الفصل 27
“دانجو، أنا آسفة. لقد وعدت بأن أتحمل المسؤولية وأحمي الآنسة… هاهك.”
“يا لك من حمقاء! ماذا كنتِ تظنين؟!”
“أ… أليريك، مات؟”
لم يستطع أبي أن يجيب.
كان يكتفي بعناق تيه بقوة، وهو يحدق في المرأة ذات الشعر الأحمر.
ابتسمت المرأة بابتسامة فارغة وقالت:
“لا بأس… فقط لا تشغل بالك بنا، اهرب أنت. لدى الدانجو الآنسة أيضاً…….”
“سأتدبر الأمر، فلتصمتي فقط. أغلقي فمك، وتنفسّي ببطء.”
جثا أبي على ركبته.
هبط مجال الرؤية، فبان وجه المرأة ذات الشعر الأحمر بوضوح.
كانت العروق الزرقاء البارزة في عنقها تنبض بقوة مرعبة.
“هاها، بصراحة… أنا أظن أن مجرد وصولي إلى هنا أمر عظيم بحد ذاته. أنا التي لم أكن سوى فتاة تذبح الخنازير في الأزقة الخلفية، والآن أركض في ساحات القتال مع الدانجو، أليس هذا شرفًا عظيمًا؟”
ارتعشت ذراع أبي التي كانت تحتضن تيه قليلًا.
“ولستُ وحدي، هاهك… الجميع شعروا بذلك. باستو أيضاً… وأليريك… وفيكتور، كلهم…….”
توقفت عينا المرأة لحظة عند تيه.
“لقد وُلدت الآنسة الجميلة… ونحن الذين لم نكن نفعل سوى قتل تلك الوحوش السوداء كل يوم، عندما نرى وجه الآنسة البريء والجميل…….”
نسيت تيه حتى أن تتمتم أو تصدر أصوات الأطفال، وظلت تحدق بها.
لم تستطع أن تزيح بصرها عن عيني المرأة المليئتين بالمحبة.
“كنت أتمنى أن أرى الآنسة وهي تمشي. وكنت أظن أنني سأسمعها تنطق باسمي يومًا ما… هاهك.”
قالت المرأة وهي تلهث، لكنها ابتسمت ابتسامة باهتة لتيه.
“آنستي. كوني دائمًا بخير. واضحكي كثيرًا مع الدانجو.”
“…….”
“كوني، كوني دائمًا سعيدة بلا ثغرات…….”
لكن صوت ليفيا الذي كان يخفت شيئًا فشيئًا، توقف تمامًا في النهاية.
حدقت تيه بجمود في عينيها.
وقد انطفأ فيهما النور تمامًا.
“أوو! أوووو-!”
بدأت تيه تتخبط، فضمها أبي إلى صدره بقوة أكبر.
ثم انحنى وأخذ بطاقة تسجيل المرتزقة المعلقة في عنق ليفيا.
وبدأ يمشي ببطء، ثم بخطوات متسارعة نحو الجهة المقابلة.
“لا بأس، تيه. لا بأس.”
تمتم أبي بصوت أشبه بالتنويم.
كان يبدو وكأنه يردد كلمات على نفسه أكثر مما يقولها لتيه.
“سنخرج من هنا. سنخرج، سنخرج…….”
لكن سرعان ما خفت صوت أبي أيضًا.
نظرت تيه بقلق إلى المكان الذي ثبت أبي نظره فيه بذهول.
“كرووك-”
مع صوت قصير وغريب، بدأت أشياء تظهر من كل الجهات.
وحوش هائلة وقبيحة المنظر، لم ترَ تيه مثلها من قبل، كانت تطوّق الاثنين.
***
“هاهك!”
استيقظت تيه من نومها وهي غارقة في العرق.
كان الظلام حالكًا، لكن أضواء الساحة المتلألئة خلف الستائر دلّت على أن الوقت مساء.
“حلم… غريب…….”
قبضت تيه على قبضتها بإحكام لتمنع دموعها من الانسياب.
ومسحت جبينها المبلل بالعرق بظهر يدها.
‘آنستي. كوني دائمًا بخير. واضحكي كثيرًا مع الدانجو.’
ما زالت صورة المرأة ذات الشعر الأحمر حية أمام عينيها.
لم ترَ حلمًا بهذا الوضوح منذ كابوس الديناصور “تي-ريكس” في الماضي.
أخذت تيه نفسًا عميقًا لتهدئ قلبها الخافق، ثم توقفت فجأة.
‘هاهك… الجميع شعروا بذلك. باستو أيضاً… أليريك… وفيكتور، كلهم…….’
لقد تذكرت فجأة جملة أخرى قالتها المرأة.
‘قالت باستو.’
نعم، لم تخطئ سمعها. المرأة نطقت باسم “باستو”.
تسلل قشعريرة باردة على طول ظهرها.
‘هل لم يكن مجرد حلم؟’
كلما فكرت، بدا الأمر غريبًا أكثر.
كان غريبًا أن ينادوا أبي بالدانجو، وغريبًا أن يُذكر اسم العم باستو، وغريبًا أن تظهر الوحوش.
‘وحتى أنني كنتُ طفلة صغيرة في الحلم.’
رمشت تيه بعينيها الفارغتين وتمتمت:
“…… ربما كان شيئًا من الماضي.”
لقد أدركت أخيرًا معنى الحلم الذي رأته للتو.
“ربما كان ما حدث قبل أن تذهب تيه مع أبيها إلى جمهورية كوريا……!”
