“هل نمتم جيّدًا جميعًا؟ هيا اجلسوا.”
عند دخول قاعة الإفطار، رحّب والتر، الذي وصل أوّلًا، بابنه وزوجة ابنه بابتسامةٍ مشرقة.
أثناء تقديم التّحيّة، توقّفت رايلي للحظة وهي تنظر إلى والتر.
“ما الأمر، صغيرتي؟”
“آمم… ربطة عنقكَ مقلوبة، أبي.”
“أوه، آه!”
نظر والتر إلى ملابسه بعجلةٍ وإرتباك.
“شعرتُ بضيقٍ قبل قليل، ففككتُها دون تفكير وأعدتُ أربطها بعشوائيّة…”
حاول فكّ الرّبطة وإعادة ربطها، لكن بدلًا من تحسّن الوضع، بدأ نسيج الحرير يتشابك بطريقةٍ أغرب.
لم تستطع رايلي تحمّل المشهد، فتحدّثت:
“هل أدعو أحد الخدم؟”
“آمم؟ لمثل هذا الأمر؟”
“إذًا، هل أفعلها أنا؟”
“حقًّا؟ ألن يُزعجكِ ذلك، صغيرتي؟”
كيف يمكن لزوجة ابنٍ أن تقول إنّه مزعجٌ عندما يسألها والد زوجها بعيونٍ لطيفةٍ كهذه؟ على أيّ حال، لم يكن الأمر مزعجًا بالنّسبة لها.
“مزعج؟ أبدًا.”
“……إذًا، هل يمكنني طلب ذلك؟”
“نعم!”
رتبّت رايلي الرّبطة بعنايةٍ لتتناسب مع ملابسه.
كان وجه والتر، وهو ينظر إلى زوجة ابنه، مملوءًا بابتسامةٍ ذائبة.
كانت عينا سيرجو، الذي يراقب المشهد، تتجاوزان نظرة السمكة الميتة إلى ما يقارب الازدراء، لكنّ والتر لم يبالِ.
“انتهيت، أبي!”
“أعتذر لأنّني، كوالدٍ غير منظّم، جعلتكِ تتكبّدين عناءً… لكنّني سعيدٌ أيضًا. من كان يظنّ أنّ زوجة ابني بارعةٌ إلى هذا الحدّ!”
“هذا ليس بالأمر الكبير…”
“قارنيه بما فعلته أنا. إنّه مميّزٌ حقًّا.”
ضحكت رايلي على مديح والتر المبالغ فيه.
كانت محاطةً دائمًا بأشخاصٍ يحطّون من قيمتها، لذا كان ردّ فعل والد زوجها، الذي يمدحها على أمرٍ بسيط، يُشعرها بالحرج والانتعاش في آنٍ واحد.
“حسنًا، لنأكل الآن. أبعدتُ الخدم عمدًا اليوم… لذا يمكننا التّحدّث بحريّة.”
“نعم، أبي.”
لاحظت رايلي أنّ قائمة الطّعام لا تتطلّب وجود الخدم باستمرار.
يبدو أنّ والتر خطّط لذلك عمدًا لإجراء محادثةٍ سريّة.
لكنّه لم يفتح الموضوع مباشرةً، بل بدا مهتمًّا فقط بجعل زوجة ابنه تأكل براحة.
بفضل ذلك، تمكّنت رايلي من ترتيب أفكارها بهدوء.
بعد انتهاء الوجبة، سألها والتر بهدوء:
“……هل قراركِ الذي اتّخذتِه أمس لا يزال ثابتًا؟”
“نعم. ولن يتغيّر في المستقبل أيضًا.”
أعلنت رايلي بنظرةٍ صلبةٍ وثابتة.
لم تكن لتفوّت هذه الفرصة الذّهبيّة.
إن لم تقطع صلتها بعائلتها الآن، فمن يدري ما الذي قد تخطّط له عائلتها الأصليّة وداعمهم.
“كما توقّعت…”
جمع والتر يديه وأطرق بعينيه، ثمّ التفت ببطءٍ نحو ابنه.
“بالمناسبة، سيرجو، أنتَ لا تعرف عمّا نتحدّث، أليس كذلك؟ إن لم يكن لديكَ مانع، يمكنني أن أشرح…”
“لا، أبي.”
قاطع سيرجو كلام والده، الذي كان يتحدّث بلطفٍ كأنّه يمنحه معروفًا.
“لقد سمعتُ كلّ التّفاصيل بالفعل. من السيدة رايلي.”
“……سمعتَ؟ متى؟”
“اللّيلة الماضية.”
“هه…”
نظر والتر إلى ابنه بدهشةٍ.
أضافت رايلي، خوفًا من سوء التّفاهم، للدّفاع عن سيرجو:
“آه، لم يزرني السيد سيرجو في وقتٍ متأخّر! في الحقيقة، لم أستطع النّوم اللّيلة الماضية، فذهبتُ للتنزّه في الحديقة. وهناك التقيتُ سيرجو بالصّدفة.”
“في الحديقة…”
“نعم. شعرتُ أنّه من الأفضل أن يعرف، فأخبرته بما تحدّثنا عنه. هل كنتُ متسرّعة؟”
نفى والتر ذلك بسرعةٍ حتّى لا تشعر رايلي بالتّردّد:
“لا، لقد أحسنتِ. لقد وفّرتِ عليّ عناء الشّرح، وهذا أمرٌ جيّد.”
