أشعلت إيكي الشمعة داخل المصباح، ثم لفّت كمّيها الواسعين وطرف تنورتها حول المصباح حتى لا يتسرّب الضوء. تلاقت نظراتها مع نظراته.
قالت بنبرة حازمة:
“هل نذهب؟”
أجابها:
“لنذهب.”
أخرج باراها كرة قماش من الحقيبة، وقربها من الشمعة داخل المصباح الذي كانت تحمله. فاشتعلت كرة القماش المغموسة بالزيت فورًا.
ثم قذفها باراها بقوة إلى خارج الخيمة. وما إن انطلقت، حتى سُمِع صوت زمجرة منخفضة، واتّجه اثنان من الوحوش اللذَين كانا أمام الخيمة نحو اللهيب الطائر. انتهزا تلك اللحظة وغادرا الخيمة بسرعة.
تنقّلا بين الخيام، وكلما صادفا وحشًا يتجول، أشعلا كرة قماش وألقياها لإلهائه. لم يتبادلا أي كلمة، لكن إشارات الأعين وحدها كانت كافية لتنسيق حركاتهما.
في وسط المعسكر كانت هناك ساحة مفتوحة غمرتها سوائل حمراء. أكثر من عشرة وحوش كانت تتجول فيها. وعلى أطراف الساحة ظهرت خيام القائد، ونائبه، وخيام مخصصة للسكووايرز التابعين لهما.
خيمة إيكي كانت قد احترقت وانهارت. جثة إيان إما تحوّلت إلى رماد داخلها، أو أصبحت طعامًا للوحوش التي جذبتها النيران. نظرت إيكي نحو ذلك المكان لحظة، ثم سرعان ما صرفت بصرها. انسلّ باراها إلى داخل خيمة نائب القائد، القريبة من موقعهما، وتبعته إيكي على الفور. وضعا المصباح والحقيبة جانبًا، وأخذا يلتقطان أنفاسهما.
تمتم باراها بقلق:
“عدد الوحوش في الساحة كبير جدًا.”
أزاحت إيكي أحد أطراف الخيمة وأخذت تتفقد الخارج من خلال فتحة بين القماش. وما إن بدأت تراقب بعناية، حتى اقترب منها باراها ووضع رأسه فوق رأسها لينظر من نفس الفتحة. همست إيكي:
“أيها القائد، انظر هناك.”
“أين؟”
“فوق ذلك الوحش ذي القرون الثلاثة… في الفراغ فوق رأسه، هل تراه؟”
“أهذا هو… ما يُفترض أن يكون نقطة البداية؟”
كان في السماء أثر غريب، كأنه خط ناتج عن طيّ ورقة ثم فردها. هذا الأثر بدأ من فوق الساحة، وامتدّ طويلًا نحو السماء الحمراء الملبدة بألوان الغروب. نهايته كانت ترتجف كما لو كانت سرابًا. منظر غريب حقًا.
تساءلت إيكي بصوت خافت:
“مجرد الوصول إلى هناك أمر، لكن… هل يُفترض بنا حتى أن نلمسه؟ فالمعلومات في ذلك الكتاب مجرد تخمينات…”
تنهد باراها تنهيدة طويلة أقرب إلى الأنين، ثم وضع يده الكبيرة على رأسها.
“البقاء هنا دون فعل شيء لن يُخرجنا من هذا المكان، أليس كذلك؟ علينا أن نحاول على الأقل.”
“هذا… صحيح.”
قال باراها وهو يتلفت داخل الخيمة:
“دعينا نرى…”
ثم استلّ سيفه بابتسامة مازحة وهمس:
“أعذرني، سيدي القائد… سأخرّب قليلاً.”
