الفصل 22
في داخلها، اعتذرت تيه من أصحاب القبور.
‘حين تصبح تيه غنية في المستقبل، سترد لكم الجميل……!’
أولاً عليها أن تجد والدها، ثم حين تحصل على جواهر أخرى ستعيد دفنها من جديد.
لقد قيل إن في البنك المركزي للإمبراطورية بعض المال الذي ادخره باستو، لذا يمكنهم الصمود بتلك الأموال لبعض الوقت.
“تيه، أشعر بالخجل.”
قال باستو في تلك اللحظة.
توقفت تيه عن السير واتسعت عيناها.
“لقد أصبحت رجلاً بالغاً ومع ذلك لا أفعل سوى الاعتماد على الآخرين…….”
“إذن فأنت تدرك ذلك.”
غمز بيل ساخراً، لكن تيه لوّحت بكفها أمام باستو بقوة وهي تنفي على عجل.
“كلا، يا عمو باستو! هكذا يعيش الجميع!”
تطلع إليها نوردكس وباستو وبيل في صمت.
“لقد قالوا مراراً إنه إن لم يكن هناك مصدر للمال، فلن يخرج ولو قتلت نفسك ضرباً.”
كانت هذه جملة اعتادت جدّة الغرفة 107 وجدّة الغرفة 203 على تكرارها باستمرار.
ولم يكن هذا فقط.
“ليس شرطاً أن يكون الكبار أغنياء. حين يزوّجون أبناءهم وبناتهم ويكدّون في العمل، ينتهي بهم الحال بالديون، وهكذا يعيش الجميع.”
مسحت تيه أنفها بيدها، فجعلت وجوه الجميع تزداد ذهولاً.
“……صحيح. هذا معقول.”
قال باستو، ثم واصل السير بخطوات متثاقلة.
تبعت تيه خطاه بخفة وهي شاردة الفكر.
‘لو أن في جونغنو غو كان هناك جواهر، لكان الأمر رائعاً.’
لو كان بيد تيه جواهر حينها، لأعطتها كلها لوالدها.
ففي كوريا الجنوبية كان والدها يعمل طوال اليوم بجهد مرهق.
ومع ذلك لم يُظهر لتيه يوماً مدى تعبه.
‘بل كان يبتسم دائماً.’
في الصيف كان يهوّي عليها بالمروحة حتى تنام، وفي الشتاء كان يغطيها ببطانيته الخاصة.
‘المعجنات المقلية التي كان يشتريها في طريق عودته من العمل، والدجاج المقلي القديم الطراز…… كانت لذيذة بحق.’
حين تذكرت أباها، شعرت بغصّة في قلبها.
أطرقت تيه رأسها بلا سبب.
ومنذ قدومها إلى هذا العالم، أدركت شيئاً بديهيّاً:
‘السقوط فجأة في عالم غريب أمر مخيف وحزين.’
والحقيقة أن تيه نفسها كانت قد شعرت بذلك.
حين عبرت إلى هذا العالم الآخر لتبحث عن أبيها.
وعندما تُركت بمفردها في الغابة صدفة، شعرت بخوف شديد وحزن عميق.
لو لم يكن الحظ قد قادها إلى لقاء باستو، لربما كانت ما تزال تائهة وحدها في الغابة حتى الآن.
‘وربما كان الديناصور التيرانوصور قد افترسها منذ زمن…….’
لو فكرت جيداً، لوجدت أن كل ما وصلت إليه حتى الآن كان بفضل والدها في النهاية.
فقد كان يحدثها كل يوم في كوريا الجنوبية عن هذا العالم، ولهذا استطاعت الصمود حتى الآن.
ولو أنها لم تعرف شيئاً عن هذا العالم من قبل.
فهل كانت لتتمكن من إنشاء فرقة المرتزقة كما فعلت الآن؟
‘لا. تيه لم تكن لتستطيع.’
