إن استهدفتهُ أحدهم شخصيًّا، فقد تُبدي بعض التساهل. لكن إن كان الخطر يهدّد من حولها، فهي لن تسمح بذلك أبدًا.
‘إن تطلّب الأمر، فسأرفع سيفي مرارًا وتكرارًا. فقدان من أحببت مرة واحدة كان كافيًا. لن أسمح بخسارة أحد مجددًا.’
بعيون باردة، حدّقت إيكي في جثة إيان، ثم أدارت رأسها. لا ندمَ، ولا شفقة. لم يكن ذلك تنفيسًا عن الغضب، بل قرارًا حاسمًا اتخذته بعد أن رأت أنّ الأمر لم يعد يحتمل التهاون. ولم تكن خاضعة لنزعة القتل المتأصلة في سيفها الملعون.
رغبتها في عدم تلويث يديها بالدماء في هذه الحياة الجديدة، لم تكن أبدًا أقوى من عزمها على حماية من تُحب. السنوات التي أمضتها محاولة إنقاذهم لم تكن سهلة، ولا تُمنح الفرص إلا مرة واحدة.
وفي خطاها وهي تستدير، لم يبقَ فيها أثرٌ للندم.
أمسكت السيف الذي رمته سابقًا، والتقطت المصباح من جوارها. أخرجت بعد ذلك حجرًا للصوان وزجاجة زيت للإضاءة. كانت تعرف مكانها جيدًا، فهي كانت خيمتها. سكبت الزيت في أنحاء الخيمة بالكامل، ثم أشعلت الفتيل في مصباحها.
بعدها، أزاحت الستارة في مدخل الخيمة وألقت نظرة إلى الخارج. عدد جنود الظل انخفض كثيرًا. أما الوحوش، فقد أصبحت ضخمة لدرجة أن المرء بات يرفع رأسه عاليًا ليراها. وكان باراها لا يزال في نفس موضعه.
تنفّست بعمق، وحرّكت نواة المانا داخلها. خرج جسدها من الخيمة بصمت، وفي اللحظة نفسها رمت بالمصباح نحو الخيمة. تحطم الزجاج بصوت مدوٍ، وسرعان ما انتقل اللهيب إلى داخلها.
استدارت الوحوش القريبة بصوت نعيقها المزعج نحو مصدر الضجيج والنار، وأخذت تتقدّم نحوه.
في ظل انشغالها بالنيران، استطاعت إيكي التسلل فوق سطح المستنقع دون أن تُكتشف. لم تكن خيمة باراها بعيدة. وما إن وصلت، حتى دخلت دون أي تردد.
لكن ما إن دخلت حتى امتدّت يد ضخمة وأمسكت بتلابيب عنقها، ثم ضغطتها بقوة على عمود الخيمة. سيف تقدّم نحو عنقها، ثم ما لبث أن تراجع بسرعة وقد ارتجف من الدهشة.
“إيكينيسيا رواز؟”
اتسعت عينا باراها، وقد تعرّف إليها. ورغم أنها كان بوسعها تفادي قبضته، فقد سمحت لنفسها أن تُمسك عمدًا، وردّت بتحية هادئة:
“مرحبًا، باراها.”
“ما الذي تفعلينه هنا…؟”
“هل يمكنك أولًا أن تتركني؟”
“أه… آه، آسف.”
تراجع باراها، وقد صدمه الموقف، وسرعان ما أبعد يده عنها. قامت إيكي بتعديل ياقة ثوبها المبعثرة، ثم نظرت إليه بهدوء.
“هل إصاباتك بخير؟”
“ليست سوى خدوش، لا شيء خطير. لكن انتظري، كيف عرفتِ؟”
“لقد رأيتُ بعيني.”
“آه، صحيح… لا، بل الأهم، لماذا أنتِ هنا في هذه الخيمة؟!”
“وجدت نفسي عالقة هنا صدفة. السيد إيان دخل معي أيضًا، لكن لا أعلم أين هو الآن.”
قالت يإكي بهدوء، رغم أنها كانت تكذب. وعندما ذكر اسم إيان، ضحك باراها بسخرية مكشّراً عن أنيابه.
“ذاك الوغد، فليمت أو ليعش… لا، لا يهم. انسَي أمره يا إيكي، سيدبر أمره بنفسه. لسنا في وضع يسمح لنا بالبحث عنه.”
“نعم.”
لم يكن باراها قديسًا، ولن يضيّع وقته في البحث عن شخص طعنه ودفعه إلى داخل هذا “العُقَد”. لذلك أومأت إيكي برأسها دون مقاومة. راح باراها يعبث بشفتيه قليلًا، ثم قال ببطء:
“على كل حال… عليكِ البقاء هنا والاختباء في الوقت الحالي. من مراقبتي للمكان، يبدو أن الخطر لن يشتد ما دام جنود الظل منشغلين بالتهام كل ما أمامهم.”
“وماذا عنك، باراها؟”
“لا يوجد طعام في هذا المخيم، سأخرج لأبحث عن بعض المؤن في خيمٍ أخرى. علينا الصمود لفترة طويلة، وسنحتاج إلى طعام.”
“هل سبق لك أن دخلت إلى العُقَد من قبل؟”
“لا. لكنني أعلم أن علينا فقط الصمود حتى تزول هذه العُقَد تلقائيًا لنتمكن من الخروج.”
قال باراها بجفاء وهو ينظر إلى الخارج، ثم التفت نحو إيكي فجأة. أخذ نفسًا عميقًا وقال بنبرة حازمة:
“لا تقلقي. سنخرج من هنا أحياء.”
ورغم كلماته، كان التوتر جليًا على وجهه. لكنه لم يُظهر خوفه، بل حاول طمأنتها بابتسامة خفيفة. نظرت إليه إكي بصمت، ثم سألت بصوت خافت:
“…هل تعتقد أننا سنتمكن من الصمود هنا؟”
“بالطبع. وإن شعرتِ بالقلق، فاتكلي عليّ. فأنا أستطيع رعاية زميلة صغيرة مثلكِ.”
قالها بنبرة مرحة، ثم مد يده وربّت على رأسها بلطف. كانت يده كبيرة ودافئة.
[ترى، من سيرعى من؟ يبدو أنه لا يعلم شيئًا… أحمق صغير.]
أومأ باراها مبتسمًا، ثم بدأ يبحث في أرجاء المخيم عن كيس ليضع فيه المؤن. راحت تراقبه وهي تفكر:
‘حسنًا، ما الذي عليّ فعله الآن؟’
في الماضي، كانت تنتظر داخل العُقَد إلى أن تختفي من تلقاء نفسها بعد أن تقضي على كل شيء في الداخل.
لكن بعد ذلك، بدأت تحقق في طبيعة هذه العُقَد، وتمكنت من الحصول على خيط يدل على طريقة للخروج منها. صحيح أن تلك النظرية كانت مجرد فرضية نظرية غير مجرّبة، لكن…
وأتذكر أيضًا أن أحد المصادر تناول الشروط التي تتكوّن بها هذه العُقَد… لكن لا بأس، سأفكر في ذلك لاحقًا.
“باراها.”
“همم؟”
نادته إيكي بينما كان يستعد للخروج من المخيم، ثم ترددت قليلًا قبل أن تتحدث:
“في الحقيقة، كنت مهتمة بالعُقَد منذ فترة، فقرأت بعض الكتب عنها.”
“حقًا؟ وهل تعلمين شيئًا مفيدًا؟”
أظهر باراها اهتمامًا واضحًا، فأومأت برأسها قائلة:
“طبعًا، كل ما ورد هناك كان على سبيل الفرضية، لكنه ورد أن لكل ‘عقدة’ نقطة بدء. عندما يقوم ‘لاغياغيوسا’ بشقّ الفضاء، فإن لتلك الشقوق نقطة بداية.”
“همم…”
“وكان الكاتب يزعم أن نقطة البداية تلك هي الصلة التي لا تزال تربط العقدة بالعالم. فرغم أن العقدة تكون منفصلة، إلا أنها لا تنفصل انفصالًا تامًّا، إذ تعود بعد مدّة إلى حالتها الأصلية.”
“بالفعل، هذا منطقي.”
“فإن افترضنا أن رجوع العقدة إلى ما كانت عليه هو أشبه بالتئام الجرح الذي أحدثه ‘لاغياغيوسا’، فمن الطبيعي أن تكون نقطة البداية أول ما يلتئم. وبالتالي، ستكون تلك النقطة الأقرب إلى العالم الحقيقي.”
“…يبدو منطقًا وجيهًا. وإذا كانت أول ما يلتئم، فهي أول ما يتّصل بالعالم مجددًا، وإن صحّ ذلك…”
“نعم، فإن استطعنا العثور على نقطة البداية، ربما نستطيع الخروج من العقدة من خلالها.”
“فكرة ممتازة. لا أعلم إن كانت تلك النقطة ستكون قابلة للعبور منها، ولكن الأمر يستحق المحاولة. وحتى لو لم تكن، فعلى الأقل ستُفتح العقدة من هناك أولًا في النهاية…”
تمتم باراها وهو يمسح ذقنه بيده. أما إيكي فتمنّت في نفسها أن تكون تلك النظرية التي قرأتها صحيحة. لأن البديل سيكون القضاء على الوحوش داخل العقدة ثم الانتظار حتى تنتهي، وفي تلك الحالة ستكون مجبرة على استخدام المانا… ولا يمكن لـباراها وحده النجاة في هذه العقدة.
“المشكلة الوحيدة، كيف سنعثر على نقطة البداية؟”
“هل سبق لكِ أن رأيتِ كيف تتشكل العقدة؟”
“كلا، حين خرجتُ على صوت جرس الطوارئ، كانت العقدة قد انتفخت أصلًا. لكن أظنّها بدأت من فراغٍ في وسط المخيم. إذن…”
“فالاحتمال الأكبر أن تكون نقطة البداية قرب تلك المنطقة.”
قالت ذلك بصوت مؤكد، فتلألأت عينا باراها بحماس:
“صحيح! إيكي، إن تمكّنا من الخروج من هنا، فسيكون الفضل لكِ وحدكِ!”
وربت على ظهرها بحماس، لكن يبدو أنه بالغ قليلًا في قوّته من شدّة انفعاله، ما جعلها تترنّح قليلًا. كانت قادرة على تفاديه، لكنها اختارت ألا تفعل، فشعرت بالألم حقًّا. رمقته بنظرة عاتبة، فراح يحكّ مؤخرة رأسه بخجل.
“أه… آسف، اندفعت قليلًا.”
“لا بأس. لنبدأ بالبحث عن نقطة البداية.”
قالت وهي تفرك ظهرها وتتجه نحو مدخل الخيمة. نظر باراها إلى ظهرها النحيل ثم إلى يده التي ضربها بها. كانت ضيقة وضعيفة، وزاد البلل من التصاق ثوبها بجسدها، فأصبحت تبدو أنحف.
ومع ذلك، حين لامسها، لم تكن ترتجف.
لم يستطع كتم جملة فاضت فجأة على لسانه، فناداها.
“إيكي.”
“نعم؟”
“ألستِ خائفة؟”
نظرت إليه إيكي، وقد لاحظت القلق الذي خيّم على باراها. كانت تودّ أن تطمئنه، تمامًا كما حاول هو طمأنتها. ابتسمت له ابتسامة خفيفة.
“ألم تقل إنك ستحميني، يا باراها؟”
كان صوتها خاليًا من الاضطراب، وتعبير وجهها هادئًا مطمئنًا. لوهلة، ارتبكت ملامح باراها. اقتربت منه إيكي وأمسكت بطرف كمّه. يدها الصغيرة الملفوفة بالقفاز بدت ضئيلة أمامه، لكنها جذبته نحوها دون تردد.
“أنا سأطمئن لأنك بجانبي، فثق بي أنت أيضًا، ولنخرج من هنا معًا.”
قادته إيكي بخطى واثقة نحو مخرج الخيمة، بينما كان هو يتأمل قمة رأسها الزهرية التي بالكاد تصل إلى صدره. وأجابها بصوت خافت:
“…نعم. لنخرج معًا، إيكينيسيا.”
أزاح الاثنان معًا ستارة الخيمة قليلًا. كان عدد جنود الظلال قد تناقص بشدّة.
كانت الكائنات الشيطانية العملاقة تتحرك وسط الأرض المغمورة بالسائل الأحمر، وكلما تحركت أقدامها الضخمة، ترددت موجات على سطح السائل اللزج. ترددت أصوات هدير وخدش أشبه بصرير المعادن، وأخرى كصراخ حاد، في أرجاء المكان.
لم يكن هناك كائن واحد تعرفه إيكي بالاسم. ولم يكن هناك اثنان من نفس النوع. كانت كل واحدة من تلك الوحوش فريدة في مظهرها وغرابتها. وهذا لم يكن غريبًا، فهي لم تكن وحوشًا حقيقية، بل نتاج تشوّه داخل التشقّق ذاته.
ومع ذلك، كان هناك قاسم مشترك بين هذه الكائنات: أن أصغرها حجمًا يضاهي مبنى من طابقين، وأن أيًا منها لا يمكن هزيمته بسهولة من قِبل شخصين لا يستخدمان المانا مثلها وباراها.
همست إيكي:
“يبدو أن المرور من هنا لن يكون سهلًا. لم يبقَ كثير من جنود الظل.”
استفاق باراها من شروده عند سماع كلماتها. نظر إلى الخارج وتقطّب حاجباه.
“بالفعل، يبدو أن الوحوش تتجوّل بحثًا عن فريسة بعد أن نضب وجودها.”
قالت إيكي:
“انتظر لحظة.”
استدارت إلى داخل الخيمة وأخذت تفتشها. لم تكن تعرف لمن تعود، لكن زيوت المصابيح والصوان من الأساسيات في كل خيمة. سرعان ما وجدت زجاجة زيت وصندوق صوّان.
سألها باراها:
“ماذا تنوين أن تفعلي؟”
أجابته وهي تسحب غطاء السرير:
“معظم الوحوش تنجذب إلى النار، لأنها تعرف أن الإنسان يوجد بالقرب منها.”
استلت سيفها وقطّعت الغطاء إلى شرائط طويلة.
“باراها، رجاءً بلّل هذه القطع بالزيت بعد أن تبرمها.”
فقال:
“ستستخدمينها كطُعم.”
“نعم.”
بدأ باراها بلفّ الأقمشة التي قطّعتها، وغمسها في الزيت. أضاف إليها بعض العملات المعدنية والأزرار ليزيد من وزنها. ثم وضعها في الكيس الذي كان قد جهّزه لحمل المؤن، وسأل:
“من أين تعلمتِ هذا الأسلوب؟”
أجابت:
“رأيت فرسان عائلتنا يفعلون ذلك أثناء أسفارهم.”
قال متفاجئًا:
“غريب، هذا النوع من التصرفات يرتبط غالبًا بالمرتزقة.”
“حقًا؟ لست أعلم بذلك.”
لكن قلبها خفق بتوتر، لأنها في الحقيقة كانت قد تعلّمت هذا الأسلوب من المرتزقة، لا من الفرسان. لحسن الحظ، لم يواصل باراها استجوابها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"