عانقت رايلي الثعلب بحضنها دون تفكير.
شعرت بدفء يتسلّل إلى صدرها من مزيج الفراء الناعم ودرجة الحرارة الدافئة.
‘صغير… لطيف…’
تمتمت رايلي بهذه الانطباعات في سرّها، وهي مشاعر كانت ستُغضب سيرجو لو علم بها.
لم تربّ حيواناتٍ من قبل، فكانت هذه التجربة الأولى التي تحتضن فيها كائنًا صغيرًا هكذا.
ثمين ومحبّب…
وشعرت بغريزة الحماية تتأجّج بداخلها، وكأن عليها حماية هذا الكائن.
بالرغم من أنّها تعلم بعقلها أنّ هذا الثعلب هو من قبيلة السوين، وأقوى منها بما لا يُقارن، إلا أنّها شعرت بذلك.
‘رائحته طيّبة…’
كانت رائحة الثعلب مزيجًا من عبق الشمس كالبطانية المجفّفة حديثًا وعطر الخشب.
شعرت برغبة في احتضانه وأخذ غفوة، فقد كان شعورًا مريحًا للغاية.
بالطبع، الطرف الآخر ليس حيوانًا حقًا، بل كان زوجها.
حرصت رايلي على خطواتها خشية أن تسقط الثعلب الصغير عن طريق الخطأ.
“كيينغ…”
كان سيرجو يشعر بالحرج أيضًا.
لم يستطع الاسترخاء وكان متصلبًا بعض الشيء.
على الرغم من أنّه قفز إلى حضن رايلي دون وعي، إلا أنّه لم يفهم سبب فعله ذلك.
عندما رأى رايلي تُمسك به لكنّها تتردّد خوفًا من أن يعضّها، شعر بالفراغ والعاطفة، فتحرّك بدافعٍ مفاجئ.
كانت ردّة فعلها طبيعيّة تجاه حيوان، لكنّه شعر بالحيرة من نفسه لتصرّفه كما لو كان حيوانًا بالفعل.
“هل تشعر بعدم الراحة؟ آمم، هل هكذا أفضل؟”
قالت رايلي وهي تُعدّل من وضعيّة الثعلب بحنان.
فوجئ سيرجو وهو يدفن أنفه في عنقها دون قصد.
كانت رائحة رايلي أحلى وأعطر من الحلوى المصنوعة من الزهور.
كان يكره طباعه التي تجعله يتحوّل إلى حيوان دون سابق إنذار.
ليس فقط بسبب صعوبة الحركة أو التواصل، بل لأنّ حواسه الحادّة تجعل كلّ شيء يُشعره بالألم.
يقال إنّه مع تقدّم العمر سيتمكّن من التحكّم بحواسه، لكنّ هذه الفكرة لم تكن مواسية.
لماذا وُلد هكذا؟ حتّى هو نفسه يشعر بالضيق من كونه سوينًا،
فهل كانت والدته مختلفة؟ لهذا خانت والده وخانته.
لكنّ تلك الرائحة الآسرة جعلته ينسى تلك المشاعر السلبيّة الخانقة للحظة.
لم يكن أيّ عطرٍ آخر، مهما كان رائعًا، سوى عذابٍ عندما يكون في هيئة الثعلب، لكن هذه المرّة…
“هل أنت بخير الآن؟ هيهي، إذًا هيّا بنا!”
لأوّل مرّة منذ ولادته، لم يشعر بحواسه الحادّة كألم.
رائحة الفتاة الصغيرة الحلوة، وملمس ذراعيها الناعم، وصوتها الهامس، كلّها كانت واضحة وحيّة… ولم تكن سيّئة على الإطلاق.
توجّهت رايلي إلى البيت الزجاجي، مكان الموعد.
كان البيت الزجاجي، المُنشأ بعيدًا عن الحديقة المركزيّة، يضمّ شلّالًا اصطناعيًّا يُبرز عظمته.
مرّت به عابرةً عندما كانت تتعرّف على أرجاء القصر، لكنّها عندما دخلته شعرت بالإبهار من جماله.
“إذا توجّهتِ إلى الداخل، ستجدين الآنسة فانيل ويلو منتظرة، سيّدتي الصغيرة.”
“حسنًا، فهمت!”
تبعت رايلي إرشادات الخادمة، وعدّلت من وضعيّة كامانغ في حضنها، ثم بدأت تمشي في الطريق داخل البيت الزجاجي.
‘إذا كانت تشبه يوان، فلا بدّ أنّها فاتنة الجمال!’
بما أنّ يوان، أخوها، شابّ وسيم بملامح أنيقة ومثقّفة، فمن المحتمل أن تكون أخته فتاة مريضة ذات جمال رقيق.
‘عليّ أن أكون حذرة حتّى لا تُرهق نفسها وهي تُجاملني!’
مع هذه الأفكار، خطت رايلي خطواتها.
عندما التفتت عند زاوية شجيرة وردٍ كبيرة، رأت طاولة مُعدّة بعناية، تحمل إبريق شاي وصوانٍ ثلاثيّة مليئة بالحلوى.
وأمام الطاولة، كانت تجلس امرأة يُفترض أنّها فانيل، أخت يوان.
لاحظت فانيل وجود رايلي على الفور، فقامت من مقعدها وألقت التحيّة بأدب.
“مرحبًا، سيّدتي الصغيرة. أنا فانيل ويلو.”