ومن هنا، خطر ببالها سؤال طبيعي: كيف كان حال أبيها؟
عندما سقط للمرة الأولى في كوريا الجنوبية، كان لا يعرف أي شيء.
‘لقد كان حادثاً.’
‘حادث؟’
‘نعم. في الحقيقة، حتى الآن لا أعرف ما الذي حدث بالضبط. لكن إن واصلنا البحث فلا بد أن نجد طريقة للعودة.’
‘نعم! أبي يستطيع ذلك! سيعود إلى موطنه!’
‘بالطبع. سأعود لا محالة، مع ابنتي الجميلة.’
في ذكرياتها، كان والدها يعمل منذ أن كانت صغيرة جداً.
وكان يعود أحياناً بوجهٍ يحمل كدمات، وأحياناً أخرى كان يسهر حتى وقت متأخر من الليل جالساً وحده يحدق من النافذة.
‘لا بد أنه عانى كثيراً……’
حتى من دون أن يُظهر ذلك، استطاعت تيه أن تدرك تلقائياً أن والدها كان مرهقاً جداً.
“تيه، اصعدي على ظهري الآن. في الليل يسهل علي الإسراع وأنتِ محمولة.”
قال باستو حينها.
قفزت تيه بسرعة على ظهره، وألقت بنظرها إلى الأفق البعيد.
‘أبي…… انتظر تيه.’
بعد المرور بمدينة بيرل، ثم حي الأسلحة في بوفوروسا.
ستنطلق تيه للبحث عن أبيها.
وحين تلتقي به……
‘حتى لو قابلتِ أباكِ، فلن يعرف من تكونين.’
في تلك اللحظة عادت كلمات كامانغ إلى ذهنها، لكنها هزّت رأسها لطردها.
‘لا بأس. حتى لو لم يتعرف أبي على تيه.’
فقد قالت الجدة في الغرفة 107 إن كل شيء يمكن إنجازه إن خُطيت الخطوات واحدة تلو الأخرى.
كان هدف تيه واضحاً واحداً لا غير: أن تمنع والدها من السقوط مجدداً في كوريا الجنوبية.
‘أستيه. في هذا العالم يوجد ما يُسمى بقانون “ارتداد القدر”.’
قانون ارتداد القدر.
كان هذا ما أخبرها به كامانغ في اليوم السابق للانطلاق.
قال إن البشر في الغالب، مهما عاشوا حياة مختلفة أو وُضعوا في ظروف أخرى، يعودون في النهاية إلى النتيجة نفسها.
وبكلمات أبسط: ربما سيسقط والدها في كوريا الجنوبية مرة أخرى في هذه الحياة.
لأنه بالفعل سقط في كوريا الجنوبية مرة من قبل في خط زمني آخر.
‘لكن هذه المرة، ستمنع تيه ذلك.’
لم تكن لتقف مكتوفة اليدين.
‘ستجد السبب الذي جعل أبي يسقط في كوريا الجنوبية، وستمنع حدوث ذلك!’
يجب أن يكون والدها سعيداً هنا، في موطنه، في هذا العالم.
مرّت في ذهنها صورة أخرى لوالدها في كوريا الجنوبية.
ذلك الوجه المرهق وهو يحدق بمصابيح الشارع من نافذته.
وتلك المرة التي كان وجهه مليئاً بالكدمات، ومع ذلك أضحكها وهو يلعب معها.
ثم في النهاية…… عاد إليها على هيئة صندوق تذكارات مبتل بالمطر.
شدّت قبضتها بقوة.
‘سأعثر على أبي، وأجعله يعيش حتى يصبح في المئة من عمره!’
هذه المرة، وبالتأكيد، كانت عازمة على أن تجعل الأمر يحدث.
***
في اليوم التالي.
انبثق الفجر فوق البحر المتلألئ.
“المكان كما هو تماماً.”
ابتسم الجد نوردكس وهو يقف أمام تمثال الصَدَفة العملاقة الذي يُعَدّ رمز مدينة بيرل.