“ماذا؟”
هدم باراها السرير المؤقت في الخيمة باستخدام سيفه، وبدأ يكدّس قطع الخشب المحطمة فوق غطاء السرير. أدركت إيكي ما كان ينوي فعله — النار الناتجة عن كرات القماش لن تكون كافية لتشتيت عددٍ كبيرٍ من الوحوش، لذا كان يخطط لإشعال حريق أكبر باستخدام الخشب.
بدأت تساعده في جمع الأشياء القابلة للاشتعال وتكديسها على الغطاء. وخلال لحظات، تحولت خيمة نائب القائد إلى ما يشبه ساحة سطو.
جمع باراها غطاء السرير المليء بالخشب على ظهره، بينما أمسكت إيكي بزجاجة الزيت من دون أن يطلب منها. حين رآها تفعل ذلك، ابتسم بعينيه.
“قد يكون من المؤسف أن أقول هذا لكِ… لكنني، أشعر أنني ممتنٌ للإله لكونكِ هنا معي.”
لم تفهم مقصده تماماً في البداية. وبينما كان يمر بجوارها، قال بكل بساطة:
“لو كنت وحدي هنا. هيا بنا، علينا إشعال هذه النار قريباً. في مكان بعيد قليلاً عن الساحة… نعم، خيمة السيد ديتريش ستكون مثالية. لطالما رغبتُ في إشعال النار فيها مرة واحدة على الأقل.”
صمتت إيكي للحظة، ثم تبعته. لم يخرجا من مدخل الساحة، بل رفعا القماش الخلفي للخيمة وانسحبا من هناك، متجهين نحو الخيمة الهدف دون أن تلاحظهم الوحوش. وأثناء سيرها، كانت تتمعّن في كلماته.
‘أنا أمتلك القوة لمواجهتهم، وقد سبق لي أن رأيت الفظائع داخل العقدة… أما باراها، فقد جُرّ إلى هذا المكان فجأة، بلا وسيلة للنجاة، ولا قدرة على القتال.’
نظرت أسفل قدميها. كانت تلك المادة الحمراء اللزجة المتجمعة على الأرض تشبه الدم تماماً.
المخيم، الذي كان آمناً قبل قليل، غمرته الدماء. وحوش هائلة لم ترَ مثلها من قبل تتجول فيه. السماء تشتعل حمرة، وظلال الجنود التي تمزق وتُفتَرس بدت كمشهد من الجنون المحض.
لو تُرك أحد هنا وحيداً، بلا مهرب، بلا قدرة على الدفاع، لا خيار له سوى انتظار الموت… نعم، لعله كان ليفقد عقله فعلاً.
ولهذا، كان وجود إيكي بحد ذاته، والأمل القليل الذي منحته له، عزاءً عظيماً لباراها.
وفوق ذلك، باتت تدرك كم أن قلبه قوي، وهو يكتم خوفه قدر المستطاع، ويخبرها أن تثق به، ويعدها بأنه سيحميها.
‘ذلك النوع من الأشخاص، من يصبح أقوى عندما يكون لديه من يحميه.’
إنه فارس، وإن كان بمعنى مختلف عن أليس. نظرت إلى ظهره العريض وهو يسبقها في السير.
في الماضي المُلغى، لم يصبح فارساً ومات قبل أن يتحقق ذلك. هذه المرة، أرادت أن تراه ينجو… ويصبح فارساً. مثل أليس.
‘لقد أحسنتُ حين سعيتُ لإنقاذه.’
ابتسمت إيكي دون أن تشعر.
كانت خيمة ديتريش تقع في مكان ظاهر من الساحة المفتوحة. وأثناء توجههما إليها، صادفا عدة مرات وحوشًا، لكنهما تمكّنا من تجنّبها ببراعة باستخدام ما تبقّى من قطع القماش.
ألقى باراها حزمة الحطب التي كان يحملها داخل خيمة ديتريش، وسكبت إيكي الزيت فوقها. ثم وجدت زجاجات الزيت الموجودة في الخيمة نفسها وسكبتها بالكامل فوق الحطب. بعد ذلك، خرجا من الخيمة واختبآ في مكان قريب، ثم رمى أحدهما المصباح باتجاه الخيمة.
