد شجرة الأم، والتحقق إن كانت هناك أرواح داخل الأحجار الأخرى.]
وضعت القلم جانبًا، ورفعت الورقة بابتسامةٍ فخورة.
“ههه، جميلة جدًا!”
رغم أنها لم تكتب منذ زمن، إلا أن خطها كان واضحًا ومتقنًا.
‘لو رأتني معلمتي في الروضة الآن، لمدحتني بالتأكيد.’
ساد في عينيها حنين خفيف.
‘أريد العودة إلى الروضة…’
كانت تحب باستو وبيل ونوردكس، واستمتعت برحلاتهم ولقاءاتهم مع أناسٍ جدد، لكنها كانت تفتقد أصدقاء في مثل عمرها.
‘يقولون الآن إن من لا يذهب إلى الروضة لا يُقبل بسهولة في المدرسة الابتدائية…’
لكنها أدركت أن الذهاب بهذه الهيئة إلى الروضة سيكون أمرًا مضحكًا للغاية، فهي الآن تعمل كـ”ملكة الأرواح” بعد كل شيء.
وقفت تيه من مكانها، طوت الورقة بعناية، وضعتها في الحقيبة، وتوجهت إلى الباب.
وما إن أمسكت بالمقبض حتى قرقع بطنها بصوتٍ عالٍ:
قروووك… قرررر…
في الحقيقة، كانت جائعة منذ أن استيقظت، لكنها تحمّلت حتى تُنهي خطتها.
خرجت مسرعة إلى الممر المزيّن، وفجأة تذكرت:
“صحيح! تيه الآن في مقرّ الحاكمة!”
تملّكها شعورٌ بالفخر وهي تبتسم.
كيف نسيت أنها انتقلت إلى هنا بفضل ماريان؟
‘لابد أن طعام الحاكمة ألذ بكثير!’
نزلت السلالم الكبيرة بحماس، وهناك في الردهة لمحت وجهًا مألوفًا يلوّح بيده:
“دانجو، هل نمتِ جيدًا؟”
“بيل! يا بيل أوبا!”
ركضت تيه نحوه بسرعة واحتضنته بفرح، ثم بدأت تشدّ طرف ثوبه وهي تضحك:
“أوبا، تيه كانت تفكر… الأحجار السحرية هي…”
لكنها توقفت فجأة، فقد لاحظت شيئًا غريبًا.
كانت ملامح بيل متوترة، ولم يكن ينظر إليها، بل خلفها.
تجمدت تيه، ثم استدارت ببطء… وارتجف قلبها:
“الـ… ابنُيا الحاكمة…؟!”
إلى جانب الدرج المركزي، كان ولدا الحاكمة اللذان أنقذتهما البارحة واقفين هناك، ينظران إليها بدهشة.
“آه، صاحبة الجلالة… أقصد، ملكة الأرواح…”
تمتم إنزو وهو يتلعثم بالكلام، وشعرت تيه كأن صخرة سقطت على رأسها.
‘يا للغباء!’
لقد نسيت تمامًا أنه داخل بيرسيتي عليها أن تتصرف دائمًا كملكة الأرواح!
أخذت تتذكر ما فعلته: ركضت نحو بيل ونادته “أوبا”، وتصرّفت كطفلة صغيرة تمامًا…
“بـ… بيل أوب…”
وقبل أن تكمل، تدخل بيل بسرعة قائلًا بصوتٍ حاد:
“أنتما! ابقيا مكانكما تمامًا، لا تتحركا خطوة واحدة. إن ابتعدتما لحظة، فلا حديث عن الانضمام إلى الفِرقة بعد اليوم!”
ثم رفع تيه بين ذراعيه بخفة، وغادر المكان بخطواتٍ سريعة.
وفي الرؤية المرتجّة من كتفه، كانت ترى راوول وإنزو واقفَين مذهولين يحدّقان بها بصمت.
“تيه أخطأت!”
قالت تيه وهي مطأطئة الرأس أمام باستو، ونوردكس، وبيل.
كانت الدموع تلمع في عينيها وهي تتمتم:
“كنت أريد التمثيل بشكلٍ كامل، لكنني نسيت للحظة…”
حاول الثلاثة إخفاء ابتساماتٍ محرجة.
ففي الحقيقة، لم تكن تيه يومًا ممثلة مثالية.
كان عليها أن تتصرّف كـ”بالغة”، لكن مهما حاولت، فهي لا تزال في الرابعة من عمرها، ولا يمكنها تقمص دور الكبار تمامًا.
“ماذا سنفعل الآن؟ ابنيا الحاكمة اكتشفوا حقيقة تيه…”
بدأت الصور السيئة تتكوّم في رأسها.
تخيلت راوول وإنزو يغادران مبنى الحاكمة، وينشران الخبر بأن تيه ليست سوى طفلة صغيرة.
ثم أهل المدينة يسمعون ويصابون بخيبة أمل.
وأخيرًا، يصل الخبر إلى الحاكمة نفسها…
‘آسف يا تيه، لكن مقرّ الحاكمة في بيرسيتي منطقة خالية من الأطفال. اخرجي حالًا.’
ثم تُطرد ركلًا مع أمتعتها إلى الخارج!
“يا إلهي، كارثة! ماذا أفعل؟”
بدأت تيه تدور حول نفسها في قلقٍ شديد، وقبل أن يتكلم باستو، صاحت فجأة:
“آه!”
لمعت فكرة في ذهنها، ونظرت بسرعة إلى معصمها.
هناك، كان السوار الجميل الذي لم يكن موجودًا بالأمس، سوار “قداسة النسيان” الذي منحته لها سيرادين.
“قداسة النسيان!”
‘عندما تلمسين أحدًا وأنتِ ترتدين هذا السوار، يمكنكِ محو أي ذكرى تختارينها من ذاكرته.’
التفتت تيه نحو رفاقها وقالت بعينين متلألئتين:
“هل أمسحهما؟”
تجمد الثلاثة من الدهشة، لكنها واصلت بحماسٍ أكبر:
“هل أمسح ذاكرتي ابنيا الحاكمة الاثنين معًا؟”
كانت تقصد أن تمحو ذاكرتهما بالكامل.
لكن وجوه الثلاثة شحب لونها في لحظة واحدة.
التعليقات لهذا الفصل "41"