‘…ماذا؟’
تجمّدت رايلي وهي تنظر إلى فانيل.
كانت مختلفة تمامًا عمّا تخيّلته.
صحيح أنّها تشبه يوان إلى حدّ ما وجميلة، لكنّ بقيّة ملامحها كانت خارج توقّعاتها.
بشرتها سمراء طبيعيّة بفعل الشمس.
أكتافها عريضة وقويّة، وذراعاها مزيّنتان بعضلات بارزة.
كانت تبدو شامخة لدرجة أنّ الفستان الذي ترتديه يبدو غريبًا عليها.
“مرحبًا… أنا رايلي إليستاين.”
“سمعت الكثير عنكِ من أخي. أتمنّى أن نتفقَ جيّدًا.”
بينما كانت فانيل تُحيّيها بأدب، لم تستطع إبعاد عينيها عن الثعلب في حضن رايلي، بنظرة غريبة.
“آه! هذا ثعلب يزور عائلة الدوق أحيانًا، ويبدو أنّه لا يحبّ الانفصال عنّي…”
“كانغ!”
نبح كامانغ وكأنّه ينفي كلامها.
أصبح تعبير فانيل أكثر غموضًا.
‘ربّما تعرف فانيل… سرّ عائلة الدوق.’
في إليستاين، يخدم الأتباع المخلصون عائلة الدوق عبر الأجيال، ومن المؤكّد أنّ فانيل، من نفس عائلة يوان، ليست استثناءً.
بما أنّ السيد الصغير المُختفي ظهر في حضن السيّدة الصغيرة، فمن الطبيعي أن تتردّد في ردّة فعلها.
“آمم… نعم، ثعلب رائع جدًا. يبدو أنّه يتبع السيّدة الصغيرة، وهذا جيّد.”
“هل أتركه يذهب إذا كان يُزعجك؟”
“لا! بالطبع لا! كيف لي أن أقول ذلك!”
ربّما خوفًا من أن يُساء فهمها وكأنّها طردت السيد الصغير، لوّحت فانيل بيديها بنزعة نافية.
ألقى كامانغ نظرة خاطفة على فانيل، ثم تحرّك قليلًا.
عندما أرخَت رايلي ذراعيها، قفز إلى الأرض بسرعة.
“كونغ.”
نبح الثعلب الصغير نحو فانيل، ثم اختفى بين الأشجار بهدوء.
كأنّه يحذّرها من أنّ أيّ خطأ تجاه زوجته سيُحاسب عليه.
تنفّست فانيل الصعداء وهي تتصبّب عرقًا باردًا.
“يبدو أنّه شعر بالضيق من أحتضاني له.”
“…نعم، على ما يبدو.”
بدت فانيل أكثر استرخاءً بعد اختفاء سيرجو، فابتسمت بخفّة.
“يسعدني جدًا لقاؤكِ، سيّدتي الصغيرة. على عكس أخي، لستُ تابعةً في عائلة الدوق، لذا لم أفكّر في تقديم التحيّة مبكرًا. أشكركِ على دعوتي، إنّه شرف لي.”
“أنا أيضًا سعيدة بلقائكِ!”
كما توقّعت من مظهرها، كان أسلوب حديثها يحمل طابعًا عسكريًّا.
لكن لا يعني أنّ المرض في الطفولة يجعل الشخص بالضرورة ضعيفًا أو رقيقًا.
ندمت رايلي على تحيّزها، ثم فتحت فمها لتتحدّث.
“إذًا، هل تعملين كفارسة خارج عائلة الدوق؟ أم أنّكِ مرتزقة مثلًا…؟”
أجابت فانيل بينما تضحك:
“آه، لأنّني لا أشبه أخي كثيرًا، فكّرتِ هكذا، صحيح؟ مظهرنا مختلف تمامًا، أليس كذلك؟”
“لا! أنتِ تشبهين يوان! لكنّكِ تبدين مدرّبة جيّدًا.”
على عكس يوان، الذي يبدو كموظّف إداري نمطي، كانت فانيل تُشعّ بهالة محارب قوي.
“آمم… لا أعمل في أيّ شيء.”
“ماذا؟”
“يُطلق عليّ عادةً ‘عاطلة’ هكذا. أحرس المنزل بإخلاص. أو، إذا أردنا التجميل، يمكننا القول إنّني أتدرّب لأكون عروسًا.”
“…….”
نظرت رايلي إلى فانيل مذهولة، ثم صرخت.
“ماذا…! هذا… أليس ذلك مضيعة كبيرة؟”
“مضيعة؟”
“نعم! من الصعب على النساء بناء عضلات بطبيعتهنّ. أن تكوني مدرّبة بهذا الشكل الرائع يعني أنّ لديكِ موهبة كبيرة…”
ابتسمت فانيل بهدوء لتقييم السيّدة الصغيرة الصادق.
“حسنًا… والداي كانا من أسياد السيف، لذا ربّما لديّ موهبة بالفعل. لقد أيقظتُ الهالة أيضًا.”
أدركت رايلي لماذا استطاع يوان، الذي بدا كموظف مكتبي فقط، أن يتحوّل إلى مخبر بارع في القصّة الأصليّة.
لقد وُلد من سلالة موهوبة!
“لكن… أنا راضية بمجرّد التمرين لإرضاء نفسي. ليس لديّ نيّة لأكون فارسة.”
“…لماذا؟”
التعليقات لهذا الفصل "21"