ما إن أدركت رايلي ذلك، حتّى شعرت بالارتباك.
‘هل سيرجو غاضب لأنّني أخفيتُ شيئًا؟’
لكنّها لم تتعمّد إخفاء ذكر أداة الخضوع عن قصد.
لم تجد قيمة في الحديث عن أمر لا يُعتبر هامًا بالنسبة لعائلة الدوق.
صحيح أنّها استدرجت مارغريت عمدًا لاستخدام أداة الخضوع، وذلك لضمان معاقبتها بشدّة.
فالقبض عليها بتهمة التلاعب بعائلة الدوق قد يُخفّف عقوبتها، إذ يمكنها الادّعاء أنّها نفّذت أوامر شخص آخر فحسب.
لكن إيذاء زوجة الدوق الصغير مباشرةً جريمة أكبر بكثير.
حتّى لو لم تصل إلى الإعدام، فإنّ عقوبة السجن لعقود مؤكّدة.
لكن هذا لم يكن سوى فرع من خطّتها للانتقام الشخصي، ولا علاقة له بعائلة الدوق.
بفضل ثرثرة مارغريت، التي اعتقدت أنّ رايلي خاضعة تمامًا، علمت رايلي أنّها الهدف الوحيد للأداة.
ما لم تُهدّد الأداة أفراد عائلة الدوق، فإنّ ألمها الشخصي لم يكن مشكلة كبيرة بنظرها.
فتحت فمها بحذر:
“إذا كنتَ غاضبًا لأنّني أخفيتُ الحقيقة، فأنا آسفة. لكنّني لم أتجنّب الحديث عنها عمدًا… فقط شعرتُ أنّها ليست مسألة مهمّة، فلم أذكرها.”
“ليست مهمّة؟”
“نعم.”
شرحت رايلي بهدوء ما فكّرت به لزوجها.
لكن تعبير سيرجو لم يلن.
بل بدا الجوّ يزداد برودة.
أضافت مرتبكة:
“لم يكن الأمر يُسبّب ضررًا لعائلة الدوق، لذا اعتقدتُ أنّه لا يهم.”
“إنّه يُسبّب ضررًا لعائلة الدوق…”
“……؟”
لم تستطع رايلي تخيّل أيّ ضرر قد ينجم عن استخدام مارغريت لأداة الخضوع عليها، فمالت رأسها متعجّبة.
نظر سيرجو إليها مباشرة من خلف نظارته، وقال بحزم:
“يبدو أنّكِ نسيتِ، يا رايلي، أنّكِ أنتِ أيضًا جزء من عائلة الدوق.”
“……!”
“إذا كنتِ تتألمين وتعانين، فكيف لا يكون ذلك ضررًا لعائلة الدوق؟”
لم تفكّر بهذا المنظور من قبل، فتسمّرت رايلي صامتة.
كانت ترى أنّ ألمها الشخصي أمر تافه.
بل إنّها اعتقدت أنّه مفيد لأنّه يزيد من عقوبة مارغريت دون إلحاق ضرر بعائلة الدوق.
“لو علمتُ بهذا… لما وافقتُ على خطتكِ أبدًا.”
“سيرجو…”
“لذا، من الآن فصاعدًا، لا تتحدّثي وكأنّ ألمكِ ليس خسارة أو أمرًا هيّنًا…”
“……”
“الناس ينهارون عندما يخفون معاناتهم بهذه الطريقة…”
تحدّث سيرجو بصوت ضعيف وحزين.
في تلك اللحظة، شعرت رايلي بثقل في قلبها أكبر ممّا شعرت به عندما بدا غاضبًا.
لقد لمحت ظلّ زوجة الدوق السابقة، التي فارقت الحياة، في كلماته العميقة.
لم تعرف التفاصيل، لكن ربّما يرى سيرجو أنّ زوجة الدوق السابقة ‘لم تُظهر معاناتها، فخانت وماتت’.
لذا، كان تصرّف رايلي كافيًا لجرحه.
“أنا آسفة. لن أخفي ألمي أو معاناتي بعد الآن.”
“نعم… أرجو أن تفعلي…”
كما يُقال إنّ الأب وابنه يتشابهان، يبدو أنّ سيرجو، مثل والتر، يملك جانبًا رقيق القلب.
قد يكون انطوائيًا وغير اجتماعي، لكنّه لذلك يعامل من يرتبط بهم بعناية فائقة.
كانت هذه الرعاية أكثر ممّا تستحقّه رايلي، التي لا تفكّر إلّا في سلامتها الأنانيّة.
شعرت رايلي بوخز في قلبها.
‘حتّى لو اضطررتُ للمغادرة يومًا ما…’
قرّرت أن تُعامله جيّدًا حتّى لا يلوم نفسه أبدًا.
تعهدت بحماية زوجها الطيّب الرقيق من الجرح، فأخذت تهدّئ سيرجو مجدّدًا.
***
خرج سيرجو من غرفة رايلي، ودخل مكتب والتر عبر النافذة.
عبس والتر عند رؤية الزائر المفاجئ:
“أين تركتَ الباب؟”
“لا تعلّق على أمور تافهة.”
“هه… حسنًا. كيف حال زوجتك؟”
“أخبرتها أن ترتاح في غرفتها حتّى تنتهي الإجراءات. لا داعي لتعريضها لمشاهد قاسية.”
“همم.”
على الرغم من الهدوء الظاهري للمكتب وقصر الدوق، كان الداخل كالجحيم.
لم يقتصر الأمر على القبض على مارغريت، بل كانوا ينظّفون القصر من أيّ ‘فئران’ محتملة.
كما تتبّعوا وجهة أداة الاتصال السحريّة لضرب الجهة الداعمة لها فورًا.
كانت النتيجة مبهرة، تعود بالنفع الكامل على عائلة الدوق.
والمذهل أنّ صانعة هذا النجاح هي العروس الشابة التي وصلت للتو.
“تلك الفتاة… ذكيّة جدًا.”
لم يردّ سيرجو، لكنّه وافق على الرأي بصمت.
تذكّر حواره مع رايلي أثناء وضع الخطّة:
– “أعتقد أنّ المربّية لا تعمل فقط بأوامر والدي.”
– “إذن؟”
– “ربّما تلقّت تعليمات مباشرة من الجهة الداعمة لوالدي، وتمّ زرعها في عائلتنا.”
استنتجت رايلي ذلك بناءً على شعورها بالغرابة أثناء تعاملها مع المربّية.
كما دعمت الأدوات السحريّة التي تملكها مارغريت هذا الاستنتاج.
لم يكن لوالد رايلي، وهو مجرّد فيكونت، القدرة على تزويد مربّية بأداة اتصال سحريّة للطوارئ.
– “يمكننا استخدام ذلك لنصب فخ. يجب أن نلتقط اللحظة التي تستخدم فيها مارغريت أداة الاتصال للتواصل مع داعميها.”
توقّعت رايلي بدقّة أنّ غرفة نومها، التي تبدو سهلة السيطرة عليها بالنسبة لمارغريت، ستكون المكان المختار لاستخدام الأداة.
على الرغم من ذكاء سيرجو الخارق لعمره، فإنّه يعتمد على حدس مميّز لعرقه.
لكن رايلي، وهي إنسانة عاديّة وصغيرة السن، بدت أكثر إثارة للإعجاب ببصيرتها العميقة.
“أنا معجب بها جدًا.”
“……”
“كنتُ أفكّر في إطلاق سراحها في الوقت المناسب… لكن الآن، لن أفعل.”
برقت عينا والتر بحدّة، متأثّرة بغريزته الوحشيّة.
“إذا أردتَ طردها بدافع الغيرة، أخبرني مبكرًا. يمكنني إلغاء الزواج سريعًا وتدريبها لتكون من أتباعي. أظنّها ستصبح موهبة تفوق يوان.”
“ليس الأمر كذلك…”
تمتم سيرجو كما لو كان يتحدّث بلا مبالاة:
“ليس لديّ نية لطردها أيضًا.”
“هوه.”
رفع والتر زاوية فمه بابتسامة خفيفة.
“يبدو أنّكَ أنتَ أيضًا بدأتَ تشعر بالتعلّق بها.”
“ليس هذا بالضرورة. هي فقط لا تزعجني كما توقّعت، هذا كلّ شيء.”
“……”
“أنا لا أثق بكَ. إذا طردتُها، قد تنقض وعدكَ وتفرض عليّ امرأة جديدة. لذا، أفضّل أن تظلّ هي الزوجة المؤقّتة، لأنّها على الأقل لا تُزعجني.”
ضحك والتر ساخرًا على ردّ ابنه.
إذا كان هذا الفتى القاسي، الذي لا يسمح لعشبة أن تنمو حوله، يُظهر مثل هذا الرد، فالأمر واضح.
“على أيّ حال، يا أبي.”
“همم؟”
“أرسل معالجًا سحريًا إليها. من الأفضل فحص جسدها.”
“ما الذي تقصده؟”
أخبره سيرجو باختصار عمّا رآه أثناء اختبائه بجانب رايلي.
تصلّب وجه والتر عند سماعه أنّ مارغريت استخدمت أداة سحريّة لتعذيب رايلي.
قال إنّه سيتّخذ إجراءً فوريًا، وغادر المكتب على الفور.
على الأرجح، سيزداد تعذيب مارغريت قسوة.
‘لن تخرج من قصر الدوق بعقل سليم أبدًا.’
شعر سيرجو بانفراج طفيف في مزاجه، وتذكّر رايلي.
كيف استطاعت المضي في خطّة انتقامها دون اكتراث بألمها الشخصي.
كيف كانت قويّة، رغم خضوعها من الإساءات، وكيف أخفت تلك القوّة.
ومع ذلك، عندما تظاهر زوجها بالضعف، هدّأته كما لو كان عليها حمايته.
كانت شخصيّة غنيّة بالتناقضات.
‘إنّها تُخدَع بسهولة من والدي… وتبدو ضعيفة أمام من يبدون طيّبين ومساكين.’
لم ينتبه سيرجو أنّه لم يفكّر في شخص آخر بهذا العمق من قبل، وغادر المكتب.
***
في صباح اليوم التالي، ما إن رأت رايلي والد زوجها، حتّى تحدّثت بجديّة:
“أبي…”
“ما الأمر؟”
“قد يكون طلبًا صعبًا… لكن هل يمكنني قول شيء؟”
“قولي ما تشائين.”
ابتلعت ريقها وتابعت:
“أرجوك، لا تعفُ عن مارغريت. أعلم أنّكَ كريم وقد ترغب في التسامح، لكن هذا لن يكون قدوة…”
“……”
“……”
تبادل أفراد عائلة إليستاين نظرات دقيقة في الوقت ذاته.
التعليقات لهذا الفصل "18"