وفجأة، انطلقت ألسنة اللهب بصوت مكتوم، واشتعلت الخيمة كأنها محرقة ضخمة. كان يمكن رؤية الوحوش القريبة ترتجف وتتراجع للحظة. ثم بدأت تتحرك ببطء نحو الخيمة المشتعلة، كما لو أن النار جذبتها إليها.
لم يفوّت باراها وإيكي الفرصة. ركضا دون أن ينبسا بكلمة. كانت خطواتهما تضرب السائل الأحمر تحت أقدامهما، فيتناثر ويغمر أجسادهما، لكن لم يكن هناك وقت للتقزّز أو الخوف.
وصلا إلى الساحة المفتوحة، وكانت خالية تماماً. يبدو أنهما نجحا في جذب الوحوش. غير أن الوقت لا يزال ضيقاً. فالوحوش تنجذب إلى النار لأن احتمال وجود البشر بقربها مرتفع، لكن ما إن تدرك غيابهم حتى تفقد اهتمامها بسرعة.
كانت نقطة البداية (للعقدة) معلّقة في الفضاء المرتفع. اندفع باراها نحو أحد أعمدة الساحة، حيث كان هناك سارية عُلّق في أعلاها علمٌ مطرز بشعار نسر بأربعة أجنحة. وجّه السارية التي تحمل العلم باتجاه إيكي، وقال:
“تسلّقي! سأرفعكِ إلى الأعلى!”
أن يرفع إنسانٌ سارية كاملة وبها شخص دون استخدام المانا؟! نظرت إيكي إليه بدهشة، لكن ما إن وقع بصرها على ساعديه حتى فهمت.
لم تجب، بل تسلّقت السارية على الفور. أخذ باراها نفسًا عميقًا ثم رفع السارية بشكل مستقيم. تمايل العلم المتدلّي بفعل الريح، وارتجف شعار السماء عليه، فيما بدت عضلات باراها على وشك التمزّق من شدة التوتر.
من علُ، استطاعت إيكي أن ترى منظر المخيم بوضوح. كانت الوحوش لا تزال منشغلة بتفتيش الخيمة المشتعلة.
صرخ باراها من الأسفل وهو يضبط زاوية السارية:
“انتبهي! لا تلمسيها بيدكٌ! جرّبي بالسيف أولًا!”
اقتربت من نقطة البداية. أمسكت إيكي بالسارية بيد واحدة، ومدّت جذعها للأمام وسحبت سيفها. سقط الغمد نحو الأسفل وأحدث صوتًا مكتومًا عند ارتطامه بالسائل الأحمر. ثم وجّهت طرف نصلها نحو الشق اللامرئي في الفضاء وطعنته.
وفي اللحظة التي اخترق فيها السيف ذلك الفراغ، انتابها شعور فوري بأن شيئًا خاطئًا قد حدث.
انطلقت صرخات الوحوش من كل الجهات دفعة واحدة. التفتت أعينهم جميعًا نحو نقطة البداية. مئات العيون، محتقنة أو مجوفة، مشوّهة أو بارزة، كلها كانت تحدّق بها دفعة واحدة.
حتى إيكي، التي اعتادت على رؤية المشاهد البشعة، شعرت بالقشعريرة تسري في جسدها.
أدرك باراها، الذي كان في الأسفل، أيضًا أن الأمور قد خرجت عن السيطرة. فأنزل الراية على عجل، ثم رماها جانبًا وفتح ذراعيه نحو إيكي.
“إيكي!”
فهمت إيكي الإشارة، فقفزت نحوه. تلقفها باراها بذراعيه، وارتفعت أطراف فستانها للحظة قبل أن تهبط من جديد. وضعت إيكي يدها على كتفه وفتحت فمها بقلق:
“باراها، أظن أن هذا الأمر…”
“فلنهرب أولاً.”
قاطعها باراها وبدأ يركض بها وهو لا يزال يحتضنها. كانت أصوات خطوات ثقيلة ــ تقترب من جميع الجهات. ورسم السائل الذي يغطي الأرض تموجات صغيرة تحت تأثير الاهتزاز. كانت الأرض ترتجف.
نظرت إيكي خلف كتف باراها، فرأت جحافل من الوحوش العملاقة تتقاطر عليهم. لا يقل عددها عن المئات. وكانت أعينها ــ المحتقنة أو الجاحظة أو المشوهة أو الناتئة ــ مثبتة عليهم جميعًا.
“أنزلني!”
“أنا أسرع منكِ. لا تقلقي، إن استطعنا الاختباء فسنكون بخير على الأقل…”
أجاب باراها وهو يلهث. نظرت إيكي إلى ذراعيه القويتين اللتين كانتا تحتضنانها بقوة، ثم إلى الوحوش التي كانت تندفع نحوهما، تدوس على الأرض والمخيم تحت أقدامها. السائل الأحمر على الأرض كان يُزاح كالأمواج تحت وطأة هيجانهم.
ورغم أن سرعة باراها كانت مذهلة بالنسبة لبشر ليسوا من الماستر، فإن خطوة واحدة من الوحوش كانت تعادل خمس خطوات منه. والسحق بات مسألة وقت فقط.
أغلقت إيكينيسيا عينيها بهدوء، ثم فتحتهما. وبدت عيناها البنفسجيتان عميقتين وغارقتين في السكون.
‘أعتذر منك، باراها.’
تمتمت في سرها، ثم ضربت مؤخرة عنقه بيدها بحافة الكف. وضعت من القوة ما يكفي لإفقاده الوعي فورًا.
“اه…”
خرج منه أنين قصير، ثم سقط جسده مترنحًا. قفزت إيكي من ذراعيه قبل أن يهوى تمامًا، لتتلقاه وتمنع سقوطه. ومع أنها كانت مستعدة، كادت ذراعها أن تلتوي من شدة ثقله، فتمتمت لا إراديًا:
“آه، ثقيل بشكل لا يُطاق…”
[جسده ضخم. ومليء بالعضلات، لذا من الطبيعي أن يكون ثقيلًا. لكن، يا سيدتي… ما الذي ستفعلينه الآن؟]
“وماذا عساني أفعل؟”
حملت إيكي باراها على ظهرها. كانت الفروق في الطول بينهما كبيرة، لذا كانت قدماه تجرّان على الأرض. لم يكن بيدها حيلة لتفادي ذلك.
ثم بدأت بالركض. تدفقت المانا داخل جسدها بشكل متفجر. ورغم أنها تحمل رجلًا أكبر منها حجمًا ووزنًا بكثير، كانت سرعتها فائقة. وبدأت المسافة بينها وبين الوحوش تتسع تدريجيًا.
لو كان بإمكانها الهرب بهذه السهولة، لكان ذلك رائعًا، لكنها كانت تعلم جيدًا أن الأمر غير ممكن. توقفت إيكي فجأة بعد أن خرجت من المخيم.
[هل هذه حافة العقدة؟]
“نعم، إنها الجدار.”
العقدة مكان منفصل عن الواقع، لذا من الطبيعي أن يكون له حدّ. دفعت إيكي بأطراف حذائها الهواء أمامها، لكنه لم يتحرك، كأنه اصطدم بجدار خفي.
“هذا جيد، بما أننا هنا، فلا داعي للقلق من الخلف.”
أسندت باراها إلى ذلك الجدار غير المرئي، ثم استدارت لتنظر إلى الجهة التي تتدفق منها الوحوش. قدّرت المسافة بعينيها، ثم دفعت السيف الرخيص الذي كانت تحمله داخل طيات فستانها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات