فوهة صدع صخري شامخة فوق الأرض، ينبعث منها بريق حجر سحري صغير.
“هـ… ههق…”
المرتزق ريو، القادم من الجزيرة الصغيرة موديوت، مسح عنقه المرتجف بيده.
“تبا… تبا.”
كان الدم القانئ يملأ كفه.
“كروو”
أمام عينيه مباشرة، كان وحش التنين ‘ريكلوبس’ يحدق به وهو يميل برأسه.
رفاقه الممددون أرضًا كانوا جميعًا قد لفظوا أنفاسهم.
أربعون مقاتلاً من فرقته سقطوا أمام ثلاثة فقط من وحوش الريكلوبس، ولم يبقَ غيره حيًّا.
“كرك-“
قبض ريو بضعف على سيفه المكسور.
فجأة مرت أمامه صورة أمه، آخر ما رآه يوم غادر موطنه.
‘لو كنت أعلم أن النهاية ستكون هكذا… لعانقتها جيدًا قبل أن أرحل.’
أوشكت أنياب الريكلوبس أن تنكشف، إشارة إلى هجوم وشيك.
ابتلع أنفاسه المضطربة وأغمض عينيه.
كان ينوي الاستسلام لكل شيء، لكن في تلك اللحظة.
[تماسك. إن أردت أن تعيش.]
صوت غريب دوّى في الفراغ.
رفع رأسه، فإذا بشيء أسود يدور في الهواء، يعكس ضوء القمر خلفه.
“آه، عذرًا على التطفل.”
ظهر أشخاص من حيث لا يدري، دفعوه جانبًا وتقدموا.
تجمد ريو وهو يحدق في أرديتهم المتموجة.
“أغابيرت…؟”
الفرقة المرتزقة الجديدة التي ظهرت فجأة كالشهاب، وذاع صيتها في أرجاء القارة بسرعة هائلة…
يجوبون العالم ويكتبون التاريخ في كل مكان، لكن ما يثير الريبة أن شعار فرقتهم على الزي الرسمي لم يكن سوى قزم وردي الشكل غريب المظهر.
“أيها الشاب، هل أنت بخير؟”
حدّق ريو مذهولًا بالشيخ الذي اقترب منه.
ذلك الشيخ، مرتديًا زي أغابيرت، نقر بلسانه وبدأ يفحص الجرح في عنق ريو.
وفي تلك الأثناء، كان الجدال يحتدم في المقدمة.
“بيل، تحرك. حان دوري هذه المرة لأُري تييه ما لدي.”
“ما الذي تقوله! لقد رأيناك تتبختر بمطرقتك مئات المرات! ابتعد من طريقي، هذه المرة سأُظهر مهارتي الحقيقية!”
“…بصراحة، أنت لا تزال ضعيفًا.”
“هذا رأيك فقط، أيها الخنزير الذي صارت حتى دماغه عضلات!”
“هاه! كفى! توقفوا عن الشجار. لو رآكم القائد فستقع مصيبة!”
حتى مع سكب الشيخ مطهّر الجروح على رقبته، لم يستطع ريو أن يتحرك.
‘هل هذا… ممكن؟’
أفراد أغابيرت كانوا يتجادلون بصوت عالٍ، لكنهم في الوقت نفسه يصدّون ضربات الريكلوبس بيد واحدة فقط.
مع كل صرير تصادم أنياب الوحش في الهواء، كان جسد ريو يرتجف.
فالريكلوبس ليس وحشًا يمكن الاستهانة به.
لقد قضوا للتو على أربعين من رفاقه المرتزقة.
لكن هؤلاء… كانوا يصدون هجماته كأنها لعبة أطفال…
ولم ينته الأمر عند هذا الحد.
“كفىااااا!”
في تلك اللحظة، انبثق شيء فجأة من بين الشجيرات ومرّ مسرعًا أمام ريو.
فتح فمه ذاهلًا مما رأى.
قوام صغير.
شَعر أشقر فاتح منسدل كخيوط حريرية.
وحقيبة ظهر وردية معلقة على كتفيها.
‘…طفلة؟’
طفلة لا تنسجم أبدًا مع هذا المكان وقفت، واضعة يديها على خصرها.
“ألم تتفقوا جميعًا على عدم الشجار! وإلا فسوف تطرد تييه الجميع من أغابيرت!”
توقف الأعضاء المتخاصمون دفعة واحدة.
فقال أضخمهم، وهو يقبض بوحشية على عنق أحد الريكلوبس:
“تطردينا؟ تييه… ما الذي تعنينه بهذا؟”
“عوضًا عن مقاتلة الوحوش، كيف تتشاجرون مع بعضكم البعض؟! هناك جرحى بيننا أيضًا! ومن بينكم، الشخص الوحيد الذي يستحق ملصق ‘أحسنت’ هو جدي نوردكس!”
عند تلك الكلمات، شحب وجه الرجل الضخم.
أما بقية الأعضاء فاكتفوا بتنحنح متكلف متجنبين نظرات الطفلة.
نفخت وجنتيها وأخرجت كلماتها بتذمر:
“أنتم لا تفعلون سوى الشجار يومًا بعد يوم… هكذا كيف سنجمع عشرين عضوًا في الفرقة؟ عشرين ناقص خمسة يساوي خمسة عشر، وما زال أمامنا عدد كبير! يجب أن نكمل العدد بسرعة كي نذهب إلى مركز التسجيل ونصبح فرقة مرتزقة كبرى…”
لكن كلماتها لم تكتمل؛ إذ نهض فجأة أحد وحوش الريكلوبس المطروح أرضًا.
أبرز الوحش أنيابه، أمال رأسه، ثم اندفع نحو أصغر هدف أمامه.
تبادل أعضاء أغابيرت نظرات مذهولة.
ريو بدوره قفز واقفًا بشكل غريزي.
مدّ يده نحو الطفلة على عجل، لكنه لم يستطع أن يعترض طريق الريكلوبس المندفع.
“اهربي—!”
صرخ ريو مذعورًا، وفي تلك اللحظة:
“ها قد حدث مجددًا، لأنكم تماطلون وتضيعون الوقت.”
زفرت الطفلة بعمق، وفي عينيها ومضة غريبة.
فرررش—
بدأ شيء ما يندفع بسرعة من باطن الأرض الرطبة بندى الليل.
بقي ريو مشدوهًا، فمه نصف مفتوح.
الذي خرج من تحت التربة لم يكن سوى هياكل عظمية بيضاء خالية من اللحم.
التعليقات لهذا الفصل " 1"