كان يورين جاثمًا فوقها، يضغط على عنقها بـلانغيوسا، يهمس لها بصوتٍ خافتٍ، هادئٍ، غير مرتفع. الكلمات نفسها التي طالما أرادت أن تصرخ بها في وجه كل الذين قطعتهم بسيفها، في وجه أولئك الذين كانوا يبكون ويصيحون ويلعنونها قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة.
“أنا أيضًا لم أرد أن أفعل مثل هذا.”
في تلك اللحظة التي صاغ فيها ما لم تستطع أن تبوح به، حوّل صرختها المكبوتة إلى كلماتٍ مسموعة. ومنذ ذلك الحين، صار أثره محفورًا في روحها، أثرًا لا يُمحى.
〈إنها معركة.〉
〈بين السيف الملعون، وإرادتها.〉
〈سأمنحها فرصة.〉
لقد أدرك مقاومتها التي لم يكن أحد يتصورها، وأدرك أنها لم تستسلم بعد. ثم منحها فرصة، مع أنه لن يجني منها سوى الخسارة.
وراء القضبان الفولاذية، عينان زرقاوان كانتا تراقبانها. هو الذي ينتظرها، رغم أنها قتلت بيديها كل من كان ثمينًا لديها، وفقدت كل من كان يمكن أن ينتظرها.
ظل ينتظرها، بلا توقف، بلا انقطاع، رغم أن الأيام تعاقبت، والشمس أشرقت وأفلت، والفصول تبدّلت، بينما هي لم يتغير حالها قيد أنملة. كان يزورها دائمًا، في حين لم يجرؤ أحد آخر على الاقتراب منها؛ لا سجين، ولا سجان. كانوا يكتفون بإنزال صحن الطعام من خلف الباب المزدوج، تاركينها وحدها، هي التي وُصمت بأنها شيطانة أراق الدماء.
نصف عام مضى، وهي مقيدة بالسلاسل في زنزانة ضيقة تحت الأرض، تصارع وحدها. ولم يكن يزورها إلا هو.
هو وحده الذي انتظرها. هو وحده الذي أراد أن تنتصر. هو وحده الذي دعمها.
لم يكن ثمة أحد سواه. وبذكراه كانت تتشبث. كانت تقاوم وهي تجمع في قلبها كلماتٍ تود أن تقولها له يومًا ما، حين تتغلب على السيف الملعون وتلتقي به بوعيها الحر.
“لماذا منحتني فرصة؟”
“شكرًا لك.”
“شكرًا لأنك انتظرتني. شكرًا لأنك راقبتني.”
“أردت أن أثبت لك أن اختيارك لم يكن خطأ.”
“سأفوز حتمًا. لذا لا ترحل، لا تكف عن النظر إليّ. ليس هناك سواك… لا أحد غيرك.”
“بفضلك، استطعت أن أصمد وأنتصر.”
“اسمي إيكينيسيا رواز. الآن شعري أسود، لكن لونه الحقيقي وردي، بلون زهرة الإيكينيسيا التي سُمّيتُ باسمها.”
“اسمك أعرفه، يورين. لطالما رغبت في مناداتك به مرة واحدة على الأقل.”
“هل تدري كم تمنيت أن أبتسم لك، بوجهي هذا الذي يتحرك بإرادتي، لا بجسدٍ يجره السيف؟”
“أردت أن أريك ابتسامتي. لا صورة الوحش العاجز الصارخ. تلك لم تكن أنا. انظر، هذا هو أنا. ما رأيك؟ أتمنى أن أبدو جميلة في عينيك.”
“أردت أن ألتقيك. هل أنت أيضًا تريد أن تلقاني؟ هل لهذا تنتظرني؟”
تلك الكلمات صارت قوتها. كانت تتخيل اليوم الذي تقولها له بلسانها، وتحتمل لأجله عذاب الوحدة، والفراغ، والوقت الثقيل.
ومع مرور الزمن، أخذ الأثر الذي تركه في حياتها يتحول إلى شعورٍ مختلف. شعورٍ يترسخ كجذورٍ في الأرض، لينمو ويتفتح.
لقد أزهرت الزهرة بالفعل، منذ ذلك الحين.
***
استمر المرض الجسدي الذي ألمّ بإيكينيسيا يومًا آخر، ثم اختفى تمامًا. وفي اليوم التالي، صادف موعد الاجتماع الأول لنادي “وِزدَم”.
في تلك الأثناء، لم يصل أي خبر جديد يتعلق بخطبة يورين. ظلّ قائد فرسان السماء الزرقاء صامتًا، فيما أقامت الآنسة دياسانت بهدوء في الجناح المخصص للضيوف في مقرّ الفرسان. كل ما تردّد في أرجاء آزينكا لم يكن إلا شائعة عن خطبةٍ وشيكة.
سارت إيكينيسيا برفقة أليس نحو ساحة التدريب السادسة، حيث سيُعقد اجتماع النادي. أليس كانت تنظر إليها بقلق، وهي تمشي بجوارها مباشرة.
كان فستانها الأزرق الفاتح المزين بالدانتيل الأبيض يبدو مبهجًا وخفيفًا، لكن ملامح إيكينيسيا وهي ترتديه كانت مثقلة بالهمّ والاضطراب.
“إيكي.”
“…….”
“إيكي؟”
“آه، نعم؟ ناديتِني؟”
“هل ما زال الحُمّى باقيةٌ فيكِ؟”
“كلا، تعرفين أنني شُفيت تمامًا.”
“لكنني أراكِ شاردة منذ البارحة وحتى الآن.”
في الحقيقة، منذ أن غادرت نيكول وهي على هذا الحال. حدّقت أليس فيها بتمعن، لكن إيكينيسيا ابتسمت وهزّت رأسها.
“ليس هناك شيء. فقط… أمر يشغل تفكيري قليلًا.”
“ما شأنكِ؟ هل هناك ما يمكنني مساعدتكِ فيه؟”
“شكرًا، لكن لا بأس. الأمر مختلط بين مشاعر شخصية ومشكلات عائلية.”
كانت مسألة عائلية كبيرة جدًا، ومشاعرها معقدة للغاية، لكنها لم تكن كذبة. بدا أن أليس شعرت ببعض الحيرة، لكنها لم تكن من النوع الوقح الذي يتدخل في شؤون الآخرين. فأومأت برأسها بهدوء.
“أحيانًا مجرد الحديث عن الأمور مع شخص آخر يخفف الكثير من الهموم. إذا رغبتِ في ذلك، يمكنكِ التحدث إليّ في أي وقت.”
كانت كلماتها صريحة، ولها وقعها المستقيم. رفعت إيكينيسيا عينيها نحو أليس التي تمشي بجانبها. شعرت بدفء يخفف من دوار قلبها كما لو كان حساءً ساخنًا. تذكرت سؤال نيكول عما إذا كانت أليس صديقتها، فتسلّلت إليها رغبة مفاجئة، ورفعت ذراعها لتتشابك بذراع أليس.
“إيكي؟ لماذا فجأة…؟”
“مجرد شعور. ألا يعجبكِ؟”
“…لا، ليس كذلك.”
“لنذهب بسرعة، فالأخت الكبرى فاطمة بانتظارنا.”
سارتا معًا وهما متشابكتان بالذراعين حتى وصلتا إلى ساحة التدريب السادسة. كانت الساحة تقع بعيدًا قليلًا عن مهجع الطالبات، مساحة متوسطة محاطة بأشجار دائمة الخضرة عالية وكثيفة الأوراق، تخدم كحاجز طبيعي، وتحتها مقاعد خشبية.
وكانت هذه المقاعد مكتظة بالطلاب. أما من لم يجد مقعدًا فجلس تحت ظل الأشجار أو اتكأ واقفًا. بل ورأوا بعض الطلاب قد جلبوا حصائر صغيرة للجلوس عليها.
“أوه، لقد وصلوا.”
“وصلوا! يبدو أنهم فعلًا من نادي فاطمة!”
“إنها الآنسة.”
“وجاءت مع صاحبة المرتبة الثانية.”
“إنها زميلتها في الغرفة.”
عندما اقتربت إيكينيسيا وأليس، عمّ الهمس والضجيج المكان. تجمعت الأنظار فورًا عليهما. منذ دخولها الأكاديمية، اعتادت إيكينيسيا على تلك النظرات، لكنها اليوم كانت مختلفة تمامًا، مزيج من الحسد والاعجاب.
“نجت من المرحلة…”.
“لابد أن حظها كان جيدًا. ربما براهها كلها…”
“ألم ترَها في منافسات المتدربين الجدد؟ كانت رائعة.”
“أثناء مطاردة الوحوش، كانت هي…”
“يقولون إن العباقرة جميعهم أغرباء.”
استمر الهمس بهدوء، حتى وصل كل شيء إلى أذني إيكينيسيا بفضل حاستها السمعية المتطورة، مما أحرجها قليلًا. كانت هناك كلمات مليئة بالغيرة، لكن مهارتها قللت من شيوع الشائعات القذرة.
“أهلًا بكِ، أليس، وإيكي!”
كانت فاطمة، التي وصلت مسبقًا، في استقبالهن. سألت أليس بصوت منخفض:
“آنسة، لماذا تجمع الطلاب بهذه الكثرة؟”
“هممم… بعضهم مجرد متفرجين، لكن انظري.”
ابتسمت فاطمة بشكل محرج وأشارت إلى جانب من الساحة، حيث تراكمت الأوراق على مقعد واحد: طلبات الانضمام إلى النادي. ارتسمت الدهشة على وجه أليس.
“هل هذه كل طلبات الانضمام؟”
“بسبب انضمامكما إلى ناديّنا، ازداد اهتمام الطلاب فجأة. هناك من بين هؤلاء الذين يشاهدوننا الآن من قدم طلب الانضمام أيضًا. لا يمكن قبول الجميع، لذلك، حسنًا، أودّ أن نتفق على طريقة اختيار الأعضاء الجدد قبل التدريب!”
هززت فاطمة كتفيها، وابتسمت بخجل.
بينما كانت أليس وإيكي تحاولان الرد على اقتراحها، اقتربت مجموعة من الطلاب بصوت عالٍ وهم يقولون “ابتعدوا!”، متجهين نحو الساحة.
كان تحركهم صاخبًا بما يكفي لجذب كل الأنظار نحوهم. دفع أربعة أو خمسة طلاب كبار في الحجم الطلاب الآخرين ودخلوا إلى الساحة.
عرفت إيكينيسيا أحدهم: بريد، الذي كان قد أزعجها سابقًا.
اقترب بريد من الوسط، موجهًا نظره نحو فاطمة وليس إيكينيسيا.
“أيتها فاطمة.”
“ما الأمر، سيد بريد؟”
“سمعت شائعة مزعجة للغاية، تقولين إنكِ تحاولين إغراء أعضاء من نوادي أخرى للانضمام إلى ناديكِ، هل هذا صحيح؟”
“لا، ليس كذلك.”
فتحت فاطمة عينيها داكنتين على وسعهما. وضحك بريد باستهزاء، والتقط رزمة الأوراق من المقعد، وقدمها نحو فاطمة مهددًا، محركًا إياها أمام أنفها.
“آنسة، لا يجوز النظر في طلبات الانضمام لأعضاء نوادي أخرى…”
“اصمت.”
“انظر إلى هذا، انظروا! كيف تتظاهرون بعدم المعرفة بعد أن رأيتم هذه الأسماء مكتوبة هنا؟ تتركون دليلًا واضحًا هكذا؟ يا للفتيات، جميعهنّ متشابهات. يعتقدن أن الآخرين لن يكتشفوا حيلهنّ، غباء!”
وبينما كان يقول ذلك، ألقى برِد نظرة خاطفة نحو إيكينيسيا ثم التفت بعيدًا. لاحظت إيكينيسيا ذلك، وكادت شفتيها أن تنحني إلى ابتسامة، لكنها كبتتها بصعوبة. تذكرت كيف أنه في السابق كان يعيّرها لأنها ترتدي فستانها بوضوح ويبدو وكأنها لا تدرك شيئًا.
‘حقًا، يقيّم العالم كله وفق معاييره الخاصة. كما يقولون، ما تراه العين فقط هو ما تراه.’
وفي تلك الأثناء، التقطت فاطمة الأوراق التي قُدمت أمامها مباشرة. وعندما راجعت الاسم الأول على الصفحة، رفعت رأسها وقالت:
“لست متأكدة من الشخص الذي تشير إليه، سيد بريد.”
“ها هو، ميخائيل فون فران ألماري. كان من المفترض أن ينضم ميخائيل إلى نادي النوبليس، فلماذا يوجد هنا طلبه؟ لماذا تحاولون سلب مبتدئ من نادي آخر؟”
طرق بريد بالأوراق التي تحملها فاطمة وأظهر أسنانه بغضب. رمشت فاطمة بعينيها وأجابت بدهشة:
“ميخائيل ليس منتميًا لأي نادي حاليًا. هذا الطلب قدّمه هو بنفسه. فما المشكلة إذن؟”
“المشاكل كثيرة جدًا، حقًا. هل تسألين عن ذلك جهلاً؟”
“نعم، لا أعلم.”
كانت فاطمة، الأصغر حتى من إيكينيسيا، تنظر إلى بريد بغرابة وكأنها طفلة بريئة، بينما كان يحدق فيها بغضب وكأنه على وشك صفعها. ثم نظر بريد إلى الطلاب من حوله وزفر بتبجح.
“فاطمة تويا، هناك آداب يجب مراعاتها بين النوادي.”
“وأين خالفت هذه الآداب، يا سيد بريد؟”
“ألم أقل لكِ، هل لا تعرفين مدى الوقاحة في أخذ طلب من مبتدئ منتمي مسبقًا إلى نادي آخر؟”
“هل قدم ميخائيل طلبه لنادي النوبليس؟ أم هل أُعطي وعد شفهي بالانضمام إليه؟”
توقف بريد للحظة عن الكلام، إذ أن الجواب كان كلاهما لا. فقد كان النوبليس قد اختار ميخائيل، شقيق مالك الغيوسا، من جانب واحد فقط. وعندما لم يجد ما يقوله، بدأ وجه بريد يتحول تدريجيًا إلى الحمرة والغضب.
“…أنتِ تتجرئين على الاعتراض على زميلكِ الأكبر هكذا؟”
“اختيار النادي الذي يقدم إليه المبتدئ هو من حقه. وحتى لو كان منتمياً لنادٍ، أليس من حقه الانسحاب والانتقال؟”
“ها… لهذا السبب لا ينبغي السماح لامرأة من قبائل بدائية بإنشاء نادي. المنطق لا يفهم عندها، أليس كذلك؟”
تمتم بريد بانزعاج ونظر إلى أعضاء ناديه الذين جاءوا معه، فانفجروا جميعًا بالضحك موافقين.
كانت فاطمة تويا، ذات البشرة الداكنة والقامة الصغيرة، من نسل البدو الرحّل في الغرب.
عاشت قبائلهم في مجموعات عائلية متنقلة عبر السهول، محافظين على تحالفات فضفاضة، دون تكوين دولة منظمة كغيرهم في القارات الأخرى. لذلك، غالبًا ما ألصِق بهم الآخرون وصمة “هم بربر” أو “متخلفون” بطريقة غير لائقة.
جفنت إيكينيسيا بعنف، لكن قبل أن ترفع أي اعتراض أو تتحدث فاطمة، انطلقت صوت غاضب يتدخل بسرعة:
“اعتذري.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 47"