“نعم…”
“يا له من فتى… عندما قال إنّه سيتناول الإفطار معنا دون دعوتي، تساءلتُ ما الّذي حدث…”
ضحك والتر ساخرًا وهو ينظر إلى ابنه، لكن سيرجو تحدّث دون أن يلتفت إلى والده:
“أنا أؤيّد السيدة رايلي، أبي.”
“هل تدرك أنّ هذا قد يُعرّض زوجتكَ للخطر؟ يمكننا حلّ الأمر بأنفسنا.”
“هذا قرارٌ أحاديّ منكَ يضع الشّخص المعني، السيدة رايلي، في الخلفيّة…”
كان نبرته هادئة، لكنّها تحمل شوكًا حادًّا.
“وكما قالت السيدة رايلي، هذه الطّريقة ستُقلّل الخسائر في النّهاية.”
“نعم! لن أُسبّب أيّ ضررٍ لـ إليستاين. أنا قادرةٌ على فعل ذلك جيّدًا! من فضلكَ، ثق بي، أبي.”
“……”
لم يستطع والتر إخفاء قلقه، لكن يبدو أنّ عزيمة رايلي القويّة قد وصلته.
بعد تفكيرٍ عميق، تحدّث بثقل:
“حسنًا. إن كان هذا قراركِ، فلن أعترض بعد الآن. لكن، أريد اتّخاذ بعض التّدابير لضمان سلامتكِ. هل تتفهّمين ذلك؟”
“بالطّبع. هل ستستمع إلى خطّتي الآن؟”
“تحدّثي براحتكِ.”
“أوّلًا…”
بدأت رايلي تتحدّث بثباتٍ لا يتزعزع.
***
بعد الظّهر.
عادت مارغريت لزيارة رايلي.
على الرّغم من خطأها في الصباح بسبب حالتها السيّئة، إلّا أنّ ذلك لم يكن ليؤثّر على خطّتها.
الأهمّ الآن هو التحكّم في رايلي جيّدًا لإتمام العمل دون إثارة الشّكوك.
بعد التّأكّد من إبعاد النّاس وخلوّ المكان من الآذان، سلّمت مارغريت الأداة السّحريّة إلى رايلي.
من الخارج، لم تبدُ كأداةٍ سحريّة، بل كصندوقٍ عاديّ بحجم علبة خاتم.
“هذه هي الأداة السّحريّة…؟”
“مذهل، أليس كذلك؟ تقنيّة الأدوات السّحريّة تطوّرت، فتبدو كأشياء عاديّة من الخارج. من الصّعب اكتشافها أيضًا.”
عند فتح الصّندوق، تظهر دائرة المانا مباشرةً، لكن من النّظرة الأولى، لا يمكن تخمين أنّها أداةٌ سحريّة.
“ابحثي عن عذرٍ لدخول مكتب الدّوق. تتذكّرين الطّريقة، أليس كذلك؟”
“آمم، نعم! سأحاول جاهدة…”
كانت خطّة مارغريت كالتّالي:
ربط الأداة حول كاحل رايلي ودخول مكتب الدّوق.
ثمّ، باستخدام قدمها، إدخال الأداة في الفجوة الصّغيرة بين الأريكة والأرض.
بارتداء فستانٍ طويلٍ عصريّ يغطّي السّاقين، لن يلاحظ الدّوق حركتها.
“ومع ذلك، قد تبدو الحركة غريبة، لذا عليكِ التّدرّب. آه… أتمنّى أن تتمكّني من فعلها، أيتها الفتاة البليدة.”
“آسفة…”
“لا بأس. سنتدرّب حتّى تنجحين. لا تريدين الشعور بالألم مجدّدًا، أليس كذلك؟”
عند تلميحها إلى أداة الخضوع، أطرقت رايلي رأسها خائفةً وأومأت.
شعرت مارغريت بالرّضا عن طاعتها.
تقدّم كلّ شيء بسلاسةٍ بعد ذلك.
من خلال التّدريب مع مارغريت، أتقنت رايلي الحركة بسرعةٍ وبشكلٍ طبيعيّ.
من الخارج، كان من المستحيل ملاحظة ما تفعله قدماها وهي جالسةٌ على الأريكة.
بعد فترةٍ وجيزة، دخلت رايلي مكتب الدّوق بحجّة مناقشة أمرٍ معه، ووضعت الأداة دون أيّ مشكلة.
‘صراحةً، خشيتُ أن تُكتشف هذه الفتاة الغبيّة، لكن يبدو أنّها لم تكن بهذا السّوء.’
كلّ شيء سار حسب الخطّة حتّى الآن.
الأمر المهمّ الآن هو متى ستحصل على ‘معلوماتٍ مفيدة’.
في تلك اللّيلة، فتحت مارغريت الأداة السّحريّة المرتبطة بتلك الموجودة في مكتب الدّوق.
كانت المحادثات التي جرت في المكتب تُنقل إلى هذه الأداة لتُسجّل.
لبعض الوقت، لم تكن هناك معلوماتٍ قيّمة، مجرّد أخبارٍ تافهةٍ عن إقليم إليستاين.
لكن مارغريت سجّلت كلّ شيء بعناية، فقد تُستخدم لاحقًا.
لكن، بعد بضع ليالٍ، سمعت محادثةً جعلت عينيها تلمعان.
[ما حجم الميزانيّة التي تفكّر في تخصيصها لمزاد منجم الياقوت هذا العام، سيدي الدّوق؟]
[بسبب ضعف المحصول العام الماضي، سيكون من الصّعب تخصيص ميزانيّةٍ كبيرة. المبلغ الذي أفكّر فيه هو…]
كانت هذه بالضّبط المعلومات التي كانت تنتظرها.
التعليقات لهذا الفصل "16"