أما بيل، فقد خارت قواه فجأة فجلس على الأرض ممسكاً جبينه.
“أأنت حقاً فوق السبعين؟! أيّ شيخ هذا الذي يملك لياقة أفضل مني!”
ضحك نوردكس بهدوء ثم أدار نظره إلى باستو.
وعلى ظهر باستو كانت استيه غارقة في نومٍ عميق بلا حراك.
أما تانيبانغ، المخلوق المستدعى الذي كان يخرج أحياناً من الحقيبة ليتفقد ما حوله، فقد اختفى بدوره إلى مكان مجهول.
“أظن أن علينا أولاً أن نحجز غرفة في نُزل. فالوصول إلى حي الأسلحة في بوفوروسا سيستغرق أسبوعاً على الأقل، لذا يجب أن نستعد جيداً.”
“إذن علينا التوجّه إلى نُزل القفاز الأحمر. أليس هو المكان الوحيد الذي يسمح بالدَين؟”
نُزل القفاز الأحمر.
كان نزلاً كبيراً أنشأه مرتزق متقاعد في مدينة بيرل.
صحيح أن الغرف فيه كثيرة، وأنه يقبل تأجيل الدفع مما يجعله دائماً مكتظاً بالمرتزقة، لكن:
“إنه المكان الأمثل لجمع المعلومات عن والدي الطفلة أثناء إقامتنا.”
أومأ باستو موافقاً.
وبعد أن استعاد بيل أنفاسه، نهض من مكانه.
اقترب الثلاثة بحذر ووضعوا قطعة قماش سوداء على رأس تيه.
لم يكن فقط كون ملك الموتى الرهيب يغطّ في نومٍ عميق مشكلة بحد ذاته، بل إن مظهر تيه كان لافتاً للنظر أينما ذهبت.
شَعرها الذي يلمع مثل أشعة الشمس بعد الظهيرة، وعيناها الخضراوان البراقتان.
ولدرء أي متاعب محتملة، كان هذا هو الحل الأمثل.
عبروا ساحة التمثال الضخم ودخلوا شارع النُزل.
وفي الداخل ظهر نُزل أكبر حجماً من سائر المباني من حوله.
كان ذلك هو نُزل القفاز الأحمر الذي يبحثون عنه.
“سأدخل لأتأكد من وجود غرف شاغرة.”
قال نوردكس، ثم اختفى داخل الباب.
وبعد فترة، عدّل باستو وضع تيه على ظهره وقال:
“……لقد تأخّر.”
ومع ذلك، مضت بضع دقائق أخرى من دون أن يعود نوردكس.
راح بيل يفرك صدغيه وهو يراقب الموقف، ثم قال:
“ما رأيك أن ندخل نحن أيضاً؟ أريد فقط أن أجد مكاناً أجلس فيه.”
أومأ باستو على مضض.
وعندما فتحوا باب النُزل، رأوا ظهر نوردكس وهو يقف عند المنضدة.
“تقول إن الغرف غير متاحة، لكن قريباً ستصبح كذلك. ماذا تقصد بذلك؟”
كان نوردكس يتحدث مع صاحب النُزل.
فقال الرجل وهو يرفع نظره مراراً إلى الطابق العلوي:
“أعني ما أقوله. فقد أخبرني أحد النزلاء أنه سيغادر باكراً اليوم.”
“باكراً؟”
“نعم. قال إنه سيستقل السفينة الصباحية المتجهة إلى العاصمة، وإنه سيغادر عند هذا الوقت تقريباً…….”
“أهلاً- يا لوودي.”
في تلك اللحظة، وكأنما كان ينتظر، ظهر شخص ما عند طرف الدرج.
شعر أسود مائل إلى الأمام، يداه في جيبيه بلامبالاة.
انفرجت ملامح صاحب النُزل بابتسامة مشرقة.
“أوه، تيستان! هل ستغادر الآن؟”
التعليقات