قفزت تيه من مكانها مذعورة.
وأخذت تدور في أرجاء الغرفة.
‘حسنًا، يا طلاب صف السمان~ سنتعلم اليوم كما تعلمنا أمس كيف تتكوّن الأحلام. من يذكر ما قلته أمس؟ أها، ترفع يدها يي وون! قولي لنا أمام زملائك؟’
‘الحلم هو عندما يقوم دماغ الطفل بترتيب ما في رأسه من ذكريات!’
‘صحيح~ عقلنا حين يرتب ذكريات يوم أو أكثر، نحلم بها.’
‘أستاذة! جون سو قال إنه حلم وهو ما زال في بطن أمه!’
‘آه! ليس صحيحًا!’
‘حسنًا، هدووء~’
في ذلك اليوم، رفعت تيه يدها أيضًا.
وكان الجزء الذي تحدثت عنه يتعلق بـ “اللاوعي”.
وما زالت تذكر كيف أثنت عليها المعلمة لأنها استخدمت كلمة صعبة.
‘همم، هممم! اللاوعي يعني… الأشياء الكثيرة الموجودة في رأسنا دون أن نعرف. وأحيانًا نحلم بما في اللاوعي!’
‘واو! تيه تعلمت كلمة صعبة! رائع!’
‘نعم! في رأس تيه، اللاوعي فيه شوكولاتة. لذلك تحلم بالشوكولاتة كل يوم! لكن إذا وضعتُ الحلوى أيضًا، فهل يمكن أن أحلم بالحلوى والشوكولاتة معًا؟ ها؟’
لم تجب المعلمة على سؤال تيه.
لكن الأكيد أن تيه تعلمت شيئًا في ذلك اليوم.
“يمكن أن نحلم بأحداث وقعت في الماضي!”
تمامًا كما حدث الآن.
لكن الأمر المريب هو…
“لماذا ينادون أبي بالدانجو……؟”
لقد قال لها الجد نوردكس إن قادة الفرسان المقدسون عادة ما يُلقبون بـ’القائد’ وليس ‘الدانجو’.
‘ثم إن العم باستو أيضًا غريب.’
فوفقًا لكلام أبي، كان باستو العم بالتأكيد أحد الفرسان المقدسون.
إذ كان تابعًا له.
لكن باستو العم بدا وكأنه يكره الفرسان المقدسون بشدة، بل وأصبح يعمل معها الآن في فرقة مرتزقة.
“وعلى ذكر ذلك، منذ قليل…….”
لقد رأت والدها في المرفأ مرتديًا رداءً رماديًا.
أما الفرسان المقدسون، فعادتهم ارتداء دروع فضية بلمعان وزخارف براقة.
إذن، كان مظهر أبي أقرب إلى……
“لا، لا. ربما كان في مهمة سرية.”
تذكرت تيه الشرطي الذي اعتاد القيام بمهام سرية في حي الأحياء الفقيرة.
ذلك الشرطي كان الوحيد الذي تغاضى عن كون تيه مقيمة غير شرعية.
وكان يعرف أنها تسكن في الشقة رقم 106 في مجمع “غولد” السكني، لذلك كان يتولى تفقد المنطقة أحيانًا.
ولأنه لو ارتدى زي الشرطة فسيُربك الناس، فكان يرتدي عمدًا قميصًا باليًا فقط.
‘لا أعرف حتى إن كان الأمر كذلك بالنسبة لأبي…….’
لكن، مهما حاولت أن تُلصق الأجزاء غير المتناسقة ببعضها، ظل الارتباك يزداد.
‘كانت حادثة.’
هل يُعقل أن الحادثة التي ذكرها أبي منذ زمن طويل كانت في الحقيقة ذلك المشهد المروّع الذي رأته في الحلم؟
هل كان ذلك الموقف الذي مات فيه جميع رفاق أبي، وبقي هو وحده يحمل تيه في حضنه، مضطرًا لمواجهة جحافل من المخلوقات المتوحشة؟
‘أبي…… إذًا، هل تمكن من القضاء على كل تلك المخلوقات؟’
إذن لعل هذا هو السبب في نجاته، وفراره إلى كوريا الجنوبية حيًّا.
لكن لا يمكن الجزم بأن كل ما ظهر في الحلم كان حقيقة مطلقة.
“إيهفوو، ما هذا الشيء……!!”
صفعت تيه جبينها وقطّبت حاجبيها بامتعاض.
“تيه!”
انفتح الباب بعنف، ودخل شخص مسرعًا.
كان باستو، بملامح يعلوها القلق.
“عموو.”
“أأنت بخير؟ جسدك؟ ألستِ جائعة؟ بيل ذهب ليجلب الطعام.”
وما إن دخل باستو حتى رفع تيه من السرير، وأجلسها وأخذ يديرها يمينًا ويسارًا ليتفحص وجهها وملامحها بدقة.
وخلفه بخطوة، تقدّم الجد نوردكس نحوها.
ثم تكلم بصوت جاد:
“تيه، هناك أمر أريد أن أسألك عنه.”
هزّت تيه رأسها بالإيجاب، فتابع الجد حديثه:
“أتعلمين أننا نبحث عن والدك، أليس كذلك؟”
“نَعم. أعلم أنكم تساعدون تيه.”
“لكن، لكي نعثر على والدك، لا بد من أن نسألك بعض الأشياء أولًا.”
“أي أشياء……؟”
“هل يمكنك أن تخبرينا باسم والدك؟ وأين كنتم تعيشون معًا في الماضي أيضًا.”
التعليقات