بعد مغادرة الدّوق، لم تستطع رايلي النّوم لفترةٍ طويلة.

 

ليس لأنّها متردّدةٌ بشأن ما إذا كانت ستواصل هذا الأمر، فقد عزمت أمرها بالفعل.

 

بل كان ذلك بسبب خليطٍ من الرّاحة لأنّ والتر أدرك معاناتها، وتفكيرها في كيفيّة خداع مارغريت بذكاءٍ في المستقبل، وأفكارٍ معقّدةٍ أخرى…

 

كلّ هذه المشاعر تدفّقت كالدوّامة، مطيحةً بأيّ رغبةٍ في النّوم.  

 

في النّهاية، تخلّت عن محاولة إجبار نفسها على النّوم ونهضت من السّرير.

 

فكّرت في الخروج إلى الشّرفة لتتنفّس بعض الهواء وتُغيّر مزاجها.  

 

‘مسكن مارغريت بعيدٌ عن هنا… لكن مجرّد وجودها بالقرب ربّما يُسبّب لي هذا القلق.’  

 

يجب أن تُرضي مارغريت بسرعةٍ لتطمئن، وتتلقّى الأداة السّحريّة، وتحصل على شهادةٍ حاسمة.

 

كانت مستعدّةً لفعل أيّ شيءٍ من أجل ذلك.  

 

بينما كانت تعزّز عزمها وتسير عبر الشّرفة نحو الحديقة، سمعت صوتًا غير متوقّع.

 

“……السيدة رايلي؟ إلى أين تذهبين في مثل هذا اللّيل…؟”

 

“أوه…؟”  

 

التفتت نحو مصدر الصّوت الشّاب، فرأت ظلًّا صغيرًا بين أشجار مضاءة بضوء القمر.

 

على الرّغم من أنّه يبدو أنّه يرتدي رداءً يغطّي رأسه، إلّا أنّ الصّوت كان بلا شكّ لزوجها، سيرجو.  

 

“السيد سيرجو؟”

 

“نعم، آه، من فضلكِ، لا تقتربي من هنا! أنا… بمظهرٍ غير لائق…”

  

تراجع أكثر نحو الظّلام، كأنّه يحتاط به.

 

بفضل معرفتها بالقصّة الأصليّة، خمّنت رايلي الوضع على الفور.  

 

‘على الأرجح، أذناه أو ذيله الثّعلبيّان ظاهران.’

 

خاصّةً أنّ السوين الصّغار غالبًا لا يستطيعون التحكّم في المانا، فيتحوّلون إلى شكلٍ وسطيّ بين الحيوان والبشر. 

 

لذلك، يبدو أنّه يغطّي جسده بالرّداء قدر الإمكان.  

 

“نعم، حسنًا. لن أقترب.”

 

“……شكرًا. لكن… لم تجيبي على سؤالي…”

 

“أوه…”  

 

حينها فقط تذكّرت رايلي أنّه سألها إلى أين تذهب في مثل هذا اللّيل.

 

“لا أذهب إلى مكانٍ معيّن، لم أستطع النّوم، فخرجتُ لأتمشّى قليلًا.”

 

“هذا مطمئن…”

 

“مطمئن؟”

 

“أقصد… كنتُ قلقًا أن تكون تلك المربّية قد استدعتكِ لتضايقكِ أو شيءٌ من هذا القبيل…”

 

“آه…”

 

“داخل قصر الدّوق آمنٌ بالطّبع… لكن من الأفضل ألّا تخرجي ليلًا، للاحتياط.”

 

“……نعم، آسفة.”

 

“آه، لا، ليس عليكِ الاعتذار… ليس هذا ما قصدتُه…”  

 

تلوّى سيرجو وهو يلوّح بذراعيه بحرج. 

 

أضحكتْ ردّة فعل زوجها رايلي قليلًا لأنّها بدت لطيفة.

 

“والسيد سيرجو، ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟ هذا المكان بعيدٌ جدًّا عن الجناح الشّرقي.”

 

“……!”  

 

ما إن سُئل، تقلّص جسده فجأةً وأطرق رأسه. 

 

حتّى مع الظّلام الذي يكشف ظلّه فقط، كانت مشاعره واضحة.

 

“ثعـ… ثعلب…”

 

“ماذا؟”

 

“أحيانًا… يأتي ثعلبٌ إلى قصر الدّوق…”  

 

لماذا يذكر هذا الآن فجأة؟

 

لم يلاحظ سيرجو ارتباك رايلي، واستمر في تقديم عذرٍ متلعثم:

 

“رأيتُ ذلك الثّعلب يتّجه إلى هنا، فخشيتُ أن يُسبّب مشكلة… فتبعتُه.”

 

“……حسنًا. يبدو ثعلبًا ذكيًّا، لا أظنّه سيُسبّب مشكلة.”

 

“……”  

 

نظرت رايلي إلى زوجها المتردّد وغرقت في التّفكير للحظة.

 

بالطّبع، قصّة مطاردة الثّعلب مجرّد ذريعة.

 

فما الّذي قد يدفع شخصًا في حالة تحوّلٍ غير مستقرّة إلى القدوم بالقرب من مسكن زوجته؟  

 

في تلك اللّحظة، كأنّه يجيب على تساؤلها، فتح سيرجو فمه:

 

“على أيّ حال… السيدة رايلي.”

 

“نعم.”

 

“هل… حدثَ شيءٌ سيء…؟”  

 

كان صوته مملوءًا بالقلق.

