في الحقيقة، كان باستو نفسه يفكر بالطريقة ذاتها حتى الآن.
فلكل إنسان شيء ما يتمنى لو أن الآخرين لا يسألون عنه.
أما بالنسبة لباسـتو فذلك الشيء كان قصة عائلته، ولهذا لم يسأل تيه عن عائلتها من قبل.
“ثم إننا نحن أيضًا افترضنا ببساطة أنها لا بد أن تكون ابنة أحد أبناء لومينين، ولهذا تركنا الأمر وشأنه حتى الآن. لكن علينا على الأقل أن نتحقق…….”
“غير أنه، إن لم يكن والدها في لومينين، فماذا تنوي أن تفعل عندها؟”
عند كلام نوردكس، هذه المرة بيل هو من لزم الصمت.
“تيه ما زالت طفلة. وكما قلت من قبل، نحن لا نعلم إلى الآن أي جزء من أقوالها صحيح وأيها مختلق.”
“…….”
“صحيح أن تيه ذكية، لكن لا يمكننا أن نضع هدفنا بناءً فقط على أقوال غير مباشرة لفتاة صغيرة. كي نعثر على أبيها، علينا أولاً أن نعرف بدقة ما الذي حدث وكيف جرى.”
بيل فقد الكلمات وأطرق بنظره.
فكلام نوردكس كان صائبًا من أوله لآخره.
“اسم أبي الطفلة. المكان الذي كانا يعيشان فيه. يكفي أن نعرف هذا القدر حتى نصبح أقرب بكثير من خيط يقودنا للحقيقة.”
“……وماذا لو أصرت الصغيرة على عدم الكلام؟”
“لا يمكننا أن ننتزع الكلام منها بالقوة. لكن على الأقل نسألها. حين تستيقظ تيه.”
وأخيرًا، أومأ بيل برأسه.
وبدا أن باستو هو الآخر قد وافق على رأي نوردكس.
جلس الثلاثة متقرفصين جنبًا إلى جنب أمام الباب المغلق، ناظرين إليه.
“ولكن…… فقط على سبيل الافتراض.”
عاد بيل ليفتح فمه بعد قليل.
“ماذا لو أن الصغيرة عثرت على أبيها؟ ماذا سيحدث حينها؟”
التفت باستو ونوردكس إليه محدقين.
“أعني، أليس الأمر كذلك؟ لو وجدت الصغيرة أباها، فهل ستتفكك أغابيرت حينها؟”
كان بيل متجهم الملامح، كأن فكرة تفرق جماعة المرتزقة لا تروقه.
أجاب باستو بعد لحظة تفكير:
“الاحتمال كبير أن يحدث ذلك.”
“إذن، وماذا ستفعل بعدها أنت؟”
انخفض بصر باستو.
طافت في ذهنه صورة أيامه حين كان يهيم وحيدًا كالمجنون، يمارس عمل المرتزق المتجول.
رغم أن ذلك لم يمضِ عليه سوى بضعة أسابيع، إلا أن ذكرى تلك الفترة بدت بعيدة للغاية فجأة.
ويبدو أن الذكريات التي قضاها مع تيه قد انغرست في داخله أقوى مما كان يتصور.
فلو انتهى كل شيء……
“……أغلب الظن أنني سأعود إلى حياة المرتزق المتجول.”
“وأنت يا نوردكس؟”
“لا أدري. أنا لم أتصور يومًا أنني سأصبح مرتزقًا. فقط سارت الأمور بي هكذا حتى وجدت نفسي معكما.”
وبالفعل، لم يكن نوردكس قد سجل اسمه في أغابيرت برغبة في أن يصبح مرتزقًا.
بل إن الأمر انتهى به إلى ذلك فقط لأنه أراد مساعدة تيه في العثور على والدها.
وعلى أي حال، فقد كان الآن أكبر مرتزق سنًا في أغابيرت.
“الآن أنا معكما، لكن لو تفككت الجماعة، أظن أنني سأعود إلى البوابة من جديد.”
“……أنا لا أستطيع قبول ذلك.”
تمتم بيل.
“أليس العثور على أبيها أمرًا منفصلًا عن كون الصغيرة زعيمة الجماعة؟ إذا كانت قد تسلمت قيادة أغابيرت فعليها تحمل المسؤولية حتى النهاية. ماذا سيحل بالمرتزقة إن هربت الزعيمة؟”
وألقى نظرة على الباب المغلق.
“حتى لو قررت الصغيرة أن تتوقف، سأمنعها. يجب أن تستمر كمرتزقة. ولجمع المال من حصار الأحجار السحرية، نحن بحاجة إلى قدراتها أيضًا.”
“…….”
“وحتى لو أصرت على أنها لا تريد مفارقة أبيها ولو بالموت، فببساطة يمكن أن نجعل أباها ينضم إلى أغابيرت. نمنحه منصبًا شكليًا، مثل ‘حامي الزعيمة’ مثلًا.”
“أتظن أن الأمر بتلك السهولة…….”
“لا يهم، على أي حال لن أترك الصغيرة تذهب هكذا. هل تعرف كم عانيت لأجل أن أجعلها ملكة الأرواح؟”
وكم مرة اضطررت أن أكبح نفسي حتى لا أنفجر بالضحك أمام الآخرين؟
أصلح بيل صوته وأضاف:
“وعلى كل حال، الأمر ليس لأنني أحب الصغيرة أبدًا. صحيح أنها تبدو حمقاء وصغيرة، لكنها موهوبة، أليس كذلك؟ وساحرة ذات خاصية الظلام ليس أمرًا شائعًا.”
“…….”
“لو أحسنا استغلال الصغيرة في الدعاية، فسيكبر شأن أغابيرت بسرعة. ربما نصل إلى المرتبة الأولى في التصنيف. وعندها سيكون جلوسنا فوق كومة من المال مجرد مسألة وقت.”
لم يُجب باستو، وأبقى بصره مثبتًا على الباب.
أما نوردكس فتنهد بدوره.
ولما سكت بيل أيضًا، غارقًا في أفكاره الخاصة، عاد الصمت يخيّم على الرواق.
انتظر الثلاثة بصمت.
حتى تستيقظ تيه التي نامت بعد أن أنهكها البكاء.
***
في تلك الأثناء، كانت تيه تائهة في حلمها.
بدأت الرؤية المشوشة تهدأ وتنجلي شيئًا فشيئًا، كاشفة عن مشهد ما.
مكان مظلم حالك.
والدخان الكثيف يملأ الأرجاء.
ومن بين الضباب، برز وجه امرأة شاحب اللون.
كانت المرأة تضم تيه إلى صدرها بكل عناية.
“ليفيا! احمي تيه!”
حينها، جاء صوت من بعيد، منادياً المرأة.
صوت مألوف.
صوت أبيها.
حاولت تيه أن تلتفت نحوه، لكنها لم تستطع أن تتحرك قيد أنملة.
فجسدها كان ملفوفًا بإحكام في أقمشة ناعمة.
“أوو، بااا-”
ولما حاولت فتح فمها، انبعث من حلقها صوت لم تكن تتوقعه أبدًا.
“باا، أووونغ…….”
وسرعان ما أدركت أنه صوت بكاء طفل.
‘هل صرتُ طفلة رضيعة؟’
لقد عرفت ذلك الصوت جيدًا، إذ كانت تسمعه كلما تجسست على غرفة صغار الضفادع أولاد الجيران.
حركت تيه عينيها الكبيرتين في كل اتجاه محاولةً استيعاب الوضع.
“آااه! أليريك! لا-!”
فجأة صرخت المرأة التي كانت تحتضن تيه صرخة أقرب إلى العويل.
وضبطت قبضتها على تيه وأعادت تعديل وضعيتها، فانفتح أمام عيني الطفلة مشهد مختلف.
كان ما تراه فظيعًا بحق.
جثث وحوش سحرية مطروحة هنا وهناك.
وبينها، عدد لا يُحصى من…… الضحايا.
“ليفيا! لا تقتربي، خذي الآنسة واهربي!”
من بعيد، كان رجل يواجه وحشًا سحريًا هائلًا وهو يصرخ.
كان يمسك في كلتا يديه كرتين ضخمتين، ويقذف منهما خيوطًا من الضوء الأزرق نحو الوحش بلا توقف.
“لكن أنت!”
“أتريدين أن تصيبي الآنسة بأذى؟!”
ترددت المرأة.
ثم أخيرًا، وهي مترددة، أدارت جسدها وبدأت تعدو في الاتجاه المعاكس.
قطرات ساخنة تقط تقط تساقطت على وجنتي تيه.
المرأة التي ناداها الرجل بـ’ليفيا’ كانت تضم تيه بين ذراعيها وهي تبكي.
“هيا، آنستي. لا تقلقي. لا تقلقي على الإطلاق…….”
تمتمت المرأة وهي تشد تيه المترنحة بين ذراعيها بحنان.
ولا يُعرف كم من الوقت مرّ على ذلك.
“أوهك-”
فجأة، سقطت المرأة التي كانت تجري لتوها جاثية على الأرض.
حين رفعت تيه بصرها إلى وجهها، رأت ملامحها تتحول شيئًا فشيئًا إلى لون أرجواني.
“اللعنة، السم…….”
بيد مرتجفة وضعت المرأة تيه على ركبتيها، ثم أخرجت من صدرها زجاجة دواء.
لكنها، وقبل أن تتناولها،
“هاه، أوهك.”
ارتخت قبضتها وسقطت الزجاجة من يدها لتتحطم على الأرض.
أخذت المرأة تتحسس الأرض الملطخة بدماء الوحوش وأوساخها بجنون.
لكنها لم تلبث أن هوَت إلى الأمام ببطء.
“آه، آنستي، هاه… هذا لا يجوز.”
التصق بضع خصلات من شعرها الأحمر المبتل بالعرق بوجه تيه.
“أوو، أووونغ- بيااا……!”
بدأت تيه تتحرك قليلًا، وبشق الأنفس تمكنت من إخراج إحدى ذراعيها من بين الأقمشة الملفوفة حولها.
لمست خد المرأة، فشهقت دهشة.
فخدها كان باردًا للغاية.
“الشرخ، يجب أن نخرج… نخرج من هنا…….”
كانت كلمات المرأة تتلاشى شيئًا فشيئًا.
وفي تلك اللحظة، بينما كانت تيه تحدق عاجزة في عينيها البنيتين وقد فقدتا بريقهما،
“ليفيا!”
أمسك شخص ما بكتف المرأة المنحنية وهزها.
فتوسعت عينا تيه وهي تحدق بالوجه الذي ملأ مجال بصرها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات