الفصل 18
وهكذا، بعد أيام قليلة أخرى، في أحد الأيام المبكرة من بعد الظهر.
كانت تيه جالسة عند نافذة النُزُل، تدلّي ساقيها وهي تهزّهما ذهابًا وإيابًا.
أشعة الشمس الدافئة كانت تتسلّط عليها، ومزاجها كان جيدًا كأنها على وشك الطيران من الفرح.
وأثناء استمتاعها بحمام الشمس،
“يا أيتها الصغيرة!”
سمعت صوت بيل من خلفها.
وعندما التفتت، كان بيل واقفًا يحمل طبقًا من الكعك بيده.
“لماذا تحدقين هكذا؟ خذي، وكلي واحدة.”
اتسعت عينا تيه في لحظة.
فأسرعت وأخذت قطعة كعك واحدة.
وما إن قضمتها حتى انتشر في فمها عطر حلو، إنها كعكات الجدة صاحبة النُزُل التي تميل إلى اللون الأخضر الفاتح.
شعرت تيه بقلبها ينتفخ بدفء لطيف وهي تقضم الكعكة بقرمشة لذيذة.
سألها بيل وهو يراقبها تأكل:
“يا القائدة الأعلى، ألذيذة لهذه الدرجة؟”
فوجئت تيه.
وخديها الممتلئين بسبب الكعكة احمرّا قليلًا.
“القائدة الأعلى……؟”
“نعم، القائدة الأعلى. هنا القائدة الأعلى…… فُف! ها…… مَن غيرك؟”
كان بيل يحاول كتم ضحكته، بينما تيه أخذت تلتوي ضاحكة.
“بيل أوبّا أيضًا غريب. أي قائدة أعلى وأي بطيخ~”
“…….”
“طبعًا تيه هي قائدة الجميع، وصاحبة أقوى فنون استحضار الأرواح المتخفية، لكن~ عندما نكون معًا فقط نادوني تيه.”
ارتجف فم بيل بابتسامة، ثم مد يده لي وخز خدها.
“أيتها الصغيرة، هل يعجبك لقب القائدة الأعلى لهذه الدرجة؟”
فتحت تيه عينيها وهي تتوقف عن الأكل.
هل يعجبها لقب القائدة الأعلى؟
‘أليس هذا واضحًا؟’
الأبطال الأقوياء دومًا يكون لهم ألقاب.
مثل الأسطورة بوبتمون، أو الملكي تانيبانغ!
ثم تذكرت أنّ حتى شخصية اللعبة التي يلعبها صديقها هيون وو في صف الحضانة لديها لقب كذلك.
وباختصار:
“تيه لبست سِكِن جديد.”
لم تجد وصفًا أدق من ذلك.
“يعني لو كانت شخصية تيه الأصلية مجرد تيه، فالتيه مع السِّكِن هي ‘القائدة الأعلى أستيه’.”
وانتفضت بحماس وهي تهزّ وركيها.
مسحت أنفها بيدها بخفّة، وأمالت رأسها وهي تضحك بخجل.
وكانت تشعر بنظرات بيل الموجهة نحوها.
‘بيل أوبّا المسكين.’
لا شك أنه يغار من تيه التي ارتدت السِّكِن وأصبحت بطلة خارقة.
في تلك اللحظة،
“أستيه.”
انفتح باب النُزُل، وظهر باستو ونوردكس، وكلّ منهما يحمل فوق كتفه شيئًا ثقيلًا.
“عمو باستو!”
“هل كنتِ بخير مع بيل؟”
“تيه، هناك فتات كعك على فمك.”
انتظرت تيه أن ينظف الجد نوردكس فتات الكعك من فمها، ثم قفزت بحماس عندما رأت ما يحملانه على أكتافهما.
“إنها زينا؟! حقًا زينا؟!”
“نعم.”
رفع باستو تيه عاليًا وأجلسها أمام الطاولة الكبيرة.
ثم وضع فوقها الملابس التي كان يحملها.
كانت هي الزي الرسمي الجديد لفرقة المرتزقة <أغابيرت> التي تأسست رسميًا منذ ثلاثة أيام.
“إنه رائع…….”
تمتمت تيه دون أن تشعر، مأخوذة بجماله.
معطف أسود مصنوع من جلد متين وقماش سميك مضاعف.
تصميمه مريح للحركة، وفضفاض بما يكفي ليصد المطر والريح.
لكن الأهم من كل شيء!
“إنه تانيبانغ حقيقي. يا إلهي!”
كانت منفعلة لدرجة أنها شعرت بأن أنفاسها ستنقطع.
لمست تيه صورة شخصيتها المفضلة المطرّزة بوضوح على صدر الزي.
لقد عانت كثيرًا لترسمها منذ ثلاثة أيام.
بصراحة، كان رسم تيه فوضويًا للغاية، فشرحت للجد نوردكس، وهو أعاد رسمها بدقة.
أظن أنه استهلك عشرين ورقة في ذلك الوقت؟
وفي لحظة شعرت فيها بالنعاس والإرهاق، لكنها واصلت الشرح حتى النهاية، وكان الأمر يستحق التعب.
“جميل جدًا…….”
ألبسها نوردكس الزي.
وما إن أقفل المشبك أسفل العنق حتى انسدل النسيج الناعم على كتفيها بانسياب.
‘أجمل من زي الحضانة!’
في الحقيقة، كانت تيه تريد أن تجعل زي الفرقة أصفر مثل زي حضانة هانبِت.
لكنها فكرت أنّ ارتداء لون أصفر في الغابة سيجعل الوحوش تلمحهم بسهولة.
وفي النهاية، كتمت دموعها واختارت اللون الأسود.
‘لقد أحسنت الاختيار بالفعل!’
والآن كانت فخورة جدًا بقرارها.
فالزي بدا رائعًا بالفعل!
حتى الآخرون بدأوا يتفحصونه بعيون فضولية.
“ما هذا، الخامة أفضل مما توقعت؟”
“بيل. ألم أقل لك إن الخياط الذي أعرفه ماهر؟”
“لكن هل كان لا بد من إضافة هذه الحشرة الوردية؟”
“ح، حشرة؟”
تلعثمت تيه، بينما ضيّق باستو حاجبيه.
“بيل، حتى لو كانت هناك ظروف خاصة، فلا تنسَ أن تيه أصبحت زعيمة فرقتنا الآن. ليس غريبًا أن يكون للزعيمة سلطة اتخاذ قرارات مهمة داخل الفرقة.”
لكن بيل ظل عابسًا.
طبعًا، لم يكن يجهل ما يقصده باستو.
فبالرغم من كثرة الأحداث الأخيرة، إلا أن بيل كان يتذكر بوضوح اليوم الذي حاصروا فيه الأحجار السحرية المتوسطة والصغيرة باستخدام الهياكل العظمية.
ذلك اليوم، عقد باستو وبيل ونوردكس –الذي أعلن نيته الانضمام– اجتماعًا طارئًا.
كان عليهم أن يجدوا طريقة لإدخال تيه إلى العاصمة.
من أجل سلامتها أولًا، ومن أجل معرفة من هما والداها أيضًا.
لكن لتحقيق ذلك، كان لا بد من تسجيل اسمها رسميًا في قائمة الأعضاء.
‘مرتزقة في الرابعة من العمر سيلفتون الانتباه حتمًا.’
‘أوافق. نظرًا لصغر سنها الشديد، فمن المستحيل تجنّب الأنظار.’
‘إذن ماذا نفعل؟ الصغيرة أظهرت قدرات غريبة أيضًا! لو لفتت الأنظار فقد يقترب منها أناس مشبوهون.’
كانت أمامهم عشرات الأمور التي تستدعي التفكير.
لكن حينها، قالت تيه:
‘ماذا لو قلنا إن هذه هيئتي متحوّلة؟’
كانت طفلة، لكنها أرادت التظاهر بأنها ليست مجرد طفلة.
‘ثم إن تيه قوية حقًا! يمكنها استدعاء أصدقاء العظام! والجد قال إن تيه تملك قوة عظيمة أيضًا……!’
سرعان ما اتفق الثلاثة على الخطة.
‘صحيح. بهذه الطريقة يمكننا تحويل نوع الاهتمام الموجَّه نحوها.’
لم يكن مسموحًا أن تُرى تيه كطفلة عادية وسط رجال أشداء.
ولا أن تُكشف قدراتها بطريقة غامضة.
بل على العكس، كان من الأفضل أن يبالغوا في ذلك.
‘إذا أصبحت تيه القائدة الأعلى، فلن يجرؤ أحد على الاستهانة بها!’
وكان هذا هو الحل الأمثل.
فمجرد تخيّل ساحر يستحضر الأرواح متنكّرًا بهيئة فتاة في الرابعة من عمرها……
‘آه، مجرد الفكرة تصيبني بالقشعريرة. لا شك أن الجميع سيتجنبها.’
‘……أوافق.’
‘إذن، القرار محسوم.’
وهكذا تقرر أن يُصنع من تيه القائدة الأعلى، وأن تُجلس في مقعد زعيمة الفرقة.
(رغم أن بيل لم يرد الاعتراف، لكنها بالفعل كانت تملك أعلى قوة قتالية بينهم جميعًا.)
وبعد ذلك سارت الأمور على ما يرام، فتأسست الفرقة حقًا، وأصبحت تيه زعيمتها…….
“مهما كان الأمر، أليس وضع حشرة أمرًا مبالغًا فيه؟ كان بالإمكان أن تضعي شيئًا أكثر أناقة بدلًا منها. ما هذا؟ عيناها مقززة وكبيرة فقط…… هل هي ذبابة؟”
أخذ بيل يفرك بخشونة فوق التطريز، وكادت تيه تسقط مغشيًا عليها من الصدمة.
“بـ… بيل أوباا! كيـ… كيف تقول شيئًا كهذا!”
لكن بيل لم يتأثر مطلقًا.
اتجه إلى منضدة النزل، وأخذ من دون تردد دوات الحبر.
“سأمسحه فحسب. إن صبغته بالأسود فلن يبدو واضحًا هكذا.”
“لـ… لااا!”
قفزت تيه مسرعة فوق الطاولة، ووقفت أمامه لتسد طريقه.
مدّت ذراعيها بكل ما تملك من قوة، وعلى وجهها ارتسمت ملامح وقار مهيب.
“هذا إهانة لتانيبانغ! هذا وحده لا يمكن أن أسمح به!”
“إهانة، تقولين؟ أيتها الصغيرة، وجود حشرة وردية على زيي الرسمي هو الإهانة الحقيقية! لذا، الآن، آه–!”
في تلك اللحظة، عضّت تيه يد بيل فجأة.
اتّسعت عينا بيل من الدهشة.
“ماذا تفعلين بحق السماء؟! هل أنتِ كلب؟! آخ، لعابك!”
“أنا لست كلبًا! أنا طفلة! ثم إن كلمة جرو أجمل بكثير من كلمة كلب!”
أطبق بيل فمه.
‘الطفلة اللعينة….’
راح يحدّق بها طويلًا، ثم هزّ كتفيه بلا مبالاة.
“حسنًا، سواء كنتِ طفلة أو كلبة، سأفعل ما أريد.”
بعدها خطف الزي الرسمي من فوق الطاولة.
“لااا!”
وبينما كان صدى صرختها الحزينة يتلاشى، همَّ بيل بتغطية التطريز بالحبر الأسود.
تينغ–
فجأة، اندفعت من مكان ما طاقة شفافة اخترقت يد بيل مرورًا.
ثم سرعان ما انفجرت تلك الطاقة كفقاعة صابون، لتغلف النزل كله بدائرة مضيئة قبل أن تتلاشى.
رمش بيل بعينيه، مذهولًا.
وحين استعاد وعيه، وجد دوات الحبر قد طارت بعيدًا،
“……هاه؟”
وبأطراف أصابعه، انساب الدم بغزارة، وكأنه قُطع بشيء حاد.
التعليقات