“لا شك أنها جميلة… وسط كل هؤلاء الطلبة الكئيبين، رؤيتها راحة للعين.”
فردّ عليه الآخر بازدراء:
“وما نفع الجمال في طريق الفروسية؟ آه… مع أنها، قد تكون ذات نفع، إن صدقت الشائعات.”
لوى ميخائيل شفتيه بسخرية. رغم أن ملامحها كانت جميلة، إلا أنه كان يرى أن شقيقته تيريزا تفوقها جمالًا بأشواط.
كانت إيكينيسيا رواز تقف بمفردها. بدا وكأن جدارًا خفيًا يحيط بها، فلم يجرؤ أحد من الطلبة على الاقتراب منها، وجلسوا جميعًا بعيدًا عنها. وفي تلك اللحظة، دخلت طالبة جديدة وتقدّمت نحوها مباشرة.
“أليست تلك أليس وينتربيل؟”
اقتربت أليس، مرتدية زي الطلاب الرسمي بإتقان، وتحدثت إلى إيكينيسيا. ردّت الأخيرة بجفاء، لكن عندما جلست أليس بجانبها، انتفضت من الدهشة. راحت أليس تتحدث مبتسمة، أما إيكينيسيا فقد أشاحت بنظرها بخجل، ثم أسندت ذقنها إلى يدها وأطلقت تنهيدة.
ثم… ظهرت على وجهها ابتسامة صغيرة. ابتسامة مرت خفيفة كلمح البصر، أشبه بمشاعر لم تستطع كبتها، مشوبة بالخجل، لكنها صادقة في فرحتها.
“…أوه.”
ميخائيل، الذي كان يراقبها طوال الوقت، رأى تلك الابتسامة. في تلك اللحظة، شعر بشيء يهتزّ في أعماقه.
“هـ… ها؟”
تمتم الفتى كالأبله. ما هذا الشعور؟ ما الذي رأيته للتو؟ فتاة تبتسم فحسب، لا شيء أكثر من ذلك! فرك عينيه بيده، ثم نظر إليها مجددًا، قبل أن يصفع خده بنفسه.
“ما الذي تفعله؟”
سأله تيو مستغربًا.
“لا شيء.”
أجاب ميخائيل وهو يحدق بثبات في ساحة القتال، خده لا يزال محمرًا من الصفعة.
كان داخله يغلي بشيء غامض. حاول أن يترجمه إلى غضب. كيف له أن يتيه في جمال فتاة ترتدي ثوبًا فقط لجذب الأنظار؟ شعر بالخجل من نفسه واحتقره. وكان هذا الفتى، في الثامنة عشرة، أصغر من تم قبوله في الأكاديمية العسكرية وفقًا للمعايير.
قبض على غمد سيفه بقوة، وتمنى أن يحين دوره سريعًا.
“الرقم 7: ميخائيل فون فران ألماري! الرقم 8: إيكينيسيا رواز!”
أعلن إيان، ممثل الطلبة، بأعلى صوته. نهض ميخائيل واقفز واقفًا وتوجه إلى الساحة، وعلى الجانب الآخر تقدّمت إيكينيسيا بخطى رشيقة.
عندما وقف أمامها، بشعرها الأشقر وثوبها الأبيض، شعر وكأنه في قاعة رقص لا في ساحة قتال. لو كانت قاعة رقص، لكان وضع يده على صدره بانحناءة وطلب منها رقصة.
خطر بباله هذا الخيال فجأة، فعبس على الفور. كل هذا بسبب ملابسها المبالغ فيها! لا بد من أن يحطّم تلك الآنسة ويسقطها من تفكيره. نظر إليها بعينين مشتعلتين بالغضب.
“…لتكن الرحمة والصفح من نصيب المنتصر، والرضا والاعتراف من نصيب المهزوم، وليكن في سيوف المتبارزين شرف وعدالة… آر سيباتيم.”
رفع أحد طلاب السنة الثالثة سيفه ووضعه بينهما معلنًا بدء المبارزة، ثم انسحب. وما إن انخفض السيف حتى بدأت المواجهة.
رفع ميخائيل سيفه عموديًا. أسلوب عائلة فران ألماري في القتال كان يقوم على الدفاع الصلب، تليه هجمات مرتدة دقيقة. وقد بلغت شقيقته تيريزا بفضله مرتبة الماستر واحتلت مكانة مالك الغيوسا. لم يشك ميخائيل قط في أسلوبه.
هيا، تقدّمي… فقط اقتربي!
لم تهاجم إيكينيسيا على الفور، بل أنزلت سيفها بزاوية وراحت تتأمل ميخائيل بعينيها البنفسجيتين. بدأ يشعر بالضيق. لماذا لا تهاجم؟ ما الذي تفكر فيه هذه الفتاة؟
ثم فجأة، تحركت.
الخطوة الأولى، تقدّمت خطوة واسعة. الخطوة الثانية، ارتفع سيفها من وضعه المتدلي ليرسم نصف دائرة. استعد ميخائيل لصد الهجوم فورًا. ثم…
طار سيف ميخائيل في الهواء. لم يدرك أحد ما حدث، حتى وقع السيف على أرضية الحلبة محدثًا صوتًا مدويًا.
تسمّرت عينا ميخائيل على يده الخالية. هبّت نسمة خفيفة حرّكت غُرّته. رفع رأسه… فرأى حافة السيف تقف على بُعد شعرة من جبينه. ومن خلفه، نظرت إليه عيناها البنفسجيتان بنعومة، كما لو كانت تنظر إلى طفل صغير.
“…الفائزة: رقم 8، إيكينيسيا رواز.”
“مـ… ماذا؟!”
“ما الذي حصل؟!”
“هل رأيتم؟”
“ما… ما هذا بحق الجحيم؟!”
انفجرت الهمسات والدهشة من كل مكان فور إعلان الطالب النتيجة بصوت مذهول.
أما إيكينيسيا، فأعادت سيفها إلى غمده بهدوء وعادت إلى غرفة الانتظار بخطى ثابتة، وصوت كعب حذائها يقرع الأرض برنين واضح.
بقي ميخائيل واقفًا في مكانه، مذهولًا. جاء أحد طلاب السنة الثالثة وربّت على كتفه ليعيده إلى وعيه، فاحمر وجه ميخائيل من أسفل رقبته حتى جبهته، وبدلًا من العودة إلى الداخل، خرج من الحلبة.
ظن تيو أن زميله في الغرفة هرب من شدة الإحراج بعد خسارته، فلحق به. بحث في محيط ساحة التدريب حتى عثر على خصلات شعره الذهبية البراقة.
كان ميخائيل يقف في ركن خارجي من ساحة التدريب، واضعًا جبينه على الحائط.
“ميخائيل… هل كنتَ غير منتبه؟…”
أمسك تيو بكتف زميله بنية المزاح، لكنه ما إن رأى نظرة عينيه حتى ابتلع كلماته على الفور. كان وجه ميخائيل لا يزال محمرًّا، وعيناه الخضراوان تائهتين، نظراته شاردة كمن يسير في حلم. وما إن اتخذ الفتى، ذو الملامح الملائكية، ذلك التعبير، حتى بدا خطيرًا على نحو غريب. ارتبك تيو، وربّت على ظهره محاولًا تهدئته:
“هـ… هيه، أنت بخير؟ أحيانًا يحصل خطأ في الحياة، لا بأس… لا بأس…”
لكن ميخائيل تمتم بنبرة ثابتة:
“لم يكن خطأ.”
“هاه؟”
“قلت لك، لم يكن خطأ. ألم ترَ؟”
“أرى ماذا؟”
“إن لم تفهم، فلا بأس. عش في جهلك أيها الأحمق. كُلً يرى على قدر معرفته.”
“هل جننت؟ عن ماذا تهذي؟”
ضغط ميخائيل بكفه على خديه المحمرين، وهمس بصوت مبحوح وكأنه مسحور:
“لم أرَ في حياتي امرأة مثلها… مثل أختي الكبرى.”
“……”
اعتقد تيو أن زميله فقد صوابه من صدمة الهزيمة المفاجئة. راح ميخائيل يفرك وجهه، ثم صفع خديه بكلتا يديه، وعاد إلى رباطة جأشه، فتوهّجت نظراته بالتركيز مجددًا.
“لنذهب.”
“إلى أين؟”
“يجب أن نُكمل المشاهدة. لا ينبغي أن أفوّت أي مباراة تخصها.”
“مَن تقصد؟ الآنسة؟”
“أجل، هيا بسرعة. افتح عينيك جيدًا هذه المرة، وراقبها بكل تركيز. لاحقًا، ستشكرني.”
سحب ميخائيل تيو من ذراعه متجهًا نحو المدرجات. انسحب تيو خلفه في حالة ذهول، قبل أن ينتزع ذراعه منه وهو يقول:
“مهلًا، أنت سقطت من التصفيات، لكنني لا زلت أملك مباريات!”
“آه…”
رمش ميخائيل كأنه تذكّر شيئًا، ثم انعقد حاجباه بجدية:
“سقطتُ من التصفيات… أليس كذلك؟”
“أنت تتحدث هراء منذ لحظة دخولك، بحق السماء.”
“لكنني كنت أريد أن أشارك في حملة مطاردة الوحوش…”
“انسَ الأمر، واذهب واغسل قدميك ثم نم.”
“لا بأس. ما إن تنتهي التصفيات، سأتحدّى من يحتل أحد المراكز الثلاثة الأولى.”
ابتسم ميخائيل ابتسامة باردة. سخر تيو منه نافثًا من أنفه:
“آه حقًا؟ وأنت الذي طار سيفه في الجولة الأولى بضربة واحدة من الآنسة؟ ألا تشعر بالخزي؟ يبدو أنك تحتاج إلى المزيد من التدريب.”
لكن ميخائيل وضع يده على كتف تيو وقال بصوت هادئ وهو يتوجه إلى المدرج:
“بعد انتهاء هذه التصفيات… لن يرى أحد الهزيمة أمامها أمرًا مُخجلًا.”
“…ما الذي تعنيه؟ أن الخسارة أمام الآنسة أمر طبيعي؟”
“ستفهم لاحقًا. لذا شاهد بعينيك جيدًا. أما أنت، فأنت من يحتاج إلى التدريب.”
دفع ميخائيل زميله بعيدًا وبدأ يصعد إلى المدرج. أما تيو، فحكّ مؤخرة رأسه بتعبير متحير، ثم استدار ليعود إلى غرفة الانتظار.
***
في هذه الأثناء…
كانت إيكينيسيا رواز لا تفكر في شيء على الإطلاق. رغم أنها وضعت مرهمًا لآلام العضلات، وتناولت مضادًا حيويًا مع شاي الزنجبيل، ثم نالت قسطًا وافرًا من النوم، إلا أن جسدها ما زال يشعر بثقل طفيف. ولهذا، كانت تشعر أن كل شيء مرهق وممل.
“أنا متعبة… يجب أن أنهي هذا بسرعة.”
حين قررت أن تحصد المركز الأول في تصفيات الطلاب الجدد، كانت تخطط أن تُظهر بعض العرض المسرحي. ليس استعراضًا حقيقيًا، بل بعض المهارات البصرية المبهرة التي تخطف أنظار المبتدئين السذج.
لكن ما دام التعب ما يزال يجثم على جسدها، فقد بدت كل تلك الأمور مزعجة أيضًا. على أي حال، طالما أنها ستُظهر تفوقًا ساحقًا يمنع انتشار أي شائعات قذرة، فلا حاجة للإجهاد في الاستعراض. وهكذا، قررت إيكينيسيا أن تُنهي الأمر بسرعة عندما وقفت في مواجهة خصمها في الجولة الأولى، ميخائيل.
ما إن شاهدت الفتى يتخذ وضعيته القتالية، حتى عادت إلى ذهنها ذكرى باهتة. كانت هذه هي نفس الوضعية التي اتخذتها تيريزا، المالكة السابقة لـغيوسا، حين حاولت التمسك بها لتمنعها من الهرب مع ديتريش.
‘بما أنه شقيقها، فالأمر طبيعي.’
لم تكن إيكي تتذكر تفاصيل اللحظة التي قتلت فيها ميخائيل. فقد كان مجرد واحد من بين الكثيرين الذين أسقطتهم كما يُسقط المرء حزم القش. لكنها لم تنسه، لأنها رأت تيريزا وقد وصلت متأخرة إلى أزينكا، جاثية على الأرض تحتضن جثة ميخائيل وتبكي بحرقة.
كانت تيريزا تستخدم أسلوبًا في المبارزة يركّز على الدفاع. سيفها كان كالأسوار العالية، راسخًا وجميلاً، كقلعة تحمي من خلفها.
وقد كان ذلك الأسلوب القتالي يتماشى تمامًا مع شخصيتها، وكذلك مع غيوسا خاصتها، “ديمونغيوسا”—وهو سيف صُنع من الحزن البشري وغريزة الحماية، سيف صُنع لأجل “الذود عن الآخرين”.
‘يبدو أنه اتخذ من أخته نموذجًا يُحتذى به… لكن أسلوب القتال الدفاعي لا يناسب طبيعته الشخصية، على ما يبدو.’
من مجرد وقفته وهو يحمل السيف، أمكنها أن تلاحظ ذلك. وقد ساعدها في هذا فهمها العميق لسيف تيريزا بعد أن قاتلتها.
‘ربما، لأجل تيريزا… إن سنحت الفرصة، سأقدم له نصيحة.’
تملكها هذا الخاطر وهي ترفع سيفها. ثم باغتت الفتى مستغلة نقطة ضعفه الواضحة، وضربت سيفه بضربة واحدة أطارت السلاح من يده، ثم صوبت سيفها نحو ما بين حاجبيه، منهيةً النزال بسرعة.
كان وجهه المذهول نضرًا… وجهٌ حيّ. لا شك أن تيريزا ما زالت على قيد الحياة، ومن المؤكد أنهما ينعمان الآن بحياة أخوية هانئة. في هذه اللحظة أيضًا شعرت بقيمة إعادة الزمن إلى الوراء. فارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه إيكي من فرط الرضا.
***
ما إن عادت إلى غرفة الانتظار، حتى اقتربت منها أليس. نظرت إليها بعينين لامعتين وهمست بإعجاب:
“لقد بدوتِ مختلفة تمامًا عما كنتِ عليه عندما تبارزنا، آنسة رواز.”
“…ناديني باسمي فقط، آنسة وينتر بيل.”
“هل لي أن أفعل ذلك فعلًا؟”
“نعم، وتحدثي بارتياح أيضًا. طريقة حديثكِ الرسمية تلك تجعلني أشعر بحكة لا تُحتمل.”
عندما كان بينهما شيء من المسافة، لم تكن الرسمية مزعجة، بل كانت مألوفة. لكن بعد أن أصبحت نظرات أليس تتأملها كأنها تنظر إلى كائن مقدس، ثم تحدثت معها بتلك الطريقة المتوقّرة، شعرت إيكي بالحرج حتى الموت. قالت ما كانت تنوي قوله منذ مدة، ثم جلست على المقعد بحذر كي لا تتجعّد تنورتها. ولم تلتفت أبدًا لنظرات الطلاب الآخرين الذين بدأوا يتجمعون حولها.
“وإن بدأتُ بمناداتكِ باسمكِ… هل ستتبارزين معي مرة أخرى في المستقبل؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 26"