 

تذكّرت رايلي أنّه قال شيئًا مشابهًا قبل قليل:  

 

–” أقصد… كنتُ قلقًا أن تكون تلك المربّية قد استدعتكِ لتضايقكِ أو شيءٌ من هذا القبيل…”

 

‘هل كان يراقب المنطقة… لأنّه قلقٌ عليّ؟’  

 

ربّما أخبره والده بما رآه من موقفها مع المربّية وهو في هيئة ثعلب.

 

ربّما كان يحرس المنطقة بدافع القلق. 

 

شعرت بامتنانٍ جعل صدرها يضيق، فلم تستطع الرّد. 

 

أضاف سيرجو بسرعة:

 

“إن لم يحدث شيء، فلا بأس. سأذهب الآن…”  

 

كأنّه استنفد كلّ طاقته الاجتماعيّة، تراجع متردّدًا.

 

أوقفته رايلي بسرعة:

 

“آه، انتظر…!”

 

“……؟”  

 

على الرّغم من أنّه زوجها، إلّا أنّهما التقيا للتوّ.

 

ستغادر هذه العائلة يومًا ما، فهي مجرّد علاقةٍ عابرة.

 

لكن، مهما كانت عديمة الضّمير، كانت مشاعر الامتنان ورغبتها في تقدير هذه العلاقة في هذه اللّحظة صادقة.

 

لذا، كان من الصّواب مشاركة الوضع مع زوجها بصدق.  

 

“في الحقيقة… بينما كنتَ أنتَ وأبي غائبين، حدثَ أمرٌ كبيرٌ نوعًا ما.”

 

“……!”

 

“تحدّثتُ مع أبي بالفعل… لكن إن لم يكن ذلك مزعجًا، هل يمكنني إخباركَ أيضًا؟”

 

“بـ.. بالطّبع!”

 

“آه، لكن إن كنتَ تفضّل عدم الحديث الآن، يمكننا التّحدّث صباحًا.”

 

“لا.”  

 

أجاب سيرجو بوضوحٍ غير معتاد:

 

“إن كان أبي يعلم، فلا يمكن أن أظلّ جاهلًا. أخبريني الآن.”  

 

لم تلحظ رايلي النّبرة التنافسيّة الخفيفة في صوته، وأومأت برأسها.

 

“نعم، قد يطول الحديث قليلًا…”  

 

علمت أنّ زوجها يتجنّب إظهار نفسه عمدًا، فبدأت الحديث دون تغيير المكان.

 

أخبرته كيف أجبرتها المربّية على التّجسّس، وكيف تريد استغلال ذلك لتضمن عقابًا عادلًا لمربّيتها وعائلتها الأصليّة، وخطّتها للحصول على الأداة السّحريّة وأدلّةٍ حاسمة بنفسها…  

 

استمع سيرجو بهدوء من الظّلال دون مقاطعة.

 

بما أنّ تعابير وجهه لم تكن مرئيّة، شعرت رايلي بقلقٍ طفيف.  

 

‘……ربّما، على عكس أبي، يشعر بالنّفور؟’  

 

أن تكون عائلة زوجته التي تزوّجها للتوّ بهذا السّوء قد يكون كافيًا ليفقد تعلّقه بها.  

 

“السيدة رايلي.”

 

“نعم، نعم. إن كنتَ شعرتَ بالإهانة…”

 

“أنا أتّفق مع رأي أبي.”

 

 

“ماذا؟”  

 

فغرت رايلي عينيها بدهشةٍ لردّه غير المتوقّع.

 

“حتّى لو لم تفعلي شيئًا… سيتولّى أبي الأمر’بشكلٍ جيّد’.”

 

“……”

 

“لماذا تهتمّين بمثل تلك المربّية الدّنيئة؟ إن طردناها غدًا مباشرة…”

 

“……لا أريد أن أُسبّب ضررًا لقصر الدّوق.”

 

“لا يجب أن تعتقدي أنّه ضرر…”

 

“لا، في الحقيقة، هذا مجرّد عذر. أنا… لا أريد ترك أيّ مخاطرٍ مستقبليّة.”  

 

سُمع صوت سيرجو وهو يبتلع ريقه بدهشة.

 

كانت رايلي تعلم أنّ والد زوجها شخصٌ رقيقٌ ولطيف.

 

مثل هذا الشّخص سيتصرّف ضمن الحدود القانونيّة، ولن يتمكّن من توجيه ضربةٍ قاضيةٍ لعائلة الفيكونت.

 

لذا، أرادت نصب فخٍّ لإنهاء الأمر بشكلٍ حاسم.  

 

بعد سماع شرحها، سكت سيرجو. 

 

في الواقع، عبس عندما وصفت والتر بأنّه “رقيقٌ ولطيف”، لكن رايلي لم تكن تعلم ذلك.

 

أساءت فهم صمته، فهمست بصوتٍ خافت:

 

“هل… أنا شخصٌ غريب؟”

 

“ماذا؟”

 

“أعني، هم والداي اللّذان أنجباني، لكنّني أتصرّف ببرودٍ تجاههما…”  

 

بالطّبع، كانت عزيمتها صلبة، ولن تتغيّر.

 

لكنّها كانت قلقةً من أنّها طفلةٌ معيوبة، تفكّر في معاقبة والديها دون أدنى عاطفة.

 

خشيت أن يحتقرها زوجها أو والد زوجها بسبب ذلك.  

 

لكن…

 

ما إن سمع كلام رايلي، أجاب سيرجو بحزم:

 

“الغريب ليس أنتِ… بل والداكِ.”

 

“……!”

 

“الأبناء لا يختارون والديهم، أليس كذلك؟ إذًا، على الأقل… أليس من المنطقيّ أن يكون للأبناء الحقّ في التّخلّص من الوالدين الّذين لا يؤدّون دورهم، مثل القمامة…؟”