“ما زلتِ محافظة على هيئتكِ البشرية… أليس في ذلك إنهاك لكِ؟”
“نعم؟ آه… لا بأس. أنا أقوم بتدريب التحول حاليًا.”
أجبت بابتسامة مشرقة، أحاول إخفاء التعب الذي بدأ يتسلل إلى كل جزء من جسدي.
هل يا ترى، كاردين قد لاحظ ذلك بالفعل؟
كنت متحولة إلى هيئة بشرية منذ الصباح الباكر، وجسدي كان يئن من الألم والإرهاق.
صمت كاردين لوهلة، وعيناه تتابعان رقصة اليراعات التي كانت تتوهج حولنا.
ملامحه الجانبية بدت أكثر جدية من أي وقت مضى، كأنه على وشك قول شيء بالغ الأهمية.
“ناقشت مع يوديث مسألة مستقبلك وإقامتك.”
“إقامتي؟”
“حين بحثنا في شأن قوم الوولفِس، وجدنا أنهم إما يعيشون في الشمال بهيئتهم الأصلية كالثعالب، أو يتحولون للبشر ويعيشون بين الناس. أيًّا كان طريق الحياة الذي ستختارينه… فأنا—”
توقّف عن الكلام لثوانٍ، ثم التفت إليّ ببطء.
“سأدعمكِ وأحميك في أي طريق تسلكينه. إن قررتِ البقاء في العاصمة، فسأوفر لك حياة مريحة. بما أن يوديث تدير شركة تجارية هناك، يمكنكما العيش معًا.”
ماذا يقول هذا الرجل…؟ كان عقلي في حالة ارتباك تام، لكن سؤالًا واحدًا انبثق في ذهني على الفور:
“…كاردين، هل لا ترغب في بقائي بقصر الشمال؟”
هزّ رأسه ببطء وثقل.
“فكّرت مليًا في نصيحة يوديث. قصر الشمال، ببرودته وقسوته، ليس مناسبًا لكِ.”
“وإذا… إذا ذهبتُ إلى العاصمة، ماذا عنك أنت؟ ماذا إن فقدت السيطرة على قواك السحرية مجددًا؟”
كتمت رجفة في صوتي بصعوبة، فيما بدأ قلبي ينبض بسرعة مؤلمة وكأن إبرًا تغرز في داخله.
لكن كاردين بدا وكأنه حسم أمره تمامًا، يتحدث ببرود لم أعهدها منه.
“لا تقلقي. لقد أصبحتُ أكثر استقرارًا، ويمكنني استئجار معالج إن لزم الأمر.”
ما أغرب هذا الشعور…
حين كنتُ أسيرة لدى كاردين في البداية، أردتُ الهرب بكل ما أوتيت من قوة. لكن الآن، بعد أن منحني الحرية… قلبي بات يضجّ بعاصفة من المشاعر.
أخفضت رأسي، وضممتُ كفّي بقوة.
“…هل تفعل بي ما فعلته مع يوديث؟ أترسلني بعيدًا كما أرسلتها من قبل من قصر الشمال؟”
خرج صوتي بالكاد يُسمع، مغمورًا بصوت صرير الحشرات وهمس أجنحة اليراعات التي تحلق حولنا.
ومع ذلك، كاردين—كما هو دائمًا—أصغى حتى لارتعاشة أنفاسي.
وضع يده الدافئة على ذقني ورفع وجهي بلطف. لم يكن لي مهرب من عينيه الزرقاوين اللتين التقتا بعينيّ مباشرة.
للمرة الأولى، كان نظره يؤلمني رغم رقته. كان حنونًا، وكان دافئًا… لكن مؤلمًا.
“لماذا تظنين أنني أرسلُكِ؟ لستُ أطردك، بل أقول لك إنني سأكون داعمًا لك، في أي طريق تختارينه.”
لماذا…؟ لماذا يهبني كل هذا؟ لم أفعل له شيئًا يذكر.
حتى حين ساعدته في السيطرة على سحره، كنتُ أفعل ذلك بدافع الجوع… لا من أجل التضحية.
شعرتُ بإبر من الذنب تمزق قلبي.
كاردين لفّ ذراعه حول كتفي وسحبني إلى صدره، بينما نظرتُ إلى البحيرة التي أمامنا.
ظللنا هناك لفترة طويلة، نراقب رقصة اليراعات تتلألأ في الليل المقمِر.
الهواء الليلي البارد كان ممتزجًا بعطر الأزهار الهادئ، وليس سوى دقّات قلبينا ما يُسمع في هذا الصمت المهيب.
وفي داخلي، كانت قوة غامضة تتحرّك كأنها وحش يستفيق من سباته في مستنقعٍ مظلم.
نظرتُ إلى عروقي الحمراء البارزة على معصمي الأبيض. كأنها كانت تحاول شقّ طريقها إلى الخارج.
نعم… كنت أتجاهلها دائمًا.
لكن الآن، بات الأمر جليًا.
قرب كاردين يجعلني أشعر بحرارة تغمر جسدي، ويرتجف قلبي بشدّة.
ظننت أن هذا كله بسبب… أنني أحبه.
لكن يبدو أنني كنت مخطئة.
هكذا يقولون: حين تحب أحدهم، يخفق قلبك بقوة عند رؤيته.
خشيت أن يلاحظ ارتجاف يدي، فقبضتُها بقوة.
والحق، أنني بالكاد أستطيع كبحها الآن.
تنتابني نوبات من العطش المريع، وشهوة مدمّرة لابتلاع كل شيء من حولي.
منذ متى بدأ الأمر؟ كلما طال تحولي، وكلما اقتربت من كاردين، زادت رغبتي النهمة في التهام السحر.
والآن، في حضنه، أشعر بدفء يسرّي في أوصالي…
لكن إلى متى سأتمكن من الحفاظ على هذا الدفء؟
حين أصل إلى العاصمة، سأبحث عن أوليفيا—بطلة القصة الأصلية—وأطلب منها معالجة انفجار طاقة كاردين.
وحين يُشفى، سأدعوه للعودة إلى قصر الشمال، وأتظاهر بالبقاء بالعاصمة ثم أرحل في رحلة طويلة عبر القارة… بعيدًا، بهدوء.
أنا نفسي لا أعلم إلى أين ستقودني هذه القوة.
وإن كانت عشيرتي قد تخلّت عني خوفًا من هذه الطاقة… فلا بد أنها قوة مدمّرة فعلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 77"