توقّفت مارغريت عن إلقاء تعويذتها فجأةً، وكأنّ ظهور الثّعلب الأسود المفاجئ أذهلها.
بفضل ذلك، خفّ الألم الذي كان يضغط على رأس رايلي، فعاد إليها بعض الهدوء للتّفكير.
‘هذا الثّعلب… هل هو الدّوق إليستاين؟’
ثعلب أسود بالغ يظهر في وسط قصر الدّوق؟ مهما فكّرت، لم يكن هناك سوى والد زوجها.
صَرَخت مارغريت في ذعرٍ وهي تُمسِك بزمام نفسها:
“ما هذا؟! لماذا يوجد وحشٌ كهذا في وسط قصر الدّوق…؟!”
“كرررر!”
كأنّه يغضب من وصفه بالوحش، زأر الثّعلب نحو مارغريت.
لم يكن مجرّد تهديدٍ عاديّ، بل شعرت بضغطٍ مخيفٍ ينبعث منه.
تحت وطأة هذا الزّخم، سقطت مارغريت على الأرض جالسةً.
“وحشٌ يقتحم القصر؟! ما الذي حدث للأمن…؟!”
ظلّت تتراجع إلى الخلف بحركاتٍ يائسةٍ وهي جالسة.
مع اقتراب الثّعلب منها ببطءٍ، قلّصت المسافة بينهما، فرجفت حدقتا مارغريت من الخوف.
كان فستانها قد تلوّث بالغبار وتجعّد بشدّة، وتنّورتها انقلبت، لكنّها لم تكن في حالةٍ تسمح لها بملاحظة ذلك.
كانت نصائحها المعتادة حول الحفاظ على المظهر الأنيق في أيّ ظرفٍ تبدو مضحكةً الآن.
للحظةٍ، التقت عينا رايلي بعيني الثّعلب.
في البداية، شعرت بالخوف من هيبته تجاه مارغريت، وتذكّرت وصف هيجان قبيلة السوين في القصّة الأصليّة.
لكنّها، حين رأت تلك العيون الذّهبيّة الرّقيقة، أدركت فورًا:
‘لقد تدخّل لأنّه شعر بأنّ الأجواء بيني وبين مارغريت غير طبيعيّة…’
ابتلعت رايلي مشاعرها المتدفّقة، ورفعت رأسها بثبات.
لم تكن لتضيّع الفرصة التي خلقها والد زوجها.
اقتربت من الثّعلب، ومرّرت يدها على ظهره بلطفٍ، ثمّ نظرت إلى مارغريت التي كانت ترتجف.
“يجب أن تحافظي على مظهرك، مارغريت. أتتصرّفين بمثل هذا السّوء؟ أتريدين تشويه سمعة عائلتنا في قصر الدّوق؟”
ردّت عليها بنفس الكلمات التي كانت مارغريت تُكرّرها دائمًا، فارتجفت زاوية فمها بغضب.
“ما الذي تفعلينه بلا خوف؟! إن عضّك…”
“هذا الثّعلب حيوانٌ يُرعاه قصر الدّوق بعناية. إنّه يحذر فقط من يحاول إيذاء أهل القصر.”
“……!”
“لأنّك هدّدتِني، وأنا من عائلة الدّوق، ردّ عليكِ الثّعلب بنفس الطّريقة. هل أدركتِ مدى وقاحتكِ الآن؟”
احمرّ وجه مارغريت وازرقّ من الغضب.
أدركت أنّ الثّعلب لن يؤذيها، لكنّها شعرت بإهانةٍ قاسية.
“مهما يكن، لا يمكنكِ فعل شيء!”
“……”
“سنرى! ستنتهين إلى التّوسّل لي والاعتذار!”
نهضت بسرعة، وأصلحت ثيابها المتّسخة بسرعةٍ، ثمّ هربت وكأنّها تودّ الخروج من المكان فورًا.
‘آه…’
نظرت رايلي إلى ظهرها المبتعد بمشاعر معقّدة.
لم تتحدّى مربّيتها من قبل، ولم تهزمها بالكلام أبدًا.
مارغريت، التي كانت دائمًا كالجبل الشّامخ الذي لا يُقاوم، بدت لأوّل مرّة تافهة.
“……كونغ!”
استفاقت رايلي من مشاعرها المضطربة على صوت نباحٍ جانبيّ.
“آه… أعتذر عن التّصرّف بحريّةٍ واختلاق الكلام.”
قدّمت اعتذارها للثّعلب أوّلًا.
كلّ ما قالته عن كون الثّعلب يحذر فقط من يؤذي القصر كان محض افتراء.
“كونغ، كونغ.”
نبح الثّعلب بهدوءٍ، كأنّه يقول إنّه لا يمانع.
كان يشبه ابنه في شكل الثّعلب، لكنّ صوته كان مختلفًا، فأثار ذلك فضولها.
“هل أنت من عائلة كامانغ؟ إنّكما متشابهان جدًّا.”
“كررر.”
“إذًا لستَ كلبًا، بل ثعلب.”
“غررر.”
“إن كنتَ من عائلته، أرسل تحيّاتي إلى كامانغ.”
هزّ الثّعلب ذيله، وضغط بفمه على خصر رايلي بلطف.
ربّما كان ذلك وهمًا، لكنّه بدا وكأنّه…
‘يطلب منّي مداعبته؟’
على الرّغم من إدراكها أنّه شخصٌ بالغ، شعرت بالحرج، لكنّها بدأت تمسح فراءه النّاعم بحذر.
أغمض الثّعلب الأسود عينيه، وأصدر صوتًا يعكس رضاه عن لمستها.
“بالمناسبة، نسيتُ أن أشكركَ بسبب الفوضى. شكرًا.”
“كرونغ.”
كأنّه يقول “لا داعي لذلك”، أصدر الثّعلب صوتًا متعاليًا، ثمّ ابتعد عن يدها.
تصرّف كأنّه لم يطلب المداعبة أبدًا.
‘ربّما هي غريزة السوين.’
ربّما أظهر عاطفةً غريزيّة، ثمّ حاول استعادة كبريائه.
هذا التّفكير أضحكها.
لوّحت رايلي بيدها بحرارةٍ نحو ظهر الثّعلب المختفي.
ثمّ صفعت خدّيها بقوّة.
‘لا وقتَ للغفلة، يجب أن أفكّر في الخطوة القادمة.’
لقد نجت من الأزمة بمساعدة الدّوق، لكنّ ذلك كان مجرّد استراحةٍ مؤقّتة.
نجحت في استفزاز مارغريت وكشف نوايا عائلة الفيكونت، لكنّ مشكلة السّحر الغامض الذي تسبّب لها بالألم لا تزال قائمة.
‘على الأرجح، إنّه أداةٌ سحريّة.’
إن استخدمت مارغريت السّحر مجدّدًا لتصيبها بالألم، لم تكن رايلي واثقةً من قدرتها على المقاومة.
كان الألم شديدًا جدًّا.
‘لكن… ماذا لو استغللتُ ذلك عكسيًّا؟’
حدّقت رايلي في الاتّجاه الذي اختفت فيه مارغريت، كأنّها تترصّد الطّريق الوحيد للخروج من هذا المأزق.
***
غيّرت مارغريت ثيابها المتّسخة وهي تطحن أسنانها.
‘صراحةً، حتّى عندما تلقّيتُ أداة الخضوع السّحريّة، لم أظنّ أنّني سأحتاجها. من كان يتوقّع أن تصبح تلك الفتاة وقحةً بهذه السّرعة؟’
في الأصل، كان الخطّة بسيطةً جدًّا.
زرع أداةٍ سحريّة للتنصّت أو التّجسّس في المناطق الحيويّة بقصر الدّوق عبر رايلي.
كانت رايلي دائمًا خاضعةً وتطيع أوامرها، لذا توقّعت أن تنفّذ التّعليمات دون اعتراض.
لكن…
– “أنتِ تفتقرين إلى الآداب اللائقة، مارغريت.”
– “……ماذا؟”
– “أنا لستُ الآنسة رايلي بعد الآن، أنا رايلي إليستاين، زوجة الدّوق الصّغير.”
– “……!”
– “لذا، التزمي بالآداب المناسبة.”
مظهر رايلي وهي تواجهها بعيونٍ ثابتةٍ كان مختلفًا تمامًا عمّا رأته من قبل، لدرجة أصابتها بالقشعريرة.
ففي لحظة غضب، استخدمت أداة الخضوع السّحريّة على رايلي.
كانت تخطّط لاستخدامها في لحظةٍ حاسمة، لكن…
‘اهدئي، مارغريت. يجب أن أنجح من أجل مستقبلي ومستقبل ابني.’
كانت مارغريت زوجة بارونٍ صغيرٍ يحمل لقبًا متواضعًا.
توفّي زوجها، لكنّها لا تزال تُعامل كأرستقراطيّة، فلم تكن هي المشكلة.
لكنّ ابنها كان مختلفًا.
بما أنّ اللقب لا يُورّث، كان عليه أن يعيش كعامّيّ.
لذا، تخلّت مارغريت عن كبريائها وعاشت كخادمةٍ لعائلة ماركيز مالبرن.
دخولها كمربّيةٍ لعائلة فيكونت بيتينسي كان جزءًا من ترتيبات ماركيز مالبرن لمراقبة أتباعه عن كثب.
الفيكونت الغبيّ لم يكن يعلم، لكنّ كلّ معلومات عائلته ونقاط ضعفها كانت تتسرّب إلى الماركيز عبرها.
ثمّ جاءت الفرصة.
بشكلٍ غير متوقّع، تزوّجت الفتاة الغبيّة التي كانت تُربّيها من عائلة إليستاين.
حثّها ماركيز مالبرن على الذّهاب إلى قصر الدّوق عبر عائلة الفيكونت، وأمرها بمهمّة.
التّحكّم برايلي لاستخلاص معلوماتٍ مهمّة من قصر الدّوق.
إن نجحت، سيمنحها أرضًا صغيرةً ولقب بارونٍ يمكن توريثه.
كانت هذه مهمّةً لا بدّ لمارغريت من إنجاحها بأيّ ثمن.
عدّلت مظهرها وهي تعضّ شفتيها.
لن يدخل ذلك الثّعلب المرعب إلى داخل المبنى، لذا للضّغط على رايلي بفعاليّة…
فجأة، سُمع صوتٌ من الخارج يعلن عن زائر.
“سيّدتي المربّية، السيّدة الصّغيرة جاءت لزيارتكِ.”
“……!”
رايلي جاءت إليها بنفسها؟
كانت هذه فرصة.
في المرّة السّابقة، كان وقت تفعيل أداة الخضوع قصيرًا، فلم تدرك رايلي الوضع.
هذه المرّة، ستلحق بها ألمًا يجبرها على الطّاعة، وتزرع فيها خوفًا يمنعها من التّمرّد.
كما هو متوقّع من أداةٍ تُستخدم غالبًا مع العبيد، ستُظهر أداة الخضوع قوّتها الكاملة.
على الرّغم من إلغاء نظام العبوديّة في الإمبراطوريّة منذ زمن، لا يزال مثل هذه الأدوات يُستخدم سرًّا في العالم السّفليّ للتّعذيب والقمع.
عادةً، من الصّعب على شخصٍ عاديّ إيذاء الآخرين بأداةٍ سحريّة.
لكنّ ذلك كان ممكنًا لأنّ مارغريت استخدمت دم رايلي كمحفّزٍ لتفعيل الأداة دون علمها قبل الزّواج.
‘سأجعلكِ تدركين أنّ وضعكِ لا يختلف عن وضع عبدة.’
ابتسمت مارغريت ببرودٍ وأدخلت رايلي إلى الغرفة.
وحين بقيتا بمفردهما،
“ما الذي جاء بكِ…”
“لقد أخطأتُ في حقّكِ!”
“……؟!”
تعلّقت رايلي بمارغريت فجأةً، وبدأت تعتذر.
التعليقات لهذا الفصل " 11"